كلمة السر كانت وستظل هي الحب، امتلك كريم هذا الفيض من
الرصيد النادر، وانفتحت له مفاتيح القلوب.
متعدد الأوجه، تشعر أنك من الممكن أن تلتقيه في أي مكان، في
الحى الشعبى (السيدة زينب) أو حى الصفوة (زد)، في مقهى (بعرة) بوسط
المدينة، وهى لمن لا يعرف مكان تجمع (الكومبارس)، أو في قلب باريس بمقهى
(الشانزليزيه)، تصدقه لو رأيته يقود (توك توك)، ولا تتعجب لو وجدت أن لديه
فريقًا من الحاشية يفتحون له باب السيارة (الرولزرايس)، يقطن في (عشة) أم
قصرٍ ستصدقه، لسبب بسيط أنه لا يمثل، فهو ليس صاحب حرفة، لكنه صاحب موهبة
استثنائية، يعيش الحالة التي يؤديها أمام الكاميرا، هذا هو كريم عبدالعزيز،
سواء كنت تعرفه قبل لحظات أم سنوات، لا يهم ولا تفرق أساسًا، اقتنعت به
كممثل، أم كان لديك ملاحظات، ستكتشف أنك تنحاز إليه وجدانيًا، رأيته
كوميديانًا قادرًا على إضحاكك أو تراه فقط في الرومانسية، المهم أنك تحبه
في كل أحواله.
تعتبره صاحبك (جايز)، ابنك أم أباك (جايز برضه)، يصلح أن
يكون في كل هذه الأنماط والأشكال، يمتلك منحة إلهية اسمها (الحب من أول
طلة)، وهكذا تقدم منذ نهاية التسعينيات بخطوات سريعة وواثقة إلى قلوب
الناس، بدون أن يبذل جهدًا مفتعلًا سوى فقط أن يكون نفسه، اختصر سنوات
عديدة، ليصبح في الألفية الثالثة هو نجم الشاشة المصرية الذي يتصدر اسمه
(الأفيشات) و(التترات).
كيف كان حال الطفل كريم وهو لم يتجاوز بعد مرحلة (تاتاتاتا
خطى العتبة) ثم يقف في الاستديو مع سعاد حسنى وعادل إمام وحسين فهمى ومحمود
ياسين وسعيد صالح وغيرهم؟ عقله في هذه المرحلة لم يستوعب سوى أنهم من
أصدقاء العائلة، انتقلوا ليلعبوا معه من البيت للاستوديو، مرت سنوات، ويكبر
الطفل، الصحيح أن نقول زادت أرقام العمر الزمنى، ولكن حتى وهو في منتصف
الأربعينيات من عمره، ستجد الطفل لا يزال يسكنه، ملامحه لم تغادر تلك
المحطة، نظرة عينيه تسكنها دهشة وبكارة الأطفال، احتفظ بدون أن يقصد بكل
تلك الأسلحة الناعمة، مع الزمن صارت هي المصابيح التي أضاءت له الطريق.
طفل مشاغب.. أتصوره كذلك أثناء الدراسة في المراحل
التعليمية الأولى، إلا أنها مشاغبة لا تتخطى أبدًا حدود اللياقة، حقق
نجاحًا في الثانوية العامة بدرجة تؤهله عن طريق مكتب التنسيق للالتحاق
بواحدة من الكليات التي نصفها بالقمة (اقتصاد وعلوم سياسية) أو (إعلام)،
إلا أنه كان قد وقع في غرام الشاشة، بداخله حب مفرط لأبيه يريد أن يتمثله
في كل خطواته، وهكذا قرر مواصلة المشوار أكاديميًا سائرًا على درب أبيه
المخرج الكبير محمد عبدالعزيز، وكان عمه أيضًا المخرج الكبير عمر عبدالعزيز
قد حقق نجاحات متتالية ومبكرة في السينما، وإذا أضفت للقائمة ابن عمته
المخرج المتميز محمد ياسين، الذي كان قد بدأ العمل كمساعد مخرج، سوف تتأكد
أننا بصدد أسرة تمتلك (جينات) بصرية درامية تنتقل من جيل إلى آخر، من
البديهى والحال كذلك أن يتوجه كريم للإخراج، تعلمنا الحياة أن هناك عائلات
تبرع في نوع من الفن، موسيقى أو شعر أو رسم، وهكذا جاءت عائلة (عبدالعزيز)
وهى تتنسم عمق الصورة وظلالها وزوايا قراءتها.
الخطوة الأولى ليست أبدًا سهلة، والده كعادة أغلب الآباء
يرى دائمًا الوجه الآخر المظلم والشاق في المهنة التي يمارسها، وهو يريد أن
يجنب ابنه الوحيد أي لحظة ألم، أو توتر عاشها بسبب العديد من المعادلات
خارج النص في الحياة الفنية والضربات تحت الحزام، التي من المؤكد أنه قد
واجهها.
الجانب الآخر من الصورة اندفاع كريم للالتحاق بمعهد
السينما، هل هو فعلًا يعبر عن رغبة حقيقية، أم أنه تماهى مع الأب؟ بعض
الأبناء عندما يلتصقون نفسيًا بآبائهم يقررون لا شعوريًا أن يصبحوا صورة من
الأب؟ ربما كان هذا هو سر اعتراض الأب، الخوف أن كريم من فرط حبه لمحمد
عبدالعزيز، يريد أن يصبح لا شعوريًا بالضبط محمد عبدالعزيز، الجانب الآخر
من الصورة أن الأب أيضًا من فرط الحب يرى في مهنته الأشواك ويغض الطرف عن
الورود، وحبًا في ابنه الوحيد قرر بكل الوسائل إبعاده عن طريق الأشواك،
كريم أصر أن يدخل المعهد رافعًا شعار (الميه تكدب الغطاس)، و(الميه) هي
الامتحان النظرى والعملى التي يجريها المعهد، لمن يتقدم للالتحاق به، بينما
والده وهو أيضًا أستاذ لمادة الإخراج بمعهد السينما تقدم بطلب إجازة، حتى
يبتعد عن أي حساسية ممكن أن تنشأ في وجود كريم بين المتقدمين للمعهد، أوراق
الإجابة شهدت لصالحه، (الميه أكدت أنه غطاس بحق وحقيقي)، ووجد الأب أنه ليس
من العدالة أن يحول دون استكمال ابنه الدراسة الأكاديمية، وبرغم أنه شحيح
في الثناء، إلا أنه هنأ ابنه على إجاباته، وتأكد أن ابنه صادق في مشاعره
ولم يكن هدفه أن يعيش في جلباب الأب، أحضر معه جلبابه الخاص معبرًا عن
جيله، المناخ الفنى الذي يتنفسه دفعه لكى يلقى بنفسه في بحر السينما، وتخطى
حاجز (البراميل)، ولم يعد أمامه أي فرصة للعودة للشاطئ، فكان ينبغى أن
يواصل السباحة.
يستيقظ كريم في الصباح على سيناريو تركه الوالد في غرفة
المكتب، أو يستمع إلى نقاش بين الوالد ومدير التصوير، أو تجده يتحدث لممثل
عن مفاتيح الشخصية الدرامية التي ينبغى له أن يراعيها في الأداء، أو يجرى
حوارًا مع واضع الموسيقى التصويرية لكى يقدم إحساسًا ما على الشريط الصوتى،
وغيرها، ناهيك أن هذا الطفل شارك في العديد من الأفلام، فأحب (الشغلانة)
مبكرًا جدًا، وهذا الفيضان من الدروس المجانية يتلقاها يوميًا في البيت،
بدون أن يقصد، ينام على سينما ويصحو على سينما، وبين النوم والاستيقاظ
سينما في سينما.
رحلة المعهد قسم إخراج كانت فرصة ليختبر مشاعره، وعلى أي
شاطئ سيرسو، لم يكن يدرى أن القدر يهيئ له شيئًا آخر، وبدون أن يقصد يدخل
في معركة نفسية، بين المخرج الذي يتمثل فيه الوالد واقفًا خلف الكاميرا،
وبين الممثل الذي يريد أن يقف أمامها، ومضة نشوة تسكن قلبه عندما كان
الزملاء داخل المعهد من أصدقائه يرشحونه للتمثيل في مشروعاتهم، وبالصدفة
أيضاً هم أبناء سينمائيين كبار، أحمد نادر جلال وأحمد سمير فرج ومروان وحيد
حامد وغيرهم، وفى هذه اللحظة اكتشف أنه يعشق الوقوف أمام الكاميرا، بات
لديه يقين أنه ينطبق عليه قول الشاعر (إنما الحب للحبيب الأول)، وعاد الطفل
المشاغب مجددًا للوقوف أمام الكاميرا، وصار حبًا من طرفين، أحبته أيضًا
الكاميرا، حتى جاءت نقطة الانطلاق في (اضحك الصورة تطلع حلوة) للمخرج شريف
عرفة، والكاتب وحيد حامد، بعد أن رشحه مروان حامد الذي كان مساعدًا لشريف
واقتنع تمامًا شريف بكريم، حتى إنه قال لى أنه بمجرد أن رآه وقبل الاختبار
كان موقنًا أنه سوف يسند إليه الدور، والامتحان كان مجرد إجراء روتينى،
ممثل يبدأ الخطوة الأولى في فيلم عليه بصمة وحيد وشريف، وفى الاستديو، يقف
أمام العملاقين سناء جميل وأحمد زكى، ويتعلم عمليًا وهو يراقبهما كيف يكون
التمثيل هو ألا تمثل، وبعد أن أنهى (اضحك الصورة..)، وجد العديد من النوافذ
تُفتح أمامه، الموهبة بمجرد بزوغها لا يختلف عليها أحد، شريف يجدد الرهان
عليه في (عبود ع الحدود)، وعندما تبدأ ساندرا نشأت تصوير ثانى أفلامها
الروائية وقع اختيارها على كريم عبدالعزيز بطلًا في (ليه خلتنى أحبك)،
تستمر الرحلة لتصل إلى عشرين فيلمًا تختلف في توجهاتها وطموحها الفكرى
والفنى، أغلب الأفلام قبل (الفيل الأزرق) بجزئيه الأول والثانى، كنت ترى
فيها كريم عبدالعزيز (جان) وأيضًا (كوميديان) وهى منطقة من النادر أن
يتواجد فيها النجوم، نذكر من جيل الكبار أنور وجدى ورشدى أباظة ومحمود
عبدالعزيز، ستلمح أيضًا في تلك الأفلام روح كريم أو شيء من كريم تجده في
الشخصيات الدرامية التي يؤديها بمزيج من ملامحها على الورق لا تخلو من لمسة
مباشرة أيضًا من كريم، حتى نصل إلى نقطة فارقة (الفيل الأزرق) لمروان حامد
لينطلق إلى منطقة أخرى سيطرة كاملة من الشخصية الدرامية يذوب فيها كريم
تمامًا، ولا تعثر فيها على أي أثر آخر سوى الشخصية الدرامية.
تواجد كريم في ظل قانون اسمه (السينما النظيفة)، وهو
بالمناسبة أسوأ ما يمكن أن نطلقه على الفن، لأنه يعنى أن السينما الأخرى
التي لا تنطبق عليها تلك الشروط الأخلاقية تستحق أن نُطلق عليها توصيفًا
يقف على الجانب الآخر تمامًا من النظافة.
ما الذي حدث في الثلاثين عامًا الأخيرة أدى إلى سطوة هذا
النوع من الأفلام، إنه نتاج لتوافق قطاع من المجتمع على ملامح من الفن،
مصنوع وفقًا للمعايير الأخلاقية المباشرة، وكثير مما نتابعه في هذا الصدد
يؤكد أن الدولة ممثلة في الرقابة على المصنفات الفنية لا تمنع أو تحذف أو
حتى توحى بالرفض، ولكن صُناع السينما هم من باتوا يقدمون تلك الأفلام والتى
أطلق عليها آمنة، وأصبح النجوم يبتعدون عن أي مشاهد تحمل قدرًا من الحميمية
بين الرجل والمرأة، حتى يضمنوا أولًا رضاء المجتمع، تذكروا أن القبلات في
زمن الرقيب كاتبنا الكبير نجيب محفوظ عندما كان هو المسؤول عن المصنفات
الفنية، في نهاية الخمسينيات، كان يبيحها، والمجتمع لا يجد فيها ما يستحق
الاعتراض، أو حتى التساؤل، قبلات فاتن وسعاد وهند ونادية وغيرهن لم تكن حتى
تحتمل مجالًا للنقاش، بين ما يجوز وما لا يجوز.
أغلب نجوم الألفية الثالثة صاروا ملتزمين، بهذا النوع عفوًا
(النظيف)، كريم قال لى إنه ليس لديه أي مانع من أداء تلك المشاهد ولا يوجد
لديه تحفظات من تقديم شخصية مشوهة نفسيًا، فهو أيضًا وبنفس المنطق لن يرفض
أداء شخصية منحرفة أخلاقيًا، لأنه أساسًا ممثل دوره يفرض عليه أداء كل
الشخصيات، ولن يحاكمها جنائيًا أو اجتماعيًا، الممثل لا يفرز شخصياته سواء
كانت صالحة أم طالحة قبل أن يجسدها.
النجم في العادة يقرأ الجمهور ويحدد موقفه طبقًا لما يعتقد
أنه قرار الأغلبية، شاهدت ممثلًا كبيرًا يؤكد أنه اعترض على مشاركة ابنته
في الأعمال الفنية حتى لا يُقبلها من يشاركها البطولة في العمل الفنى ولكن
لا توجد موانع بالنسبة لهذا النجم لو أنه أخذ يقبل البطلة ويركلها في
المؤخرة، بسبب درامى أو بدون سبب درامى، نظرة مع الأسف ذكورية، تهين الفن
وتمنح لمن يهاجمون الفن السلاح الفتاك لاغتيال حرية الإبداع.
تلك هي المشكلة أننا نخاطب المجتمع بما نعتقد أنه يريد
سماعه سواء كانت هذه هي قناعتنا أم لا؟ هناك بين الحين والآخر خطاب (شعبوي)
يفرض نفسه، كريم شخصيًا من الممكن أن يؤدى المشهد الذي يتفق عليه مع المخرج
في السيناريو، ولن يصدر تجاهه أي موقف أخلاقى مباشر، كما أنه سوف يترك
لابنته ملك وابنه على حرية اختيار مستقبلهما، لن يفرض لا رأى ولا رؤية.
نعيش عصر سطوة النجوم، صارت العصمة بأيديهم هم أصحاب الرأى
الأول والأخير، النجوم صاروا مع الزمن هم العنصر الحاسم في المشروع
السينمائى، تضاءل كثيرًا دور المخرج في العملية الفنية، وعدد من المخرجين
انسحبوا من الميدان بعد أن انتزعت صلاحيتهم لصالح النجوم، كريم يدرك ما
الذي يعنى بالنسبة له وظيفة المخرج، أنه العين التي ترى الفنان أثناء
انهماكه في الأداء، قد تزيد الجرعة التي يقدمها الممثل في التعبير قليلاً
عما هو مطلوب، أو ربما لا تصل للحد المطلوب، من يملك أن يحدد هذا المقدار
(الزئبقي)؟هو المخرج، وكريم لا يتدخل أبدًا في صلاحيات المخرج، حتى اختيار
فريق العمل والذى صار النجوم في العادة يتحملون مسؤوليته، إلا أن كريم يعلم
جيدًا أن المخرج هو القائد وأى خلل في تلك المنظومة سيدفع ثمنه لا محالة
العمل الفنى، وبالتالى من يقف في صدارة (التترات) وهو النجم.
لا يتدخل كريم في كل هذه التفاصيل إلا إذا طلب منه المخرج
أن يرجح كفة فنان، عندما يكون حائرًا في الاختيار، تعلم الدرس في معهد
السينما وأيضًا من والده المخرج الكبير أن الفيلم يساوى المخرج.
التنافس في الحياة الفنية هو الضمان الوحيد لارتفاع الخط
البيانى للفن، وهو لهذا يتابع الحياة الفنية بكل تفاصيلها وبكل نجومها.
كريم يحرص على المشاهدة ورؤية الزملاء، ويعلن لهم ذلك، يؤمن
أن المنافسة الشريفة هي الطريق الوحيد للإبداع، المنافسة تلعب دورها في
زيادة مساحة الوهج للفنان، ونجاح الآخر يدفع الفنان لمزيد من النجاح، بينما
الفشل من الممكن أن يصيب الآخرين بالعدوى، فيفقد النجم الحافز المباشر
للإجادة.
كثيرًا ما نقرأ عن خلافات النجوم حول ترتيب أسمائهم على
الشاشة، من يسبق من؟، ولا تصدقوا ما دأبت (الميديا) على ترديده أنه في زمن
الكبار، لم يكن النجوم يتصارعون على الأفيشات والتيترات، كل هذه الأقاويل
لا تمت للحقيقة بصلة قربى أو نسب، الأرشيف يؤكد أن كلهم أو بتعبير أدق
أغلبهم تصارعوا ووصل الأمر أحيانًا للقطيعة وبعضها ذهب لساحة القضاء، وعدد
من الفنانين انسحبوا من الحياة الفنية لإحساسهم أن هناك ظلمًا تعرضوا له،
أو في الحدود الدنيا عدم تقدير لمشوارهم وتاريخهم، كريم لا يتدخل إطلاقًا
في هذا الأمر، لديه قناعة مطلقة أن المخرج والمنتج سوف يضعانه في المكانة
التي يستحقها لأنهما في النهاية يتعاملان مع سوق فنية لها محدداتها
وقوانينها، وهو يرى أن هناك معارك جانبية قد تستنفد الطاقة من المبدع
بعيدًا عن مكانها الحقيقى وهو الاستديو إذا كانت كل قضيته تتلخص في كيفية
كتابة اسمه على الأفيش، خاصة أن الجمهور لا تعنيه عادة تلك التفاصيل، فهو
يضع الترتيب كما يحلو له، بعد مشاهدة العرض.
وأنا أكتب هذه السطور يشارك كريم عبدالعزيز نجمٌ من جيله
وبينهما قطعًا تنافس في فيلم (كيرة والجن) أقصد أحمد عز، كان ظنى أن تلك
المشكلة ستطرح نفسها على الجميع، كأول شرط في التعاقد، والمفاجأة التي
عرفتها أن لا كريم أو عز سأل عن كيفية صناعة الأفيش وترتيب الأسماء، تركا
الكرة في ملعب المخرج والمنتج ليضعا ما يريانه مناسبًا.
متى إذن يسأل كريم ولا أقول يعترض؟ كان صريحًا معى وهو يقول
نعم لا أتحدث عن ترتيب الأسماء، ولكنى أسأل عن أجرى، من حقى أن أحصل على
الرقم الذي يليق بما حققته وباسمى في التوزيع الداخلى والخارجى، وهى أمور
يعرفها الجميع لأنها معلنة وقياسها بات سهلًا، وإذا كنت أساوى مثلاً
عشرينًا فلماذا تمنحنى خمسة فقط، أنا في هذه الحالة قطعًا أتكلم، أنا قريب
جدًا من المطبخ السينمائى وأعلم كل تفاصيله.
ليس لدى كريم عبدالعزيز أي اختيارات مسبقة لمن يعمل معهم،
وفى رمضان القادم في (الاختيار3) سوف يلتقى مع عز مجددًا ولأول مرة مع أحمد
السقا وياسر جلال، شارك العام الماضى أحمد مكى التترات والأفيشات
(الاختيار2) ولم يطلب أي منهما أي شيء خاص، وهذه التجارب في العادة تعيد
شحن بطارية الإبداع، لأن الممثل يجد نفسه في ذروة وهج الأداء عندما يكتشف
أن المنافس بجواره يمتلك كل الحضور.
حدد كريم علاقته بالعالم الافتراضى التواجد عبر (السوشيال
ميديا) لديه مقنن جدًا، فهو يعيش حياته واقعيًا بعيدًا عن الوسائط
الاجتماعية، الإنسان كريم عبدالعزيز من حقه أن يستمتع بالحياة مع زوجته
وأبنائه وأصدقائه بعيدًا عن الضوء، وما يعنى الناس هو فقط الممثل كريم
يشاهدونه في أعماله، لا يجذبه هوس (التريند)، فهو حالة لحظية تتغير بمعدل
سريع مقداره (فيمتوثانية)، ولا يؤثر كما يرى على تواجد الفنان على الخريطة.
الزمن قطعًا يتغير، تلك هي حقيقة الحياة الفنية، الجمهور
الذي يتعلق بفنان يصبح هو فتى أحلامه، يمر زمن ويدخل للساحة جمهور آخر
وتتغير الأحلام ويبحث الجمهور الجديد وهم في مرحلة عمرية تتراوح بين 15 و30
عامًا، عمن يعبر عنهم، هؤلاء هم الذين يحددون اسم النجم، هم الذين يقطعون
تذكرة الدخول لدار العرض، هل يظل النجم الذي راهنوا عليه كما هو في المقدمة
عشرة عشرين أو ثلاثين عامًا، سيأتى يوم يقطعون التذكرة لنجم آخر من جيل
تال، الفنان عليه أن يتعامل مع الحقائق وهو العمر الافتراضى الذي لا يعنى
بالضرورة أن نقلب الصفحة، ولكن ربما سيجد أن المساحة الدرامية قد تقلصت،
كريم لا يخشى الغد لأنه مدرك طبيعة الحياة الفنية بحلوها ومرها، وعليه أن
يتواءم مع قانونها الأزلى، ما يمنح الفنان القدرة على مواجهة الزمن هو أن
يظل دائمًا قادرًا على التقاط كل المفردات الجديدة في الحياة، وكريم بطبيعة
تكوينه يتابع بكل شغف وحب كل ما يجرى حوله، ليظل دائمًا على الموجة مع
الناس.
إنه قابل للتطور وهضم كل المفردات (الروشة) في الأداء، كما
أنه مُحَصّن ضد تقلبات الزمن، نبضاته هي نبضات الناس، في مرحلة الشباب
المبكر وجد نفسه حائرًا بين عالم الفن وعالم الجو، تمنى أن يصبح طيارًا،
وأتصور أن تلك الرغبة لا تزال تعبر عن نفسها ولكن بوسيلة أخرى، فهو يسعى
لكى يحلق عاليًا بالدور الذي يؤديه متجاوزًا ما يقرأه على الورق ويضيف
لمسات أخرى تتيح له الطيران بعيدًا مع الشخصية الدرامية.
قبل بضع سنوات قالت له الطبيبة البريطانية: غريب أنك لا
تزال تتحرك حتى الآن على قدميك، وبالإرادة استطاع أن يعبر هذا الخط الفاصل،
وأيقن أنه كما قال نجيب محفوظ: (الموت ليس هو أن تموت ولكن أن تخاف الموت).
الإنسان قبل النجم دائمًا، هذا هو مبدؤه، وهكذا سيعيش
مبدعًا وفى البؤرة لأنه مدرك تمامًا أنه مجرد (واحد من الناس)!!. |