يفتتح بعد غد الاثنين الموافق ١٠ فبراير
مهرجان أسوان الدولي
لأفلام المرأة دورته الرابعة. حلم سمير فريد لايزال حيا ينبض، ويكبر. ففي
أكثر من مرة عبر مدير المهرجان
حسن أبوالعلا
أن سمير فريد، حتى في أشد لحظات مرضه، كان ينصحه ويدعمه
بأفكار، وباقتراحات، ثم لا يتردد أن يسأل حسن عن تطوراته. إن نجاح هذا
المهرجان واستمراره هو حياة إضافة- إلى جانب حيوات عديدة بالطبع- لرجل منح
الكثير من جهوده للفن السابع في مصر، وليس فقط في مجال النقد السينمائي.
لا شك أن اختيار إدارة
مهرجان أسوان الدولي
لأفلام المرأة في دورته الرابعة تكريم المنتجة المصرية ناهد
فريد شوقي هذا العام هو تكريم ينطوي على أكثر من دلالة. أراه تكريما مزدوجا
لفريد شوقي في شخص ابنته، خصوصاً أن ناهد كانت لها مكانة خاصة عند الملك
بحكم معاصرتها لظروف محددة سنتحدث عنها لاحقاً. بالطبع أحب فريد شوقي جميع
بناته. لا أحد يُنكر ذلك. لماذا أعتبر تكريم ناهد هو تكريم لفريد شوقي؟ ليس
فقط لأن ناهد عملت مع والدها طويلاً، واكتسبت منه خبرات عديدة، إلى جانب
أعمالها الشخصية. لكن، أيضاً، لأن هذا العام تحتفل مصر بمرور مائة سنة على
مولد ملك الترسو ووحش الشاشة. وليس من قبيل الصدفة أن يُقرر مهرجان الأقصر
للسينما الأفريقية تكريمه في دورته القادمة التي تُعقد مارس المقبل، وإصدار
كتاب عنه شرفت كاتبة هذه السطور بتأليفه.
تكريم تلميذة شادي عبد السلام
لذلك أرى أن اختيار حسن أبو العلا، مدير المهرجان، تكريم
ناهد فريد شوقي بهذه الدورة هو اختيار ذكي ومدروس. كذلك، سيتم تكريم- إلى
جوار المنتجة ناهد فريد شوقي- قامات إبداعية أخرى شاركن بقسط مؤثر في صناعة
السينما المصرية. المونتيرة وأستاذة فن المونتاج، رحمة منتصر التي لها
تجربة ممتدة ثرية ومهمة في عالم توليف الأفلام.
تزداد أهمية تجربة رحمة منتصر؛ لأنها عاصرت مجموعة من
عمالقة وصُناع السينما المصرية، في مقدمتهم شادي عبد السلام، صاحب التحفة
البصرية والأنشودة السينمائية «المومياء.. يوم أن تُحصى السنين»، كما عملت
معه بفيلمه «جيوش الشمس»، وقامت بمونتاج أفلام لداوود عبد السيد، وصلاح
أبوسيف، وخيري بشارة، ويسري نصر الله. من دون أن ننسى حياتها المشتركة مع
زوجها فنان الديكور والإنسان النبيل الجميل صلاح مرعي.
للمونتاج نصيب الأسد
كذلك يقوم المهرجان بتكريم مونتيرة النيجاتيف ليلي السايس.
إنها من أهم مونتيري النيجاتيف في السينما المصرية، حيث قدمت ما يزيد على
٢٥٠ فيلما روائيا طويلا. إضافة إلى تكريم نجمة السينما العالمية فيكتوريا
أبرِل ضيفة شرف المهرجان، الحائزة على جائزتين من مهرجان برلين؛ وجائزة
الدب الفضي لأفضل ممثلة، ثم جائزة كاميرا البرليناله.
يبدو أن للمونتاج حظ الأسد من التكريمات هذا العام في
مهرجان أسوان لأفلام المرأة. إنه أمر يستحق التحية والإشادة بالمنظمين، لأن
المونتاج هو إعادة إحياء للفيلم مجدداً. كان البعض يقول إن المخرج يدفن
فيلمه، والمونتير يُعيد إحياءه على طاولة المونتاج. إنه إبداع موازٍ لإبداع
باقي فريق العمل، رغم أنه يأتي بعد أن ينتهي أغلبهم من أداء عمله. حتى إن
المخرج الروسي العظيم أندريه تاركوفسكي عندما حاول في تنظيره للسينما أن
يقوم بتعريفها وتمييزها عن باقي الفنون، فقال: «إنها تنهض على فن المونتاج
والإيقاع». وبالمناسبة الاثنان مترابطان أشد الترابط؛ المونتاج والإيقاع.
إن المونتاج هو نحت في الزمن من القطع والوصل، والفلاش باك.
من خلال توظيف المؤثرات الصوتية، في علاقتها بإيقاع الميزانسين، وتدريجات
الإضاءة، وأحجام اللقطات. كل ذلك يُعيد المونتير بناءه ليؤثر في المضمون
الفكري والشكل الفني للعمل السينمائي. لذلك على يديه يُولد الفيلم من جديد.
لماذا؟!
لكن لماذا يُعتبر المونتاج عملاً إبداعياً لدرجة أن نصفه
بأنه يعيد إحياء الفيلم؟ لأنه بالمونتاج يُعيد الفنان المونتير وصل اللقطات
الفيلمية بعضها ببعض بطريقة خلاقة للحصول على تأثير خاص، فكل لقطة ليست
مستقلة في حد ذاتها، بل يمكن تعديل معناها حسب طريقة وصلها بلقطات أخرى.
فإذا قام المخرج بوصل هذه الأجزاء واللقطات بطرق مختلفة، وحسب ترتيبات
متباينة فإنه سيحصل على نتائج تختلف عن بعضها، وذلك وفق ما يرى كوليشوف
الذي استفاد بودفوكين من مبادئه، وطورها، فكان يُركب مشاهده من مجموع
التفاصيل المرتبة بعناية مُطلقاً على منهجه في المونتاج: التركيب البنائي،
ثم جاء إيزنشتين واشتهر بأسلوب المونتاج الفكري.
إذن، المونتاج هو تلك العملية التي تعقب الانتهاء من
التصوير، ويتم أثناءها إعادة ترتيب اللقطات والمشاهد في بناء خلاق. أثناء
تشييد هذا البناء الجديد يتم البحث عن مضمون كل لقطة وعلاقتها مع اللقطات
الأخرى السابقة واللاحقة عليها. إنها عملية من البحث عن الارتباط الداخلي
الضروري بين اللقطات، بما يخدم الفكرة البصرية للعمل. وذلك من خلال
الانتقاء والموازنة- بين المعاني والأحاسيس والحركة- ثم القطع والوصل بينها
من أجل تركيب أو تعديل أو ضبط أجزاء الشريط السينمائي حتى تتماسك تلك
الأجزاء في وحدة وانسجام.
إن تلك العملية المونتاجية قد تتطلب التغيير في ترتيب لقطات
معينة، أو قد تستلزم تعديلات رئيسية في البناء الفعلي، وفي سياق الأحداث،
لكنها سرعان ما تُنجز بمجرد أن يُدرك المبدع معنى اللقطات ومصدر حياتها،
عندئذ يحصل على تأثيراته الخاصة بالأفكار والمشاعر والإيقاع مُحققاً الوحدة
الفنية للعمل ككل.
إن المونتاج بتعبير تاركوفسي يستلزم جمع وتركيب أجزاء صغيرة
وأخرى كبيرة، كل منها ينطوي على زمن مختلف، وهذا التجميع والتركيب يخلق
إداركاً جديداً لوجود الزمن.
بقي أن نشير إلى أن النظرة الأولية على برنامج الأفلام
والتكريمات تشي بأنها ستكون دورة جديدة مميزة من
مهرجان أسوان الدولي
لأفلام المرأة، الذي يتم تنظيمه بدعم من وزارتي الثقافة
والسياحة، وبرعاية المجلس القومي للمرأة ونقابة السينمائيين، وسيكرم في حفل
افتتاح دورته الرابعة الممتدة من ١٠ - ١٥ فبراير الجاري - كلا من النجمة
نيللي كريم والنجمة القديرة رجاء الجداوي. |