مهرجان القاهرة السينمائي يسعى لاسترداد مجده الضائع
إنجي سمير
رئيس المهرجان محمد حفظي يسعى إلى تحقيق سمعة محترمة
للتظاهرة في المجتمع السينمائي خارج مصر.
يحاول القائمون على مهرجان القاهرة السينمائي، الذي انطلق
مساء الأربعاء، استعادة شهرته الفنية باعتباره عنوانا رسميا للفن المصري
بعد سنوات من التراجع في أعقاب تقلبات وتوترات سياسية شهدتها البلاد منذ
عام 2011، وأثرت بشكل مباشر على دعم الدولة للمهرجان وترتب على ذلك تراجعه
وسط صعود العديد من المهرجانات الفنية بالمنطقة العربية.
القاهرة –
تركز إدارة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ41، في الفترة من 20 إلى
29 نوفمبر الجاري، على جودة الأفلام المعروضة وتنوعها، باعتبار أن ذلك يعدّ
أقصر الطرق نحو الترويج إلى القيمة الفنية التي يمثلها المهرجان، مع إعادة
هيكلة ميزانيته، حيث اعتمدت على الوصول إلى أفلام ذات جودة عالية بدلا من
توجيهها إلى تقديم حوافز مالية نظير جذب النجوم إلى المهرجان.
ونال المهرجان حقوق عرض 90 فيلما لأول مرة في الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا، بجانب 30 فيلما بين طويل وقصير في عروض دولية أولى، فيما
يشارك في المهرجان 150 فيلما من 63 دولة، و20 فيلما من أفلام الواقع
الافتراضي يمثلون 15 دولة، ما يبرهن على أن المهرجان أدرك أهمية مسايرة
التطورات الحاصلة على مستوى صناعة السينما العالمية.
وأوضح الناقد أحمد شوقي، القائم بأعمال المدير الفني
للمهرجان، لـ”العرب”، أن هذه الدورة تستهدف إثراء التنوّع الثقافي في عقول
الجمهور، وتتيح فرصة فريدة من نوعها بتجربة تقنية تحوّل المشاهد من متلقّ
إلى مشارك فعال يملك القدرة على الانتقال إلى عوالم مختلفة عن عالمه، من
خلال نظارة يرتديها تدخله العالم الافتراضي الذي يتناوله الفيلم.
وقال المنتج محمد حفظي، رئيس المهرجان، إن هذه الدورة تعالج
سلبيات الدورة الماضية التي كانت بداية نهوضه من جديد، واستهدفت زيادة عدد
الضيوف والوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور، وتحقيق الانتشار بشكل أكبر
داخليا وخارجيا، وتحقيق سمعة محترمة في المجتمع السينمائي.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن المهرجان يسعى لأن تكون هناك
رغبة من قبل صناع السينما لمشاركة أفلامهم سواء في الدورة الحالية أو في
الدورات القادمة، ما ينعكس على تقديم أعمال ذات قيمة فنية كبيرة ومهمة، وفي
المقابل فإن المهرجان سيقدّم مساعداته للمحترفين عن طريق الاهتمام بتلك
الأفلام وإثارة النقاشات حولها، والاهتمام أكثر بالسينما العربية.
بداية قوية ثم تذبذب
بدأ مهرجان القاهرة السينمائي فعالياته في عام 1976،
ونظّمته في ذلك التوقيت الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين حتى
عام 1983، ثم شكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة المصرية ضمت أعضاء الجمعية
واتحاد نقابات الفنانين للإشراف على المهرجان منذ عام 1985، وبحسب تقرير
صادر عن الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين عام 1990، فإن
المهرجان جرى تصنيفه كثاني أهم مهرجانات للعواصم بعد مهرجان لندن السينمائي.
ويواجه المهرجان منافسة داخلية شرسة مع مهرجان الجونة
السينمائي الدولي، الذي حقّق شهرة واسعة بعد ثلاث دورات فقط، وسط مخاوف من
خفوت المهرجان الرسمي المصري في ظل التمويل السخي، الذي يحظى به الجونة من
رجال أعمال مصريين مالكين للمنتجع، الذي يحمل اسم المهرجان ويقع على ساحل
البحر الأحمر.
وتشكل ميزانية مهرجان القاهرة عبئا حاول المنتج محمد حفظي
تطويقه عبر الترويج لأفلام العرض الأول، ما يستدعي حضور صناع تلك الأفلام
إلى العاصمة المصرية والتعرف على ردة الفعل الأولى نحوها.
وأشار حفظي لـ”العرب”، إلى أن ميزانية المهرجان تبلغ 40
مليون جنيه (2.5 مليون دولار)، وحصل على دعم حكومي يمثل 40 بالمئة من
إجمالي هذا المبلغ، ويفكّر في سد العجز عبر الاستعانة بدعم من القطاع
الخاص، وتوجيه تلك الأموال لصالح استضافة أكبر عدد ممكن من ضيوف المهرجان،
بجانب تكلفة حفلي الافتتاح والختام.
ولفت إلى أن التاريخ الفني للمهرجان دفع 15 بالمئة من ضيوفه
الأجانب للحضور إلى القاهرة على نفقتهم الخاصة، ما يساهم في أن يجري توجيه
الأموال لصالح الحصول على حقوق عرض الأفلام وترجمتها أملا في تقديم وجبة
سينمائية دسمة.
90
فيلما بين طويل وقصير يتم عرضها لأول مرة في الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا
وأكد حفظي، أنه حريص على المحافظة على جودة الأفلام
واستقبال الضيوف، كي لا ينجرف وراء استقدام نجوم أجانب مقابل أموال لمجرد
الاستعراض، فهو يرحب بكل نجم يشارك بفيلم أو تكريمه ليكون مساهمة حقيقية
للمهرجان وليس فقط مجرد التصوير على السجادة الحمراء.
وواجه المهرجان قبل انطلاق دورته الجديدة العديد من
العقبات، أبرزها رحيل الناقد السينمائي يوسف شريف رزق الله، المدير الفني
للمهرجان وأحد أعمدته (تحمل الدورة الحالية اسمه)، وقرّرت إدارة المهرجان
إسناد المهمة قبل أشهر قليلة من انطلاقه إلى الناقد أحمد شوقي، وهو أحد
تلاميذ رزق الله.
ويرى بعض النقاد، أن شوقي نجح حتى الآن في المهمة الموكلة
إليه، وأثبت أنه على قدر كبير من الثقة، وهو ما ظهر بوضوح خلال برنامج
الأفلام المعروضة التي شهدت تنوعا بين أفلام جديدة يراها الجمهور والنقاد
لأول مرة، وأخرى فازت بجوائز في مهرجانات كبرى مثل كان وبرلين، مع زيادة
التركيز على السينما الأميركية التي غابت عن المهرجان خلال سنوات ماضية
بسبب صعوبة الحصول على حقوق عرضها.
وذهب هؤلاء للتأكيد على أن مهرجان القاهرة يحاول الخروج عن
إطاره التقليدي الذي عدّ بمثابة نقطة ضعف واضحة خلال السنوات الماضية،
وبالتالي بحث عن وجود مساحات أكبر للأفلام العربية تماشيا مع تطور الإنتاج
السينمائي العربي مؤخرا، مع تسليط الضوء على الأفلام التسجيلية والوثائقية،
والخروج عن الهيمنة الأوروبية على الأفلام المعروضة التي ظلت مسيطرة على
برامجه خلال السنوات الماضية.
مسابقات متنوعة
تشهد مسابقة “آفاق السينما العربية”، ضمن مسابقات المهرجان
زيادة عدد الأفلام العربية المعروضة لتضم 12 فيلما، بدلا من 8 أفلام شاركت
في المسابقة العام الماضي، في حين تضم مسابقة “أسبوع النقاد” 7 أفلام منهم
فيلمان عربيان و5 أفلام من مختلف دول العالم، أما مسابقة “سينما الغد”
فيتنافس فيها 11 فيلما، وتشارك حنان مطاوع وناتالي ميروب في لجنة التحكيم.
وتحل السينما المكسيكية كضيف شرف للدورة الحالية. ويعرض
المهرجان فيلم “الأيرلندي” من إنتاج شبكة “نتفليكس” الأميركية ومدته ثلاث
ساعات في حفل الافتتاح، وأحداثه مستوحاة من كتاب تشارلز براندت “سمعت أنكم
تطلون المنازل”، ويشارك في بطولته ثلاثة نجوم حاصلين على الأوسكار، هم آل
باتشينو، وجو بيشي، وروبرت دي نيرو الذي يشهد الفيلم تاسع تعاون له مع
المخرج مارتن سكورسيزي.
والفيلم مشروع قضّى مارتن سكورسيزي وقتا طويلا في التحضير
له، وترصد أحداثه الملحمية صعود عصابات الجريمة المنظمة في الولايات
المتحدة خلال الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، وهي الحكاية التي
تمتد لعدة أجيال تتعرّض لأحد أكثر الجرائم غموضا في التاريخ الأميركي
المعاصر، وهي اختفاء الزعيم النقابي الأسطوري جيمي هوفا (آل باتشينو)، مع
تعمّق في العوالم الخفية للجريمة المنظمة، ومنافساتها الداخلية وعلاقات
كبارها برجال السلطة والسياسة، وهنا يظهر المقاتل المتقاعد فرانك شيران
الذي يجسّده روبرت دي نيرو، وهو قاتل محترف محتال عمل بجوار أخطر الرجال في
القرن العشرين.
وتضم المسابقة الرسمية للمهرجان 15 فيلما من التشيك، لبنان،
فلسطين، المكسيك، مصر، مملكة بوتان، ليتوانيا، الفلبين، أوكرانيا،
البرازيل، سنغافورة، ورومانيا، وهو تنوع جغرافي كبير وجديد سيزيد من صعوبة
اختيارات لجنة التحكيم.
وتشكلت لجان تحكيم المسابقة الدولية برئاسة المخرج وكاتب
السيناريو الأميركي ستيفين جاجان، الحاصل على الأوسكار والغولدن غلوب
والبافتا لأحسن سيناريو مقتبس عن فيلم “زحام”، بعضوية المخرج والمنتج وكاتب
السيناريو المكسيكي ميشيل فرانكو، والمخرجة والمنتجة البلجيكية ماريون
هانسيل، والمنتجة المغربية لميا الشرايبي، والكاتب والروائي المصري إبراهيم
عبدالمجيد، الفائز بجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2007، والمخرج
الإيطالي دانيللي لوكيتي، والممثلة الصينية كين هايلو.
وقال الناقد أحمد شوقي، القائم بأعمال المدير الفني
للمهرجان، لـ”العرب”، إن اختيار الأفلام جاء خارج إطار الدول الأوروبية
الذي كان يفرضه عدد من الموزعين، وتتضمن المسابقة 6 أفلام عرض أول. كما
حرصت إدارة المهرجان أن تتضمن لجنة التحكيم عضوا مصريا ممثلا في الكاتب
إبراهيم عبدالمجيد، ما ينعكس على نوعية الأفلام المعروضة والتي تهتم
بالقضايا الإنسانية والاجتماعية. ويعد اختيار المثقفين بلجان تحيكم
المهرجان بمثابة عودة إلى تقليد قديم غاب عن مهرجان القاهرة منذ 15 عاما.
القائمون على المهرجان تمكّنوا من تجاوز الهيمنة الأوروبية
على الأفلام المعروضة، بتوفير مساحات أكبر للأفلام العربية
تتويج بالجوائز
تبحث دوائر رسمية إعادة الزخم إلى الأفلام المصرية التي
غابت عن التتويج بالجوائز في المهرجانات الفنية الأخيرة، ولعل ذلك ما يفسر
اختيار إدارة المهرجان مشاركة الفيلم الوثائقي “احكيلي” ضمن أفلام المسابقة
الرسمية للأفلام الطويلة من دون مشاركة أي من الأفلام الروائية، غير أن ذلك
تطلّب اهتماما مماثلا للأفلام التسجيلية التي حضرت بقوة في الدورة الحالية.
وتشارك أربعة أفلام تسجيلية وثائقية ضمن 7 أفلام معروضة في
المسابقات الموازية بالإضافة إلى حضور الفيلم المصري بالمسابقة الدولية،
فيما يشارك فيلم “نوم الديك في الحبل” الذي يتطرّق إلى قضية اللجوء
واللاجئين فى العالم الذين يبحثون عن الانتماء والشعور بالهوية ويكافحون
للعيش والتمسك بالأمل، في مسابقة “آفاق السينما العربية”، وفيلمَا “صورة
لكل سارينة غارة” و”البحث عن غزالة” في مسابقة “سينما الغد” الدولية.
ويرصد “احكيلي” رحلة شخصية إنسانية وبصرية تمتد لأربع سيدات
من أربعة أجيال مختلفة من عائلة المخرج الراحل يوسف شاهين المصرية التي
يعود أصلها إلى بلاد الشام، ولطالما كانت الحياة والسينما فيها مرتبطتين
ببعضهما، حيث تحكى الأحداث من خلال جلسة دردشة بين أم وابنتها تعملان في
مجال السينما، وتسعى كل منهما لاكتشاف الحياة بصعوباتها ومتعها، من خلال
مشاهد أرشيفية لم يرها أحد من قبل.
وأوضح محمد حفظي لـ”العرب”، أنه لا يتذكر آخر مرة شارك فيلم
وثائقي مصري في المسابقة الدولية للمهرجان، وربما تكون واقعة لم تحدث من
قبل، وهذا القرار يعكس الاهتمام أيضا بالسينما الوثائقية التي لم يكن لديها
تمثيل كاف على مدار السنوات الماضية.
كاتبة مصرية |