تتلاحق الأحداث في هوليوود وجوارها بحيث يصبح من الصعب
الإحاطة بكل منها في شكل منفصل. بعضها قد لا يتطلب إلّا رصداً محدود
المساحة. بعضها الآخر قد يأتي في ركاب أحداث أكبر بحيث يصبح من غير الممكن
تبرير التوازن أو عدمه.
التالي، إذن، ثلاثة أحداث تتواكب معاً خلال هذه الأيام من
تلك التي من الأفضل دمج نشاطاتها وفحواها معاً. هي محطات متقاربة في
التوقيت لكن كل منها يختلف، في الوقت ذاته، عن الآخر.
-
المحطة الأولى: بالم سبرينغز فيلم فستيفال
أمس، كان اليوم الأخير من مهرجان بالم سبرينغز السينمائي
الدولي في دورته الحادية والثلاثين.
انطلق في الثاني من هذا الشهر في تلك المدينة الناعسة شرق
لوس أنجليس، انتهى قبل عشرة أيام فقط من بداية مهرجان كبير آخر في شمال
القارة الأميركية هو صندانس الدولي. وإذا ما كان روبرت ردفورد هو من أعاد
تأسيس صندانس بعد بضع سنوات من بدايته الفعلية، وهو الممثل والمخرج
المعروف، فإنّ بالم سبرينغز من تأسيس المغني الراحل صوني بونو و- زوجته
آنذاك - الممثلة شِر. كلاهما بذلك من تأسيس فنانين امتلكوا النيّة والطموح
لإقامة مهرجان سينمائي يضع المدينة على الخريطة ويضع الحدث ذاته على خريطة
موازية.
كل من هذين المهرجانين يختلف تبعاً لهويته الفنية وبرامجه.
«صندانس» (الذي يقام في مدينة بارك سيتي في مرتفعات الجبال الشمالية لولاية
يوتا) معني بالسينما المستقلة داخل الولايات المتحدة وخارجها، ويحتل
المكانة الأولى في هذا النوع من السينما حول العالم. تقصده الأفلام التي
تبحث عن موزعين والتي يحققها مخرجون ما زالوا في أول الطريق أو ربما قبل
ذلك.
لكن كلمة «مستقل» باتت متعددة الصفات وارتحلت إلى تفسيرات
كثيرة، فالكثير من أفلام صندانس قد تكون مستقلة الإنتاج لكنها مصنوعة اليوم
على النحو الذي يعجب خاطر شركات التوزيع الأميركية الكبرى.
في المقابل هناك أفلام مستقلة إنتاجاً وفناً ولا تميل
لخيانة فحوى الكلمة وهي مثل الدرر التي ينهل عليها النقاد في ذلك المهرجان.
كل سنة يكتشفون شيئا هناك سواء أوجد من يرعاه من شركات التوزيع أو لم يجد.
«بالم
سبرينغز» يختلف في أنّه مهرجان دولي بسمات أي مهرجان دولي آخر: لا تعرف
أفلامه التمييز بين نوع وآخر بل هو مقبل عليها جميعاً، شأنه في ذلك شأن
تورونتو ولندن وأي من المهرجانات الكبيرة الثلاث (برلين، كان، فنيسيا) مع
اختلاف الحجم وأهمية الجوائز الممنوحة فيها.
لكن مع نحو ألوف السينمائيين وعشرات ألوف المشاهدين (أكثر
من 135 ألف تذكرة مبيعة في العام الماضي) فإن لبالم سبرينغز حضوراً جيداً
يزداد أهمية سنة بعد سنة على النطاقين المحلي والعالمي.
لسنوات قريبة كان «بالم سبرينغز» يبدو كما لو أنّه ترف
للهواة الممعنين في حب حضور كل المهرجانات ومشاهدة كل الأفلام. كان صغيراً
ولمثل ذلك الحجم مفضلوه، فالحركة أسهل والإلمام بكل ما يعرض فعل محتمل
ولقاء السينمائيين بعضهم ببعض أو بالنقاد والصحافيين لم يتطلب الكثير من
الجهد. لكن لا أحد يستطيع الامتناع عن التقدم في العمر والنمو في الحجم
عاماً بعد عام إلى سنوات النضج كما الحال هنا.
سابقاً، على سبيل المثال، لم تكن لتجد في عروض هذا المهرجان
أفلاماً عربية. الآن تتكاثر الأفلام العربية كما لو أنّها اكتشفت نبعاً وسط
الصحراء. الفيلم اللبناني «1982» لوليد مؤنس موجود هنا، كذلك عناوين معهودة
لأفلام سبق أن شوهد معظمها في مهرجانات أخرى مثل «آدم» (المغرب)، و«بابيشا»
(الجزائر)، و«ولد» (تونس)، و«سوف تموت في العشرين» (الجزائر).
ما شوهد هنا حتى الآن 22 فيلماً جديداً علماً بأن المهرجان
ليس في وارد الإصرار على ألا تكون الأفلام المشتركة فيه خاصة به باستثناء
فيلمي الافتتاح والختام وقليل من الأفلام التي ترعاها شركات تساهم في تمويل
هذا المهرجان.
على عكس المتوقع، بسبب ما كُتب عنه سابقاً، يأتي فيلم
«1982» أقل أهمية مما يجب سواء على صعيد الموضوع أو صعيد المعالجة. بطله
(محمد دالي) صبي في مدرسة مسيحية في ربوع لبنان يتمرّن على عبارة «جوانا،
أنا بحبك». وهو يريد البوح بذلك للفتاة الصغيرة (كلاهما دون الخامسة عشرة)
التي ملكت قلبه. كلما فكّر وسام في التعبير عن حبه تعترضه مشكلة تؤخر
إعلانه. بما أنّ الفيلم يرصد العام الذي غزت فيه إسرائيل لبنان، فإنّ أهم
هذه المشكلات هو ذلك الحدث. لكن «1982» لا يدور عنه لا كافياً ولا جيداً.
ما يهم المخرج هو المكوث في إطار تلك المدرسة البعيدة عن الجنوب والنائية
عن بيروت.
نسمع الأخبار كما يسمعها من في الفيلم، وهو اختيار كان يمكن
أن يعوّض تغييب الحدث المعني لو أن ما يدور في رحى الحكاية مهم لأكثر من
الشّخصيات التي يتعرض لها الفيلم. حتى تكون مهمّة لنا، كان على السيناريو
أن يخط لها معالم مختلفة وأن يحتوي على أحداث حادة عوض تلك الناعسة التي
تتخلل الفيلم وتحوّل اهتماماته إلى سرد روتيني.
جل ما يحدث أنّ في يوم الامتحانات الأخيرة ترتفع أصوات
الانفجارات المحيطة. هناك تحركات عسكرية وطيران وهذا يولّد بعض التوتر
الغائب في البداية. أهالي بعض الطّلاب قلقون لكنّ المدرسة متمثلة بأستاذين
نجيبين هما رودريغ سليمان ونادين لبكي (في أول ظهور لها في فيلم بعد دورها
في «كفرناحوم» الذي أخرجته كذلك) ترمي للتأكيد على أنّ كل شيء على ما يرام.
-
المحطة الثانية: إيرادات العالم ارتفعت
أُعلن، منذ أيام، عن النشرة الصحية لسينما العام 2019. إنّه
إعلان سنوي يتضمن مسح كل إيرادات الأفلام التي عرضت في أميركا وحول العالم
والنظر إلى الرقم الإجمالي المسجل ومعاينته.
الخبر السعيد أنّ السينما لم تشهد نجاحاً تجارياً كالذي
شهدته في السنة الماضية. فهي سجلت 42 مليارا و500 مليون دولار من العائدات
من الأسواق العالمية في القارات الخمس.
الخبر الذي لم يحل برداً وسلاماً على أصحاب الشركات
الهوليوودية (تلك التي تنتج معظم ما هو ناجح من أفلام حول العالم) هو أنّ
إيرادات الصالات الأميركية والكندية شهدت تراجعاً مقداره 4 في المائة مما
جاءت به إيرادات العام الأسبق 2018. إذ بلغت في السنة الماضية 11 ملياراً
و400 مليون دولار. في المقابل سجل العام الأسبق 11 مليارا و800 مليون دولار
من العائدات في أميركا الشمالية.
وبينما من نافل القول إن سينما المسلسلات مسؤولة عن النجاح
الكوكبي الحاصل، فإنه من المهم كذلك ملاحظة أنّها ليست الوحيدة التي أنجزت
نجاحات كبيرة.
أحد هذه الأفلام هو «ذات مرّة في هوليوود» الذي أنجز أكثر
من 370 مليون دولار في عروضه العالمية (في أميركا وخارجها) وهو فيلم ينأى
بنفسه عن إنتاجات ديزني وجوارها، إذ يؤم موضوعاً لا يمكن استخلاص جزء آخر
منه. فيلم كونتن تارنتينو يمت لتارنتينو نفسه بأسلوب عمله، بطروحات موضوعه
وبرغبته سرد لوحات درامية حول هوليوود الستينات ومطلع السبعينات.
في المقابل لدينا كل ما تزخر به الإنتاجات التقليدية. هنا
ما زالت شركة ديزني تتربع على قمة الإيرادات. فيلمها «ستار وورز: ثورة
سكايووكر» جلب للآن 952 مليون دولار والعدّاد ما زال يشتغل. أنجزه ج ج
إبرامز بكل ما لديه من حنكة ومعرفة بتاريخ المسلسل ومتطلباته في هذه
الآونة، حيث تطوّرت حبكاته وشخصياته مبتعدة عما كانت عليه في السنوات
الأربعين الماضية.
أفلام أخرى لديزني أنجزت نجاحات كبيرة: «ذا ليون كينغ»
(مليار و660 مليون دولار)، «فروزن 2» (مليار و330 مليون دولار)، «كابتن
مارڤل» (مليار و120 مليون دولار)، و«توي ستوري 4» (مليار و70 مليون دولار).
-
المحطة الثالثة: جمعية المخرجين تعلن ترشيحاتها
عشرة مخرجين أميركيين وغير أميركيين يقفزون إلى موسم
الجوائز (مجدداً بالنسبة لبعضهم)، وذلك مع إعلان ترشيحات «جمعية المخرجين
الأميركية» قائمتها من المخرجين المتنافسين على جائزتها السنوية.
إنّها السنة الـ72 التي تطلق فيها هذه الجمعية جوائزها،
وكما الحال مع «جمعية مديري التصوير» التي أوردنا ترشيحاتها هنا منذ أيام
قليلة، فإنّ أعضاء الجمعية من المخرجين هم، على نحو عام، أعضاء في أكاديمية
العلوم والفنون السينمائية المانحة للأوسكار.
بالتالي سنلحظ ورود أسماء خمسة من هؤلاء المرشحين في جدول
سباق الأوسكار المقبل.
تنقسم القائمة إلى قسمين: الأولى لمخرجي الأفلام التي عرضت
في الصالات أو لصانعيها تجارب سابقة في هذا الشأن، والثانية لمخرجين
أقدموا، في السنة الفائتة، على تحقيق أفلامهم الأولى.
في القسم الأول نجد أسماءً معهودة ذُكرت في محافل ومقالات
كثيرة حتى الآن:
بونغ جون هو عن «طفيلي»
سام منديز عن «1917»
مارتن سكورسيزي عن «الآيرلندي»
كونتن تارنتينو عن «ذات مرّة في هوليوود»
تايكا وايتيتي عن «جوجو رابت».
يعتلي القسم الثاني خمسة مخرجين جدد هم:
ماتي ديوب عن «أتلانتيكس»
ألما هارِل عن «هوني بوي».
ميلينا ماتسوكاس عن «كوين وسلِم»
تايلر نلسون ومايكل شوارتز عن
The Peanut Butter Falcon
جو تالبوت عن «آخر رجل أسود في سان فرانسيسكو».
هناك ملاحظات مهمة لا بد من ذكرها:
ثلاثة من هذه الأفلام من إنتاج مؤسسات البث المباشر.
تحديداً «نتفلكس» منتجة «الآيرلندي» و«أتلانتيكس» و«أمازون» منتجة «هوني
بوي».
كذلك هناك ثلاث مخرجات في القسم الثاني بينما يحتل المخرجون
الرجال القسم الأول بكامله.
هنا يلاحظ أنّ المخرجة غريتا غرويغ، المحتفى نقدياً بفيلمها
«نساء صغيرات» على نحو لا يخلو من المغالاة لم تنل ما يكفي من الأصوات
لتدخل عرين الأسماء الكبيرة الأخرى. |