المخرج البريطاني بيتر جرينواي لـالأهرام المسائي:
السينما تحتضر وما نشاهده في دور العرض كتب مصورة
حوار ــ مني شديد
مهما يمر علي مصر من اضطرابات ومشكلات فإنها سرعان ما
تستعيد بهاءها, وستظل بتاريخها وحضارتها علي مر الزمان ملهمة للمبدعين من
جميع أنحاء العالم, المخرج
البريطاني الكبير بيتر جرينواي الحاصل علي البافتا وعدد من الجوائز
العالمية, زار مصر لفترة قصيرة لأول مرة بمناسبة تكريمه بالحصول علي جائزة
فاتن حمامة التقديرية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي, وحظي بجولة في عدد
من معالم مصر ليتعرف علي تاريخها ولم يكتف بهذه الرحلة فحسب, لكنه ذهب إلي
مدينتي الأقصر وأسوان ليعود منها بأفكار لمشروع فيلم عن مصر وتاريخها, وفي
هذا الحوار يتحدث جرينواي لـالأهرام المسائي عن الأفكار التي ولدت في هذه
الزيارة ونظرته الحالية للسينما في عصر التكنولوجيا الحديثة,
وإلي نص الحوار:
·
كيف كانت زيارتك الأولي لمصر؟
استمتعت كثيرا بهذه الزيارة وأبهرتني خلفيتكم التاريخية,
فقد درست الفن والرسم في موسكو, ولدي اهتمام خاص بتاريخ الفن, والفن المصري
جديد علي لأن مصر لا تعد دولة أوروبية, ربما تحمل الإسكندرية بصمة أوروبية,
ولكن القاهرة مصرية خالصة, وكانت هذه الزيارة فرصة لأعرف الكثير عن مصر
القديمة, لأن كل ما أعرفه عن تاريخها ينحصر في فترة حكم الإسكندر الأكبر
لتقاطعها مع تاريخ أوروبا, امتدادا للفترة التي استطاعت فيها روما ضم مصر
لإمبراطوريتها الكبري, لذلك أمامي الكثير لأتعلمه عنها, وكان من الجيد
التواجد هنا لأعرف.
·
ما الأماكن التي زرتها؟
قضيت6 ساعات في المتحف المصري وانبهرت بكل ما رأيته هناك
وزرت عددا من المواقع التاريخية في القاهرة, وأسوان ومعابدها والأقصر.
·
هل جعلتك هذه الزيارة تفكر في تقديم فيلم عن مصر؟
نعم, هذا حقيقي فقد تأثرت كثيرا بطريقة التعامل مع النساء
في مصر القديمة التي كونت عنها فكرة من مشاهدة عدد من القطع الفنية
والتماثيل في المتحف المصري التي تجمع بين الرجال والنساء, كما أبهرني فكرة
أن عددا من الأبطال والشخصيات البارزة في العصر الفرعوني كانوا نساء, حيث
قمت بزيارة وادي الملوك ووادي الملكات في الأقصر, وكنت مهتما جدا بالتفاصيل
عن العلاقة بين الرجال والنساء منذ أكثر من6 آلاف عام, تاريخ مصر يمتد
لآلاف السنين ولكن هناك الكثير من التغييرات التي شهدها العالم في العصر
الحديث, فأعتقد أننا قد نتفق علي أن الحضارة في العصر الحديث تميل للذكور,
ولكن ربما يكون هناك اتجاه للتغيير حاليا وإعادة النظر في الحضور النسائي
علي الساحة في أوروبا وأمريكا وربما حتي في مصر ومنطقة الشرق الأوسط, لكني
مازلت أحاول التعرف علي هذا التغيير والبحث عن المعلومات, تعليم النساء
أصبح الآن أمرا مهما جدا, رغم أن هذا كان يعد مشكلة في مناطق ليست ببعيدة
عن هنا ولا تزال هذه المشكلة مستمرة في بعض الأماكن, مازالت فكرة الفيلم لم
تتبلور بعد بشكل كامل, ولكن ما أفكر فيه هو تقديم فيلم يعقد مقارنة بين
العلاقات الاجتماعية والسياسية أيضا بين الرجال والنساء في الماضي والحاضر,
لأني أعتقد أنه لا معني لصناعة فيلم يتحدث عن الماضي إذا لم نربطه بالحاضر
ونقارن بينهما.
·
وهل هذه هي المرة الأولي التي تفكر فيها أن تصنع فيلما عن
دولة عربية؟
نعم, ولم أفكر في الأمر إلا مع بداية زيارتي لمصر, ولكن هذا
يحدث معي عادة, لأني أسافر كثيرا, خاصة في هذا التوقيت من العام الذي يوجد
فيه العديد والعديد من المهرجانات السينمائية, فقد كنت مؤخرا في المكسيك
وسأتوجه بعد ذلك إلي المجر وذهبت منذ فترة إلي مهرجان جنيف في سويسرا ولدي
مشروعات في فلورنسا وفي روما وبجنوب إيطاليا.
·
هل جميعها مشروعات لأفلام؟
لا ليس دائما, لأن لدي أيضا معارض فنية للرسم, وأقوم
بالعديد من المعارض المعروفة بـالانستليشن ولهذا أتعاون مع الكثير من صالات
العرض والمتاحف في العالم واستمتع جدا بهذا العمل, كما أني أعمل منذ فترة
طويلة كفنان في. جي وهو المعادل البصري لفكرة الـدي. جي الذي يعمل
بالموسيقي, حيث يعمل الـفي. جي علي تداخل واستعراض الصور البصرية علي05
شاشة بمصاحبة الموسيقي, وفي عروض كبري تقام في ساحات كبيرة أو متاحف أحيانا
ويحضرها آلاف الأشخاص.
·
وهل من الممكن أن تقدم فكرة مشابهة لذلك في المتحف المصري؟
نعم أستطيع القيام بذلك وبالفعل كنت أسعي إلي التواصل مع
المسئولين عن إدارة المتحف المصري القديم بعد زيارتي له لأعرض عليهم فكرة
تقديم عرض انستليشن كبير بداخله في العام المقبل, مستوحي من القطع الفنية
المعروضة في المتحف واستخدم فيها التكنولوجيا الحديثة, لكني لا أرغب في
القيام بذلك في المتحف الكبير الذي يجري الإعداد لافتتاحه حاليا لأن القديم
له حالة وطراز قديم يميزه.
·
وهل يأخذك الرسم والفن من عالم السينما دائما؟
نعم لأني أفضل قضاء الوقت في صالة عرض أو متحف أكثر من
الذهاب إلي صالة السينما, لأني أري أن السينما أصبحت محبطة جدا.
·
لماذا؟
السينما مملة ولم تعد تمنحنا الطاقة التي نحتاجها, فهي
مرتبطة بسوق الكتب, لم نعد نشاهد أفلاما كل ما نراه هو021 عاما من الكتب
المصورة, لا يوجد ما يسمي بالسينما, الأمر كله متعلق بتحويل النص المكتوب
إلي صورة علي شاشة, فأغلب الأفلام التي نشاهدها هي عبارة عن كتب وروايات
أدبية تحولت إلي أفلام, أكبر الأفلام والتي تحقق أعلي الإيرادات في السينما
الغربية حاليا مثل سيد الخواتم وهاري بوتر ليست أفلاما وإنما كتب مصورة,
هناك ارتباط دائم بين السينما وسوق الكتب, يشبه علاقة الأم بالطفل, الطفل
هو السينما والأم هي الأدب, واعتقد أن علينا أن نحطم هذه العلاقة ونصنع ما
أصفه بسينما الرسام, نصنع سينما عن هؤلاء الذين يؤمنون بالتعليم البصري
وليس الأدبي, ربما يبدو هذا غريبا لكنه رأيي وأعتقد أن السينما الغربية
لابد أن تتغير لأنها بدأت تحتضر في ظل عصر التكنولوجيا الحديثة, والهواتف
الذكية فالكثير منا قد يشاهد الأفلام الآن علي الهواتف الذكية بدلا من
مشاهدتها في صالات العرض الكبيرة, وأفضل وسيلة لمشاهدة فيلم كبير الآن علي
الشاشة تكون من خلال المهرجانات السينمائية, التي يوجد الكثير منها في
العالم, أغلب الشباب في المنطقة التي أعيش فيها بشمال غرب أوروبا لا يذهبون
إلي السينما ويعتبرونها مملة, ولهذا علينا أن نضيف أشياء مثيرة للسينما
تجذبهم مرة أخري حتي لا تختفي السينما تماما.
·
لهذا السبب يدور الكثير من الجدل الآن حول عمل شبكة نيتفلكس
وعرض الأفلام علي الإنترنت.. فهل أصبحت البديل للسينما المتعارف عليها؟
لا, ليس هذا ما أقصده, نيتفلكس أيضا مملة جدا فهي لا تختلف
عنها السينما العادية لكنها حولت الأفلام لحلقات تعرض علي الإنترنت, وهذا
ليس حلا بل علي العكس الناس يملون بعد الحلقة الرابعة ويتوقفون عن
المشاهدة, نحتاج إلي شيء أكثر راديكالية من نيتفلكس, فهي ليست أكثر من
طريقة هوليوودية لحصد الأموال.
·
وهل هناك طرق أخري لتطوير السينما بما يلائم العصر؟
لنتحدث مثلا عن الفيديو آرت, أو تصغير حجم الصورة
السينمائية لتلائم فكرة المشاهدة علي الهواتف المحمولة, لأني أعتقد أنه
مثير للاهتمام أكثر من السينما, فعن طريق الهاتف الذكي أستطيع التحدث
لأصدقائي في بكين ومشاهدتهم علي الشاشة بسهولة وهذا أمر رائع أكثر من
السينما.
·
كنت تتحدث في مهرجان القاهرة عن أن أي شخص في العصر الحديث
يستطيع أن يكون صانع أفلام بفضل التكنولوجيا.. حدثنا أكثر عن ذلك؟
كل منا لديه هاتف ذكي به كاميرا يستطيع التسجيل من خلالها
ولدينا أيضا لاب توب, وبالتالي يستطيع تسجيل مقطع فيديو ولهذا نحن جميعا
صناع أفلام, وآي شخص يستطيع صناعة أفلام جيدة بأدوات بسيطة جدا, وليس
بالضرورة أن يكون لديه تمويل مالي كبير أو يستعين بنجوم سينما.
·
هل لديك مشروع يعتمد علي استخدام الهواتف المحمولة؟
نعم, أعمل حاليا علي مشروع يسمي السينما الرأسية, أغلب
الناس يلتقطون صور السيلفي الشخصية بشكل رأسي من الشمال إلي الجنوب بينما
السينما أفقية من الشرق للغرب, ولهذا نعمل حاليا علي مشروع مع شركة إنتاج
رومانية لتشجيع فكرة صناعة السينما الرأسية, مازال المشروع في البدايات
لكننا نسعي إلي تسويقه جماهيريا بشكل كبير في مهرجان برلين السينمائي
الدولي عام0202, وأعمل أيضا علي صناعة سلسلة أفلام قصيرة عن صانع الأفلام
الروسي المفضل لدي إيزنشتاين, فقد صنعت فيلما روائيا طويلا عنه والآن أسعي
إلي تقديم فيلمين آخرين عنه, فهو مخرج شهير جدا بداية من عام9291, وصافح
الكثير من الأشخاص المعروفين خلال هذه الحقبة ومنهم أينشتاين وبيكاسو
وفرويد وستالين ونجمات أيضا مثل جريتا جاربو, وغيرهم المئات والمئات من
الشخصيات وفكرتي هي صناعة برنامج عبارة عن سلسلة أفلام قصيرة عن001 شخص قام
ايزنشتاين بمصافحتهم, وهو عمل تجريبي جدا ويتخذ شكلا جديدا من الدراما
ويتقاطع مع الثقافات والفنون الأخري مثل الرسم والأدب والموسيقي, وهو مخصص
للعرض علي الهواتف الذكية بطريقة السينما الرأسية.
·
هل من السهل العثور علي إنتاج للأفلام؟
لا بالطبع البحث عن إنتاج للأفلام دائما صعب, أفلامي تعتبر
ذات ميزانية محدودة مقارنة بالأفلام الهوليوودية, لأنه كلما كانت تكلفتها
قليلة كلما استطعت التحكم فيها, وكلما زادت ميزانية الإنتاج أصبح هناك
العديد من الأشخاص الذين يتحكمون في الفيلم, ولا يكون الفيلم تجربة شخصية
لصانعه, وأنا أحاول دائما أن أصنع السينما التي تعبر عني وليس ما يريده
الآخرون, ولفترة طويلة كنت أعمل مع منتج هولندي كان يدعمني دائما, ونصنع
حاليا فيلما عن نحات روماني غير شكل النحت في العالم الغربي في القرن
العشرين, كان فقيرا جدا واضطر أن يسير مسافة طويلة من المجر وحتي باريس
التي كانت مركزا مهما للفنانين في ذلك الوقت والفيلم يستعرض رحلة المشي
التي قام بها للوصول إلي باريس علي مدي عامين. |