مع اقتراب مسابقة مهرجان كان السينمائي الدولي الرابع
والسبعين مع الانتهاء، بدأت التوقعات والتكهنات حول الفائزين في الظهور بين
حضور المهرجان، لا سيما مع ارتفاع المستوى الملحوظ الذي شهدته الأيام
الماضية، بعرض مجموعة من أفضل أفلام المسابقة التي أعادت التوازن للتنافس
وجعلت التوقعات أمرًا بعيدًا، في ظل تميز عدة أفلام وعدم وجود عمل يحلق
وحده كما كان "طفيلي
Parasite"
الذي كان الجميع على يقين من فوزه فور انتهاء عرضه الأول في دورة 2019.
نواصل هنا التحليل النقدي لأفلام المسابقة، مع خمسة أفلام
جديدة نصل بها إلى 19 فيلمًا من أصل 24، لتتبقى رسالة أخيرة نكمل بها
نظرتنا لكافة أفلام سباق السعفة الذهبية هذا العام.
تيتانيوم
Titane –
جوليا دوكورناو (فرنسا)
قبل خمس سنوات، هزت المخرجة الفرنسية الشابة أرجاء كان
بفيلمها الأول "نيء
Raw"،
الذي عُرض في أسبوع النقاد ليفاجئ الجميع ويتم اعتباره فورًا أحد أفضل
وأجرأ أفلام المهرجان عامها. فيلم قدمت فيه قصة نضج غير مألوفة لفتاة تدرس
الطب البيطري تبدأ في تكوين شهوة تجاه أكل اللحم البشري، في حكاية تقول
الكثير عن الوحدة وعن اكتشاف البعد الحيواني للجنس.
"نيء"
نقل دوكورناو فورًا إلى حيز المخرجين الذين ينتظر الجميع أعمالهم القادمة،
لتأخذ وقتها في صنع الفيلم الثاني الذي وجد طريقه لمسابقة كان الدولية،
قافزًا الخطوات المعتادة لترقية صناع الأفلام داخل أقسام المهرجان، مستفيدة
من قدرتها على تقديم سينما فريدة، وسرد حكايات جديدة كليًا، لا يفوق
غرابتها سوى قدرتها على الإمتاع وطرح الأسئلة وتحرير العقل من أسر القوالب
الجامدة.
يبدأ "تيتانيوم" بفلاش باك لحادث سير تتعرض له الطفلة
أليكسيا ينتهي بزرع شريحة من التيتانيوم داخل رأسها لتعويض كسر في الجمجمة.
ليقفز الفيلم إلى الحاضر فنجدها وقد صارت راقصة في عروض سيارات، أقرب لفتاة
التعري منها لأي شيء آخر. تمنحها الشريحة البارزة في جانب رأسها، مع
الحيوية والحسية المفرطة للممثلة أجاث روزيل (التي يمكن اعتبارها أحسن
ممثلة في المسابقة حتى هذه اللحظة)، قدرًا مدهشًا من الجاذبية الجنسية يمكن
لمسه بمجرد ظهورها على الشاشة.
فتاة مثل أليكسيا في سياق فيلمي آخر هي هدف مثالي للتحرشات
والمضايقات من الرجال، إلا أن النساء في سينما جوليا دوكورناو (وفي عالمنا
اليوم بشكل ما) مختلفات، لذلك فاللحظة التي يتعرض فيها معجب متحمس للبطلة
ويتجاوز حدوده معها، هي اللحظة التي تتحول فيها دفة الأحداث، فتفعل أليكسا
ما تحلم كل امرأة في وضعها بفعله وتمزق المتحرش، قبل أن تنتهي الليلة بحدث
يكمل تأسيس النبرة العامة للفيلم: الفتاة المكونة جزئيًا من التيتانيوم
تنجو من تحرشات رجل لتمارس الجنس مع سيارة، حرفيًا!
تبدو العبارة جنونية وهي بالفعل كذلك، ككل شيء في فيلم
المخرجة الموهوبة الذي تواصل فيه مساحة فيلم النضج الجنسي
sexual coming of age
بصورة لا يمكن وصفها إلا بالحرية. هذه فنانة لا تقيد نفسها بأي قواعد سابقة
سواء للسينما أو للأفكار، تطرح موضوعها بصورة شيقة لأنها بعيدة تمامًا عن
التوقعات، وتقدم رؤية تشبه عصرها: متصالحة مع فكرة الاختلاف، ومع صعوبة
اكتشاف الفرد لهويته، ومع ما يجب أن يمر به المختلف من مصاعب بحثًا عن
الاستقرار أولًا وعن الآخر الذي يكمله ثانيًا.
بعد سلسلة من الجرائم العنيفة تقرر أليكسيا انتحال شخصية
الولد المختفي منذ سنوات لرجل المطافئ المهووس بإبقاء جسده شابًا (فينسان
ليندون)، لتكتمل دائرة التنقلات الجندرية بضرورة تحول الفتاة نصف الآلية
التي تحمل جنينًا من سيارة إلى رجل طيلة أوقات اليوم!
لن نستمر في سرد أحداث لن تمنح من يقرأها إلا انطباعًا
بالجنون، لكن "تيتانيوم" فيلم أبعد ما يكون عن الجنون، هو فقط غريب بصورة
تناسب هذا العصر، ومصاغ بتحرر نتمنى أن نعيش فنجده لدى فنان آت من وطننا
المنكوب ثقافيًا.
بطل
A Hero –
أصغر فرهدي (إيران)
المخرج الأكثر موهبة في السينما الإيرانية المعاصرة يعود
إلى قواعده سالمًا. بهذه الكلمات يمكن وصف عودة أصغر فرهدي لتصوير الأفلام
في وطنه بعد محاولة أكثر من محبطة قدمها في إسبانيا عندما صور "الجميع
يعلمون
Everybody Knows"
مع ممثلين بحجم بينيلوبي كروز وخافير بارديم، ليحتفي مهرجان بالفيلم ويفتتح
به دورة 2018 فتأتي النتيجة أقل بكثير من كافة التوقعات.
هذه المرة، يعود فرهدي إلى إيران، وبالتحديد إلى مدينة
شيراز التي تحتضن حكاية كُتبت على الطريقة التي صنعت شعبية ونجاح المخرج
وجعلته أول إيراني يتوج بالأوسكار عن فيلمه الشهير "انفصال
A Separation"
عام 2011. الأفلام المعتمدة على سيناريو محكم تدخل فيه الشخصيات صراعًا
متصاعدًا من جراء قرارات بسيطة يتخذونها دون وعي بكرة الثلج التي ستتوالد
عنها، والتي يتغير خلالها موقفنا من الشخصيات بشكل مستمر، بين تفهم الضعف
الإنساني الذي يتخذون قرارتهم نتيجة له من ناحية، وبين السخط على الأحكام
الخاطئة ونتائجها من ناحية أخرى.
"بطل"
هو رحيم (أمير جديدي)، الرجل الذي يبدأ الفيلم بحصوله على إذن مدته يومين
يغادر فيهما السجن الذي يقضي فيه عقوبة لتعثره في سداد دين. لدى رحيم
والمرأة التي يحبها خطة لدفع جزء من الدين والحصول على موافقة الدائن كي
ينال رحيم حريته. لكن الأمور لا تسير وفق المخططات، فيضطر رحيم لرسم خطة
ضخمة يخدع من خلالها الجميع: سلطات السجن والإعلام ووسائل التواصل
الاجتماعي، بل وأفراد أسرته، ليصير بطلًا شعبيًا بين يوم وليلة تحتضنه
مؤسسات العفو وتجمع له التبرعات كي يسدد دينه.
لا حاجة للقول بأن الخطة لن تسير وفق تخيلات رحيم، وأن عدة
أخطاء بعضها ناتج عن أفعال خاطئة منه وبعضها وليد العصر والطريقة التي
يتعامل بها الجميع مع من تبزغ شهرتهم فجأة، فيتحول الإعجاب بهم إلى تشكك ثم
إلى عداء في ترتيب أصبح نمطًا يمكن تطبيقه على آلاف الحالات في كل مكان.
بالطبع ظهور تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في فيلم إيراني
أمر يستحق الانتباه، فكل ما يتعلق بالتكنولوجيا ظل شبه غائب عن الدراما
الإيرانية ربما في ظل حجب أغلب المواقع المعروفة عن المستخدمين في البلاد.
لكن الأهم هو كيفية توظيف أصغر فرهدي للأمر في نسيج فيلمه، ليتشابك مع
مشاعر الحب والكراهية والإعجاب المشوب بالشك التي يكنها المحيطين برحيم
تجاهه، طارحين أسئلة إنسانية حول معنى الصدق والكذب، وهل يجب اعتبار من
يقول نصف الحقيقة كي ينقذ نفسه صادقًا أم كاذبًا؟
"بطل"
هو فيلم العودة لمخرج كبير خرج من ثقافته فتعثر قليلًا، ثم عادة للمساحة
التي يعلم كافة تفاصيلها، فيمكنه دائمًا أن يرسم داخلها حكاية صالحة
للتواصل مع المشاهدين في أي مكان حول العالم.
صاروخ أحمر
Red Rocket –
شون بيكر (الولايات المتحدة)
لا يمكن اعتبار المستوى الرائع الذي ظهر عليه الأمريكي شون
بيكر في مشاركته الأولى بمسابقة كان الدولية مفاجأة، فالمخرج الموهوب الآتي
من عالم السينما المستقلة أثبت فيلما بعد الآخر قدرته على إيجاد الدراما
داخل أحشاء المجتمع الأمريكي، وتقديمها بصورة فنية جذابة، فالكل يذكر فيلمه
المصور بهاتف آيفون "تانجارين
Tangerine"
الذي كان أحد أهم أفلام 2015 وشكل وقتها نقلة في صناعة السينما.
إذا أردنا تصنيف أفلام بيكر سندرجها ضمن أفلام "الحثالة
البيضاء
White Trash"،
النوعية التي بزغت في العقد الأخير وفيها تُعرض الطبقات الدنيا من المجتمع
الأمريكي الأبيض التي تعمدت استوديوهات هوليوود منذ نشأتها أن تتجاهل
وجودها. وإذا أردنا التخصيص أكثر سنرصد اهتمام واضح من بيكر بعالم تجارة
الجنس: العاهرات والمتحولات جنسيا ونجوم البورنو. العالم الذي يكاد يتواجد
في كافة أفلامه، والذي يظهر مجددا بأفضل صورة في "صاروخ أحمر".
عنوان الفيلم هو عبارة من اللهجة الدارجة في الأزقة
الأمريكية، وتشير لقضيب الكلب خلال الانتصاب! وهي الكناية التي يشير بها
شون بيكر لبطله مايكي، ممثل الأفلام الإباحية الذي يمتلك (2000 فيلمًا و6
جوائز و13 ترشيحًا) كما يستمر في تقديم نفسه للآخرين، والذي خرج من اللعبة
مفلسًا فكسر عهدًا قطعه على نفسه قديمًا بالمغادرة النهائية، ليعود إلى
مسقط رأسه في إحدى مدن تكساس النائية باحثًا عن بداية جديدة.
البداية الجديدة على طريقة مايكي بطبيعة الحال، لا حديث هنا
بدء مشروع أو إيجاد وظيفة في ظل صعوبة تشغيل من يمتلك مسيرة مهنية كهذه.
وإنما العمل المتوقع في ترويج المخدرات والأمل في إيجاد مدخل جديد لصناعة
البورنو في صورة فتاة يقدمها للصناعة ويدير أعمالها ليعود معها للأضواء.
يقتحم مايكي حياة زوجته السابقة (التي لم يطلقها من الأساس
وإن افترقا منذ أعوام) وأمها ليعيش معهما مقابل تحمل جزء من الإيجار،
لينغمس وننغمس معه في الحياة المسكوت عنها على هوامش أمريكا. بلدة كاملة
بلا حاضر ولا مستقبل، جميع سكانها متبطلون أو يعملون في وظائف حقيرة،
يبيعون المخدرات أو يتعاطونها، أو يمارسون الأمرين معا في أغلب الأحوال.
وفي الخلفية تدور المعركة الانتخابية بين ترامب وكلينتون، في إشارة واضحة
لارتباط مسار تلك الانتخابات بما يحدث أمامنا في هذه البلدة.
أداء مدهش يقدمه سيمون ريكس، الممثل المغمور الذي قدم
مجموعة من البرامج التلفزيونية، بل وشارك في بداية حياته في بعض الأفلام
الإباحية بالفعل، والذي يظهر هنا بصورة مدهشة جعلته فورًا في صدارة
المرشحين لجائزة أحسن ممثل. طاقة هائلة تنفجر في كل لحظة على الشاشة، يجمع
من خلالها بين الحس الطفولي الذي يتعامل مع الحياة بقدر من التلقائية،
والخبث المتمثل في تلاعبه بالمراهقة الجميلة التي يحاول إقناعها بدخول عالم
البورنو.
الحكاية تتدفق طوال زمن الفيلم الذي يتجاوز ساعتين لا تكاد
تشعر بمرورهما، وفي خلفيتها الكثير مما يمكن قراءته بين السطور عن
هيراريكية السلطة في أي مجتمع، وكيف يمكن أن تتحول دفة الأمور داخل المنزل
والمطعم والبلدة بأكملها حسب قدرة أي فرد على أن يتحكم اقتصاديًا، فمن يدفع
الفواتير له الكلمة العليا بغض النظر عن أي حسابات منطقية أو أخلاقية.
وغيره من الأسئلة التي يطرحها "صاروخ أحمر"، أحد أفضل أفلام مسابقة كان 74.
باريس الضاحية الثالثة عشر
Paris, 13th District –
جاك أوديار (فرنسا)
بالرغم من كون الفيلم الرومانسي هو أحد أهم الأنواع التي
منحت السينما جماهيريتها وشعبيتها عبر التاريخ، إلا أن القرن الحالي شهد
تراجعًا كبيرًا في مستوى الأفلام الرومانسية، والتي صار هناك شعور عام بأن
السينما قد استنزفت كافة أشكالها وتباديلها وتوافيقها، بحيث صارت الغالبية
العظمى من الأفلام الرومانسية مجرد تكرارات لما سبق مع تغيير تفصيلة هنا
وأخرى هناك.
من الحقيقة السابقة تأتي أهمية الفيلم الجديد لجاك أوديار،
أحد ثلاثة مخرجين يتنافسون في مسابقة هذا العام سبق لهم التتويج بالسعفة
الذهبية، التي نالها أوديار عام 2015 عن فيلم "ديبان
Dheepan".
الفيلم الجديد الذي يقدم المخرج المخضرم فيه النوع الرومانسي بصورة جديدة
تمامًا، ابنة عصرنا الحالي، تمتلك حسًا حداثيًا واضحًا وطزاجة تعيد للنوع
رونقه وجاذبيته.
أوديار الذي اعتاد التنقل بين الأنواع الفيلمية بسلاسة
(ديبان على سبيل المثال كان فيلم أكشن يدور في عالم مهاجري التاميل في
باريس) يستند في النص الذي كتبه بصحبة سيلين سياما وليا مايسوي على ثلاث
قصص مصورة من أعمال المؤلف والرسام الأمريكي الشهير أدريان تومين.
المصدر يعكس رغبة المخرج في المعاصرة، وبحثه عن علاقات حب
يمكن تصديق حدوثها في باريس 2021، عصر الأنترنت والتواصل على مدار الساعة
والاحتمالات اللانهائية المتاحة أمام كل إنسان.
بالأبيض والأسود وفي الضاحية الثالثة عشر من عاصمة النور،
تتقاطع حياة أربع شخصيات: إيميلي (لوسي جيانج) الفتاة ذات الأصول الصينية،
الفاقدة للتحقق المهني والعاطفي والمندفعة في تجاربها الجسدية، والتي توافق
على تأجير غرفة في شقتها لكاميل (ماكينا سامبا)، المدرس الأسود الذي يستعد
لتغيير في حياته، والذي يدخل علاقة جنسية مع شريكته الجديدة في السكن تنتهي
سريعًا لتصير شراكتهما في المنزل عاصفةً باستمرار.
في نفس الوقت نتعرف على نورا (ناعومي ميرلان) التي تعود
للجامعة في عمر الثلاثين فيصدمها تشابهها مع إحدى فتيات الكاميرات الإباحية
بما يفسد خطتها لاستكمال الدراسة، فتعمل مع كاميل وتدخل معه علاقة يتضح
فيها الفارق الكبير بينها وبين إيميلي في تصالح كل منهما مع جسدها.
بالتزامن مع ذلك تبدأ نورا في التواصل مع فتاة الكاميرا المشابهة لها (جيني
بيث) لتنشأ بينهما صداقة تتحول انجذابًا عاطفيًا.
البناء الدرامي متماسك ومليء بتفاصيل العصر الجديد، سواء
على مستوى تقنيات وتطبيقات التواصل والمواعدة، أو على مستوى طبيعة
الشخصيات، في عالم صارت النساء فيه أكثر تمكينًا وقدرة على مطاردة الحب
ببعديه العاطفي والجسدي. مع فهم كبير لتأثير الزمن على العلاقات، ففي أكثر
من مرة يترك أوديار فترة تمر، لنعود فنلاحظ تغير منطقي طرأ على أبطاله وفتح
أبوابًا جديدة للتواصل بينهم.
"باريس
الضاحية الثالثة عشر" هو صورة لرومانسية عصرنا الحالي، خارج كليشيهات النوع
وبصياغة درامية وبصرية بديعة، يقدم جاك أوديار نفسه كأحد أبرز المتنافسين
على جوائز كان هذا العام.
قصة زوجتي
The Story of My Wife –
إلديكو إينيدي (المجر)
قبل 32 عامًا، وتحديدًا في دورة 1989، شاركت المخرجة
المجرية الشابة آنذاك إلديكو إينيدي بفيلمها الطويل الأول "قرني العشرين
My 20th Century"
في مهرجان كان، لتلفت الأنظار ويفوز الفيلم بالكاميرا الذهبية، الجائزة
التي تمنحها لجنة تحكيم خاصة لأحسن عمل أول لمخرجه بين أفلام المهرجان في
كافة أقسامه.
بعد البداية الواعدة غابت إينيدي عن الأضواء طويلًا، مقدمة
أفلام متوسطة المستوى على أفضل تقدير، قبل أن يأتي العام 2017 ليعيدها
لمركز السينما العالمية بجدارة، بعدما فاز فيلمها البديع "عن جسد وروح
On Body and Soul"
بالدب الذهبي لمهرجان برلين، ثم ترشح للأوسكار، لتسترجع المخرجة التي لم
تعد شابة الاهتمام، وتُفتح لها أبواب مهرجان كان ليعرض فيلمها الجديد "قصة
زوجتي" في المسابقة الدولية التي تتنافس فيها للمرة الأولى.
إلا أن العودة المرتقبة صارت كابوسًا بمشاهدة الفيلم الذي
تقدم فيه إينيدي معالجة لرواية الكاتب المجري ميلان فوست التي تحمل نفس
الاسم. المخرجة التي كتبت السيناريو بنفسها تلتزم بالرواية التزامًا
أرثودوكسيًا، لتروى حكاية القبطان البحري جاكوب (الممثل الهولندي جيس نابر)
الذي يسمع نصيحة طباخ السفينة بالبحث عن زوجة، فيختار أول امرأة تدخل
المطعم الذي يجلس فيه ويعرض عليها الزواج. والغريب أن ليزي (النجمة
الفرنسية ليا سيدو) توافق ليتزوجا، وتبدأ بينهما لعبة الشد والجذب والغيرة
وانعدام الثقة.
ثلاث ساعات تقريبًا يمتد إليها زمن الفيلم الذي قسمته
المخرجة إلى سبعة فصول (ثالث فيلم في المسابقة يتم تقسيمه بعد فيلم
النرويجي خواكيم تريير وفيلم الأمريكي ويس أندرسون). فصول لا يوجد بينها أي
تمايز ولا تكاد تلعب أي دور باستثناء استخدامها كأداة عد تنازلي يمكن من
خلالها الإحساس باقتراب خاتمة الفيلم الذي يمنحك شعورًا باللانهائية، حتى
أنك تشفق على ليا سيدو، أحد أكثر ممثلات العالم موهبة، وهي تحاول إيجاد ما
يمكن تمثيله في ظل هذا التكرار.
هناك تميز واضح على مستوى الأزياء والديكورات التي تعود بنا
إلى مطلع القرن العشرين، لكنه يبقى تميزًا شكليًا في ظل دوران الفيلم في
حلقات مفرغة، لا يوجد فيها أي تطوير للشخصيات أو نقطة استنارة درامية أو
فكرية تجعلنا نفهم سر إقدام مخرجة قدمت في فيلمها السابق حكاية محكمة حساسة
مثل "عن جسد وروح" على اختيار فيلم كهذا ليكون خطوتها التالية.
الفيلم خارج كل الحسابات، سريعًا ما وضعته كافة المراجعات
والتقييمات في مؤخرة أفلام المسابقة المعروضة حتى الآن. فهل تتمكن إلديكو
إينيدي في التخلص من هذه العثرة والعودة بشكل قوي؟ أم سيكون عليها أن تنتظر
30 عامًا أخرى كي تصنع فيلمًا جيدًا؟! |