بحسرة نودّع نادية لطفي "البرنسيسا"... السينما للنضال
ومناقشة القضايا
روزيت فاضل
- المصدر: "النهار"
انطفأ اليوم بريق النجمة الكبيرة نادية لطفي المعروفة
بالـ"برنسيسا"، ليغيب معها بريق الشمس الذهبي الذي كان يسطع من أشعتها
المتوهجة. وصفَ الإعلامي والباحث في التقاليد الشعبية زياد عيتاني
لـ"النهار" أن "لا أحد كان يستطيع أن يغمض عينيه أمام نادية لطفي في رقتها
المعهودة، ورومنسيتها الحالمة، وجرأتها على تقديم الجديد والمختلف،
فإطلالتها بمثابة بريق الشمس الذي لا ينطفئ وهجه".
"أكتوبر"
العظيم
وأشار
إلى أنه "على الرغم من عدم إعلانها اعتزال الفن، فإنها فضلت الاكتفاء بما
قدمته خلال مشوارها الفني لتتفرغ إلى حياتها الخاصة، وتكمل مشوارها الآخَر
في الأعمال التطوعية، لا سيما وأنه عُرف عنها منذ شبابها ميلها إلى العمل
بداية من العدوان الثلاثي عام 1956 وحتى نصر أكتوبر العظيم".
كيف دخلت عالم الفن؟ أجاب عيتاني أن "المخرج رمسيس نجيب، هو
الذي اكتشفها وقدمها للسينما، وأطلق عليها اسماً فنيّاً هو نادية"...
"والغريب أن الصدفة وحدها"، وفقاً له، "كانت طريق نادية لطفي لكي تتربع على
عرش نجمات الزمن الجميل في الستينيات والسبعينيات، عندما اكتشفها المنتج
نجيب، وقدّمها لأول مرة في السينما عام 1959 من خلال فيلم "سلطان" أمام ملك
الترسو ووحش الشاشة فريد شوقي".
وأكد أنه "يرجع السرّ في اختيار اسمها الفني الجديد إلى
رواية "لا أنام"، فقد اقتبس نجيب اسم نادية من اسم الشخصية التي قدّمتها
فاتن حمامة في الفيلم المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس".
من هي؟
عرض عيتاني لبروفيل "نادية لطفي، وهي من مواليد في حي
عابدين في القاهرة، من أب صعيدي يعمل محاسباً وأمّ من محافظة الزقازيق،
درست في المدرسة الألمانية في القاهرة، وكانت هواياتها فنية بامتياز، فكانت
ترسم وتكتب روايات قصيرة". وفي حياتها الخاصة، أشار إلى أنها "تزوجت ثلاث
مرات، كانت الأولى من ابن الجيران وهو ضابط بحري أنجبت منه ابنها الوحيد
أحمد، والثانية مطلع السبعينيات من المهندس إبرهيم صادق شفيق، وكانت هذه
الزيجة هي الأطول في عمرها، وآخر زيجاتها كانت من محمد صبري".
بمَ كانت مختلفة عن نجمات جيلها؟ أجاب أن "نادية لطفي
الاسم، الذي حملته الفنانة طوال رحلتها الفنية بعيدًا عن اسمها الحقيقي
"بولا"، وربما كان الاسم على مسماه كما تقول الأمثلة الشهيرة، فهي نادية
الخلق، وكثيرة الكرم والرقة دليلاً على لطفها المعهود". قال: "اختارت
النجمة الكبيرة لمسيرتها خطًّا مختلفًا عن غيرها من نجمات جيلها، فكانت
البطلة التي تحاكي في تفاصيل كل شخصية تؤديها الرواياتِ الأدبية التي كانت
تقوم بتجسيدها لعل أشهرها "السمان والخريف"، و"بين القصرين" للأديب العالمي
نجيب محفوظ، أو غيرها من الأدوار التي برعت فيها لنجاح قصص الكاتب الكبير
إحسان عبد القدوس ومنها: حتى لا تطفئ الشمس، النظارة السوداء، وأبي فوق
الشجرة".
"المومياء"
"وشكّل
"المومياء" نقلة في مسيرتها"، وفقاً له، "فهو مرحلة أضافت لرصيد النجمة
الكبيرة بصحبة المخرج الراحل شادي عبد السلام، فرغم الملامح الأوروبية التي
تحملها النجمة، إلا أن قسمات وتعابير وجهها بنظراتها الثاقبة منحتها روح
شخصية الجنوب التي دارت بها حوادث الفيلم، لذلك فإننا لا نصدم عند رؤيتها
مثلاً في رقصتها الشهيرة بفيلم "بين القصرين" على أنغام أغنية "طب وأنا
مالي" للراحلة بديعة مصابني، نظرًا لقدرتها على التنوع والاحترافية في لحم
شخصيتها مع ما تقدمه على الشاشة، وكذلك دور الراقصة في فيلم "أبي فوق
الشجرة".
أما مسيرتها الفنية، فردد عيتاني أنه "بجمال خاطف وعيون
آسرة استطاعت الفنانة الراحلة نادية لطفي أن تحجز لنفسها مقعداً وسط جميلات
السينما المصرية، ورغم ذلك، نادراً ما تجدها اعتمدت على جمالها الخلاب في
أدوارها الفنية، بل تعدّ الفنانة الراحلة من أهم الفنانات التي استخدمت
السينما للنضال الوطني ومناقشة قضايا المجتمع العربي"، مشيراً إلى "أنها
ابتعدت في مسيرتها الفنية عن الأفلام الخفيفة «اللايت»، بل اعتمدت مدرسة
السينما الواقعية في أفلامها، واهتمت بشكل كبير بقضايا المرأة والتي كانت
تقوم بشكل أساسي وقتئذ على المطالبة بالمساواة مع الرجل في ميادين العمل،
ولذا قدمت فيلم «للرجال فقط»، مع سعاد حسني، وكان للفيلم مردود كبير على
خلق فرصة عمل للمرأة في المجتمع تتساوى مع الرجل".
أضاف: "لعبت خلال مسيرتها الفنية العديد من الأدوار التي
تحضّ على الانخراط في المجتمع بشكل نافع وإيجابي مثل فيلمها الشهير
«النظارة السوداء»، عن رواية الأديب إحسان عبد القدوس، وإخراج حسام الدين
مصطفى، وشاركها البطولة أحمد مظهر، وناقشت فيه الطبقة الارستقراطية التي
تعيش بمعزل عن قضايا ومشاكل مجتمعها، وهناك أيضاً فيلم «عدو المرأة»، مع
الفنان رشدي أباظة، لمناقشة دور المرأة في المجتمع؛ حيث إن دورها التربوي
هو من يخرّج للمجتمع نماذج مشرّفة".
من جانب آخر، تطرق إلى أنها قدمت قرابة الـ80 فيلماً، وتميز
معظمها أنها مأخوذة عن روايات أدبية، حيث فضّلها الأدباء لتجسيد بطلة
روايتهم، وتحمسها لقبول هذه الأدوار وذلك لإيمانها أن الروايات الأدبية
عادة ما تعبّر عن واقع المجتمع مثل «لا تطفئ الشمس»، 1961، لإحسان عبد
القدوس، والمخرج صلاح أبو سيف، و«النظارة السوداء»، 1963 لإحسان عبد
القدوس، والمخرج حسام الدين مصطفى، «المستحيل»، 1965 للدكتور مصطفى محمود،
وإخراج حسين كمال، «قصر الشوق»، 1966، للأديب العالمي نجيب محفوظ، وإخراج
حسين الإمام، و«السمان والخريف»، 1967 لنجيب محفوظ، وإخراج حسام الدين
مصطفى، «5 ساعات»، ليوسف إدريس، وإخراج حسن رضا، و«أبي فوق الشجرة»، 1969،
لإحسان عبد القدوس، وإخراج حسين كمال، و«الأخوة الأعداء»، 1974، للكاتب
الروسي فيودور دوستويفسكي، وإخراج حسام الدين مصطفى".
"الراقصة
الفردوس"
وانتقل في حديثه إلى "نجاحها في الخروج من بين قضبان هذه
الملامح الملائكية لتقدم مجموعة من الأدوار وهو ما بات واضحاً من خلال
شخصية "الراقصة فردوس" في فيلم "أبي فوق الشجرة" أمام العندليب الراحل عبد
الحليم حافظ"، مشيراً إلى أن "شخصيتها "زوبة" العالمة في فيلم "قصر الشوق"
أمام الفنان الراحل يحيى شاهين، قد أكد بما لا يدع مجالًا للشك قدرة
الفنانة نادية لطفي على التكيف والتوحد مع أي شخصية يمكن أن تؤديها أياً
كانت".
وشدد على "أن أحمد مظهر أستاذها، فقدّما معاً مجموعة من
الأفلام التي تعدّ من علامات السينما المصرية، من بينها، "الناصر صلاح
الدين، النظارة السوداء، على ورق سيلوفان، أيام الحب، حبيبة غيري،
المستحيل، عمالقة البحر".
وقفت نادية لطفي أمام كبار النجوم "عبد الحليم حافظ، يحيى
شاهين، رشدي أباظة، محرم فؤاد، عماد حمدي، صلاح منصور، محمود مرسي"،
واستطاعت خلال مشوارها الفني أن تقدم أدواراً متميزة قد لا تتفق مع طبيعتها
إلا أنها استطاعت أن تقنع مشاهديها وجمهورها بكل شخصية قامت بتقمصها"، قال:
"كان لنادية لطفي رصيد كبير حيث صنف النقاد ستة أفلام من أفلامها ضمن قائمة
أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهي: "المومياء، الناصر صلاح
الدين، المستحيل، أبي فوق الشجرة، الخطايا، السمان والخريف".
النضال الوطني
وتوقف عيتاني عند الفنانة الراحلة التي استخدمت السينما
للنضال الوطني ومناقشة قضايا المجتمع العربي. فبعيداً من السينما، كان
للفنانة نادية لطفى دور وطني مصري وعربي، وجسّدت أفضل مثال للمشاركة
المجتمعية للفنان؛ حيث اتخذت من مستشفى قصر العيني، أثناء حرب 1973، سكناً
لها لمداواة جرحى الحرب".
أما على المستوى العربي وفي قضية القومية العربية، فأكد أنه
"كان لها دور هام، فهي الفنانة الوحيدة التي ذهبت لتمكث وتصمد في بيروت
أثناء حصارها عام 1982 من قبل العدو الصهيوني، وقامت بتسجيل ما حدث من
مجازر في صبرا وشاتيلا بكاميراتها الخاصة، ونقلته لمحطات تلفزيون عالمية...". |