ملفات خاصة

 
 
 

سينما نبيل عيوش:

فهم للواقع؟ أم متاجرة بقضايا المهمشين؟

سليمان الحقيوي

كان السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

تشاء الصدف أن يكون اسم نبيل عيوش، حطباً لأعتى موجتيْ صخب ونقد عرفتهما السينما المغربية في العقد الأخير؛ المناسبة الأولى كانت مع فيلمه، «الزين لي فيك» 2015 الذي شارك في مهرجان كان فقرة (أسبوع المخرجين) ساعتها تسربت مقاطع مرتبكة فنياً من الفيلم؛ البعض ذهب إلى أنها تعود إلى ما قبل المونتاج؛ فاتسعت المعركة من دائرة الفيلم إلى صراع بين الحداثيين والتقليديين في المغرب، وتجدد النقاش حول الحرية في الإبداع وأعيد فتح نقاشات كثيرة منها قضايا الدعارة في مدينة مراكش، حيث صور الفيلم، الجميع اتفق أيضا على أن الفيلم أخطأ وجهته في أي معيار حكمناه!رغم أن النسخة الرسمية منه لم تشاهد بعد. لكنه حرك مياها راكدة رغم كل شيء، أما المناسبة الثانية فتعلقت بتردد اسم المخرج من جديد في أروقة كان، لكن في درجة أعلى من السلم، حيث شارك في المسابقة الرسمية، وهو أمر يستحق كل الاهتمام.
الخبر الجديد قلب هجاء الأمس مدحاً، والإشادة بلغت حد اعتبار المشاركة، فخرا يضاهي وضع اليدين على السعفة الشهيرة. إن حالة الانقسام والتطرف لأفلام نبيل عيوش تصفيقا أو تصفيرا.. هي بالضبط معيار تصنيف مساره الذي يمكن أن نختزله في جملة؛ مخرج موهوب، لا تعوزه الحيلة للتسويق لأفلامه.

يمكنك أن تختلف مع تصور نبيل عيوش في سلك طريق الصخب، الذي فهم مبكرا أن طريق الفيلم نحو الجمهور يبدأ من تحريك الأصوات حوله، وأصوات المنتقدين أولا، أفلامه صارت مدخلا لأحكام جاهزة بعيدة عن السينما، ربما لأن ذائقة الكثيرين في المغرب تنطلق من عقدة مخفية، لا تعطي الحق لمخرج مولود في باريس بأن ينشر غسيل المغرب في منصات عالمية! كيف لمخرج بالكاد يتحدث بضع كلمات عربية أن يفهم واقعا مغربيا؟لكن ألا يخفي هذا الحكم الكثير من التجني؟ فأفلام الرجل تبرز فهما عميقا للواقع المغربي، رؤيته للهوامش حاضرة في أغلب أفلامه، وجرأته في تناول قضايا فساد اجتماعي وسياسي، تُحرج جهات مختلفة سياسياً، بما يضع أفلامه ضمن مسار احتجاج فني لا تخطئه سوى الأعين المغمضة، وهو ما يجعل تجربته غير قابلة للاختزال في نجاح أو إخفاق، بل حالة لا يكتمل فهمها، إلا بإنصات شمولي لمنجز يحمل بعدا اجتماعيا، ورؤية طموحة لا تحدها الجغرافيا العربية. وبعيدا عن كل النقاشات التي صارت مقترنة بأي فيلم يحمل توقيع نبيل عيوش، ويجعل المعنى مختفيا عنا، فالعودة إلى أفلامه تقربنا من سعي دائم وراء واقع مغربي يخفيه ظلام الليل، أو بعد الهامش. بمكر فني مطلوب، لكن بموهبة لا تنكر.

فمنذ فيلم «مكتوب» (1997) برزت ملامح مشروع نبيل عيوش، كأحد الأسماء التي يمكن المراهنة عليها، في سياق مغربي يراهن على قفزة في مجال السينما، ساعتها أظهر أيضا موهبة أخرى تتعلق باختيار قصص مسكوت عنها، ويحفها المحظور من كل الجوانب، الفيلم تناول قصة اختطاف واغتصاب زوجة طبيب شاب وتوثيق ذلك بالفيديو، الفيلم يحاكي بنَفس بوليسي تشويقي، قصة واقعية شهيرة لمفوض شرطة (الحاج ثابت) الذي اغتصب مئات النساء والفتيات ووثق ذلك على أشرطة مصورة، قصة آلمت الذاكرة المغربية مطلع التسعينيات، وأرغمهم ضيق مجال التعبير، أو انتفاءه، الكلام عنها، والاكتفاء بجانب أسطوري مواز عن هذه القصص، حساسية الموضوع مرتبطة أساسا، باختفاء شريط يدين مسؤولين كبارا في الدولة، وهو أمر يركز عليه الفيلم كثيرا، فكان مثل سلوى متأخرة. عيوش في مغامرته الأولى لم يكتف بقصة يسبقها نجاحها، بل أبان أيضا عن جانب تقني واعد.

المسكوت عنه، حضر أيضا في فيلمه الثاني «علي زاوا» (2000) الذي تبنى التعبير الواقعي أيضا، كاميرته توجهت هذه المرة إلى أطفال الشوارع، اقتفت حيوات عشرات الأطفال في مواجهة حياة أقسى من أجسادهم العارية، ما جعل مصيرهم يقترن بدرجة إتقانهم للغة العنف، وسلك طرق الجريمة الوعر، الفيلم حمل المخرج بعيدا، ودار حديث طويل بسببه عن جيل جديد قادم من المخرجين، كما أكد أيضا على أن عيوش لا يتوجه إلى قضايا اجتماعية بهدف المتاجرة الفنية كما يتردد اليوم، بل أيضا هي نابعة بنسبة كبيرة من قلق، فعنوان الفيلم صار بعد ذلك اسم مؤسسة اجتماعية أنشأت مراكز تعليم الفن واللغات في الأحياء الهامشية في مدن طنجة والدار البيضاء، بالضبط، في أحياء مهمشة، أخذ التطرف الكثير من شبابها إلى حافة الموت، كما هو الحال في حي سيدي مومن في الدار البيضاء، المكان الذي ينتمي إليه الشباب الذين نفذوا تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية. تستمر مطاردة قصص المهمشين في فيلم «يا خيل الله» (2012) المقتبس عن رواية «نجوم سيدي مومن» لماحي بنبين، عن هوامش أحياء الدار البيضاء، حيث يتحول حلم أطفال من لعب كرة القدم إلى شباب يفجرون أنفسهم في ليلة مشهودة صادفت 16 مايو/أيار 2003، الفيلم ظل وثيقة خالدة مرتبطة بهذه الأحداث، وثيقة تتجاوز نتيجة الموت والجريمة التي انتهت إليها مجموعة من الأطفال، هم أبرياء في نهاية المطاف يقول لنا الفيلم، مهمة الفيلم كانت تحليل بنية مجتمع محروم من كل شيء حتى الهواء، فالحي موجود أصلا فوق مكب نفايات. هو عمل يتمم من زوايا كثيرة ما بدأه المخرج في «علي زاوا» الفقر هو المسؤول عما حصل نتيجة لا نخطئها في كلا العملين. يمكن اعتبار «يا خيل الله» أهم ما أنجز بصريا عن مساهمة الفقر في صنع الإرهابي، وهو أعمق ما قيل على مستوى الخطاب عن سيرورة تشكل العنف لدى شباب الأحياء الهامشية، يمكن العودة إليه كوثيقة خالدة لفهم حادث غيّر وجه المغرب إلى الأبد..

فيلمه الجديد «علي صوتك» (2021) المشارك في مهرجان كان دورة هذا العام، يعيده إلى حي سيدي مومن في الدار البيضاء، هل تذكرون هذا الحي؟ الأمر لا يتعلق الآن بتفجيرات، أو تطرف، بل بشباب يتعلمون التعبير عن أنفسهم عبر الموسيقى، وهي إحدى ثمار مؤسسة «علي زاوا». الفيلم أعاد المخرج إلى المسابقة الرسمية لأهم مهرجان سينمائي، وأعاد المغرب إليه بعد مشاركة يتيمة للمخرج عبد العزيز الرمضاني عبر فيلمه «أرواح وإيقاعات» في (1962).

السعي نحو الواقع، يخيب في أفلام أخرى تخللت نجاحاته السابقة، والخيبة مقترنة هنا، بمواضيع تحوم من محرم آخر هو الجنس، منذ فيلمه الممنوع في قاعات العرض «لحظة ظلام» 2003 وصولا إلى «الزين لي فيك» (2015). بما يضعهما ضمن مسار أفلام مغربية حاولت الاقتراب من الموضوع، لكنها قوبلت برفض شعبي ينتقي ما يزعجه بغرابة شديدة، لكن حظ مشاهدتها في الخفاء بلغ أرقاما لا يبلغها خيال أكثر الحالمين، وهو أمر يراهن عليه نبيل عيوش كثيرا.

كاتب مغربي

 

القدس العربي اللندنية في

23.07.2021

 
 
 
 
 

ميا هانسن لاف تقتفي أثر المخرج السويدي الأبرز في «جزيرة برغمان»

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: عندما يذكر اسم «فارو» تلك الجزيرة الصغيرة الواقعة في بحر البلطيق والتابعة للسويد، تلتمع على الفور أعين عشاق السينما، فهذه الجزيرة هي التي اتخذها المخرج السويدي إنغمار برغمان موطنا له، وأقام فيها سنين طوالا، وصوّر على أرضها وسواحلها أبرز أفلامه. «جزيرة برغمان» إذن هي حلم يراود الكثير من السينمائيين، فهي الجزيرة التي ألهمت برغمان، وأنجز فيها أبرز أعماله.

«جزيرة برغمان» للمخرجة الفرنسية ميا هانسن لاف، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي (من 6 إلى 17 يوليو/تموز الجاري) فيلم يحتفي بالسينما ويحتفي بالإبداع السينمائي، فيلم لا تقارن هانسن لاف فيه نفسها ببرغمان، ولا تقدم مجرد تحية سينمائية للمخرج العظيم، بل تنجز عملا مرهفا شديد الحساسية وذاتيا لحد كبير.

يبدأ الفيلم بوصول توني وكريس (تيم روث وفيكي كريبس) وهما زوجان وكلاهما مخرجان، إلى فارو، التي تحتفي بتوني وأعماله في احتفالية خاصة، والتي جاءها الزوجان بحثا عن الإلهام لعمل جديد لكل منهما. لكن الأمر ليس بهذه السهورلة، فمجرد محالة الشروع في الكتابة في جزيرة شهدت إنجاز أفلام تعد علامات فارقة في تاريخ السينما أمر له مهابته. اعتدنا من هانسن لاف حضور الجانب الذاتي الأوتوبايوغرافي في أعمالها، وهو ما نراه أيضا في جزيرة برغمان، فهانسن لاف كانت شريكة على مدى أعوام للمخرج الفرنسي أوليفييه أساياس، الذي كان في بداية ارتباطهما يفوقها شهرة وتكريما، وهكذا الحال في «جزيرة برغمان» حيث يتضح لنا أن توني هو الذي دُعي للحديث عن أفلامه، وصحبته كريس بوصفها شريكته. كما أن لتوني وكريس ابنة تركاها مع مربيتها، وهو ما ينطبق على هانسن لاف وأساياس، لكن كريس تدرك أنها على النقيض من برغمان الذي أنجب أبناءه، وكان يعهد بهم لزوجته، بينما تفرغ هو لفنه وإبداعه. وهنا تدرك كريس، وهي انعكاس لميا ذاتها، أن كونها أماً مسؤولة عن رعاية طفلتها يقف حائلا بينها وبين إنجاز أعمال سينمائية جيدة.
تنفرد كريس بذاتها في فارو، وتفضل أن تستكشف الجزيرة منفردة، ورويدا رويدا تلهم الجزيرة كريس بمشروع فيلمها الجديد، مشروع فيلم سمته «الثوب الأبيض» عن مخرجة شابة عاشقة لبرغمان، تزور فارو لحضور زفاف، وتلتقي في العرس بحبيبها الأول الذي انفصلت عنه منذ أعوام. تروي كريس مشروع فيلمها لتوني، وبينما تقص عليه فيلمها، نرى نحن هذا الفيلم أمامنا على الشاشة. تتحول القصة إلى قصة داخل قصة، وإلى فيلم داخل فيلم. نرى شخصيات فيلم كريس وقد تجسدت، ونتفاعل مع قصة حب بطلتها وتدعى إيمي (ميا فاسيكوفسكا) وحبيبها جوزيف (أندرس دانيلسن لي). تأتي كريس إلى جزيرة برغمان محملة برهبة للمخرج العظيم، تأتي شاعرة برهبة محاولة الكتابة في ظل برغمان، لكنها في نهاية المطاف تبني عملها السينمائي وتكتبه وتخرجه، عملا لا يقتبس من روح برغمان، لكن يحمل روح وشخصية صاحبته. لا تكتفي هانسن لاف بفيلم واحد، بل تفاجئنا بفيلم داخل فيلم. «جزيرة برغمان» فيلم نُسج برهافة وشغف وأبرزت فيه هانسن لاف تمكنها من أدواتها، وجاءت في أوج صنعتها.

دخلت هانسن لاف جزيرة برغمان، فصنعت فيلما مشبعا بذاتيتها وروحها ورؤيتها للفن والسينما والإبداع.
«جزيرة برغمان» فيلم عذب ورقيق كقصة الحب التي نراها في الفيلم داخل الفيلم بين إيمي وجوزيف. هي قصة حب مليئة بأغاني الثمانينيات وأغاني فريق «آبا». لكنها أيضا قصة حب ملتبسة، ولها أسرارها الخاصة التي أدت إلى انفصال الحبيبين ثم عودتهما لبعضهما. لا تفصح هانسن لاف عن أسرار العلاقة تلك، ولا تقدم إجابات لتساؤلاتنا عنها. والشيء ذاته ينطبق على الفيلم ذاته. هي تصحبنا في رحلة بديعة في جزيرة ألهمت إبداع برغمان. وتصحبنا في رحلة ذاتية للغاية داخل المراحل المختلفة التي تعيشها لإنجاز عمل جديد، لكنها لا تجيب على كل التساؤلات وتفتح باب التأويل والتفسير.

 

القدس العربي اللندنية في

25.07.2021

 
 
 
 
 

"أوروبا" لحيدر رشيد.. أرض ميعاد تحرسها وحوش هائجة

محمد صبحي

كمال، شاب عراقي هرب من بلاده وعليه خوض رحلة عسيرة لدخول أوروبا سيراً على قدميه، عبر طريق البلقان. حين وصوله الى الحدود التركية البلغارية، تقبض عليه شرطة الحدود البلغارية، ويُضرب ويُسرق، لكنّه يتمكّن سريعاً من الهرب، إلى غابة على الحدود نفسها، حيث ينتظره تهديد أكثر شرّاً في هيئة حرّاس/ صيادين/ مرتزقة مسلّحين يتتبعون المهاجرين ويردونهم قتلى مثل حيوانات برية. في عالم الغابة، لا قوانين، والمخاطر عالية، وليس أمام كمال، الوحيد واليائس، سوى ثلاثة أيام للتمسّك بنجاته والوصول إلى وجهته وأرض ميعاده.

هذا ملخّص فيلم "أوروبا" لحيدر رشيد، المخرج الإيطالي العراقي، الذي عُرض ضمن الدورة الـ53 لقسم "نصف شهر المخرجين"، في الدورة الـ74 لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي (7 ـ 17 يوليو/ تموز 2021). يواصل رشيد، المولود في فلورنسا لأب عراقي هو الناقد السينمائي عرفان رشيد، قصته عن المهاجرين والصعوبات التي يواجهها أولئك الذين يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة بلادهم، لينجز فيلماً غامراً ومزعجاً، استناداً إلى أحداث حقيقية مخيفة يختبرها معظم طالبي الهجرة واللجوء إلى الملاذ الأوروبي.

"أوروبا" فيلمٌ مكثّف ومباشر وفعّال، من النوع الذي يكتسب مستويات دلالية إضافية من عنوانه، وهو في ذلك يذكّر بفيلم مبكّر للأرجنتيني ليساندرو ألونسو بعنوان "الحرية  "LA LIBERTAD(2001). هناك مشابهات أخرى مع ذلك الفيلم الأرجنتيني (شخصيته الملاحِظة، حواراته القليلة جداً... على الرغم من تباين الوتيرة، التي تسير بخطى سريعة هنا)، لكن الأساس يكمن في القراءة التي يُخرج بها مما يتم التعبير عنه في كلا الفيلمين. فهو فيلم يبدو كما لو كان يحدث على مدار 24 ساعة فقط، ونادراً ما يترك الغابة الحدودية، ولكنه، لكثيرين، يمثّل التجربة الأوروبية بأكملها. إنه، بأكثر من طريقة، أوروبا، تلك التي يعرفونها، وربما الوحيدة التي سيعرفوها على الإطلاق. يقول رشيد إن بلغاريا هي البلد الذي ذهب إليه والده عندما فرّ من عراق صدام حسين في أواخر السبعينيات قاصداً أوروبا. ورغم أن رحلته كانت مختلفة عن تلك التي خاضها بطل الفيلم، إلا أنه بطريقة ما شعر أنه من الصواب سرد هذه القصة.

يبدأ الفيلم بسلسلة من الإشارات النصّية (تتضمّن كلمات أكثر من تلك الموجودة في الدقائق الـ 72 التالية) تخبرنا بما يجب على بعض المهاجرين الآسيويين فعله لدخول القارة المرغوبة في خضم هروبهم من الواقع المزري لبلدانهم. وهذا يعني: دفع الكثير من المال، وخطر التعرض للخداع، وإذا نجحوا في عبور الحدود، فسيتم احتجازهم أو حتى قتلهم من قبل مضيفيهم غير المرحبين بهم. يُظهر المشهد الأول ذلك بالضبط، مع مجموعة من الأشخاص على الحدود بين تركيا وبلغاريا يلفّهم الظلام والتوتر حين يواجهون طلبات اللحظة الأخيرة من مهرّبيهم للحصول على أموال إضافية، ثم يلي ذلك ركض ومطاردة وإطلاق نار. يكاد يستوي الأمر فيلم حرب في منتصف الليل: مربك، يائس، مرعب.

البطل، كمال، يتمكن من الفرار وسط الفوضى. يركض، ويركض، ويستمر في الركض. تتابعه الكاميرا، تلتصق بجلده ووجهه وجسده، ليشاركه المتفرج تجربة الاصطياد والهروب. يقدّم المخرج العديد من اللقطات المتسلسلة ويجعل عدسته قريبة قدر الإمكان من وجه مرعوب لا يعرف راحة البال. القصة كاملة تروى من خلال جسد الشخصية ومتابعة حركة هذا الجسد، ركضه وزحفه على الأرض أو صعوده إلى أعلى شجرة للاختباء. واقعية قلقة ومقلقة، نسمع الرصاص يمرّ بالقرب منه، ويهرب رجال آخرون أيضاً، وبعضهم يسقط في المحاولة، ويتمكّن كمال من التقدم رغم كل شيء، بفضل مزيج من البراعة والمهارة والحظ.

لكن عاجلاً أم آجلاً سيصبح الوضع أكثر كثافة وتعقيداً. ومن دون تغيُّر نمط السرد كثيراً، إضافة إلى بعض مونولوجات بلا إجابة، يعمل المخرج على تعقيد التجربة بشكل أكبر، ما ينتهي بالبطل إلى الانغراس أكثر في تربة ملغّمة بالمزالق الجسدية والأخلاقية. ليس فقط مع الطبيعة أو "صيادي" الحدود، بل أيضاً مع بعض الأشخاص القلائل الذين يصادفهم في مسيرته داخل الغابة الموحشة. يستخدم المخرج أجندة معاصرة لقيادة فيلم منسوج على وتر البقاء والخطر المستمر والأمل في النجاة، لا يفلت بطله وسط أجواء يسودها العنف وانعدام الثقة ومنطق البقاء للأقوى، تاركاً جميع العناصر التي تشكل تهديداً خارج المجال. لأن كل شيء يهدّده، من الطبيعة إلى أولئك الذين، مثله، يجرّبون طريقهم عبر الأشجار.

الغابة الشاسعة، كموقع تصوير مفتوح، تتعارض تماماً مع الشعور الخانق المسيطر على الفيلم. يقدم المخرج عمله كفيلم إثارة وتشويق، مستعيراً بعض العناصر من سينما النوع. "أردت الاستلهام من أفلام الوحوش. الحرّاس هنا ليسوا مخلوقات غريبة أو دموية، إنما يرتدون الخوذات، وبقسوة لا تتوقف يصطادون فرائسهم بأسلحة متأهبة على أذرعهم". في الجانب الآخر، يحمل البطل تجربة الهجرة على جسده ووجهه، مجروحاً ومتألماً وجائعاً ومنهكاً. تلتصق الكاميرا بوجهه ونرى جروحه ودموعه وعرقه وحتى مخاطه. لدخول القارة الموعودة، يجب أن يتعرض للضرب والقسوة وسوء المعاملة، بل وحتى الخوف من أي آخر. يتضح هذا الأخير في مشهد على الطريق، يُظهر حالة جنون العظمة التي تحيط بالمجتمع البلغاري، في هذه الحالة، والمجتمع الأوروبي بشكل عام.

يكشف "أوروبا" أيضاً عن الخطاب المزدوج للقارة العالقة في ارتباكها إزاء المهاجرين. ففي حين أن بعض دول أوروبا الشرقية كانت دائماً أكثر فظاظة ومباشرة في رفضها لهذا النوع من الهجرة، فإن رد الفعل الوحشي ضد هؤلاء المهاجرين يسلط الضوء على الصدع بين المظهر الإنساني للقارة (خطابات التضامن، إعانات التنمية، الشعور بالذنب والشروع في مفاوضات عبثية مع السفّاحين) وموقفها من الواقع اليومي للهجرة. كما حدث في الجائحة (الاستئثار باللقاحات وشفطها من دول "العالم الثالث" الفقيرة، أو الإمعان في فرض معوقات السفر من/ وإلى بلدان ربما يكون وضعها الوبائي أفضل حالاً من معظم الدول الأوروبية)، فإن ما يُقال شيء، وما يُنفّذ شيء آخر تماماً. وهذه هي أوروبا أيضاً.

 

المدن الإلكترونية في

25.07.2021

 
 
 
 
 

من "كان" السينمائي..

محمد رُضا وسيدني ليفاين يفوزان بجائزة الإنجازالنقدي

أعلن مركز السينما العربية خلال فعاليات الدورة الـ74 من مهرجان كان السينمائي، عن تقديم جائزة الإنجاز النقدي هذا العام إلى الناقد اللبناني محمد رُضا والأميركية سيدني ليفاين، تقديراً لمسيرتهما في الكتابة النقدية عن صناعة السينما العربية، ويسلط مركز السينما العربية الضوء على مسيرتي رُضا وليفاين، عبر ملف خاص في العدد الجديد من مجلة السينما العربية.

ويعلق الناقد محمد رُضا على ذلك قائلاً "سعيد جداً بحصولي على جائزة الإنجاز النقدي في 2021، العام الذي يشهد عودة مهرجان كان إلى الحياة، شكراً مركز السينما العربية، ومديرها الملهم علاء كركوتي."هذه المرة لم أتمكن من حضور المهرجان بسبب ظروف طارئة، وعلى عكس الأفلام، لا يمكن لأحد أن يتواجد في مكانين في الوقت نفسه".

ويضيف رُضا "يعلم الكثيرون كم أحب السينما، وحب السينما ليس مجرد كلمات، ملايين الناس يعبرون عن هذا الحب بالذهاب إلى دور العرض يومياً، بحضور الفعاليات ومشاهدة الأفلام وتبادل الأفكار المرتبطة بالفن الأكثر إثارة، النقد السينمائي جزء أصيل من السينما، ليس مرتبطاً به فقط، لكنه محوري، وأحب أن أنصح الأجيال الجديدة بأن يتعلموا أكثر، ويكتبوا أفضل". وتقول الناقدة سيدني ليفاين "شرف لي أن يتم تكريمي من قبل مركز السينما العربية، هذا يجعلني أشعر بالفخر، وأيضاً بمسؤولية أكبر تجاه لفت النظر إلى الأفلام التي يقدمها صُنَّاع أفلام بارعين من العالم العربي، وبشكل عام، ما قدمته خلال مسيرتي لا يمكن مقارنته بما حققه صُنَّاع السينما في العالم العربي خلال السنوات الماضية. شكراً مركز السينما العربية على الجائزة".

ماهر دياب وعلاء كركوتي الشريكان المؤسسان في مركز السينما العربية يقولان "نحاول من خلال مركز السينما العربية أن نسلط الضوء على مهنة النقد السينمائي، وتكريم النقاد الذين يروجون للسينما العربية عبر الكتابة لها داخل أو خارج العالم العربي، وبالنظر إلى مسيرتي محمد رُضا وسيدني ليفاين، سنجد إنهما مسيرتين ثريتين بشكل لا يصدق، كتب الاثنان النقد السينمائي بكل دأب عن مئات الأفلام العربية، وهذا يجعلهما من أكثر المؤثرين في صناعة السينما".

محمد رُضا لبناني يكتب النقد السينمائي لمدة تتجاوز الـ40 عاماً، قبل أن يكتب في صحيفة الشرق الأوسط الرائدة، كان رُضا مستشاراً لـمهرجان دبي السينمائي الدولي، ومديراً للمسابقة الرسمية للمهرجان في الفترة من 2005 إلى 2008، كما شارك في إنتاج وتقديم عدد من البرامج السينمائية في عدد من القنوات العربية، من بينها قناة أبوظبي، وMBC وتلفزيون الكويت. يمتلك رُضا أيضاً مسيرة ثرية في الكتابة والنشر، حيث ينشر سنوياً كتاب السينما، الذي يضم مراجعات لأفلام من داخل وخارج العالم العربي، ومن بين أعماله أيضاً كتاب السينما العربية في بحر المتغيرات، وفي السينما كتب رضا سيناريو الفيلم السعودي كيف الحال؟

رُضا أيضاً عضو في رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية التي تمنح جوائز جولدن جلوب، بالإضافة إلى اتحاد النقّاد الدوليين (فيبريسكي) وحلقة الفيلم في لندن. سيدني ليفاين ناقدة تكتب في المدونة الشهيرة Sydneys Buzz، وتحمل درجة الماجستير في التدريس من جامعة جنوب كاليفورنيا، وإجازة من جامعة السوربون في باريس وبكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة كاليفورنيا. في 1988 أنشأت سيدني FilmFinders، الذي يمثل قاعدة بيانات لمشروعات الأفلام الطويلة المشاركة في سوق مهرجان كان الذي استحدث الموقع ليكون Cinando.com. تشارك سيدني بشكل مكثف في المهرجانات سينمائية، تدير الحلقات النقاشية، وتقدم المحاضرات وتلعب دوراً استشارياً لصُنَّاع الأفلام، ومن بين المهرجانات والفعاليات التي تحرض على المشاركة فيها، سوق مهرجان كان وسوق مهرجان برلين وملتقى برلين للمواهب وأكاديمية دويتشه فيله وغيرها. جائزة الإنجاز النقدي يستهدف بها مركز السينما العربية جذب الأضواء إلى مهنة النقد، عبر تكريم أحد النقاد العرب أو الأجانب سنوياً في مهرجان كان السينمائي، وكان مركز السينما العربية قد قدم الجائزة من قبل إلى الناقد والإعلامي المصري الراحل يوسف شريف رزق الله واللبناني إبراهيم العريس والأميركية ديبوراه يانغ. مركز السينما العربية مؤسسة غير ربحية مسجلة في أمستردام تأسست في 2015 على يد MAD Solutions بهدف الترويج للسينما العربية، ويوفر مركز السينما العربية لصناع السينما العربية، نافذة احترافية للتواصل مع صناعة السينما في أنحاء العالم، عبر عدد من الفاعليات التي يقيمها وتتيح تكوين شبكات الأعمال مع ممثلي الشركات والمؤسسات في مجالات الإنتاج المشترك، التوزيع الخارجي وغيرها.

وتتنوع أنشطة مركز السينما العربية ما بين أجنحة في الأسواق الرئيسية، جلسات تعارف بين السينمائيين العرب والأجانب، حفلات استقبال، اجتماعات مع مؤسسات ومهرجانات وشركات دولية، وإصدار مجلة السينما العربية ليتم توزيعها على رواد أسواق المهرجانات، كما أتاح مركز السينما العربية التسجيل عبر موقعه في خدمة الرسائل البريدية، وعبر هذه الخدمة يتاح للمستخدمين الحصول على نسخ رقمية من مجلة السينما العربية، أخبار عن أنشطة مركز السينما العربية، إشعارات بمواعيد التقدم لبرامج المنح والمهرجانات وعروض مؤسسات التعليم والتدريب، تحديثات عن الأفلام العربية المشاركة بالمهرجانات، وإلقاء الضوء على تحديثات أنشطة شركاء مركز السينما العربية ومشاريعهم السينمائية. وقد أطلق مركز السينما العربية، دليل السينما العربية عبر موقعه على الإنترنت باللغة الإنكليزية، وهو دليل سينمائي شامل وخدمي يعتمد على مجموعة أدوات يتم تقديمها مجتمعة لأول مرة، بهدف توفير المعلومات المرتبطة بالسينما العربية لصُنَّاع الأفلام داخل وخارج العالم العربي، وتيسر لصناع الأفلام والسينمائيين العرب الوصول للأسواق العالمية، كما تساعد ممثلي صناعة السينما العالمية في التعرّف بسهولة على إنتاجات السينما العربية.

 

الوفد المصرية في

25.07.2021

 
 
 
 
 

CANNES 74  ختام وجدل

أخبار النجوم/ محمد كمال

 

للأسف.. لم يمكننا تحميل المقال

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

27.07.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004