"عذرا
عزيزتي. لقد بدأت اتماثل الشفاء، وكما وعدتك سوف ابدا في مراسلتك
لإنهاء حوارنا"، وعدت واوفيت يا سي نجيب. فقد كنت كريما نبيلا أمام
حماسي واصراري على اجراء هذا الحوار معك، الحوار الاخير قبل الرحيل.
في هذه اللحظة أدركت لعبة القدر، فما هي الا الصدفة
التي قادتني لإجراء هذا الحوار. حقا انها مجرد صدفة، انتهت بإجراء
الحوار الاخير قبل الوداع. أنا لا أود أن انعيك، بل أود أن أثنيك
وأعبر عن مدى فخري وامتناني لحماسك بفكرتي وتشجيعك لي، فقد كنت خير
معين لتقديم ملف "تونس نهر الابداع" في مجلة صباح الخير العريقة.
منذ اللحظة الاولى ورغم الظروف الصحية التي كنت تمر
بها الا أنك وعدت واوفيت بوعدك معي. لذلك اود ان اقول شكرا سي نجيب
وعذرا لو أنني تأخرت في اجراء هذا الحوار، الذي سيظل من أهم
المحطات في حياتي المهنية وايضا الشخصية "الإنسانية". فكم تمنيت لو
أمهلني القدر بعض الوقت حتى أدرك تقييمك لهذا الحوار وللملف
بأكمله، حتى نلتقي كما تعاهدنا ونحتفل كما تمنينا.
في البداية كان الحوار عن أيام قرطاج السينمائية،
وبعدها عرج بنا الحوار حول تاريخ وصناع السينما التونسية، فعياد لم
يكن فقط صانعا للسينما أو المهرجانات، ولكنه أيضا واحدا من حفظة
التاريخ السينمائي التونسي.
·
حدثني عن ايام قرطاج السينمائية؟
واحد
من أعرق وأقدم المهرجانات العربية والافريقية. منذ عام 1966 وقد
أصبح منصة لإطلاق العديد من الانتاجات السينمائية والتعريف بها
وبأبرز صانعيها. كان في بادئ الامر ينجز كل عامين دورة من دورات
المهرجان، ولكن عقب عام 2015 أصبح مهرجانا سنويا.
في عام 2017 توليت مهمة المدير التنفيذي للمهرجان.
لتكن امامي مهمة ليست بالسهلة على الاطلاق خاصة عقب ما شهده
المهرجان من هروب عن أهدافه الاساسية التي من أجلها خلق، ولكن
للأسف لم يعد يحققها، وعقب تفكير قررت الرجوع الى الثوابت. حيث
الاربعة اهداف الرئيسية لأيام قرطاج السينمائية.
·
ما هي تلك الأهداف الأربعة؟
أولا
باعتباره مهرجان عربي افريقي في الأساس صنع لتشجيع السينما العربية
والافريقية، ثانيا باعتباره مهرجان ذو بعد ثلاثي القارات أو نافذة
سينمائية ثلاثية الابعاد، ثالثا باعتباره مهرجان ذو مسحة نضالية
سواء للسينما العربية أو الافريقية، رابعا فهو منصة للأفلام
والسينما ولأهل الخبرة والمهنة. فرصة تمنح لهم للتعريف بهم.
للتقريب فيما بينهم فنانين ومعنيين ومهتمين وصناع، لتحقيق دفعة
كبيرة للإنتاج المشترك وتقريب وجهات النظر واكتمال الافلام واقامة
العديد من الندوات والحوارات من خلال مناقشة العديد من الموضوعات
السينمائية بين اهل الخبرة والشباب للتقريب بين القدماء والجدد،
السلف والخلف.
·
كمدير عام لأيام قرطاج السينمائية تقييمك للإنتاج
السينمائي التونسي خلال الاعوام القليلة الماضية؟
من موقعي هذا فقد اتيحت لي الفرصة للاطلاع وتقييم
الافلام، ففي عام واحد عرض علينا نحو37 فيلم روائي طويل و41 فيلم
قصير، وفي عام 2018 تجاوز عدد الافلام الروائية الطويلة 17 و51
فيلم قصير، اما في عام 2019 فمتوقع الحصول على 25 فيلم طويل و40
فيلم قصير.
والجدير بالذكر أن السينما التونسية هي سينما مدعمة
من وزارة الثقافة ولكن اليوم هناك 50% من الافلام المنتجة، منجزة
من قبل منتجين مستقلين، أفلام غير مدعمة، حيث انه لم يعد هناك خوف
من الإنتاج، بل أصبح هناك مغامرات انتاجية ضخمة.
·
باعتبارك جزء لا يتجزأ من ذاكرة السينما التونسية،
نريد منك أن تكون دليل ملفنا "تونس نهر الابداع" تاريخيا، ونبدأ
الحديث عن ميلاد أول دور عرض سينمائي في تونس؟
في بداية القرن العشرين وتحديدا في عام 1905 كانت
تونس على موعد مع ميلاد أول قاعة سينما وتحديدا في "تونس العاصمة"،
من ثم توالى ظهور العديد من المقاهي والنوادي، التي كانت تشهد ايضا
نخبة من العروض السينمائية.
في الماضي عاشت تونس أيام وليالي تحت الحماية
الفرنسية، مما كان له أثره على جميع جوانب الحياة المختلفة، لا
سيما "السينما"، كان العرض السينمائي في تونس لا يفصل بينه وبين
موعد العرض العالمي لاي عمل سينمائي سوى الثلاثة أشهر على الاكثر.
·
وما الذي يمثله اسم ألبير شيكلي في تاريخ السينما
التونسية؟
بحسه الشغوف بصناعة الآلات، وانغرامه الشديد بعالم
السينما قام المهندس المعماري التونسي ألبير شيكلي، أول مراسل
للأخوة لوميير في تونس، بتصوير العديد من اللقطات السينمائية
وإرسالها الى فرنسا.
·
وما هي قصة أول فيلم روائي تونسي؟
في
فترة العشرينات، وتقريبا في عام 1924 شهدت السينما التونسية إنتاج
أول فيلم روائي تونسي بعنوان "عين الغزال"، لتتوالى عقب ذلك العديد
من الافلام القصيرة.
الجدير بالذكر أن انطلاق السينما التونسية قبل ظهور
صناعة السينما في تونس بشكل عام، فقد كان ذلك عن طريق انتشار نوادي
السينما منذ عام 1949، حيث تم انشاء الجامعة التونسية لنوادي
السينما، وفي فترة السبعينات وصل عدد هذه النوادي الى أكثر من 60،
وان كنت اتذكر اننا في عام 1976 تجاوزعدد التذاكر المباعة خلال تلك
النوادي نحو السبعة ملايين تذكرة سنويا.
·
على عكس كل بلدان العالم شهدت تونس ميلاد جمهور
السينما قبل ميلاد السينما ذاتها؟
وهذا هو الجميل في السينما التونسية، الا وهو ميلاد
جمهورها قبل ميلادها، ففي عام 1960 كان ميلاد أول شريط سينمائي
تونسي "الفجر" لـ"عمار الخليفي"، والطريف هو حضور جمهوره، الذي كان
ينتظر فيلمه على أحر من الجمر.
·
ومن هو أبو السينما التونسية؟
في بداية الستينات وتحديدا في عام 1962 تم انشاء
ادارة للسينما وفي ذلك التوقيت ترأسها "الطاهر شريعة"، الذي نعتبره
أبو السينما التونسية وايضا الافريقية، فقد اشتهر بحرصه الشديد على
ارسال مئات الشباب التونسيين إلى جميع انحاء العالم لتعلم فنون
السينما، سواء إلى فرنسا، ايطاليا، بلجيكا، روسيا، رومانيا،
بالإضافة الى بلدان عربية كمصر والعراق.
وعادوا جميعا وأثمروا حركة السينما التونسية، لتشهد
نقلة حقيقية، حيث توالى انتاج الافلام الوثائقية والروائية، لتكن
البداية الحقيقية في الستينات.
أعوام مثمرة ومزدهرة حيث شهدت انشاء الشركة
التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية، وأيضا تأسيس مهرجان قرطاج
وانطلاق التليفزيون التونسي. بايجاز فقد شهدت حركة متكاملة لانطلاق
السينما التونسية على قاعدة راسخة وصحيحة. ومنذ عام 1966 أصبح كل
عام لدينا فيلم روائي طويل، بالإضافة الى الافلام القصيرة
والوثائقية.
·
وماذا عن أبرز رواد السينما التونسية في شتى
المجالات؟
تزخر السينما التونسية بالكثير من الاسماء، التي
تظل بصماتها محفورة في تاريخ السينما التونسية، اسماء لها باع
واضافة، الطاهر شريعة أول مدير لإدارة السينما وأيضا أو مدير
لمهرجان قرطاج، فقد ساهم في خلق الجامعة الافريقية للسينمائيين
وساهم في إنشاء العديد من المهرجانات الافريقية.
حمودة بن حليمة من أبرز المخرجين، الذين اشتهروا
ببصمتهم الخاصة في عالم الإخراج، بصمة كبيرة أيضا لكل من رضا باهي،
محمود بن محمود ونوري بوزيد. حيث العديد من الجوائز العالمية،
وأيضا سلمى بكار، بالإضافة الى بعض الشباب امثال كوثر بن هنية،
أمين بوخريص ومحمد بن عطية.
ومن المنتجين، الذين حفروا بصمة مهمة في السينما
التونسية والعالمية أحمد بهاء الدين عطية ودرة بوشوشة، التي لا
زالت فاعلة وحاضرة.
وفي كلمة اود ان ابعث برسالة شكر وامتنان لمدير
التصوير يوسف بن يوسف أحد الرواد، بما ساهم به في تاريخ الافلام
العربية. فهو مشهود له بعطاءه الكبير.
·
وما هي مرحلة الازدهار في تاريخ السينما التونسية؟
تنتمي السينما التونسية جغرافيا وسينمائيا للمغرب
العربي. في فترة الستينات والسبعينات كانت السينما الجزائرية حافلة
بالأفلام الجديدة، التي نجحت في تحقيق أشهر الجوائز وتحقيق حضور
عالمي لا مثيل له. فقد كانت تلك الفترة هي الفترة الذهبية.
أما تونس فقد جاء دورها عقب ذلك، فقد كانت سباقة
بانتاجها لاشهر الافلام في الفترة ما بين الثمانينات والتسعينات،
حيث شهدت زخم سينمائي كبير، وخلق حالة جديدة، حتى جاءت الألفينات
لتشهد ازدهار السينما المغربية وخروج عدد كبير من الافلام، وحضور
عالمي على مستوى التوزيع او المهرجانات.
أما اليوم فتعود تونس لتتألق سينمائيا وتحديدا عقب
2013، لتصبح رائدة سينما المغرب العربي، وحضور عالمي في أشهر
المهرجانات العالمية، ايضا توزيع سينمائي فعلي في أوروبا وأمريكا
وآسيا "الهند، كوريا والصين".
عقب 2011 بطبيعة الحال أصبح جميع الفنانين ينعمون
بحرية التعبير، فقد كانت تونس على موعد مع طفرة كبيرة، سواء من حيث
الموضوعات التي اصبحت تمس بشكل أعمق المجتمع التونسي، أو فيما يخص
الخطاب الذي أصبح أكثر جودة على المستوى الفني والفكري والتحليلي.
واليوم نفخر بالسينما التونسية. فقد استطاعت ان
تغوص في اعماق المجتمع التونسي لتشهد انتاج عدد أكبر من الافلام.
لذلك ينبغي علينا ان نفتخر بالسينما التونسية.
*الحوار
نشر ضمن ملف "تونس نهر الابداع" في مجلة صباح الخير المصرية |