للعام الثاني على التوالي، يتولى الناقد رامي عبد الرازق
مهمة إدارة برنامج مسابقة "آفاق السينما العربية" التي تقام على هامش
مهرجان القاهرة السينمائي، والذي ينطلق بعد غد الجمعة، وعلى مدار ٦ شهور
كانت رحلة البحث عن أفلام تطرح تساؤلًا حول الوضع الحالي للصناعة بالمنطقة
العربية مع الدأب في إحداث التوازن بين تجارب أصحاب الأعمال الأولى
والمخضرمين والتطلع نحو التجارب الجديدة والمختلفة.
في حواره مع "بوابة الأهرام" يتحدث رامي عبد الرازق عن
ملامح برنامجه والطموحات التي طمح إليها هذا العام، ومعايير اختيار
الأفلام، كما يكشف أسباب اختياره للفنانة والمخرجة السعودية فاطمة البنوي
الذي أثار جدلًا واسعًا، ويتحدث عن غياب الفيلم السوري، ويوضح سبب اختياره
لفيلم تسجيلي مصري وغيرها في السطور القادمة.
·
ما الذي كنت تطمح إليه في برنامج المسابقة هذا العام؟
- كنت
أطمح نحو زيادة العدد عن العام الماضي، والذي شهد تراجعًا في الأفلام
المشاركة بسبب ظرف كورونا حيث وصل العدد لستة أفلام فقط بسبب قلة الإنتاج
في السينما بشكل عام خصوصًا السينما العربية، كما أني متشدد في اختياراتي
ولا أعمل بمنطق حداثة الفيلم أو كوتة من دولة معينة أي فيلم من كل دولة،
فالهدف الأساسي لي أن يكون للمسابقة تيمة معينة وهذا يأتي من خلال مشاهدة
عدد كبير من الأفلام المنتجة.
كان لدي تحدٍ أيضًا بأن تكون التجارب المختارة تستحق الوقت
الذي يقضى في المسابقة لأنك في النهاية تتأملي مع منطقة إقليمية إنتاجاتها
بالأساس شحيحة، فهناك دول لا يتعدى إنتاجها فيلمان أو ثلاثة في العام
الواحد مثل الأردن أو لا تنتج مثل ليبيا والبحرين، وبالتالي لابد أن تكون
الاختيارات على مستوى الفائت لدى المشاهد من وقته بالنسبة لأفلام البرامج
الأخرى.
·
هل زيادة أعداد أفلام المسابقة في صالحها أم لا؟
- لست
مع كثرة العدد بحثًا عن وجود تنافسية بين الأفلام لأنني لست برنامجًا لعروض
الأفلام بل مسابقة، ولابد أن يكون بها الحد الأدنى من التنافسية وبمستوى
عالٍ وليس لمجرد وجود تمثيل من أكثر دولة عربية لكن هذا العام أبلغني محمد
حفظي وآندرو محسن بأننا يمكن أخذ ٨ أفلام بالمسابقة وكان هدفي فقط هو
العثور على تجارب جيدة وجديدة في إنتاجات السينما العربية ترسم شكل السينما
بالمنطقة للعام الحالي.
·
ماذا تقصد بالتيمة التي كنت تضعها هدفًا لبرنامج المسابقة؟
- أعني
"الهم العام" الذي يشغل صانعي الأفلام على مستوى المنطقة، وبالفعل كان هناك
توافر للتيمة في بداية الاختيارات لكن للأسف هناك بعض الأفلام اعتذرت
لمنحها عروض مادية أفضل بمهرجانات آخري أو أفلام صعدت للمسابقة الدولية أو
أفلام نكتشف أن شروط المسابقة لا تنطبق عليها.
·
ما هو "الهم العام" الذي وجدته يشغل المنطقة العربية؟
- "غياب
الأب" لأن أغلب الأفلام التي عملت عليها في النسخة الأول للبرمجة كانت تحمل
هذه الفكرة مثل "بنات عبد الرحمن" قبل تصعيده للمسابقة الدولية، وفيلم
"قدحة"، "أطياف" التونسيان وهم متواجدان بالفعل بالمسابقة ويتحدثان عن فكرة
غياب الأب كما كان لدي فيلم مغربي لكنه اعتذر وذهب لمهرجان البحر الأحمر
وهو "الحياة كما تليق بي" لكن دخلت أفلام أخري غيرت إلى حد ما تيمة
المسابقة وأصبح هناك تنوع بالأفلام ما بين التاريخي، الميلودرامي،
الاجتماعي، التسجيلي بأنواعه المختلفة مابين "تسجيلية ذاتية أو تسجيلية
معايشة".
·
كم عدد الأفلام التي تقدمت للبرنامج؟
- كنت
أتمنى أن أقول لك أنني وصلت لخمسين فيلمًا لكن للأسف شاهدت حوالي ٣٠
فيلمًا، ومن بين هؤلاء اخترت تسعة أفلام ثم كان هناك فيلم جزائري لم تنطبق
عليه معايير المسابقة الدولية فشاهدته ووجدته تجربة جيدة فأصبح العدد عشرة
أفلام.
·
السنوات الأخيرة شهدت حضورًا قويًا للفيلم التسجيلي فهل هذا
اتجاه عام بالمنطقة سينمائيًّا ومصر تحديدًا؟
- كان
لدي تحفظ على اختيار الروائي والتسجيلي بالمسابقات لكن هذا توجه عام منذ
سنوات طويلة وبالتالي لابد أن نستجيب لذلك كما أنه يحل مشكلة لأَنِّي مثلًا
للعام الثاني على التوالي أعرض الفيلم المصري في سياق تسجيلي وأقصد أنه لا
يوجد أفلام روائية مصرية طويلة وهو مضمون المسابقة بالأساس تصلح للمشاركة
أو أنها تذهب للعرض في مهرجانات أخري قبلنا مثل الجونة أو من إنتاج رئيس
المهرجان وهذا لا يصلح لأنه سيكون هناك تضارب مصالح أو لا يوجد أفلام قيمة
لذلك أصبح "الفيلم التسجيلي" يحل مشكلة لي كما حدث العام الماضي بفيلم
نسرين الزيات "ع السلم"، وهذا العام فيلم هالة جلال "من القاهرة"،
وبالتأكيد سيكون محبط وقاسي إذا خرجت المسابقة بدون فيلم مصري.
·
كم عدد الأفلام التسجيلية المشاركة؟
- ثلاثة
أفلام وهي: من القاهرة، يوميات شارع جبرائيل، فياسكو
·
لماذا غاب الفيلم السوري من المشاركة للعام الثاني على
التوالي؟
- الأزمة
السياسية لدى سوريا مطروحة طوال الوقت للجدل والنقاش، وهذا أثر على المستوى
الفني للأفلام بالإضافة إلى ما وراء الكواليس وبالتالي دول مثل سوريا لها
جذور ممتدة في الصناعة بها مشاكل أخرى غير سينمائية تؤثر على اختياراتك
خلال عملك بها، وهنا أقصد أنني لا أرفض فيلم بسبب محتواه السياسي ولكن لأن
الصناعة ذاتها الخاصة بهم متأثرة بواقع البلد وبالتالي لا توجد صناعة أو
يوجد أفلام جميعها تتحدث عن مشاكل النظام السياسي معهم فبالتالي يعيدون
إنتاج أزماتهم أو يقدمونه بشكل متواضع ولا يهم الآخر، ولا أستطيع أن أخذ
فيلم فقط لمجرد مجاملة الدولة.
·
هل اختيار فيلم "بلوغ" كافتتاح للبرنامج تعويض عن غياب
الفيلم السعودي عن المسابقة؟
- بالفعل
هذا حقيقي، والسينما الخليجية بأكملها وليست السعودية فقط، والعام الماضي
كان فيلم "الافتتاح" سعودي لأن السينما السعودية باتت أكثر الصناعات
الناشئة نشاطًا وعلى مدار فترات زمنية قصيرة وحجم التطور بها يحمل من
صناعها دأب وتمرد في محاولة للحاق بما فاتها على مدار عقود مما يجعل هناك
زخم ومغامرات ملفتة وحضور لموضوعات لم نكن نتصور أنها تناقش هناك.
·
ما الذي لفت نظرك في تجربة "بلوغ" لتكون اختيار الافتتاحية
للمسابقة؟
- فيلم
مستواه جيد لخمسة أفلام قصيرة من إخراج خمس مخرجات سعوديات في إطار فيلم
واحد طويل كل مخرجة منهم تمثل منطقة بالدولة مثل "الإحساء، جدة، الشرقية"
وهكذا ، الحقيقة الفيلم به طرح آني لصورة التطور الذي يتواكب مع التحول
الذي تعيشه المملكة هناك، لكنه لا تنطبق عليه شروط المسابقة.
وهنا قررت أنه إذا كان هناك تطوير في المسابقة بنسختها
السابعة أن أضيف عنصر فيلم الافتتاح عليها "اختيار رسمي لكن خارج المسابقة"
لكنه يحقق هدف المسابقة الأساسي وهو إلقاء الضوء على التجارب المختلفة،
وإذا كنت وجدت فيلمًا جيد آخر يصلح ليكون ختام للمسابقة فكنت لن أتردد في
فعل ذلك.
فالبرنامج هو مساحة عرض للتجارب الجيدة، وأغلب المهرجانات
لا يوجد به جزء بمسابقة لأفلام عربية لذلك نحن منفردون بها وهذا مسئولية
كبيرة، ومهرجان القاهرة باسم وتاريخه فرصة ونافذة عظيمة للعرض أمام أعداد
ضخمة من الجمهور.
·
لجنة التحكيم تضم مصر والسعودية ولبنان، هل هذه الدول هي
الأكثر نشاطًا سينمائيًّا بالمنطقة؟
- أحاول
دائمًا التنويع في الجنسيات والاختيارات لذلك بالعام الماضي أحدثنا تنوعًا
في الاختيار الجغرافي وكان لدي مخرج وممثلة ومخرجة أفلام تسجيلية، هذا
العام بحكم أن الأفلام بها أكثر من عمل تسجيلي فكان التركيز على عنصر
الإخراج وكان لدي من البداية ترشيح اسم تامر محسن والذي وافق على الفور،
وكنت أتمنى يكون هناك تمثيل مغربي لكن المخرج أعتذر بسبب انشغاله بتصوير
عمل، بعدها قمت باختيار هادي زكاك من لبنان وهو مخرج تسجيلي بالأساس.
وتبقى لدي عنصر التمثيل الذي لابد من وجوده باللجنة، وطرح
لي اسم فاطمة البنوي ففكرت في وجودها لأكثر من ميزة فهي ممثلة ومخرجة
فبالتالي لديها معاييرها بالحكم على الأفلام كما أنها وجه شاب فوجودها مع
المخضرمين يحمل توازنًا في الرؤى بالإضافة للتنوع الجذري كما أنها تنتمي
لصناعة سينما ناشئة قادمة من مجتمع كان يتعامل مع المرأة بسياقات معينة
ويمر الآن بمرحلة تحولات كبرى تمثل المرأة فيها أكبر القضايا كما أن فيلمها
يشارك خارج المسابقة وهي وجه إعلامي معروف وبالتالي ستخلق جذبًا جماهيريًا
، وجميعها أسباب جعلتني اختارها.
هذا بخلاف أن اختيار فاطمة يحمس مخرجات أخريات ناشئات في
وضع الثقة بأنفسهن.
·
لكن اختيار فاطمة البنوي في لجنة التحكيم أثار حفيظة البعض،
ما تعليقك؟
- كثير
من أعضاء لجان التحكيم بالمهرجانات الدولية يكون صغيرًا في السن لإحداث
توازن بين الأجيال، كما أن من يحضر هذه المهرجانات سيكون على وعي من مشاركة
أعضاء لجنة التحكيم بأفلام في برامج أخرى على هامشه في إطار الاحتفاء
بتجاربهم.
والمعترضون على فاطمة البنوي هم ذاتهم المحتفون بوجود محمد
دياب في لجنة تحكيم مهرجان كان بدورته الـ٧٠ برغم من عدم تقديمه إلا فيلمين
وكذلك المخرج السوداني أمجد أبو العلا الذي لم يقدم سوى فيلمًا واحدًا
واختير في لجنة تحكيم مهرجان لوكارنو.
·
كيف كانت معايير الاختيار للأفلام هذا العام؟
- بالأساس
كانت في الجودة الفنية وليس لدي اعتبارات لأي أسماء من أي نوع ولا حسابات
تخص الفرقعة الفنية أني أجيب فيلم من دولة معينة لمجرد "كسب الترند"، كما
أنني ليس لدي مشكلة مع أصحاب الأعمال الأولى والأولوية في تفضيلي لهم
لأَنِّي كما ذكرت هذه المسابقة نافذة عرض والمخرج المخضرم يمكنه إيجاد فرصة
للعرض أفضل من صاحب العمل الأول.
وأحاول أن أجعل هناك حوارًا بين الأجيال معًا أي وجود
"التوازن" بين فيلم لمخرج جديد وآخر مخضرم، وهنا نتتبع مسارات الرحلة
وتطورها في المنطقة للمخرجين العرب ونقارن مثلًا بين تجربة تسجيلية لمخرج
لبناني يعمل للمرة الأولى بجانب آخر لمخرج ذو خبرة مثل رشيد مشهراوي، وهذا
يفتح أيضًا مجالًا واسعًا للمناقشة بين صناع الأفلام بعضهم وبعض وهذا مكسب
كبير لنا.
·
كيف حال المشاركات النسائية للمخرجات هذا العام؟
- لدينا
شح في هذا الأمر، لكن نظرًا لوفرة الإنتاجات هذا العام وجدنا أكثر من تجربة
جيدة للمخرجات فلدينا فيلم "من القاهرة" ل هالة جلال، فيلم "دفتر مايا"
الذي تشارك به مخرجة لبنانية مع مخرج، وفيلم عراقي من إخراج مخرجة، وهذا
اعتبره نجاحًا لنا هذا العام لأننا لم نرى مخرجات عراقيات من قبل، فقد
سمعنا عن تونسيات أو مغربيات وسعوديات.
هذا بخلاف خمس مخرجات بفيلم الافتتاح لذلك لدينا هنا ٨
مخرجات بالمسابقة من أصل ١٦ مخرج وهو ما تحقق في نسبة التمثيل "٥٠/٥٠" وهي
نسبة هامة وضرورية وترسم صورة لطبيعة الواقع الخالي للسينما العربية،
وتجعلنا نستمع للأصوات الجديدة والمغايرة للسينما النسائية فهم يحاولون طول
الوقت الخروج بتجارب مثل الرجال لكن الأغلب يحاول حصرهم في قالب التصنيف
العمري.
·
هل كان هناك تفكير في إقامة ندوة أو اثنتين تتحدث عن قضية
معينة تشغل الصناعة على هامش تطوير المسابقة؟
- الحقيقة
لا، لأن المهرجان بالفعل تكون به مساحات كبيرة للنقاشات خصوصًا أيام
القاهرة لصناعة السينما، وأسبوع النقاد في بداية تأسيسه كان يقدم ندوة
وحلقة بحثية كانت تنظمها جمعية نقاد السينما المصريين فأنا لست ضد ذلك لكن
هذا ربما يكون جزء من التحميل على برنامج المسابقة أو يأخذ الضوء من
الاهتمام بالأفلام المشاركة، وربما الدورة القادمة ممكن يكون في مساحة أكبر
لتفعيل ذلك.
وأعتقد أن الخطوة القادمة سواء استمريت أم لا في إدارة
البرنامج أن يصدر كتاب يتحدث عن السينما في دولة عربية معينة أو ظاهرة ما
أي يكون بمثابة مرجع لشكل وتطور "السينما العربية" ويشمل على انفوجراف يشمل
الإنتاجات وميزانيات الأفلام عربيًا.
·
كيف جاء التحول بالصناعة العربية إلى منطقة التجريب في
السنوات الأخيرة؟
- هذا
طبيعي لأن السينما قديمة ومتجذرة ومتطورة على مستوى الأجيال وكلما كان هناك
قفزات تقنية تحاول استغلال ذلك في محاولة للتغلب على التضييقات الإنتاجية
والتي تعاني منها أي سينمات آخري وكجزء من محاولات التواجد التي تشبه
صناعها بعيدًا عن السياق التجاري، فهي صناعة تتمرد نتيجة لتغير الظرف
السياسي والإقتصادي والإنساني، هذا التمرد بالتأكيد يكون به رغبة في
التجريب وهدم الثوابت.
لذلك بات أغلب المخرجين العرب من الجدد والمخضرمين يخوضون
تجارب التجريب ويكسرون الأشكال التقليدية وتقديم مغامرات بصرية، وهذا بات
واضحًا من منتصف العشرية الأولى بداية من صناعة الفيلم الديجيتال. |