مواجهة ثلاثية بين مصر وإسرائيل ولبنان.. والسينما السياسية
تلقى بظلالها مع «غزاة الليل»
تعكس مسابقة «بانوراما» مهرجان برلين السينمائى الذى تنطلق
دورته الـ71 أول مارس افتراضيا، نبض السينما العالمية المعاصرة، باتجاهاتها
المختلفة من حيث الرؤى والمناطق الجغرافية، والتى تعكس نظرة المخرجين
لواقعهم السياسى والاجتماعى، وكيف ألقت تلك النظرة الضوء على تفاصيل مهمة،
صغيرة كانت أم كبيرة، لكنها تحمل أبعادا فنية وفكرية وتجيب عن السؤال: كيف
يفكر سينمائيو العصر فى عالم اليوم. على شاشة «بانوراما برلين» تم تمثيل
الشرق الأوسط بشكل جيد وخاص هذا العام مع أربعة مخرجين شباب من مصر لبنان
وإسرائيل فى مواجهة سينمائية خاصة.
فمصر حاضرة بفيلم «سعاد» وفيه تستكشف المخرجة المصرية آيتن
أمين فى تجربتها الروائية الطويلة الثانية بعد «فيلا ٦٩»، التوتر بين
القيود الاجتماعية الداخلية وإدراك الذات الشخصية.
الفيلم الذى تشارك فى إنتاجه تونس وألمانيا، ويقوم ببطولته
بسنت أحمد وبسملة الغيس وحسين غانم، شارك من قبل ضمن الاختيارات الرسمية
لمهرجان كان السينمائى، يتناول قصة سعاد المصرية، البالغة من العمر 19
عاما، لها هوايات متعددة: واحدة على وسائل التواصل الاجتماعى، وأخرى كطالبة
مجتهدة وابنة مطيعة. عندما تحطمت أفكار سعاد لحياة تقرير المصير، تبدأ
أختها الصغرى فى البحث عن إجابات عن الأسئلة الحائرة حول مدى تأثير
السوشيال ميديا على حياتهم وبخاصة المراهقين التى تشكل شريحة ضخمة من
المجتمع وذلك بشكل إنسانى اجتماعى.
ومن لبنان نجد فيلمين الأول بعنوان «موت عذراء وخطيئة عدم
العيش» فى أول إخراج للأرجنتينى اللبنانى جورج بيتر بربارى، وبطولة إتيان
عسل وعدنان خباز وجان بول فرنجية وإلياس سعد وفيروز أبى حسن وثريا بغدادى.
وفى الفيلم تسافر مجموعة من الشباب اللبنانيين لزيارة عاملة
بالجنس فى أول لقاء جنسى لهم فى فيلم يفكك طقسا ذكوريا عالميا.
هذا الصباح، يتعين على إتيان أن يكذب على والدته حتى يتمكن
من الانضمام إلى ثلاثة أصدقاء فى نزهة سرية. لقد قاموا بتجميع الأموال لدفع
أجرة عاملة بالجنس وهم على وشك ممارسة الجنس لأول مرة. على الرغم من أن
المراهقين يضطرون إلى السفر بطريقة ما من أجل مشروعهم، فلا يوجد وقت
للتفكير فيما سيفعلونه. وبدلا من ذلك، فإنهم يخفون قلقهم بالمفاخرة والمزاح
والحجج التنافسية بلا توقف. لا أحد فى دائرة نصف قطرها يُستثنى من ذلك لأن
أبطال الرواية يدلون بتعليقات مهينة بشكل عرضى عن أشخاص آخرين يعبرون
طريقهم. على الرغم من أن معظم مزحاتهم لا تزال دون اعتراض، إلا أنها لا تظل
دون انقطاع تماما ــ لأن الفيلم يكشف أيضا فى المونولوجات الصوتية ما يزعج
العديد من الشخصيات الثانوية. لم يتم الكشف عن مخاوفهم الداخلية وشوقهم
فحسب، كما قيل لنا ما يخبئ لهم القدر. وبهذه الطريقة، نتعلم المزيد عن
الشباب أكثر مما هم على استعداد للكشف عنه لبعضهم البعض.
فى فيلمه الأول، قام جورج بيتر بربارى بتفكيك الأسطورة
العالمية التى تحيط بطقوس مرور ذكورية. لقد ابتكر فيلما متعدد الألحان من
الوضوح الرسمى يصطدم فيه الشعر والواقع الاجتماعى بشكل مؤلم.
«حرب
ميجيل»
والفيلم الثانى هو الوثائقى «حرب ميجيل»، للمخرجة إليان
الراهب، وهو إنتاج مشترك مع ألمانيا واسبانيا ويقدم صورة لرجل مثلى اسمه
ميجيل ولد عام 1963 لأب لبنانى محافظ وكاثوليكى وأم مستبدة من عائلة سورية
ثرية، بعد فراره من الحرب والقمع فى لبنان، وهروبه إلى مدريد فى حقبة ما
بعد فرانكو وهو فى العشرينيات من عمره، يعود مرة أخرى بعد 37 عاما إلى
لبنان لمواجهة أشباح ماضية وصراعاته الداخلية حول مشاعر الحب والإحساس
بالذنب فى صورة متعددة الطبقات من حيث الشكل والمحتوى.
«عيون
إسرائيل»
فى المواجهة أيضا يأتى الفيلم الإسرائيلى «كل العيون بعيدة
عنى» إخراج حدس بن عروية، بطولة إليشيفا ويل ويواف هيت وليب ليف ليفين
وهدار كاتس، والفيلم يتناول قصة دانى الحامل من ماكس الذى ينشغل بتجربة
التخيلات الجنسية معها وتريد منه أن يضربها عندما يمارسون الجنس. مخرج
الفيلم قال إنه صورة للأجيال التى تسأل: ما مدى تحررنا حقا؟
وتشهد شاشة بانوراما رؤية جديدة للسينما الألمانية التى
تلقى نظرة على الماضى عبر فيلم «جيل» للمخرجة مونيكا تريوت، حيث تسافر
المخرجة إلى الولايات المتحدة للبحث عن رواد ونشطاء المتحولين جنسيا الذين
ظهروا لأول مرة فى فيلمها السابق لاكتشاف كيف تطورت حياتهم ونشاطهم.
الفيلم لم يتتبع خطط الحياة المتغيرة لأبطاله فحسب، بل يرسم
أيضا صورة ثاقبة للولايات المتحدة فى نهاية عهد ترامب.
ومن ألمانيا أيضا هناك فيلم «بليس» إخراج هنريكا كول بطولة
كاثرينا بيرينز وآدم هويا ونيلى كاينبرج وجان لوك بوبير وتدور أحداثه حول
عاملتين فى الجنس يلتقيان فى بيت دعارة فى برلين حيث جسد الأنثى فيه سلعة،
وتبحثان عن حياة مختلفة فكيف يكون المصير.
«عوامل
بشرية»
بينما يجىء فيلم آخر من إنتاج ألمانى ايطالى دانمركى بعنوان
«العوامل البشرية»، ويعد الفيلم الروائى الثانى للمخرج رونى تروكر، وبطولة
مارك واشكى، سابين تيموتيو، جول هيرمان، وانجا فالنتين كوب.
وفى الفيلم نرى صورة نفسية مركبة لمجريات حياة زوجين بعد ظهور حدث ما، فهما
يديران وكالة إعلان ناجحة، فيما يتخذ الزوج «جان» قرارا منفردا بتولى
الحملة الانتخابية لحزب سياسى ذى ميول شعبوية ــ وهى خطوة تتعارض مع كل ما
تعتز به «نينا» زوجته وشريكته ويواجه زواجها مصير غامض.
«العالم
من بعدنا»
ومن فرنسا تضم القائمة فيلم «العالم من بعدنا» إخراج لودة
بن صلاح كزاناس، وهو فيلم آسر يجمع بين الموضوعات الكلاسيكية لسينما الموجة
الجديدة الفرنسية مع أسئلة حول الجذور والألفة، وذلك من خلال شخصية
«العبيدى» كاتب شاب يكافح ويحاول إثبات وجوده، بعد نجاحه بقصة قصيرة، نشر
روايته الأولى، بينما كان يعيش فى غرفة صغيرة مع زميلته وصديقه المقرب
ألكسى، يلتقى إليسا، وهى طالبة ليصبح عالق فى عاصفة رومانسية، ولأنه لا
يتخذ دائما الخيارات الصحيحة سيواجه العبيدى حقائق الحياة اليومية على حساب
كتاباته.
وفى مسيرة السينما الفرنسية نجد فيلم «ثيو والمساء» اخراج
داميان أودول، بطولة ثيو كيرميل وبيير مونييه وإيليا سليم ولويز موران
وأيومى رو، ويتناول قصة ثيو، 27 عاما، مصاب بمتلازمة داون، يعيش فى عزلة فى
الغابة مع والده. كل يوم يدرب جسده ليصبح ساموراى. فى أحد الأيام، رحل
والده بعيدا وأصبح ثيو وحده مع عالمه من الأفكار وقرر أن يبدأ حياة جديدة.
«غزاة
الليل»
السينما السياسية تلقى بظلالها على مهرجان هذا العام عبر
الفيلم النيوزلندى الكندى «غزاة الليل» للمخرجة دانيس جوليت، اماندا بلامر
وإيلى مايا تيلفيذرز وأليكس تارانت وبروكلين ليتكسيروهارت وشون سيبوس.
الفيلم يسبح بنظره فى المستقبل البائس القريب فى أمريكا الشمالية التى
يسيطر عليها الجيش، حيث يُعتبرالأطفال ملكا للنظام العسكرى الذى يدربهم على
القتال من أجل النظام فى مدرسة داخلية حكومية بعد انفصالهم عن والديهم،
ونرى فى الأحداث قصة امرأة تدعى نيسكا تحاول استعادة ابنتها من ذلك الوضع،
حيث تختبئ هى وابنتها سيسى البالغة من العمر 11 عاما فى الغابة هربا من
طائرات الأمن بدون طيار التى تحوم بشكل دائم فى سماء المنطقة وتنضم نيسكا
إلى منظمة سرية من الحراس مصممة على إنقاذ أطفالهم المختطفين.
الفيلم الواقعى ليس من النوع الكلاسيكى، ولكنه حكاية عن
حالة الأمم الأولى فى أمريكا الشمالية يُروى الفيلم من قبل شخصيات نسائية
قوية، وهو مزعج بقدر ما هو شاعرى.
«صورة
استبدادية»
«حارس
الأخ» هو الفيلم التركى الرومانى اخراج فريت كاراهان، دراما منسوجة بدقة فى
صورة مصغرة لمدرسة داخلية استبدادية فى جبال الأناضول للاولاد الاكراد
المنعزلين.
حيث نرى يوسف البالغ من العمر 12 عاما وصديقه المقرب ميمو
تلميذان فى مدرسة داخلية للأولاد الأكراد المنعزلين فى جبال الأناضول.
عندما يمرض «ميمو» بشكل غامض، يجب على يوسف إقناع السلطات القمعية فى
المدرسة للحصول على المساعدة قبل فوات الأوان. المخرج فريت كاراهان يقدم
صورة تحفر فى قضايا عميقة من القمع والسيطرة بينما لا تغفل أبدا عن قصة
البراءة المؤثرة التى تواجه السلطة.
والفيلم البريطانى «الرقيب» للمخرحة والمؤلفة برانو بيلى
بوند وفى الفيلم تأخذ رقيب الأفلام «إنيد» عملها على محمل الجدو بحماس
شديد، توصى بتنقيح المشاهد العنيفة والوحشية والدموية والصريحة جنسيا
للرقابة، والتى بدونها لا يمكن إطلاق أى فيلم. تعزز إحساسها بالواجب بمشاعر
الذنب منذ طفولتها. لا يزال الاختفاء الغامض لأختها الصغرى يثقل كاهلها. لم
تتخل إنيد عن البحث عنها بعد، رغم أن والديها قررا إعلان وفاة أختها. عندما
تم تكليف
Enid
بمراقبة فيلم من الأرشيف، فإنه يعيد إحياء ذكريات جديدة فى ذلك الوقت.
أصبحت مهووسة بشكل متزايد، وتلتقط الطريق وتشرع فى مهمة مروعة ومحمومة تصبح
خلالها الخطوط الفاصلة بين الخيال والواقع غير واضحة.
تدور أحداث الفيلم فى الثمانينيات، عندما كان الجدل المثير
لوسائل الإعلام حول تأثير مقاطع الفيديو العنيفة على المجتمع فى ذروته
وكانت حكومة تاتشر تشدد الرقابة، كان الظهور الأول للمخرج برانو بيلى بوند
بمثابة قصيدة دموية لجماليات أفلام الرعب فى ذلك الوقت التى تنظر فى الصدمة
والوهم وقوة الصور.
ويتنافس الفيلم الامريكى المكسيكى «الريش المتسخ» ويتناول
قصة مؤثرة، حيث يضرب براندون بطن زوجته الحامل ريجان ويتحدث إلى طفلهما
الذى لم يولد بعد: «يا فتى، لقد جعلتنى أشعر بالخوف الشديد، أيها الصبى.
ولكنها جيدة». فى شوارع مدينتى إل باسو وسيوداد خواريز الحدوديتين على
الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، التقينا بالعديد من الأشخاص ــ بمن
فيهم أب حزين ومحارب قديم و16 عاما ــ الذين يعيشون بدون منزل. فى الليل،
ينام الكثير منهم فى ملاجئ
OC،
مركز الفرص للمشردين فى إل باسو، ولكن خلال النهار، فإن الأمر يتعلق بطريقة
ما بالبقاء فى الشوارع. معا وبشكل فردى، يفكرون فى ماضيهم وخلفياتهم وما هو
موجود هنا والآن ويشاركون أحلامهم ورغباتهم وآمالهم فى المستقبل التى
تبقيهم على قيد الحياة.
يتميز أول فيلم وثائقى طويل للمصور والمخرج المكسيكى كارلوس
ألفونسو كورال بإحساس قوى بالعلاقة الحميمة. تضعنا فورية التصوير بالأبيض
والأسود للفيلم باليد جنبا إلى جنب مع أبطال الفيلم حيث نرافقهم خلال
حياتهم اليومية على هامش المجتمع، حيث يعانى البعض من الصدمات والإدمان
وعنف الشرطة. |