اعتاد محبو الفن السابع على متابعة كل جديد عن أفلامهم
المفضلة، قبل وبعد طرحها بدور عرض السينما التجارية؛ بداية من تصويرها،
مرورًا بعرضها، وصولًا لتصديرها أو تذيلها إيرادات شباك تذاكر السينما،
فضلًا عن مراحل استحقاقها لجوائز عالمية إن كانت مؤهلة لذلك.
لذا نجد أن حالة زخم الأخبار والتحليلات الفنية في موسم
جوائز السينما العالمية السنوية، لا ترتبط بأخبار إطلالات الفنانين وظهور
أفلامهم فحسب، بل بتأثير مشاركتهم في أهم منافسات ومحافل الجوائز العالمية
مثل “الأوسكار”.
وهو ما يثير أسئلة هامة ومؤثرة في مستقبل الصناعة؛ مرتبطة
بمدى تأثير تلك الجوائز على الأفلام وصناعها تجاريًا وليس فنيًا أو معنويًا
فقط.
عَبر أكثر من 90 عامًا، تُطرح عدة مناقشات حول تأثير فوز
الأفلام بجائزة الأوسكار لـ “أفضل فيلم” على صدارتهم في شباك تذاكر السينما
وقابليتهم في اكتساب ذائقة الجمهور إلى جانب النقاد وأعضاء “أكاديمية فنون
وعلوم الصورة المتحركة” مختاري الأفلام الفائزة… فهل تساهم “الأوسكار” في
تسويق وتعزيز نجومية الأفلام في موطن البلد المانحة لها؟
هذا ما سنحاول استعراضه خلال أبرز الإحصائيات والأرقام
السنوية الحديثة لإيرادات شباك تذاكر السينما المحلية للأفلام الفائزة
بجائزة “أفضل فيلم” في الدورات السابقة للأوسكار عَبر السطور التالية.
ذائقة غير جماهيرية
يمتلئ الأرشيف الصحفي بالعديد من المقالات النقدية
والتحليلية عَبر تاريخ الأوسكار، التي تشير إلى اختلاف ذائقة أعضاء
“أكاديمية فنون وعلوم الصورة المتحركة” عن اختيارات الجمهور المرافقة
لزيادة ملحوظة في إيرادات شباك تذاكر السينما العالمية، للفيلم الأعلى
إيرادًا في “هوليوود” لكل عام.
وهو الأمر الذي يفسر بشكل ما سبب قلة إيرادات شباك تذاكر
السينما الخاصة بالأفلام الفائزة بجوائز الأوسكار سنويًا؛ والتي تميل إلى
اختيار بعض الأفلام الفنية أو التي تناقش قضايا معينة متفق على تصديرها
للعالم كأولوية اهتمامات المشاهدات الأمريكية.
ووفقًا لـ statista،
تشير أبرز الإحصائيات العالمية الحديثة إلى قلة إيرادات الأفلام الفائزة
بجائزة “أفضل فيلم” في الأوسكار؛ مقارنة بالأفلام المتصدرة لشباك تذاكر
السينما في السنة ذاتها، على مدار عدة أعوام متتالية، منذ عام 2000 وحتى
2018.
إلا أن هناك تغير ملحوظ في عام 2003 بالتحديد؛ في الدورة
الـ 75 التي فاز فيها الفيلم الموسيقي
“Chicago”
للمخرج روب مارشال والمنتج مارتن ريتشارد، فيما زاد معدل الفرق بدرجة
كبيرة، بين إيرادات الأفلام الفائزة بجائزة “أفضل فيلم” في الأوسكار،
مقارنة بالأفلام التجارية الأعلى إيرادًا في السنوات التالية.
إحصائية موقع
Statista،
تقارن بين إيرادات شباك التذاكر أوسكار أفضل فيلم، والأفلام التجارية
الأعلى إيرادًا في نفس العام
واستمر الحال كما هو عليه وصولًا بنتائج إيرادات العام
الماضي، بعد فوز الفيلم الأمريكي
“Green Book”
للمخرج بيتر فاريللي، محققًا 85 مليون دولار تقريبًا محليًا، فيما تجاوز
فيلم مارفل”Black
Panther”
للمخرج ريان كوجلر، الـ 700 مليون دولار على الصعيد المحلي، مكسرًا رقمًا
قيسايًا في إيرادات العام ذاته، بينما خفق في المنافسة على جائزة “أفضل
فيلم” في الأوسكار آنذاك.
“أوسكار
أفضل فيلم” VS إيرادات
السينما
من اللافت أيضًا، انخفاض معدل إيرادات الأفلام الفائزة
بجائزة “أفضل فيلم” في الأوسكار خلال الـ 5 سنوات الأخيرة، والتي بدأت
ترتفع بفارق بسيط بفوز فيلم
”Green Book”
العام الماضي، ولكنها نسب مُحبطة بالطبع؛ مقارنة لما كانت تحققه الأفلام
الفائزة بالجائزة ذاتها في الأعوام الماضية.
تشمل تلك السنوات الزاهية، إن جاز التعبير، في تاريخ قائمة
أوسكار أفضل فيلم؛
“Gladiator”
عام 2001 و”A
Beautiful Mind”
عام 2002 و”Chicago”
عام 2003 والأعلى على مدار 18 عامًا تقريبًا وهو فيلم
“The Lord of The rings: Return of The King” عام
2004، محققًا 377 مليون دولار أمريكي تقريبًا وفقًا للإحصاء التالي على Statista،
في شباك تذاكر السينما بأمريكا الشمالية.
إحصائية موقع
Statista،
مجمعة لإيرادات قائمة أفضل فيلم للأوسكار منذ عام 2001 وحتى 2019
وفي آخر 6 سنوات تقريبًا، كانت المبيعات الإضافية أو
الجديدة في شباك تذاكر الأفلام الفائزة بجائزة “أفضل فيلم” مِن جوائز
الأوسكار السنوية، لا تصل لـ 7 مليون دولار بعد الحفل.
جاء آخرهم إيرادات فيلم
“The Shape Of Water”
الفائز بأوسكار أفضل فيلم عام 2018، والذي وصلت إيراداته لـ 30 مليون دولار
في الوقت ذاته الذي ترشح فيه بأواخر شهر يناير، ثم حقق 33 مليون دولار
إيضافية بعد الفوز وإعادة التوزيع في دور عرض السينما التجارية.
ولكن بدراسة قيمة الإيرادات، للفيلم الذي طُرح لأول مرة
بدور عرض السينما التجارية في ديسمبر 2017، والتي حققها بعد فوزه بأوسكار
أفضل فيلم في مارس 2018، نجد أن إيرادات الإضافية وصلت إلى 6.2 مليون دولار
تقريبًا في إطار الـ 33 مليون دولارًا السابق ذكرهم.
فيما كانت الأفلام الفائزة قبل ذلك يمكن أن تصل لـ 12 مليون
دولار مثل فيلم
“The Artist”
الفائز في حفل الأوسكار في دورته الـ 84 لعام 2012، ولما يتجاوز الـ 20
مليون دولار مثل فيلم
“The King’s Speech”
الفائز بحفل الأوسكار الـ 83 في عام 2011، بحسب ما نٌشر في cnbc.
أمًا إيرادات
“Green
Book”
قبل الترشح لجائزة أفضل فيلم في الأوسكار بلغت 43 مليون دولار أمريكي
تقريبًا، ثم حقق 24 مليون دولار إضافية بعد الترشح؛ محققًا 67 مليون دولار
تقريبًا بالقرب من منتصف فبراير 2019، وزادت بقرابة 18 مليون دولار بعد
الفوز، حتى وصل لـ 85 مليون دولار في أوائل مايو 2019، بحسب إيرادات Box
Office Mojo.
تأثير
“نتفليكس”
والمنصات الإلكترونية على الأوسكار
الأرقام عادة تشير أن الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار
تتأثر قبل وبعد ترشيحها؛ سواء كان ذلك سلبًا أو إيجابًا، قد تكون مضطربة في
السنوات الأخيرة، وربما تستعيد رونقها في السنوات المقبلة، متخذة مما حققه
“Green Book”
نقطة الانطلاقة من جديد.
لكنه من الصعب توقع ما ستؤول إليه الترشيحات الجديدة لعام
2020؛ خاصة في ظل المنافسة القوية بين أفضل إنتاجات هوليوود لهذا العام؛
والتي تشمل أفلام مختلفة في تاريخ الصناعة ذاتها؛ مثل
“Joker”
و”Once
Upon A Time In Hollywood”
و
“The Irishman”
و”1917″، و”Marriage
Story”
و
“Parasite”.
هناك عدة عوامل مؤثرة بالطبع على إيرادات الأفلام بداية من
موعد طرحها والدعاية المصاحبة لها، مرورًا باختيارات الأفلام الفائزة كل
عام وفقًا لآراء أعضاء الأكاديمية؛ وصولًا لتأثير التطور التكنولوجي وظهور
المنصات الإلكترونية الحديثة مثل “نتفليكس” والسماح لمشاركة الأفلام
المنتجة عَبر هذه المنصات في المهرجانات العالمية و”الأوسكار”؛ مثلما ترشح
15 فيلمًا العام الماضي، منها فيلم “روما” للمخرج المكسيكي ألفونسو كوروان
والذي فاز بثلاث جوائز في الأوسكار لأفضل مخرج وأفضل فيلم أجنبي وأفضل
تصوير.
وهو ما سمح بوجود عامل آخر مؤثر على إيرادات شباك التذاكر؛
حيث إن الفيلم الذي سيتيح له العرض إلكترونيًا إلى جانب العرض السينمائي،
لن يدخل ضمن إطار تأثير جوائز الأوسكار فحسب، بل هناك عوامل أخرى مؤثرة؛
مستغلة التسويق إلكترونيًا وعَبر صفحات السوشيال ميديا، ومساهمة في هذا
الانتشار.
وجعل مؤشر الإيرادات ليس العامل الوحيد فقط الخاص بتلك
النوعية من الأفلام، بل إن لنسب مشاهدة تلك الأعمال على المنصات
الإلكترونية حسابات إضافية تمتلك قدرة تقيمية أخرى تناسبها، فضلًا عن حالة
الجدل التي تطول صناع تلك الأفلام للجوئها للعرض على شاشات إلكترونية أخرى
خارج إطار عادات المشاهدة الجماعية للأفلام السينمائية.
عناصر كثيرة تتحكم في مصير الفيلم المرشح والفائز أيضًا
عَبر حلبة منافسة “أفضل فيلم”..ومع اقتراب مراسم احتفال جوائز الأوسكار في
دورته الـ 92، والذي ستعقد في اليوم العاشر من شهر فبراير المقبل لعام
2020، تُرى ما هو الفيلم الفائز بجائزة “أوسكار أفضل فيلم”؟ |