«تُوصي اللجنة بضرورة تدريس السينما للطلاب، وكذلك تدريس
المواد التي تخدم ذلك الفن لتحقيق النتائج المرجوة منه، على أن يتم التركيز
على التمييز بين فن السينما وغيره من الفنون المتعلقة بالتليفزيون
كالريبورتاج أو التحقيق، والبرنامج والفيلم التليفزيوني، لأنه هناك خلط
واضح في الأفلام التي شاركت بالمسابقة. كذلك نوصي بضرورة التركيز على تدريس
فن السيناريو وإقامة ورشات عمل حوله؛ لأنه أساس أي عمل سينمائي».
بذلك المحتوى، بدأت الفنانة المصرية بشرى كلمتها بتوصية
لجنة تحكيم مسابقتي الصقر لأفلام الطلبة وأفلام المقيمين، والتي ترأستها
بعضوية المخرج الإماراتي خالد علي - صاحب أفلام روائية عديدة منها «هادي
وبوزعبل»، «خفايا»، «إلى الحب مع التحية»، «الرحلة»، ومن أفلامه الوثائقية
أيضاً «الغواص والقرش» - كذلك شارك في عضوية اللجنة كل من المخرج البحريني
عمار القهوجي الذي شارك في لجان تحكيمية عديدة، والممثل وصانع الأفلام
الإماراتي ياسر النيادي.
إنها المرة الثانية على التوالي التي تُشارك فيها بشرى
بلجان التحكيم في مهرجان العين السينمائي. لكن، لم تقتصر مشاركتها على
التحكيم؛ فأثناء حضورها اثنتين من الندوات طرحت تساؤلاً عن خطة شركة
إيمجنيشن أبو ظبي لمواجهة سطوة وسيطرة عدد من الشبكات العالمية التي اتجهت
للإنتاج السينمائي مثل نتفليكس وغيرها، إذ تُهدد- وفق رأيها- قاعات العرض
السينمائية: هل سيكون هناك تعاون وترويض، أم حرب ومنافسة؟
وإن كانت الفنانة المصرية عبرت عن إعجابها بالدور الذي تقوم
به شركة إيمجنيشين، فقد تحفظت على روح بعض الأعمال المنتجة من خلالها؛ إذ
تتميز بالجودة الفنية والتقنية، ولكن الأعمال ينقصها شيء يخص السيناريو
وروح العمل ذاته، مُدللة على رأيها بفيلم «المختارون».
السيناريو أم رجل الأعمال؟
قضية السيناريو وإشكالية ضعفه في أعمال عديدة لم تقتصر فقط
على الأفلام المشاركة في المهرجان، ولكن تم طرح القضية بشكل عام؛ إذ إنها
السبب الجوهري في ضعف مستوى السينما الخليجية، فالسيناريو هو عماد وجوهر أي
عمل. إنه الأساس الذي يمكن البناء عليه لخلق إبداع موازٍ أو مضاعف، بينما
في حالة ضعف السيناريو لا يمكن خلق عمل فني قوي أو حتى متوسط، مهما كان
المخرج بارعاً، ومهما كان الممثلون مهرة في فنون الأداء، ومهما بلغت
التكنولوجيا من قوة وتطور، فإنها لن تنجح في تقديم عمل جذاب يعتمد على
سيناريو ركيك، أو مهلهل، أو مفكك، أو شخصياته مفتعلة، بناؤها النفسي يفتقد
التحليل العميق، وينقصه المنطق.
لكل ما سبق، عندما تحدث الفنان الكوميدي الكويتي طارق العلي
- بندوة تكريمه - عن ضرورة التعاون مع رجال الأعمال وجذبهم لمنصات
المهرجانات معتبراً أن هذه هي الخطوة الأولى الأهم، اختلفت مع رأيه، لأن في
تقديري أن السيناريو هو البذرة الأولي للفن وليس رجل الأعمال. السيناريو هو
الذي يمكنه أن يجذب رجال الأعمال للسينما، وليس العكس.
كذلك عندما تحدث الفنان طارق العلي عن ضرورة أن يقوم ناس
الميديا- أو الإعلاميين- بالترويج لهم كفنانين، وتسليط الضوء عليهم، كصناع
سينما خليجيين خصوصاً أنهم غير منتشرين في مصر، هنا أيضاً كان ردي أنه لا
بد أولاً أن يقدموا أنفسهم من خلال أعمالهم، ثم لاحقاً يأتي دور الإعلام
والنقد؛ أعمالهم هي التي ستُكرس صورتهم واسمهم في قلوب المشاهدين، وليس
الكتابة عنهم أو ترويج أسمائهم عبر خبر أو حوار. لماذا؟
لأنه ببساطة شديدة، الخبر أو الحوار والتحقيق سيمحوه أخبار
وتحقيقات وحوارات لاحقة في اليوم التالي، وسوف ينسى الناس أثره بعد أسبوع
على الأكثر، لكن العمل السينمائي، الشخصية المكتوبة بصدق، وأثر الضحكة
الممتعة غير المبتذلة هما الأبقى، أثر الفن هو الأكثر عمقاً، والذي يصعب
نسيانه.
قوة السينما توازي الثورة
هل تذكرون كم من السنوات مرت على مسرحية «ريا وسكينة»
للعمالقة سهير البابلي وأحمد بدير وشادية وعبد المنعم مدبولي؟
مر أكثر من ثلاثين عاماً، لكننا ما زلنا نحفظ كثيرا من
مقاطعها الحوارية، على الأخص بين بدير والبابلي، ما زلنا رغم مرور كل تلك
السنوات نحفظ عن ظهر قلب حواراتها قبل أغنياتها البديعة.
هل يتذكر أحد منا الحوارات الصحفية أو الأخبار عن العمل؟!
إن العمل هو المفتاح الحقيقي الذي يُخلد صاحبه، ويفتح له بوابة عشق
الجماهير.
هذا يُعيدنا لخطورة السيناريو مجدداَ، وضرورة أن يجمع العمل
السينمائي بين الفكر والفن وحرفة صناعة فيلم جيد، وهو بدوره الشيء الذي
يحقق رؤية عامر سالمين المري في تحقيق المعادلة الصعبة والجمع بين النجاح
التجاري والحفاظ على فنية العمل السينمائي في الآن ذاته.
كذلك السيناريست والكاتب الروائي البحريني الكبير فريد
رمضان، مؤلف سيناريو «حكاية بحرينية»، صاحب الروايات العديدة، وأحدثها
«المحيط الأطلنطي» - هو أيضاً أكد على أهمية السيناريو ودور ورش العمل،
منطلقاً منه إلى أهمية السينما كوسيلة لخطاب العالم، مؤكداً أن مَنْ يمتلك
إنتاجاً سينمائياً يمتلك قوة الصورة وتأثيرها على الآخر، ويمتلك القدرة على
تقديم تجربته وثقافته وتاريخه وتراثه للعالم، لافتاً إلى أن الربيع العربي
الذي شهدته المنطقة أثبت أن الدول التي تمتلك تاريخاً سينمائياً تمتلك
أيضاً القدرة على مواجهة التحديات والتماسك في مواجهة الأحداث، كما في مصر
وتونس، فرغم قيام الثورات بهما لكن إلى جوار لقطات الثورة كان هناك لقطات
سينمائية موازية قادمة من السينما المصرية والتونسية تناقلها العالم، بينما
عندما قامت الثورة في البحرين لم يجد العالم لقطة سينمائية يتناقلها
بالتوازي مع ضرب المتظاهرين هناك، خلافاً للسينما الإيرانية كذلك التي حفرت
لنفسها مكانا دولياً، أما البحرين فلم يكن هناك تراث سينمائي يأخذ منه
العالم صوراً موازية لصور المتظاهرين، بسبب ندرة الإنتاج السينمائي في
البحرين، فالسينما خطاب ثقافي مهم، وله دور خطير، ولذلك على دول الخليج
دعمه ورعايته.
شفرة طارق
الزميل الناقد السينمائي طارق الشناوي طرح الأمر من زاوية
مختلفة، لكنها مهمة ومعبرة، عندما تحدث عن «الشفرة» التي تمنح الفنان صك
التواصل في علاقته مع الجمهور بأن يظل قادرا على الرؤية والسمع، وتدريب
حواسه، حتى مع التقدم في العمر، لأن تلك الحواس هي التي تضمن له البقاء.
كانت مداخلة طارق تتعلق بنجوم الكوميديا وكيف يمكن الاحتفاظ
بمكانتهم، لكن المهم في كلمة الزميل طارق أنها تنطبق كذلك على نصوص
السيناريو، فمتى كانت تلك النصوص قادرة على التواصل مع الجمهور، والتفاعل
معه نجحت في تحقيق الجماهيرية. حتى لو كانت - في تقديري- أعمالا تاريخية؛
فامتلاك تلك الشفرة هو المفتاح السحري لإسقاط الحاضر على التاريخ والماضي
القريب.
الأمر ذاته يُؤكده الناقد السينمائي المصري المقيم بالكويت
د. عماد نويري، عندما تناول قضية السينما بعناصرها الثلاثة، مشيراً للعنصر
الثاني الذي يتمثل - برأيه - في الفن والمحتوى الفكري للعمل السينمائي، وإن
تطرق في حديثه للتطور الواقع في السينما الخليجية من زوايا عديدة، معبراً
عن مخاوفه مما يُهدد استمرار دور العرض السينمائية التقليدية، خصوصاً في ظل
تنوع وسائل العرض المنافسة لدور العرض التقليدية.
السلطنة تدعم فيلمك
في تقديري أن سهولة ووفرة وسائل العرض، وكذلك التسويق،
وغيرها من عناصر الحلقة الفنية هي ذاتها العوامل التي تُثبت وجهة نظرنا
فيما يتعلق بأهمية السيناريو؛ فرغم الثورة التكنولوجية، ووفرة الكاميرات
وسهولتها، خصوصاً أنها أصبحت في يد الجميع عبر الهواتف الجوالة، ورغم
إمكانية الوصول للجماهير العريضة عبر تطبيقات مثل اليوتيوب، فإن جودة
الإنتاج لا توازي الثورة التكنولوجية أبداً، ولا تصل إلى منتصف ما حققه هذا
التطور الهائل، وهذا سببه الجوهري ضعف وسطحية الفكر في هذه السيناريوات
التي تصل لحد الابتذال والتكرار المُمل أحياناً.
علي صعيد آخر، دعا رئيس مهرجان مسقط السينمائي، ورئيس
الجمعية العمانية للسينما، قاسم السليمي، إلى تأسيس مركز سينمائي متخصص في
الخليج يعمل على تطوير مهارات الشباب ودعمهم لتقديم أعمال جيدة، من بينها
أيضاً فن السيناريو، مثلما أعلن عن استراتيجية جديدة تتبعها سلطنة عمان،
خلال الفترة المقبلة تحت عنوان «اصنع فيلمك في عُمان»، وتهدف إلى فتح
المجال أمام المنتجين من مختلف أنحاء العالم العربي والدولي لتصوير أفلامهم
في سلطنة عمان، للاستفادة ممّا تتمتع به من تنوع كبير في التضاريس الطبيعية
والمواقع التاريخية والسياحية، مؤكداً على توفير دعم لوجستي متمثل في تعاون
وزارات السياحة والإعلام والفنون لتنظيم وتنفيذ هذه الاستراتيجية التي من
المتوقع أن تفتح مجالاً أمام الشباب لاكتساب الخبرات في مجال السينما.
بهجة الختام
بعد كل تلك النقاشات الثرية المتنوعة، والعصف الفكري على
مدار أيام أربعة أيام اختتم مهرجان العين السينمائي دورته الثانية الممتدة
من ٢٢ - ٢٥ يناير، بإعلان جوائز الفائزين، فنال فيلم «نجد» جائزة أفضل فيلم
بمسابقة «الصقر الخليجي الطويل»، من بطولة حياة الفهد وإبراهيم الحربي
وزهرة الخرجي، وإخراج سمير عارف، ثم ذهبت جائزة لجنة التحكيم في المسابقة
نفسها الى خالد الرويعي عن فيلمه البحريني «قاسم حداد.. هزيع الباب
الأخير»، وهو شريط وثائقي مصنوع بشاعرية وموسوم بالجدة المتناسقة مع شخصية
بطله قاسم حداد، عمل فني يمنحك الفرصة لتستغرق مع أفكار بطله وأسلوب مخرجه.
أما مسابقة «الصقر الخليجي القصير» فنال جائزتها الأولى
فيلم «المنطقة الرمادية» للمخرج حسين جعفر حبيب، بينما ذهبت جائزة لجنة
التحكيم لأحمد خضيري عن فيلم «المتابعون». في مسابقة «الصقر الإماراتي
القصير» فاز فيلم "نايتن" للمخرج طلال محمود بالجائزة الأولى، وذهبت جائزة
لجنة التحكيم لأحمد الملا عن فيلم «أمي»، بينما حصلت المخرجة نائلة الخاجة
جائزة الإبداع لأفضل موهبة إماراتية، وهي الجائزة المتوقعة منذ بداية
المهرجان.
التكريم المستحق للسودان
أما مسابقة «الصقر لأفلام المقيمين» فتُشكل إضافة مهمة
للمهرجان، ويجب تحية منظمي العين السينمائي على الالتفات لهؤلاء المقيمين
بدولة الإمارات، لأنهم جزء من نسيج هذا الوطن، وقد حصد جائزتها الأولى
المخرج فيصل هاشمي عن فيلم «أمبر»، فيما حصل على جائزة لجنة التحكيم فيلم
«الملاحظة الأولى» للمخرج ليث الرماحي، وفي المسابقة ذاتها نالت براء صليبي
إشادة من لجنة التحكيم كأفضل ممثلة عن فيلم «قرب الموعد».
أما جائزة «الصقر لأفلام الطلبة» ففازت بها المخرجة مريم
الطنيجي عن فيلم «العاصفة»، فيما حصل على جائزة لجنة التحكيم فيلم "ماكينة
الرعب" لعمرو لقمان، وشهادة تقدير من لجنة التحكيم لفيلم «العصافير»
للمخرجة فوزية محمد.
ثم أعلن رئيس ومؤسس المهرجان عامر سالمين المري- بشكل
مفاجئ- عن تكريم فيلم «ستموت في العشرين»، في حضور معالي الشيخ سعيد بن
طحنون آل نهيان، وتلقى التكريم بطلا العمل الممثلة إسلام مبارك ومصطفي
شحاتة. وهو تكريم مستحق حيث شهد الفيلم إقبالاً جماهيرياً لافتاً، خصوصاً
من الجالية السودانية، حتى إنه في العرض الثاني له تم استبدال قاعة العرض
والذهاب لقاعة أخرى أكبر عدداً، وعندما لم تكفِ القاعة تقرر إقامة عرض ثالث
للفيلم بدأ في الواحدة ليلاً، وكان أيضاً كامل العدد. |