نواصل تحليلنا النقدي لكافة الأفلام المعروضة في مسابقة
مهرجان كان السينمائي الرابع والسبعين، والتي تواصلت مع عرض خمسة أفلام
جديدة كانت المفارقة أن جميعها أتت قصصًا بطلاتها من النساء، منفردات تارة
ومحاطات بالرجال تارة، حتى وإن كانت أربعة من تلك الأفلام من إخراج رجال.
خمس تجارب جديدة دخلت المنافسة السينمائية الأهم في العام، نتعرف عليها في
هذا المقال.
روابط مقدسة
Lingui –
محمد صالح هارون (تشاد)
كل ما في فيلم المخرج المخضرم محمد صالح هارون الجديد يوحي
بعمل تقليدي يلبي رغبات المبرمجين الدوليين فيما يتعلق بالسينما الآتية من
أفريقيا: حكاية أم عزباء مسلمة تكتشف حمل ابنتها المراهقة فتحاول أن
تساعدها على إجهاض الجنين. ملخص يبدو تكرارًا لعشرات الأفلام التي استعانت
من قبل بالعناصر نفسها لدرجة أن أفلام الإجهاض صارت نوعًا فيلميًا مصغرًا
sub-genre
تُنسب إليه أعمال معروفة مثل الروماني "أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان"
والأمريكي "أبدًا نادرًا أحيانًا دائمًا".
إلا أن عدة اختيارات اتخذها هارون قد حمت الفيلم جزئيًا من
أن يكون مجرد نموذج آخر. نقول هنا جزئيًا لأن لهيمنة القصة ثقلًا يستحيل
الفكاك منه بشكل كامل، بما جعل النصف الأول أقرب للاعتيادية والملل، قبل أن
تستقيم الأمور خلال النصف الثاني عندما تبدأ اختيارات المخرج في الإتيان
بثمارها.
في صدارة الاختيارات يأتي سرد الحكاية من وجهة نظر الأم لا
الابنة، لنتعرف من البداية على أمينة (أشواك أباكار سليماني في أداء سينال
إعجاب سبايك لي تحديدًا) وعملها الشاق في نسج سلال معدنية تستخرج مادتها من
عجلات السيارات القديمة، في تتابعات افتتاحية آسرة تجسد طبيعة العمل اليدوي
الدؤوب الذي تعيش منه أمينة، عمل ذكوري بامتياز وفقط التصورات النمطية عن
طبيعة الأنشطة الصالحة لكل جنس.
من هنا يظهر الاختيار الثاني الذكي لصالح هارون وهو
الاعتماد على المفارقات والمقابلات طوال الحكاية؛ فأمينة امرأة تمارس مهنة
رجال، وهي مسلمة ملتزمة لكنها موصومة لكونها أم عزباء، وابنتها ماريا صورة
جديدة لمراهقتها، فالأم أيضًا انقطعت علاقتها بأهلها عندما حملت في سن يسهل
تخيل تطابقه مع عمر ماريا. ناهيك عن الخلفية الثقافية للأحداث التي تجمع هي
الأخرى بين متقابلات، فتشاد بلد إسلامي وأفريقي في وقت واحد، نسائه ترتدين
الحجاب على قمصان قصيرة الأكمام، والبطلة تتنقل بين الحديث بالفرنسية
والعربية حسب محدثها، وصولًا للمفارقة الأهم في الفيلم: هذا مجتمع ذكوري
قاهر للمرأة بامتياز، لكن نساءه يفعلن في النهاية ما يردنه!
فإذا ما كانت الذكورية هي العنوان، فالنساء قادرات دائمًا
على إيجاد طرقهن للتحايل، والنصف الثاني للفيلم عبارة عن سلسلة من قيام
الإناث بتجاوز صراعاتهن الاجتماعية والأسرية والمادية، بهدف التكاتف وإيجاد
وسيلة للعيش بسعادة. ولا دليل بصري يمكن أن يكون أكثر بهجة من الزوج الذي
يرقص في فخر جهول ويوزع الأموال احتفالًا بختان ابنته، بينما النساء
المبتهجات حوله يعلمن أن القابلة تتظاهر في داخل الغرفة بالأمر دون أن تقوم
به حقيقةً.
هذا الحس التمكيني المبهج رغم قسوة الموضوع هو ما يجعل
الفيلم ينتهي أفضل كثيرًا مما بدأ، ويُفسر وجوده في مسابقة كان من منطلقات
فنية بعدما بدا لأكثر من نصف ساعة فيلمًا اختير للمهرجان بسبب سيرة مخرجه
وموضوعه المحبب للغرب.
بينيديتا
Benedetta –
بول فيرهوفِن (فرنسا – هولندا)
الإحباط الأكبر في المسابقة حتى الآن يأتي من الهولندي بول
فيرهوفِن، الاسم الشاهق الذي صار مختصًا في الأفلام التي تربط بين الجنس
وتركيب النفس الإنسانية، فلا ننسى فيلمه الأيقوني "غريزة أساسية
Basic Instinct"
ولا عودته في 2016 ليهز أرجاء مهرجان كان بفيلمه المثير للجدل "هي
Elle".
بعد شهور من الانتظار انطلق فيلمه الجديد "بينيديتا" من شاشات كان، بعدما
كان من المقرر أن يُعرض في دورة 2020، قبل أن يرفض المخرج وموزعو الفيلم
المشاركة في النسخة الافتراضية للمهرجان مفضلين الانتظار حتى ينال الفيلم
عرضًا على الطراز الكلاسيكي هذا العام.
حكاية مأخوذة عن إحدى حكايات كتاب "أفعال غير لائقة
Immodest Acts"
الذي نشرته المؤرخة جوديث سي براون، وفيه توّثق عدة حكايات تعود للقرون
الوسطى ترتبط بأفعال غير لائقة جنسيًا، منها حكاية الراهبة بينيديتا
كارنيلي التي اتهمت بممارسة الجنس المثلي مع إحدى الراهبات مما تسبب في
قضائها أعوامًا طويلة محبوسة داخل أحد الأديرة.
المؤشرات أوحت بطبيعة الحال بانشغال فيرهون كعادته بالجانب
الإيروتيكي للقصة، لكن المخرج الذي كتب السيناريو بصحبة دافيد بيرك يحاول
أخذ الأمر لأبعاد أخرى تتعلق بفكرة الأسطورة والإيمان بالغيبيات بشكل عام،
عبر وضع المشاهدين طيلة الفيلم في حالة من عدم الوضوح بخصوص الرؤى التي
تراها بينيديتا (البلجيكية فيرجيني إفيرا)، الراهبة التي تنضم للدير طفلة
مدعومة بأموال والدها، والتي نرى من البداية أنها مختلفة، إما لأنها تملك
اتصالًا مع السماء أو لأنها ببساطة ذكية تجيد التلاعب بمن حولها، الأمر
الذي لا يحسمه الفيلم ويتركه للنهاية معلقًا بين كل الاحتمالات وفقًا
لقراءة كل مشاهد للأحداث.
إلا أن شيئًا ما يبدو مفقودًا هنا بوضوح، خلل في بناء
الحكاية والشخصيات يجعل الفيلم أقرب للأمثولة الساخرة منه للدراما التي
يمكن التفاعل معها. بالطبع الحس الساخر مقصود، كذلك الانجذاب الحيواني الذي
يربط بينيدينا بالفتاة الفقيرة بارتولوميا (دافني باتاكيا في أفضل أدوار
الفيلم) ويدفعها لاكتشاف الحياة (والروحانية ربما) من زاوية أخرى هي مجموع
الحب والرغبة واللذة، لكن هذا كله يبقى معلقًا في نبرة أكثر خفة من أن تكون
واقعية وأكثر جديّة من أن تكون ساخرة.
حتى الحس الهوليوودي المسيطر على بناء المشاهد وتصويرها
كثيرًا ما يأتي بنتيجة عكسية، لعل أبرزها كيفية تصوير فيرهون (وهو الرجل
الأبيض الذي يفوق عمره الثمانين) لشكل الجنس بين فتاتين من القرون الوسطى
لا تمتلكان أية خبرة تذكر بالجنس (باستثناء قيام والد بارتولوميا
باغتصابها). جنس يأتي في الصورة الأقرب لخيالات فيرهوفن (العتيقة بعض الشيء
بالمناسبة!) منه لما يمكن أن يتسق منطقيًا من الحكاية وأبطالها.
الحس الساخر من النظام البطريركي الحاكم للكنيسة والبلاد،
وقرارات بينيديتا الأخيرة التي تطرح أسئلة حول علاقة الإنسان بالأسطورة
وآلية خلقه تفسيرات خوارقية للعالم تمنحه شعورًا بالتميز قبل أن يقع بنفسه
في فخ تصديق تلك التفسيرات، كلها أمور تمنح "بينيديتا" بعض القيمة، لكنه
يبقى في النهاية عملًا متوسطًا على الأكثر، يقل كثيرًا عما ترقبه الجميع لا
سيما مع إصرار مخرجه المخضرم على الانتظار حتى يُعرض الفيلم في مهرجان كان
وفق شروطه.
الكسر
La Fracture –
كاترين كورسيني (فرنسا)
إذا كنت من محبي الأفلام ذات الحبكات المختزلة، التي تجتمع
فيها العديد من الشخصيات في زمان ومكان واحد فتشكل صورة عامة إنسانية أو
مجتمعية، فإن هذا الفيلم سيكون بالتأكيد ضالتك بين أفلام العام الحالي.
فبعد بداية خادعة بعض الشيء نتابع فيها أزمة عاطفية لامرأتين تستعدان
للانفصال الذي قررته جولي (مارينا فوا) بينما ترفضه راف (فاليريا بروني
تيدستشي)، تتعرض فال لحادث تُنقل على إثره للطوارئ، في نفس الليلة التي
تشتعل فيها شوارع باريس بمظاهرات "السترات الصفراء" وتتصاعد المواجهات مع
الشرطة لحد العنف.
الدقائق الأولى تقدم شخصيتي المرأتين بعناية: راف المتوترة
دومًا، ذات الأفكار المنغلقة حول نفسها ورغباتها والعاجزة عن تفهم الوقت
والمكان المناسب للتعبير عن تلك الأفكار والرغبات، وجولي الأكثر عقلًا التي
فقدت إعجابها بتخبط راف وعفويتها فلم تعد قادرة على تجاوز ما تضعها فيه
شريكتها من إحراج مستمر. قبل أن تنفجر الفقاعة الطبقية حولهما عندما تضطران
لقضاء ليلة من أكثر ليالي باريس التاريخية صخبًا مع الجميع في المستشفى.
ميكروكوزم للمجتمع الفرنسي، صورة مصغرة للبلد وسكانه
وأزماته ترسمها كورسيني في السيناريو الذي كتبته ببراعة بمشاركة لوريت
بولمانس وآنيس فوفر. فلا شيء يمكن أن يكشف عن حقيقة مجتمع أكثر من وضع كافة
أطيافه تحت ضغط وخطر وتركهم للتفاعل، بل والتنافس. فعندما يدرك الجميع أن
طاقة المستشفى لا تستوعب هذا الحجم من الإصابات التي ترد خلال الليلة،
وبالتالي يظهر السؤال المحرج بجلاء: أي مريض يستحق أن ينال العلاج قبل
الآخر؟
تبدأ الإشارات الخافتة لعيوب النظام الصحي بمنح راف تصنيف
"أحمر" باعتبارها حالة عاجلة تحتاج دعم فوري، بينما يُمنح يان سائق الحافلة
الذي تعرض لانفجار قنبلة دخان في قدمه خلال المظاهرات تصنيف "برتقالي"
بمعنى كونه حالة متوسطة يمكنها أن تنتظر، والحقيقة التي يراها الجميع أنه
لا فارق كبير بين خطورة الإصابتين، لكنه الظرف السياسي والتصنيف الطبقي
الذي يجعل جروح البعض أهم من الآخر.
العداء ينطلق بين راف ويان، اللذان يبدوان نظريًا طرفي نقيض
في المستوى الاجتماعي وطريقة الحديث والملبس وكل شيء، لكننا سرعان ما ندرك
أن أوجه تشابههما أكثر بكثير من الاختلاف. شد وجذب يضيع وسط صخب الليلة
المليئة بالعنف والإصابات والمواقف التي يخوضها طاقم المستشفى تباعًا، وعلى
رأسهم الممرضة كيم، أو إيساتو ديالو سانيا، وهي ممرضة حقيقية محبة للتمثيل
اختارتها كورسيني لتلعب الدور القريب للقلب للمرأة الداعمة المستعدة لتحمل
أصعب الظروف وأقسى ردود الأفعال من أجل أن تجعل حياة المرضى أسهل.
بشكل عام وعبر عشرات المواقف الصغيرة يحاول "الكسر" فهم
وتحليل مأزق المجتمع الفرنسي، وتوجيه لوم المحب، فيضع الفيلم يده على أوجه
القصور مثمنًا حس التآخي وتحمل المسؤولية الذي يظهر في حالات الطوارئ. لذلك
فكان من قمة الذكاء أن تأتي النهاية جامعةً بين التفاؤل والتشاؤم معًا، فهي
ليست رؤية تنبؤية وإنما تحليل، مجرد تحليل تقول صاحبته رأيها وتترك كافة
الاحتمالات متاحة لمستقبل بلادها.
المقصورة رقم 6
Compartment No. 6 –
يوهو كوزمانين (فنلندا)
لأفلام الطريق سحرها الخاص رغم كونها بشكل وبآخر تدور حول
نفس الأفكار من اكتشاف الذات والنظر للحياة من نظرة مغايرة والتفاعل مع
الطبيعة، لاسيما عندما تقترن بنوع آخر محبب هو اللقاء العابر
brief encounter
الذي تتقارب فيه شخصيتان لا تعرفان بعضهما البعض، فيرتبط مصيرهما خلال زمن
الفيلم قبل أن يعود كل منهما لاستكمال حياته مرة أخرى.
على هذا الرهان يقوم "المقصورة رقم 6"، فيلم المخرج
الفنلندي الموهوب يوهو كوزمانين الثاني بعد عمله الأول "أسعد أيام حياة
أولي ماكي" الذي خطف الأنظار عندما فاز بجائزة مسابقة نظرة ما في مهرجان
كان 2016. والذي يخوض هذه المرة تحدٍ أكبر ممثلًا في رحلة بالقطار تقطعها
الفتاة الفنلندية لاورا (سيدي هارلا) من موسكو إلى منطقة مورمانسك
الحدودية. رحلة ضخمة في أحد تلك القطارات الروسية التي تحتاج عدة أيام حتى
تصل وجهتها، كان من المفترض أن تشاركها فيها حبيبتها المثقفة الروسية التي
اعتذرت في اللحظة الأخيرة، ليكون على لاورا قطع الطريق الطويل بمفردها.
داخل مقصورة القطار رقم 6 تكتشف أنها مضطرة لاستكمال الطريق
رفقة ليوها (يوري بوريسوف)، الشاب السكير الذي يمثل النقيض من كل ما أحبته
لاورا في موسكو: لا علاقة له بالثقافة أو اللباقة، يكاد يغيب عن الوعي قبل
أن تبدأ الرحلة، ولا يمتلك الحد الأدنى من مراعاة الخصوصية ووضع الحدود مع
الأغراب. باختصار، كابوس على الفتاة أن تتعامل معه وحيدة في بلد غريب وإن
أجادت لغته.
ليس مفاجأة بطبيعة الحال أن العداء سيتحول تفهمًا ثم – بشكل
أو بآخر – حبًا، فهذا مسار لم يكن الفيلم ليتم دونه. لكن أهم ما أنجزه
المخرج هو الحفاظ على القدر الأكبر من الواقعية في تطور العلاقة بين بطليه.
لا تحولات درامية غير مبررة، لا لحظات ساحرة بشكل مبالغ فيه، ولا حوارات
أنيقة بطبيعة الحال في ظل كون ليوها عاجزًا من الأساس عن التواصل الشفاهي
الاعتيادي. فقط تصاعد منطقي للتفاهم المتبادل لا يفشل في أي لحظة أن يقنعنا
بما نراه على الشاشة.
قدر هائل من الإتقان البصري ينقلك من خلاله الفيلم إلى داخل
عربة القطار وحول أرصفة محطات المدن النائية التي يتوقف فيها فيسمح للأبطال
بالخروج والتقاط بعض الأنفاس (ومقابلة آخرين يؤثرون في رحلتهم أحيانًا)، ثم
إلى مورمانسك النائية التي يُستكمل فيها قوس الحكاية بظهور الجانب المُشرق
للوجود جوار مواطن من الدرجة الثالثة، يعيش داخل أحشاء روسيا ويعرف كيف
ينال ما يريده لمن يحب.
إلا أن التحفظ الوحيد الذي يجب ذكره حول "المقصورة رقم 6"
هو غياب ما هو أعمق من الشعور. صحيح أن الفيلم يحرك مشاعرك ويحافظ على
انتباهك وتأثرك في كل لحظة تقريبًا، لكنه ينتهي دون أن يترك فكرة داخلك
تستكمل من خلال إعادة النظر فيها علاقتك بالفيلم. وهو أمر لا يعيب أغلب
الأفلام، لكن مع فيلم بهذا الطموح في مسابقة كان يجب وضع الأمر في الاعتبار.
يوم العلم
Flag Day –
شون بين (الولايات المتحدة)
لا يمكن وضع النجم شون بين ضمن الممثلين الذين يمارسون
الإخراج من باب الوجاهة الفنية، فمن جهة هو فنان مسيس له مواقف واضحة معلنة
في الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية، ومن جهة أخرى كافة أفلامه
كمخرج تؤكد امتلاكه طرحًا يحاول تقديمه في كل فيلم، فينجح أحيانًا ويتعثر
أحيانًا. وحضوره الأخير في مهرجان كان شهد العثرة الأكبر عندما اعتبر فيلم
"الوجه الأخير
The Last Face"
ليس فقط أسوأ أفلام دورة 2016، بل أحد أسوأ الأفلام التي اختارها المهرجان
طوال تاريخه.
هذا العام يعود شون بين بشكل يحاول أن يكون مغايرًا،
مقتبسًا كتاب السيرة الذاتية التي نشرته الصحفية جينيفر فوجل عن والدها،
ليقدم القصة في فيلم حول مفهوم الأبوة المشوهة، ممثلة في الأب جون فوجل
النصاب المحترف الذي لا يتوقف عن بدء مشروعات خيالية يضيع فيها أمواله
وأموال الأخرين، ويتنقل من مكان لمكان ومن فشل لآخر. يؤدي بين الدور بنفسه،
في المرة الأولى التي يمثل فيها في فيلم من إخراجه، بل ويسند دور جينيفر
لابنته ديلان بين، ودور شقيقها الأصغر نيك لابنه هوبر بين، مع الفارق في
كون ديلان هي بطلة الفيلم بينما دور نيك عابر يظهر في مشهدين أو ثلاثة.
يبدأ الفيلم في العام 1992، عندما نعلم ديلان المرأة
الناضجة بخبر تزوير والدها لمبلغ 22 مليون دولار، ليلعب الفيلم من البداية
لعبة النهاية المعروفة، فلا مجال للتوقعات الإيجابية ولا تخيل انصلاح حال
جون في أي لحظة. الأمر الذي يجعل علاقة الابنة به ومحاولاتها المتتالية
لتقويمه أفعال سيزيفية لا يمكن ألا نشعر تجاهها بالشفقة، فالمشاهد يعلم
المصير الذي لا تعلمه الابنة الراغبة في تحسين صورة والدها.
يتنقل الفيلم لاحقًا بين ثلاثة مستويات زمنية: ديان الطفلة
المبهورة بشخصية والدها الآسرة والتي لا تفهم سر انفصاله عن الأسرة وتركه
المنزل، ديلان المراهقة التي لا تتحمل تحرش زوج أمها بها فتقرر العودة
لوالدها والتعامل مع مشكلاته، وديان الناضجة التي لا تزال معلقة بأوهام
إمكانية تغير الرجل للأحسن. وبين الأمل الذي تكافح صاحبته طويلًا لإبقائه
حتى تيأس، وفكرة ارتباط المصير الحتمي بين الأب وابنائه، يتحرك "يوم العلم"
مستعينًا بشريط صوتي مليء بالأغنيات الشعبية والموسيقى الكلاسيكية.
إلا أن شيئًا ما يبقى ناقصًا في الفيلم، أو شيئين للدقة،
أولهما عنصر الجدّة، فلا يقدم الفيلم أي تفصيلة جديدة أو غير متوقعة، ويصب
بأكمله في حيز ما يمكن تخيله في الشكل والمضمون بمجرد سماع ملخص الفيلم.
أما جانب النقص الثاني فيرتبط بالجاذبية: جاذبية جون فوجل الذي لا يتمكن
السيناريو وأداء شون بين من إقناعنا بأنه هذا الرجل الساحر الذي تتيه به
ابنته رغم كل ما فعله، وجاذبية العلاقة بين البطلين، فالمفارقة إنه بالرغم
من كونهما أب وابنته على أرض الواقع، فالهارمونية منخفضة جدًا بينهما على
الشاشة.
ربما لو شاهدنا "يوم العلم" في قاعة سينما تجارية أو في
إحدى قنوات الأفلام التلفزيونية لوقعنا في حبه، لكن مكانه في مسابقة كان
ارتبط بالتأكيد بكونه من إخراج شون بين فحسب. |