أسامة فوزى.. المحارب يستريح
كتب: خالد
فرج ونورهان نصر الله وأحمد حسين صوان وأبانوب رجائى وعمر الديب
أجاد الصمت والهدوء كما لم يُجِده أحد من قبل، فكما كانت
الحياة كان الرحيل، بعد رحلة سينمائية لمخرج صاحب مشروع خاص رحل المخرج
أسامة فوزى ظهر أمس الأول عن عمر يناهز 58 عاماً، لتقام صلاة الجنازة على
جثمانه فى نفس اليوم، ليوارى الثرى ويرقد فى سلام لم يكن قد حظى به فى
حياته، وإمعاناً فى الوصول إلى أقصى درجات السلام فى عالمه الأخير أوصى
بعدم إقامة مراسم للعزاء، ليظل ساخراً من الموت حتى بعد وفاته، أمام حالة
صدمة خيَّمت على الوسط الفنى الذى فقد واحداً من أصدق الفنانين.
صدمة خيمت على الوسط الفنى بخبر رحيل المخرج أسامة فوزى، فى
أولى خسائر عام 2019، فالمخرج صاحب المشروع السينمائى المتميز والكاميرا
شديدة الخصوصية، رحل دون أن يكمل عامه الـ58، برصيد لم يتجاوز الـ4 أفلام،
لكنها من أبرز العلامات فى السينما المصرية.
قال المخرج داوود عبدالسيد، إن «أسامة» له 4 تجارب إخراجية
جريئة، فى السينما المصرية، وأعماله دائماً تكون مرتبطة بوجهة نظره فى
الحياة، وليست مجرد أفلام تجارية، وذلك يكون أقرب إلى سينما المؤلف: «لم
يتدخّل فى الكتابة أو الأفكار، لكنه كان يختار الأعمال التى تُعبّر عن
وجهات نظره، ولم يُشارك فى أفلام لمجرد التسلية». وأضاف «داوود» لـ«الوطن»،
أن ذلك النوع مضطهد فى السينما بشكل ما، لأن الصناعة تحتاج إلى أفلام
تجارية، لافتاً إلى المأساة التى انتهى لها حال «أسامة»: «مُخرج موهوب،
يختطفه الموت وهو ما زال قادراً على العطاء»، مشيراً إلى أن المعاناة التى
تعرّض لها أسامة، يواجهها نجوم كبار أيضاً، حيث لا يتم استغلالهم بالشكل
الأمثل، على حد تعبيره.
صدمة فى الوسط الفنى لرحيله وسينمائيون: أحلامه اصطدمت
بقسوة الواقع
من جانبه، قال المخرج محمد ياسين: إن المشروع السينمائى لا
يرتبط بمسألة الكم، فالراحل عاطف الطيب كان لديه مشروع سينمائى، لكن إنتاجه
كان غزيراً، وأسامة فوزى كان يملك بالفعل مشروعاً سينمائياً، وكان لديه وعى
وفهم لمتطلبات الفيلم الذى يقدمه وفقاً لنوعه، وطبقاً للمشروع الكبير الخاص
به، وهى النقطة التى تفرق بين مخرج وآخر»، مضيفاً: «بالمقارنة مع الطيب
كانت هناك صناعة مزدهرة فى ذلك الوقت، وبالتأكيد أسامة كان يتمنى تقديم عدد
أفلام أكبر مما قدمه، لكنه كان أمام صناعة انهارت لسنوات طويلة، وبها
متغيرات كبيرة هى بالتأكيد التى أدت إلى تقلص عدد أفلامه بهذا الشكل».
وتابع «ياسين» لـ«الوطن»: «أسامة فوزى كان شخصاً مؤمناً بالذى يقدّمه، فكان
لا يقدم إلا ما يحبه ويفهمه ويكون قادراً على السيطرة على كل فيلم يقدمه فى
ظل مشروعه الكبير، إخلاصه الشديد للمهنة ولما يقدمه، تفانيه فى حياته
وقدرته على تحمّل صعوبات كثيرة فى حياته الشخصية، فى سبيل حفاظه على قيمته
واحترامه للمتفرّج الذى يقدم له الفيلم، رغم قلة أعماله، إلا أنه مخرج سيظل
موجوداً فى تاريخ السينما المصرية، بحبه وإيمانه للمهنة».
ونعى المخرج عماد البهات، المخرج أسامة فوزى، موضحاً أنهما
تعاونا معاً فى بداية التسعينات، عندما كان يعمل الأخير مساعد مخرج،
لتتحوّل العلاقة إلى صداقة حتى وافته المنية قبل يومين: «وفاته بمثابة
خسارة على المستوى الفنى والإنسانى».
«عبدالسيد»: تجاربه جريئة عكست نظرته للحياة.. و«ياسين»:
صاحب مشروع متفرد.. و«الشناوى»: لم يكن مريضاً وكان يرغب فى العمل..
و«عبدالرازق»: جيله تعرّض لإجهاض عنيف وحصار خانق
وقال «البهات» لـ«الوطن» إن «أسامة» كانت لديه أحلام عديدة،
لكنه كان يصطدم كثيراً بقسوة الواقع، إذ إن غيابه عن السينما ليس بإرادته:
«كان يحارب من أجل تنفيذ مشروعه السينمائى، منذ أكثر من 5 أعوام، وبذل
جهوداً ضخمة، لكنها باءت بالفشل، حيث إن غالبية الجهات الإنتاجية لا تُرحب
بهذه النوعية من التجارب»، مشيراً إلى أنه شارك فى العديد من المسابقات،
أبرزها الخاصة بوزارة الثقافة، للحصول على دعم لفيلمه.
من جانبه، قال الناقد محمد عاطف: «أسامة كان مهموماً بالوضع
الذى وصل إليه حال السينما، فى السنوات الأخيرة، وخاض رحلة طويلة للبحث عن
تمويل لمشروعه السينمائى، وشارك مؤخراً فى ملتقى القاهرة السينمائى من أجل
الحصول على دعم لفيلم سينمائى، كان سيشهد عودته للمجال مجدداً، كان يتعاون
فيه مع الكاتب مصطفى ذكرى».
«من المخرجين الموهوبين، الذين يحبون عملهم»، قالها الفنان
إدوارد، الذى شارك فى أول أعماله السينمائية من خلال فيلم «بحب السيما»
للمخرج الراحل أسامة فوزى، الذى اكتشف أنه كوميديان أثناء تصوير الفيلم،
حيث كان يؤدى مشهداً تراجيدياً، لكن «فوزى» بدأ فى الضحك، فاندهش «إدوارد»
وذهب له، قائلاً: «هو أنا مش باعرف أمثل» ليرد عليه: «لأ.. بتعرف تمثل، بس
انت كوميديان».
خاضت الفنانة فريال يوسف أولى تجاربها السينمائية فى مصر من
خلال فيلم «بالألوان الطبيعية» عام 2009، آخر أعمال الراحل أسامة فوزى،
مؤكدة أنها تشعر بصدمة إزاء خبر وفاته، لأنها كانت تحترمه وتحب فنه ونظرته
الفنية، مضيفة أنها تعلمت الكثير منه فى أولى تجاربها السينمائية بمصر،
معتبرة إياه وش السعد عليها، لأنه منحها دفعة كبيرة فى «بالألوان
الطبيعية». وتابعت لـ«الوطن»: «تشرّفت بالعمل مع مخرج يرفع الرأس بأفلامه
فى المهرجانات الدولية، وكنت من المحظوظات ممن تعاونوا معه فى آخر أفلامه،
ولا أملك حالياً سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة، لأننا خسرنا مخرجاً أشعر
أنه لم يأخذ حقه بشكل كافٍ، فإن كان قد رحل بجسده فأعماله ستظل باقية أبد
الدهر».
«إدوارد»: اكتشفنى فى «بحب السيما» كـ«كوميديان»..
و«فريال»: رفع راسنا فى المهرجانات الدولية.. وأول من قدّمنى للسينما
المصرية فى «بالألوان الطبيعية»
وكشف الناقد طارق الشناوى عن الفترة الأخيرة فى حياة «فوزى»
قبل رحيله، مؤكداً أنه لم يكن مريضاً، وكان يقترح على السيناريست عبدالرحيم
كمال منذ أيام أن يكتب له عملاً، متابعاً: «لم يكن متفاعلاً مع الحياة
الفنية بشكل كافٍ، باستثناء مشاركته فى لجنة تحكيم أحد المهرجانات الفنية،
وذلك رغم أنه لم يكن من الأسماء المعتادة فى لجان المهرجانات، خرج من جيل
داوود عبدالسيد، وخيرى بشارة ومحمد خان، لكنه استطاع أن يدخل مناطق كثيرة
مختلفة وقام بتحليلها وتقديمها للجمهور». وقال الناقد رامى عبدالرازق إن
أسامة فوزى وجيله كانوا يعتبرون امتداداً لجيل الواقعية الجديدة فى السينما
المصرية، وفى سياق سينمائى طبيعى وناضج كان يجب أن يتولى هؤلاء الأشخاص
امتداد المشروع السينمائى المصرى، ويكملوا ما بدأه السابقون بلغتهم
وأفكارهم، لكنهم تعرضوا لحالة إجهاض عنيف لم يتعرّض له جيل سابق، كان أولهم
أسامة فوزى، لأنه كان يريد العمل بسياقات مختلفة عن السوق فى ظل إنتاجات
شحيحة، حتى مع حدوث نشاط سينمائى فى نهاية التسعينات كانت بعيدة عن
السياقات التى كان يرغب فى العمل خلالها، وغيره من مخرجين جادين يتعاملون
مع السينما باعتبارها مشروعاً ثقافياً، متابعاً: «باستثناء وجود منتج تحمس
لتجارب مثل (عفاريت الأسفلت) و(جنة الشياطين)، التى تعتبر فى وقت ظهورها
بداية الأفلام المستقلة الحقيقية، لأنها كانت مستقلة عن السياق العام
للسوق».
وأضاف «عبدالرازق» لـ«الوطن»: «الحصار الخانق الذى تعرّض له
«فوزى» لم يقتصر على مستوى الإنتاج فقط، بل على عدة مستويات منها مع
الدولة، فعلى مدار سنوات، واجه مشكلة مع فيلم (بحب السيما)، بالإضافة إلى
اعتراض الكنيسة على الفيلم، حتى المجتمع نفسه تغير نتيجة التحولات والتردى
الحضارى والمجتمعى فأصبح ضد الفن الذى يحبه فوزى ويقدمه، وبالتالى كل تلك
السياقات كان لها دور فى أن تقتصر أعمال المخرج الراحل على 4 أفلام». |