فيلم روائي شاركت في إخراجه خمس سينمائيات سعوديات يتخطين
المحظورات.
تسارعت وتيرة الانفتاح السينمائي في السعودية بتعدد قاعات
السينما في البلاد، والتي واكبها تسارع في إنتاج الأفلام وتطور كبير في
مستواها الفني استفادة من حالة الانفتاح على التجارب العالمية. وقد مثل
الجناح السعودي في مهرجان كان السينمائي والمشاركة الفاعلة لأفلام سعودية
في عدة مهرجانات عربية وعالمية خير دليل على التطور اللافت لهذا القطاع
والذي يأتي ضمن استراتيجية كاملة تهدف إلى تشجيع الإنتاج وتطويره.
القاهرة – أسهم
افتتاح مسابقة آفاق السينما العربية بالفيلم السعودي “بلوغ” ضمن فعاليات
مهرجان القاهرة السينمائي المستمر حتى الخامس من ديسمبر المقبل في وضع الفن
السعودي على الخارطة الدولية، خاصة أنه يشارك أيضا في برنامج “سينما
السعودية الجديدة” في مهرجان البحر الأحمر السينمائي خلال الفترة من السادس
إلى الخامس عشر من ديسمبر.
ويضم الفيلم خمس قصص نسوية منفصلة تستكشف العمق الإنساني
تحت وطأة المعاناة والأسرار والقلق والخوف، وأخرجته خمس مخرجات سعوديات،
هن: سارة مسفر، فاطمة البنوي، جواهر العامري، هند الفهاد ونور الأمير،
وقامت بالبطولة ممثلات سعوديات.
ويأتي الفيلم النسوي انعكاسا لحالة انفتاح كبيرة تشهدها
المملكة على المستوى الفني، وكمحاولة لمساعدة منتجي الفن خصوصا النساء،
انطلاقا من أن السينما تسهم في فك القيود المجتمعية وتزيد التحرر منها، وهو
الرسالة الرئيسية التي تكشف عنها قصص الفيلم المختلفة.
سارة مسفر: أحبذ
استقطاب الوجوه الجديدة وكنا نتواصل مع الفتيات من المدارس
ويؤكد فيلم “بلوغ” والمساهمات في إنجازه إخراجا وتمثيلا
انفتاح الفن السعودي على العالم من خلال السينما، حيث يتمتع العمل بدرجة
عالية من الحرية في المعالجة الفنية والمحتوى الإنساني الذي يتطرق لقضايا
شائكة.
وشهد عرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي
حضورا كبيرا من الجمهور، واحتفاء لافتا بمخرجاته اللاتي حضرن العرض الأول
له بدار الأوبرا المصرية.
والتقت “العرب” المخرجات الأربع للفيلم، وإحدى بطلاته،
وأجرت معهن حوارا حول كواليس “بلوغ” وخروجه للعرض العام ومشاركته في مهرجان
القاهرة السينمائي وأسباب الاحتفاء به.
البحث عن وجوه جديدة
تبدو فكرة إدراج خمس قصص أو حكايات ضمن فيلم طويل جريئة لأن
كل قصة تحتمل تطويرا للفكرة لتتحول إلى فيلم بذاته، وكل منها منفصلة عن
الأخرى ولا يوجد رابط سوى أن البطلات سعوديات من لحم ودم.
تقول المخرجة سارة مسفر إن فكرة الفيلم جاءت معالجتها من
خلال خمس قصص من الممول الرئيسي للفيلم (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
حيث تم اختيار القصص والمخرجات وجمعها في فيلم واحد.
وتضيف المخرجة فاطمة البنوي أن “ثمة أفلاما عالمية تم
إنتاجها على النسق ذاته، لكن قد تكون الفكرة جديدة بالنسبة إلينا، وأردنا
خوضها بجسارة، وجاء إنتاج العمل عبر مسابقة ووقع الاختيار على المخرجات
الخمس ورحبنا بالعمل سويا”.
وتوضح المخرجة جواهر العامري أن “اختيار الثيمة الأساسية
للفيلم جاءت لتدور حول المرأة السعودية، بينما أشارت المخرجة هند الفهاد
إلى العقبات التي تواجه السينما السعودية من حيث توافر الخيارات من
الممثلات، فهي عملية ليست باليسيرة، لكن مع المشاركة في المهرجانات أصبحنا
نعرف الموجودين في السوق وننتقي الخيارات المتاحة”.
هند الفهاد: من
العقبات أمام السينما السعودية عدم توافر الممثلات
وتشاطرها الرأي المخرجة مسفر حول مشكلة العثور على ممثلين
في السعودية، فتقول “أحبذ استقطاب الوجوه الجديدة وكنا نذهب إلى المدارس
الثانوية والمتوسطة ونتواصل مع الفتيات، ونتبين مدى اهتمامهن بالمشاركة
والتمثيل من عدمه”.
حول تصنيفهن كصانعات أفلام نسوية وحصرهن في هذا القالب،
تلفت البنوي لـ”العرب” إلى أنهن صانعات أفلام يمكنهن تقديم الواقع
وانعكاساته، لكن طريقة الترجمة للواقع مختلفة عن تقديمها من قبل رجل.
وتضيف “أنا أعتقد أن المخرج سواء أكان أنثى أو رجلا يستطيع
إنتاج هذه الأفلام، ويأتي الاختلاف في طريقة طرحنا كنساء للتفاصيل وربط
العلاقات الأسرية ببعضها، وقد بدأنا تسليط الضوء على تفاصيل مهمشة بالنسبة
إلى المرأة السعودية على شاشة السينما”.
وتؤكد البنوي “كنا كنساء من المشاهدات والجمهور نجد أن
المرأة في الأفلام لا تشبهنا، فأحيانا كان من يؤدي دور المرأة رجل، لذلك
نسعى للتركيز على المرأة ليس فقط من ناحية ظهورها على الشاشة، بل أيضا من
خلال النصوص المكتوبة عبر التركيز على التفاصيل النسوية والموضوعات التي
تشغل النساء”.
وتشدد المخرجة هند الفهاد لـ”العرب” “أؤمن أن السينما حكاية
إنسانية قبل أي تصنيف آخر واتجاهي لقصص المرأة لأني عندما أحكي عن شيء لا
بد أن أشعر به، والقصص التي كتبتها منذ عام 2011 وحتى الآن هي قصص نسائية
تمثل المرأة، وهذا لا يعني أنني أحصر عملي في خيار الأفلام النسائية فوجهة
نظري أنها قصة إنسان وليس رجلا أو امرأة”.
وتشير إلى أن التجارب النسائية موجودة في السعودية مسبقا،
والجديد في هذه التجربة أنها خمس قصص تخرجها خمس نساء في إطار فيلم واحد
طويل فتعرض قصص النساء من أكثر من زاوية ومنظور والرابط بينها أنها قصص
نسوية في المقام الأول.
فاطمة البنوي: غايتنا
ليست طرح القضايا المحظورة بل فتح آفاق مختلفة
حكاويات عصريات
عن الموضوعات التي يفضلن التطرق لها وهل يركزن على
المحظورات تقول البنوي “نحن حكواتية، ونحكي بشكل سينمائي عصري، وكنساء ندرك
أهمية طرح القضايا الشائكة بطريقة ذكية، وغايتنا ليست طرح القضايا المحظورة
لكن أن نلمس القلوب ونفتح آفاقا مختلفة، ونفتح أعيننا على ثقافات كنا نعتقد
أننا نعرفها، وبالتالي نحن بحاجة إلى مراجعة أنفسنا عما نعرفه عن أنفسنا
والآخر، والقضية الأهم أن يكن عفويات ويطرحن تجاربهن وحكايتهن وإنسانيتهن
على الشاشات”.
وظهرت خلال السنوات الماضية مخرجات سعوديات، مع أن الإنتاج
السينمائي مازال وليدا، وتبرر البنوي ذلك بقولها “لدينا حكايات كثيرة
حقيقية ولسنوات لم تكن الكاميرا مسلطة علينا ولم نر أنفسنا على الشاشة”.
وتتفق معها في الطرح المخرجة جواهر العامري، قائلة “تربينا
على حكايات وقصص في بيوتنا ونحن صغار، ثم درسنا السينما في السعودية، وكنا
أول دفعة في مجال السينما، وحين أتيحت الفرصة أن نصنع القصص قمنا بذلك، لأن
بلدنا زاخر بالقصص المختلفة من كل المناطق، وهي جديرة بأن نعرضها للعالم”.
وحول اختيار اسم “بلوغ” عنوانا للفيلم الذي يبدو للوهلة
الأولى ليس معبرا عن قصصه الخمس، تقول البنوي “البلوغ هنا ليس في السن من
حيث الصفات الأنثوية والذكرية لكن يعني بلوغ الشيء والهدف والوصول إليه،
وترجمته
becoming
فكل قصة لها عنوان، وفي النهاية توصلنا إلى ‘بلوغ’ ليكون العنوان المعبر عن
الحكايات ووجدنا أن الكلمة مرتبطة إلى حد بعيد بهدف الفيلم”.
قصص رمزية
كان من المخطط للفيلم تسليط الضوء على مخرجات مختلفات،
ينتمين إلى مناطق ومدن مختلفة في السعودية، واشترط مهرجان البحر الأحمر
(الجهة الممولة) وكل قصة تدور أحداثها في مدينة معينة لتأكيد التنوع
بالمملكة.
جواهر العامري: بلدنا
زاخر بقصص مختلفة جديرة بعرضها للعالم
وجاء الفيلم ليكسرالصورة النمطية للمرأة السعودية لدى
البعض، والتي لا يمكن توصيلها من خلال الأحاديث والندوات.
وتكشف البنوي لـ”العرب” أن قصة حكايتها حملت عنوان “حتى نرى
النور” ضمن فيلم “بلوغ” جاءت من واقع المجتمع السعودي خلال العام الأول من
السماح للسيدات بقيادة السيارات، وتجربتها الشخصية في هذا الصدد، وهي
محاكاة ساخرة لكيفية أنه في بعض الأوقات نضع أنفسنا أو تضعنا الظروف في
ورطة، وهناك وسائل يمكنها أن تجعل الشخصية بطلة الفيلم تقود حياتها بطريقة
مختلفة، وعلى الإنسان أن يكون على قدر التحديات التي يواجهها ليتجاوزها،
لذا جاء الفيلم زاخرا بالرمزيات.
وتؤكد البنوي أنها كانت تهدف إلى طرح معاناة المرأة
المطلّقة فى المجتمع السعودى وعبرت عن فخرها وسعادتها باحتضان مهرجان
القاهرة السينمائي للفيلم، والاهتمام الكبير لإبراز قضايا المرأة العربية
والسعودية.
وفاطمة البنوي ممثلة وكاتبة ومخرجة سعودية، درست في جامعة
هارفارد، وتعتبر من الرواد، إذ قدمت السعودية لجوائز الأوسكار مع فيلمها
الأول كممثلة “بركة يقابل بركة” عام 2016.
وقامت هند الفهاد بإخراج حكاية “مدخل أخير” في فيلم “بلوغ”،
وهي تنحدر من مدينة حائل بشمال السعودية، واستندت في كتابة قصتها إلى
معالجة قضية المرأة المصابة بألزهايمر وظاهرة المُعالجة الشعبية المنتشرة
في السعودية.
وعن حكايتها في الفيلم، تقول لـ”العرب” إنها تدور حول
معالجة شعبية لفتاة تفقد الذاكرة التي تعد إرثها وفي نفس الوقت تتقابل مع
طبيبة لا تؤمن بالطب الشعبي في رحلة بحث عن الأمومة والإنجاب فتتقاطع
الشخصيتان.
والفهاد مخرجة سعودية فازت بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان
دبي السينمائي عن فئة الأفلام الخليجية القصيرة فيلم “بسطة”، وترأست لجنة
تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية عام 2017.
وتنحدر سارة مسفر من منطقة نجد بوسط السعودية، لكن ولدت
وعاشت في جدة، وتدور أحداث حكايتها في منطقة نائية صغيرة غير معلومة لأن
إحساسها دائما بأن لديها ثقافة مختلطة، وتتحدث الحكاية عن محاولة إجهاض
سيدة أربعينية وعلاقتها مع ابنتها.
يؤكد فيلم "بلوغ" والمساهمات في إنجازه إخراجا وتمثيلا
انفتاح الفن السعودي على العالم من خلال السينما
ومسفر مخرجة حاصلة على بكالوريوس في الفنون السينمائية من
السعودية، وآخر أفلامهما “من يحرقن الليل” الحاصل على التنويه الخاص من
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2020.
وشاركت المخرجة السعودية جواهر العامري بحكايتها القصيرة
“مجالسة الكون” التي تركز على الترقب الأسري لمرحل بلوغ البنت سن المراهقة،
عبر حوار يدور بين ابنة على مشارف النضج وخالتها ليُسلّط الضوء على طريقة
التعامل مع هذه المرحلة ويطرح الكثير من التساؤلات الشائكة.
والعامري نصف سعودية ونصف مصرية، وتقول “والدتي مصرية وعشت
في جدة وعائلتي حضرمية، وجمعت بين ثقافات مختلفة جعلتني قادرة على تقبل
الآخر”.
وتتحدث حكايتها في فيلم “بلوغ” عن فتاة تصل لمرحلة البلوغ
فتتلقى كلاما معقدا من جهات عدة قد يكون صحيحا أو خاطئا وفي النهاية لا
تستوعبه.
العامري مخرجة ومنتجة، أخرجت “سعدية سابت (تركت) سلطان”،
وهو فيلم قصير حاز على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان السعودية، إضافة إلى
فيلمها الطويل “عزيز هالة”، المشارك في معمل البحر الأحمر.
سوزان أبوالخير ممثلة وسينمائية سعودية، بطلة حكاية “حتى
نرى النور” وأخرجتها البنوي ضمن أحداث فيلم “بلوغ”، وجسدت شخصية امرأة
مطلقة تعاني الكثير من الهموم والاحباطات، وهي تشغل أيضا منصب مديرة
الأرشيف في مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
وتقول أبوالخير لـ”العرب” “المحتوى الأساسي لدوري في الفيلم
أنني أجسد دور امرأة مرتبكة ترى نفسها محبوسة في إطار معين، بينما هناك طرق
للخروج إلى النور، وتشعر أنها مضغوطة تحت وقع الهموم الحياتية لأنها لا ترى
طريقا للخروج، ولا بد أن تتحرر من التفكير والقيود داخل عقلها”.
دخول إلى عوالم كانت مجهولة
بطلة من الفيلم
تعتبر هذه التجربة التمثيلية الأولى لأبوالخير، وتعتزم
الاستمرار في الأدوار التي تناقش قضايا المرأة، وعبرت عن فخرها بأنها جزء
من هذه المجموعة، قائلة “الفيلم عزيز وغالي علينا كسعوديات، وسعدنا كثيرا
بعرضه ومشاركته في مصر التي نحذو حذوها في مسيرتنا السينمائية”.
وتؤكد أن إنتاج الفيلم جاء من البداية دعما للمرأة بعد
تمكينها في السعودية، وبناء على ذلك أطلق صندوق الدعم في مهرجان البحر
الأحمر مسابقة شارك فيها عدد من صانعات الأفلام، وتحمل الموضوعات التي تم
إنتاجها عنصرا مشترك يتمثل في المعاناة التي تواجهها المرأة من وجهة نظر
المرأة.
الفيلم يضم خمس قصص نسوية منفصلة تستكشف العمق الإنساني تحت
وطأة المعاناة والأسرار والقلق والخوف
وتوضح أن هذا جزء من تمكين النساء بأبعاده المتنوعة، وتسليط
الضوء على المرأة ومشاكلها المختلفة، فمكونات المعاناة النسوية وكيفية
تعاطي المرأة معها في حياتها اليومية كامرأة بمفردها تعيش في السعودية لها
مضامين من وجهة نظر نساء سعوديات يروين قصصهن، وهذا هو الهدف الأساسي من
انتقاء حكايات فيلم “بلوغ”.
وحول الخطط المستقبلية لمهرجان البحر الأحمر في شأن سينما
المرأة تقول أبوالخير لـ”العرب” إن ثمة تركيزا قويا حول تمكين المرأة عموما
من خلال برامج مساندة، منها “معمل البحر الأحمر لدعم مشروعات الأفلام”
و”صندوق البحر الأحمر لتمويل الأفلام” في مرحلة التطوير والإنتاج وما قبل
الإنتاج عبر تقديم دعم مادي لصناع الأفلام حول العالم، تحديدا على مستوى
العالم العربي، لاسيما صانعات الأفلام السعوديات.
ويعتبر بعض النقاد أن هذا بمثابة تعويض للمرأة السعودية عن
فترات سابقة، لكن سوزان تؤكد على أنه “تعويض لمنتجي الأفلام السعوديين
الذين لم تكن لديهم مساحة لإنتاج الأفلام في السابق”.
كاتبة مصرية |