اسمح لي أستاذ عامر.. أنا متضامنة مع المخرج البحريني عمار
القهوجي، وأعتقد أنه من المهم ألا يقتصر دعم المهرجان على السينمائيين
الإماراتيين؛ فمن المهم أن يكون للسينمائيين الخليجين الآخرين حظٌ من تلك
الاتفاقية التي ستُبرم مع المعهد العالي للسينما بمصر، خصوصاً أن أغلب
صناع السينما
بالخليج يُعانون من عدم دعم حكوماتهم للسينما، وفي مقدمتهم
دول مثل عمان والبحرين، وقد قلت للتو إنكم رشحتم اثنين من المواهب
الإماراتية الشابة ليكونا نواة ذلك الاتفاق مع مصر، وإنهما سيكونان أول
المستفيدين منه.
ففي تقديري الشخصي أنه طالما - منذ الدورة الأولى - كان
مهرجان العين السينمائي
يُقدم نفسه على أنه منصة لأفلام المخرجين الخليجيين عموما،
وليس فقط السينما الإماراتية، فمن العدل أن يكون للآخرين نصيب من تلك
الاتفاقية؛ بدليل أنكم حتى في التكريمات لم تُغفلوا الجانب الخليجي المتمثل
في شباب الكوميديا من الكويت، من خلال تكريم الفنان طارق العلي، إضافة إلي
تكريم كبار نجوم التمثيل بالبحرين، وهي خطوة أراها ذكية خصوصاً أن يتم
تكريم الشباب إلى جوار هرم مصري بفن الكوميديا هو أحمد بدير، فذلك يُشكل
ترويجاً ودعاية لهؤلاء الفنانين الشباب على الأخص عندما يظهرون ضمن إطار
واحد وصورة واحدة مع فنان مصري تم تكريس مكانته وصنع تاريخه، وصار قامة
كبيرة في فن الكوميديا. الترويج الأهم لمثل هؤلاء الشباب سيكون أكثر وضوحاً
في البلدان البعيدة عن منطقة الخليج عندما يُشاهدون جنباً إلى جنب مع
الفنان أحمد بدير.
فلاش باك ضروري
هكذا، عبرت عن رأيي أثناء الندوة التي أُقيمت لطرح
التساؤلات وتبادل النقاش قبيل توقيع مذكرة التفاهم بين المعهد العالي
للسينما في مصر ويُمثله د. محسن التوني، وبين المخرج والمنتج عامر سالمين
المري رئيس ومؤسس مهرجان العين السينمائي. فقدم سالمين شرحاً تفصيلياً
مُجسداً عن الصعوبات والمعوقات والهموم التي يعاني منها
صناع السينما
بدولة
الإمارات
أكثر من أي دولة خليجية أخرى؛ حيث لا يوجد دعم حكومي
للسينما، فالسعودية على سبيل المثال لديهم الآن اثنان من المهرجانات
السينمائية الكبرى، وهناك دعم حكومي للإنتاج نحو ٤٠ مليون ريال أو ما يزيد،
جميعها مُكرسة لصُناعة السينما وإنتاج الأفلام.
ثم عاد عامر سالمين المري فلاش باك لما يتعلق بمأزق السينما
الإماراتية فيما يخص نقص الدعم والرعاية، موضحاً أن الدعم الذي كان يتم
تقديمه من خلال مهرجانات إماراتية كبيرة في أهمية أبو ظبي، ومهرجان دبي
السينمائي تحول سريعاً من دعم السينما الإماراتية والمخرجين من المواطنين،
إلى دعم السينمائيين العرب، وبالطبع تأثرت السينما الإماراتية، ولم يتطور
مخرجوها؛ لأنهم لم يجدوا من يدعم تجاربهم بقوة. ثم استطرد المري مؤكداً، أن
المهرجان لن يتخلى عن السينمائيين الخليجين، ولكنه سيبدأ أولاً من
صناع السينما
بالإمارات. وهو ما أكده أيضاً المدير الفني للمهرجان المخرج
هاني الشيباني.
هموم وآلام وأحلام
على مدار ثلاثة أيام كانت الندوات بنقاشاتها المتفرعة
والمتجذرة والحماسية سمة وملمحا أساسيا من فعاليات الدورة الثانية لمهرجان
العين السينمائي، كانت الهموم الإنتاجية والترويجية ومشاكل الدعم، وإشكالية
التواصل مع الجمهور العربي بسبب اختلاف اللهجات، وصعوبة تلقي وتسويق
الأعمال الفنية الخليجية في مصر وشمال إفريقيا، كذلك قضية استبعاد الأعمال
الكوميدية ونجومها من التكريم - على منصّات المهرجانات، كما برزت قضية غياب
الدعم المالي للأعمال الفنية في مختلف الدول العربية، وتراجع الدور الرسمي
في ذلك، واعتمادها على المبادرات الشخصية والفردية.
كانت هناك محاولات لاقتراح حلول وبدائل للتغلب على تلك
المعوقات، وظلت تلك القضايا تدور في حلقات نقاشية ثنائية وثلاثية تستمر حتى
بعد أن تنفض الندوات.. حتى إن نقاش تلك المحاور لم يقتصر على ندوة «السينما
الخليجية بين الواقع والطموح»، ولكنه فرض نفسه أيضاً على الندوة التكريمية
لنجوم الكوميديا- أحمد بدير وطارق العلي وخليل الرميثي- وكذلك محاضرة «كيف
تصنع أفلاماً في الإمارات» بمشاركة إيمجنيشن أبو ظبي، وحتى الدقائق المخصصة
لتوقيع اتفاقية تعاون المشترك بين المعهد العالي للسينما وبين مهرجان العين
السينمائي، امتدت من دقائق إلى ما يزيد على ساعة تحول الأمر خلالها إلى
نقاش آخر يُعيد طرح الأمور من زاوية؛ كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من تلك
الاتفاقية بما ينعكس إيجابياً أبناء الخليج وصناع السينما هناك. وهو الأمر
الذي منح الشباب بعضاً من التفاؤل والأمل في الأيام القادمة.
لا نريد العالمية التي تهمشنا
الظريف في الأمر أن مؤسس المهرجان عامر سالمين، منذ اليوم
الأول لتلك الدورة، أكد على عقيدة مهمة تتعلق بهوية المهرجان قائلاً: «لا
نحلم بالوصول إلى العالمية، لأن هذا الأمر سيتطلب أن نغيّر ثوبنا، وارتداء
ثوب آخر مختلف ولا يعبّر عنا، ووقتها سيتحوّل حضور الفنان المحلي إلى حضور
هامشي، بدلاً من أن يكون محور المهرجان».
إن عامر سالمين القادم من أعماق العملية السينمائية المثقف
المطلع المتابع لتطورات السينما في المنطقة العربية بكافة تفاصيها
وميزانياتها وحصيلة شباك التذاكر للأفلام المتفوقة، يتحدث بحماس شديد عن
ضرورة تحقيق المعادلة الصعبة في الفن السابع، من خلال صناعة أفلام تلقى
رواجاً جماهيرياً من دون أن تتخلى عن جوانبها الفنية، ستجده أيضاً متتبعاً
أحدث تطورات السينما العالمية.
إن سالمين مخرج ومنتج وصانع مهرجان يعمل بذكاء شديد. إنه
يعي جيداً أن في حفاظه على هويته المحلية أساس الانطلاق إلى الأسلوب
العالمي في تنظيم المهرجانات وصناعة السينما. وقد كشفت النقاشات المستمرة
على مدار تلك الأيام الثلاثة عن جهود قام بها عامر سالمين المري أثناء
زيارته لمصر، خلال الأشهر الماضية ولقائه مع بعض الجهات والمسئولين
المصريين، وبينهم الدكتور أشرف زكي الذي وعد بتسهيل الأمور لتحقيق أقصى
استفادة للطلاب وصناع السينما الإماراتيين في إطار الاتفاقات
والبروتوكولات.
المخرج شريف عرفة كذلك وعد المري بإتاحة الفرصة لبعض من
صناع السينما
المبتدئين في
الإمارات
بالتدريب في أعماله السينمائية القادمة لاكتساب خبرات
ميدانية. إضافة إلى ذلك، هناك ما سيقدمه معهد السينما للإماراتيين، وفق
تصريح عميده الدكتور محسن التوني، والظريف أن الاتفاق يأتي متوازياً مع
ذكرى مرور ستين عاماً على تأسيس معهد السينما بمصر.
أفكار التوني
خلال الأيام الثلاثة الماضية جمعتني عدة مناسبات أتاحت فرصة
تبادل الأفكار والنقاش مع الدكتور محسن التوني، عميد المعهد العالي
للسينما. وجدته إنسانا دمث الأخلاق، يستمع للآخر، ويحترم رأيه، يتبادل
النقاش الحر بهدوء، تشعر من خلال الصورة التي يرسمها للتطورات التي أجراها
على المبنى الجديد بمعهد السينما أن شغف السينما مستحوذ عليه، وتُدرك إلى
أي حد هو مخلص لعمله، يُفكر في تطويره للأفضل طوال الوقت.
كلما التقينا في النقاشات الجماعية أو على مائدة الإفطار أو
فترات الراحة بين الأفلام والندوات كنا نتحدث فيما يمكن إضافته من أفكار
ولمسات إيجابية فعالة تخدم المهرجان الوليد وتعمل على تطويره، ودفعه
للأمام. تحدثنا عن ورش العمل التي يحتاجها، استعدت تجربة المخرج الإيراني
عباس كياروستامي بمهرجان الخليج السينمائي، تجاوب دكتور محسن بسرعة شديدة.
عبر عن إمكانية قيام المعهد العالي للسينما بتنظيم ورش في مدينة العين قبيل
المهرجان على أن يتم عرض نتائجها وحصيلتها الإبداعية في ختام المهرجان.
تحدث أيضاً عن إمكانية دعم المهرجان بأساتذة من المعهد
لتقديم محاضرات وندوات لصناع الأفلام، هذه الأفكار كانت حاضرة أثناء توقيع
الاتفاق أيضاً، وهنا بادر عامر سالمين باقتراح جريء رداً على أحد الحاضرين
عن إمكانية فتح فرع للمعهد العالي للسينما، المصري هنا في الإمارات، هنا،
نظر إليّ عميد المعهد قائلاً: «والله لو وافق، نحن نرحب، فهذا سيكون مكسبا
لنا».
ثم استطرد المري موضحا: مع الوضع في الاعتبار أنه ليس
بالضرورة أن نكون نحن - كمهرجان - الجهة التي ستكون مسئولية عن افتتاح هذا
الفرع من المعهد، ربما تكون هناك جهة حكومية أخرى هي المسئولة، أو جهة أخرى
هي الأقدر لأنها تملك الإمكانيات لتحقيق ذلك، فنحن ما زلنا مهرجانا وليدا
محدود الإمكانيات، تخيلوا أننا نحن خمسة أفراد ننظم مهرجانا، ومع ذلك
يكفينا فخراً أننا سنكون قد فتحنا الباب أمام المواهب من السينمائيين،
والراغبين في دراسة وصناعة السينما؛ لأننا أرشدناهم إلى الطرق المختصرة
والسبيل الصحيح المختصر لمعرفة كيف يمكنه أن يدرس بمعهد السينما في بلد
كبير يمتلك صناعة وتاريخا عريقا، مثل مصر؛ فقد سهلنا لهم الأمور، واكتشفنا
أن الشروط والمصاريف ليست معوقا أبداً، وفي ظل التسهيلات العديدة التي
يقدمها المسئولون في مصر، فأتوقع أن تكون النتائج جيدة جدا. |