PARASITE..
أحلام الطفيليات لن تنجو من الغرق
محمد اليسوف
في هذا العالم الطفيلي لا تنفع الخطط الطفيلية لتحقيق
الأحلام الطفيلية فهناك دائماً مفاجآت طفيلية تنتظر الطفيليين.
في هذا العالم الطفيلي لا تنفع الخطط الطفيلية لتحقيق
الأحلام الطفيلية فهناك دائماً مفاجآت طفيلية تنتظر الطفيليين.
قرأت عدة مراجعات تقول إن PARASITE هو
فيلم العام وإنه ممتع وبالفعل هو يستحق الإشادة فهو يتحدث عن الفروقات
الطبقية في هذا العالم من خلال سيناريو محكم وإخراج عظيم من قبل الكوري
"بونغ جو هو" الذي شاهدت معظم أفلامه والأكيد أن PARASITE هو
الأفضل والأكيد أيضاً أنه يمثل نموذجاً خلاقاً لسينما المستقبل جامعاً تلك
التناقضات التي بعثت فيه روحاً سينمائية خلاقة.
بعد انتهائي من المشاهدة الاولى أصابني الذهول وأصبحت
متيقناً بأنه من أجمل الأفلام التي أُنتجت خلال السنوات العشر الأخيرة.
عائلة السيد "كيم" التي تعيش تحت الأرض تتعايش مع الحشرات
الطفيلية وأناس يتبولون كل يوم عند شرفتهم، لهم عالمهم المشترك، أحلامهم،
خططهم، ومحاولة سرقة شبكة الواي فاي ونوع الجورب الموحد الذي كان "بونغ جو
هو" دقيقاً في إظهاره لنا كأول مشهد ليُدخلنا سريعاً إلى عالم العائلة التي
تتشارك كل شيء حتى عملها البسيط المتمثل في طوي علب البيتزا وأوكسجينها
الذي صار دواء الحشرات المتغلغل إلى ذلك القبو كل يوم.
تبدأ الاحداث سريعاً بعرض صديق ابنهم "كي" لوظيفة مزورة وهي
أن يكون أستاذاً للغة الانكليزية عند عائلة غنية.
فيبدأ الجزء الأول سريعاً سلساً على مشاعر المشاهدين فتتوضح
رؤية ضبابية أننا أمام فيلما كوميديا معتاد نوعاً ما إذ إن سلسة التوصيات
تلك لم تتنبأ بغير ذلك.
قدم هنا "بونغ جو هو" حواراً يخلو من أي سأم، سلساً جداً
وتصاعدياً فترى بداية أنك أمام عائلة فقيرة متطفلة على عائلة غنية تتصف
بالسذاجة من السهل التغلغل فيها تدريجياً.
عظيم هو "بونغ جو" كيف استطاع خداعنا بداية وكيف استطاع
تحريك كاميرته سريعاً بين عائلة مستر "بارك" فلم نر أي شيء مشترك بين
أفرادها الأربعة على العكس تماماً من عائلة "كيم" التي تتشارك كل شيء،
فأفراد العائلة الأولى لم يظهر لنا أنهم اجتمعوا في غرفة واحدة إلا لثوانٍ
معدودة، كل منهم له خاصية متفردة أما عائلة "كيم" فكان بإمكاننا رؤيتهم
كالجسد الواحد.
تفاصيل اهتم بها "بونغ جو هو" حتى وان لم تجدها مهمة ولكنها
كانت من أسرار نجاحه في تقديم تلك التحفة بشكل كلاسيكي أخاذ.
موسيقا تصويرية عظيمة وكأننا أمام أوبرا تعلو وتهبط مع كل
مشهد، جربْ أن تغير تلك الموسيقا أو تبدل موقعها فسوف تجد أنها كالقصيدة
لاتليق بها غير تلك الألحان.
حاك لنا" بونغ جو هو" بإبرة دقيقة ذلك النسيج الرقيق
والرائع حتى انتقالنا للجزء الثاني للفيلم فعملية الانتقال كانت مفاجئة
وماهو أكثر مفاجأة من حدوث عاصفة مطرية في يوم بدا وأنه صحو ليبدأ حينها
نوع آخر من تلك السمفونية الحسية ف" بونغ جو هو" سوف يدق أبواب احتفالاتهم
ليلاً ليكمل لنا بقية الحكاية.
دقق في تفاصيل وجه السيد كيم (سونغ كانغ هو) لقد رمى
الكلمات التي ستصلك وإن لم ينطق بها لأنني كنت مؤمناً أنه يستطيع أن يكمل
الفيلم صامتاً ناطقاً بجسده، بعينيه، بأنفاسه وهو ومغمض العينين، وقد تشعر
بأن كل شيء سوف يخرج من عينيه المغمضتين حتى رائحته.
كان أداء الممثلين متكاملاً فنحن أمام طفيليات حقيقية
يحركها "بونغ جو هو" تارة وتارة أخرى تتصرف بحرية ليقدموا لنا أداءً
مسرحياً مشتركاً تُرفع له القبعة فهم أنفسهم في قبوهم كما كانوا في ذلك
الصالون المترف ولكن "سونغ كانغ" اختطف الاضواء فكان الشخص الذي تطفل إليه
الإحباط.
المخرج لم يرنا الاختلاف الطبقي بأشياء مادية محسوسة فحسب
فقد كانت دائرة الفروقات والاشتراكات أيضاً أوسع.
طفيليات تؤمن بأن وجود الأشباح تزيد ثروتها وطفيليات ترى
الثروة في حجارة تحضنها، طفيليات تمارس الحب بشكل مختلف قد نراها في صورة
لواقٍ جنسي في قبو عفا عليه الزمن، أو الطفيلي الأكبر "كيم" وهو يحتضن صورة
زوجته ليحميها من الغرق وقد نراها حباً شهوانياً في ليلة ماطرة على أريكة
بلا أية مشاعر.
أحلام تلك الطفيليات والخطط لن تنجو من الغرق، نحن أمام جزء
أخير أكثر شاعرية ليرينا أن جميع من على هذه الأرض باختلاف طبقاتهم هم
أشخاص طفيليون بامتياز متطفلون على الحياة وعلى أنفسنا وفي عالم قد نراه
جميلاً ولكن قبحه يكمن في أعماقه، وقبحه يعبد أحياناً تلك الفروقات فلقد
وُلد عليها بعضهم فتأصلت فيهم بشكل غريزي.
إن أكثر الأشياء تطفلاً هي الإحباطات والمفاجآت ولكن رغم كل
شيء هناك فرد يستمر في الأحلام رغم أنه دفن أوهامه في بحيرة راكدة ولكنه
رحل معها في مخيلته، ذلك الشتاء لن يكون قاسياً لأنه مليء بالأحلام
الصبياني.
إن انتهى الفيلم وسألت نفسك من هم الأكثر تطفلاً فهو حتماً
"بونغ جو هو" الذي سيطر على عقولنا ومشاعرنا بطريقة حسية في نزهة قصيرة
مؤلمة ومضحكة قاسية ورقيقة، لقد استحق هذا الفيلم السعفة الذهبية عن جدارة
وطريقه سالك لجائزة الأوسكار والأكثر من هذا وذاك أنه سوف يترك بصمة لن
تُنسى مع الأيام، عمل عظيم يستحق العلامة الكاملة |