أعلن «مركز السينما العربية»، الذي يرأسه ويديره الزميل
علاء كركوتي في حفل أقيم قبل يومين، ضمن نشاطات «مهرجان كان» الموازية،
نتائج الدورة الثالثة من «جوائز النقاد السنوية» المخصصة للأفلام العربية،
أو العربية المنتجة بالاشتراك مع جهات أجنبية. وهي الجوائز التي درج المركز
على منحها، ساعياً لإرساء تقليد لتشجيع المواهب في عدد من المهن والعناصر
التي تؤلف العمل السينمائي.
لذا، هناك جوائز لأفضل فيلم روائي، وأفضل فيلم تسجيلي،
وأفضل ممثل، وأفضل ممثلة، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو. ويحضره نقاد
وسينمائيون عرب وأجانب، من بينهم النقاد العرب وغير العرب الذين يشكلون
أعضاء هذا الاتحاد النقدي (أكثر من 30 ناقداً وصحافياً سينمائياً).
النتيجة الماثلة هذا العام توّجت الأفلام والأسماء التالية:
-
أفضل فيلم روائي: «يوم الدين» لأبو بكر شوقي (مصر)
-
أفضل فيلم وثائقي: «عن الآباء والأبناء» لطلال ديركي
(سوريا)
-
أفضل مخرج: نادين لبكي، عن «كفرناحوم» (لبنان)
-
أفضل سيناريو: مريم بن مبارك، عن «صوفيا» (المغرب).
-
أفضل ممثلة: مها العلمي، عن «صوفيا» (المغرب).
-
أفضل ممثل: محمد ظريف عن «ولدي» (تونس).
الحال أنه كيفما نظرنا إلى المبدأ نجده ضرورياً. كيف عاشت
السينما العربية من دون اتحاد نقدي فعلي (ولا تزال). أمر مبهم؛ لكن الأكثر
إبهاماً كيف عاشت من دون دعم مؤسسة تمنح بعض السينمائيين العرب ما يستحقونه
من اهتمام، حتى وإن كان نطاق هذه الجوائز محدوداً.
من حيث التطبيق، الأمر فيه وجهات نظر ليست جميعها متوازنة.
على سبيل المثال: ماذا عن كل الأفلام العربية، وليس عن تلك التي قام «مركز
السينما العربية» بتبنيها؟
في الواقع هناك أفلام كثيرة رائعة وسينمائيون كثيرون
موهوبون، بحيث من الإجحاف تحديد المسابقة بنحو خمسة عشر أو عشرين فيلماً
مما تم ترشيحه والتصويت عليه.
ثم هناك السؤال الذي يتكرر في كل مرّة: من هم النقاد
الفعليون؟ ومن هم الصحافيون غير المتخصصين في هذه الرزمة من المنضمين إلى
المناسبة؟ المشكلة هنا هي أن المركز سعى، والحق معه في هذا التوجه، لتوسيع
الدائرة لتشمل صحافيين يحضرون «كان»، أو يتابعون السينما كأحد مجالات
اهتمامهم. هو توجه صحيح؛ لأن المركز يسعي لضم أصوات أكثر، وبذلك يبتعد عن
أن يكون محصوراً بين فئة من النقاد لا يتجاوز عددهم العشرة الفعليين في هذا
المجال.
على ذلك، يجد الناقد نفسه متردداً في قبول نتائج أوحى بها
زملاء له غير متخصصين بالدرجة الكافية؛ فتأتي النتائج على النحو الذي جاءت
عليه، أو حتى على أي نحو آخر.
على سبيل المثال: فوز محمد ظريف في الفيلم التونسي «ولدي»،
في مكانه تماماً؛ لكن هل سيناريو فيلم «صوفيا» جيد بالفعل؟ هل تمثيل بطلته
مها العلمي أفضل تمثيل نسائي سُجل على شريط سينمائي عربي هذا العام؟
ثم إذا كانت نادين لبكي أفضل مخرجة، لمَ لمْ يفز فيلمها
«كفرناحوم» بجائزة أفضل فيلم؟ والعكس صحيح، كيف يكون «يوم الدين» أفضل
فيلم، ولا يكون مخرجه أبو بكر شوقي أفضل مخرج؟ واستكمالاً: هل فيلم تسجيلي
يعلن مخرجه في بدايته أنه ادعى أنه منتمٍ إلى المحاربين الإسلاميين ليفوز
بثقتهم، ما يفقد المشاهد ثقته بالفيلم نفسه، يستحق الفوز؟
الحفل كان بحد ذاته حاشداً وسارّاً للحضور. التقى فيه
منتجون ومخرجون ولفيف من المهتمين بحال السينما العربية، في وقت تتبدد فيه
الآمال بقرب وصولها إلى صنع منصّـة إنتاجية فعلية متعددة الرؤوس، تخدم
السينمائيين العرب عملياً، وعلى نحو محترف، يبدأ من الكتابة وينتهي بتوفير
سبل وقنوات التوزيع عربياً وعالمياً.
محاولات دعم السينما العربية حتى الآن توفرت بجهود فردية،
حتى وإن استندت في بعض الحالات لتمويل رسمي. «مركز السينما العربية» (الذي
لا يعرف تمويلاً حكومياً من أي جهة، والذي يديره بنجاح نموذجي علاء كركوتي)
هو أحد هذه المحاولات الجادة والمطلوبة. كذلك كان الحال مع المهرجانات
العربية، التي كان هم دعم السينما العربية ومخرجيها الجدد يأتي في المصاف
الأولى بين أهدافها. لا أحد نجح في هذا المجال كمهرجاني دبي وقرطاج. الأول
على مساحة زمنية امتدت 14 سنة (وتوقف) والثاني على مساحة خمسة عقود،
والعداد ما زال جارياً. المأزق لا يحتاج لـ«مهرجان كان» لكي يتبدّى.
السينما العربية المنتجة تقوم على جهود فردية، وكثير منها
يتبع سبلاً تقليدية بغية الفوز بعروض دولية، وتكوين اسم يمكن صانعيه (وهم
المخرج والمنتجون) من تسهيل مهام البحث عن تمويل أفلامهم المقبلة.
من هذه السبل، البحث في قضايا المرأة، والبحث في قضايا
الإسلام، والبحث في قضايا الإرهاب. هؤلاء يدركون اهتمام الغرب بهذه
القضايا، فيصنعون أفلامهم على مقاسات ذلك الاهتمام، وعادة ما ينجحون. لكنه
النجاح الذي لا يضمن الاستمرار طويلاً. هذا لأن الصناعة المحلية لا تتمتع
بالأسس التمويلية والإنتاجية التي تمكنها من دعم السينمائيين، من دون
الحاجة للتوجه غرباً.
من هذا الحفل إلى آخر، ليل أول من أمس (الأحد)، وهو حفل
«جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية». هذا الحفل هو بدوره المرتع السنوي الذي
يقام في حاضرة «مهرجان كان»، ولو أن سنوات حفلاته تزيد عن عشر سنوات حتى
الآن.
هي بدأت متواضعة، ثم كشفت عن قدرات مادية تمكنها من تحويل
حفلها إلى مناسبة كبيرة في الحجم والأهمية.
فالجمعية لا تحتفي فقط بالسينمائيين المدعوين إليها (وكان
من بينهم في هذه الليلة المخرج كونتِن تارنتينو، والممثلة هيلين ميرين،
والممثل روبرت باتنسون، والمنتج مايكل برايت، صاحب «فندق بومباي»، ونحو 400
ضيف من ضيوف المهرجان)؛ بل توظّف المناسبة لتوزيع منحها لجمعيات خيرية
وإنسانية.
ما منحته جمعيتنا خلال السنوات العشر الأخيرة، سواء من خلال
مناسبات أقيمت في هوليوود أو من خلال وجودها في «مهرجان كان» يفوق عشرين
مليون دولار. هذه تذهب لمساعدة سينمائيين شبان وجامعاتهم التي يدرسون فيها.
تذهب إلى جمعيات تعنى بالعائدين من الحروب القائمة، لإعادة تأهيلهم، أو
لمداواتهم ورعايتهم. تذهب إلى جمعيات نسائية كما رجالية من التي تشرف على
الفقراء والمحتاجين.
ليلة أول من أمس، حصلت إحدى الجمعيات المهتمة باللاجئين
الهاربين من شظى الحروب الدائرة، بمنحة قدرها 500 ألف دولار. الاختيار
مناسب وصائب وفي مكانه وغير مسيس. والممثلة البريطانية ميرين فرضت جواً من
الإنصات عندما بدأت كلمتها بالقول: «هذه الجمعية تمنح كل سنة هبات سخية،
لأولئك الذين هم في أمس الحاجة للمعونات الإنسانية التي يستطيع القادرون
منا فقط القيام بها، بعيداً عن السياسة والمنافع الخاصة. هذا لأن الجوع
والفقر والحرمان لا يعرفون السياسة».
الجمعية هي المسؤولة عن جوائز «غولدن غلوبز» ولم أستطع سوى
التساؤل عما هي الأفلام المعروضة في المسابقة وسواها، التي ستستطيع الوصول
إلى ترشيحات نهاية العام الحالي. |