برلين تلبس الأحمر من جديد وتطلق دببها. على الرغم من أنّ
الكوكب ليس في أفضل أحواله، إلّا أنّ أحد أهم المهرجانات السينمائية
العالمية يستعدّ لمدّ سجادته الحمراء، وإطلاق دورته الـ 72 (من 10 حتى 20
شباط/ فبراير) واستقبال الناس في الصالات. خلال العام الماضي، قُسم «مهرجان
برلين السينمائي الدولي» إلى قسمين: الأول في الشتاء حيث شاهدنا العروض على
منصات الإنترنت، والثاني صيفاً في الهواء الطلق. طبعاً، لم يكن هناك الجو
الذي كانت البرليناله تشيعه عادةً. هذه السنة، كان الشك كبيراً في إقامة
المهرجان، بخاصة بعدما أصبح أوميكرون خارج السيطرة. لكن «مهرجان برلين»
سيعود بعدما بدأت الكثير من المدن الأوروبية تخفّف أو تلغي القيود بسبب
الجائحة
للمرة الثانية، يُقام «مهرجان برلين السينمائي الدولي» وسط
موجة جائحة جديدة، والبرليناله التي عيّنت ثنائياً إدارياً جديداً (كارلو
شاتريان وماريات ريسنبيك) منذ ثلاث سنوات، لا تزال تناضل من أجل وجودها
ووجود المهرجان بعد سنوات طويلة من الهبوط الحاد.
في مقابلة مع وزير الصحة الألماني كارل لوترباخ الشهر
الماضي، قال إنّ الموجة الحالية من فيروس كورونا المدفوعة بمتغيّر
أوميركرون الجديد، قد تبلغ ذروتها في منتصف شباط الحالي، أي في منتصف
«مهرجان برلين». الوضع في أوروبا اليوم أفضل بشكل عام، لذلك سيُقام
المهرجان. ولجعل ذلك ممكناً، فقد فرض إجراءات نظافة وسلامة صارمة. سيكون
الجميع مجبرين على الامتثال لقواعد الوقاية المعمول بها بدءاً من إبراز
شهادات اللّقاح ووضع الأقنعة وإجراء الاختبارات الإلزامية. أضف إلى ذلك أنّ
نصف مقاعد الصالات فقط سيكون مشغولاً، فيما تمّ تقليص البرنامج ليُقام في
أسبوع واحد، من 10 إلى 16 شباط للنقاد والصحافيّين وصنّاع السينما، تليه
أربعة أيام للجمهور (17 حتى 20)، إذ ستتم إعادة عرض الأفلام للعامة بشكل
لامركزي في دور السينما في برلين وفي المنطقة المحيطة بالمهرجان لجميع
المسابقات (الرسمية الدولية، بريناله سبيشل، «لقاءات» الأفلام القصيرة،
بانوراما...). أُلغيت الحفلات ومراسيم الاستقبال، والنجوم سيظهرون لفترة
قصيرة على السجادة الحمراء. كل شيء آخر يتعلق بالمهرجان سوف يُقام أونلاين.
وينطبق هذا على السوق الأوروبية للأفلام (للمرة الثانية على التوالي، أهم
سوق للأفلام في العالم سوف يُقام أونلاين)، وكذلك سوق برليناله للإنتاج
المشترك و«مواهب برليناله» ويوم صندوق السينما العالمي.
المسابقة الرسمية: وافدون جدد ومخضرمون
يتنافس على مسابقة «الدب الذهبي» تسعة عشر فيلماً. وجوه
جديدة وأخرى مخضرمة ومخرجون حصلوا سابقاً على الجائزة. قد يبدو برنامج
المسابقة للوهلة الأولى باهتاً أكثر ممّا كان عليه خلال العامين الماضيَين.
إذ تمّ تقليص عدد الأفلام المشاركة، لكنّ تيمة برلين لا تزال حاضرة، فجميع
الأفلام تقارب قضايا وانشغالات سياسية واجتماعية تماماً كما عوّدنا برلين
دوماً أن يكون مركزاً للأفلام السياسية والتاريخية. ونلاحظ أيضاً أنّ الخط
الرئيس للموضوعات هو الروابط الإنسانية والعاطفية، فمعظم أفلام المسابقة
تدور في فلك الحب، فيما تشكّل الأسرة نقطةً محوريةً فيها.
المخرج الفرنسي فرنسوا أوزون دائم الحضور في المهرجان.
يفتتح هذه السنة المسابقة بفيلمه الجديد «بيتر ڤون كانت»، المقتبس بشكل
فضفاض من فيلم «الدموع المرة لبترا ڤون كانت» للمخرج الألماني راينر ڤيرنر
ڤاسبندر. اقتباس أوزون وليمة من الدعابة الساخرة مع طاقم تمثيل مخضرم على
رأسهم الفرنسي دوني مينوشي وإيزابيل أدجاني.
المخرجة الألمانية نيكوليت كريبتز، تقدّم قصة خفيفة وفكاهية
عن علاقة حب مستحيلة بين لص يبلغ سبعة عشر عاماً وممثلة مشهورة تعيش
بمفردها تبلغ ستين عاماً،
A E I
O U – A Quick Alphabet of Love
هو رسالة وإيماءة عاطفية لبرلين الغربية. وفي «ألكاراس»، تأخذنا المخرجة
الإسبانية إلى كاتالونيا، لتروي تجربتها في الحياة الريفية في قريتها.
الفرنسية الكبيرة كلير دوني تهدي البرليناله جديدها «بحبّ
واستماتة». هو ثالث تعاون لكلير دوني مع الكاتبة الفرنسية المشهورة كريستين
أنغو. أبطال فيلم دوني الجديد تحت الحصار العاطفي، علاقة حب يهدّدها رجل من
الماضي. فنسان ليندون، وغريغوار كولين يعشقان جولييت بينوش التي يستحيل
جسدها مجدداً مسرحاً آسراً من الأضداد العاطفية.
المخرجة الأميركية فيليس ناغي تُعيدنا إلى أميركا
الستينيات، حيث جوي (اليزابيت بانكس) ربّة منزل حملت بشكل غير متوقّع،
بعدما كان طبيب قد حذّرها بأنّ هذا الحمل المتأخّر يشكل تهديداً خطيراً على
حياتها. لكن مجلس المستشفى المكون من الذكور فقط، يرفض منحها استثناءً من
التشريعات الصارمة لمكافحة الإجهاض المعمول بها. ليس لديها مكان تلجأ إليه،
إلى أن تعثر على «جاينز»، مجموعة سرية من النساء العاديات بقيادة فرجينيا
(سيغورني ويفر)، اللواتي يخاطرن بكل شيء لتوفير خيارات لنساء مثل جوي.
الفيلم الجديد للمخرج الكمبودي الكبير ريثي بانه «كل شيء
سيكون على ما يرام»، هو مقال وثائقي يستخدم فيه المخرج «الديوراما» لإخبار
قصة القرن الحادي والعشرين البائس. بعد قرن من أيديولوجيا الإبادة الجماعية
والقضاء على موارد الكوكب الحيوانية والنباتية، تستعبد الحيوانات البشر
وتستولي على العالم. في موجة من الأمل، أزيلت تماثيل الماضي ويجري نصب
تماثيل جديدة. الآن الكوكب هو كوكب القردة والخنازير والأسود.
بعد ثلاث سنوات على وفاة شقيقة فيتوريو الذي شارك معه مسيرته السينمائية
بأكملها، عاد باولو تافياني بفيلم جديد بعنوان «وداعاً ليونورا». رجع، هذه
المرة بمفرده، إلى أعمال الكاتب المسرحي الكبير لويجي بيرانديللو. وهذه
المرة يركز باولو تافياني على بيرانديللو نفسه أو بالأحرى على رفاته التي
تمّ نقله من مقبرة موقتة في روما الفاشية إلى مكان استراحة دائم في صقلية.
الفيلم هو رسالة وداع من باولو لأخيه وأيضاً لبيرانديللو.
وتحضر أندونيسيا للمرة الأولى في برلين بفضل المخرجة كاميلا أنديني. في
«نانا»، تُعيدنا أنديني إلى حقبة الستينيات الضاجة بالتحولات السياسية
والاضطرابات الدراماتيكية. إذ أدى الانقلاب على الزعيم الإندونيسي أحمد
سوكارنو إلى تطهير عنيف مناهض للشيوعيّة في البلاد. يروي الفيلم قصة نانا
التي هربت على أثر اختطاف زوجها. ومن إندونيسيا إلى باريس عام 1981. رياح
التغيير تهب ليلة الانتخابات والفرنسيّون يقتحمون الشوارع مبتهجين. لكن
إليزابيت (شارلوت غينسبور) تُكافح من أجل مشاركة الشعور العام بالتفاؤل.
يقترب زواجها من نهايته وعليها الآن إعالة أسرتها. إنها في حالة ذهول،
ويخشى والدها وأطفالها المراهقون من أنّ دموعها لن تجف ببساطة. ولكن ماذا
لو أنّ الاستماع إلى مشاعرها يمكن أن يساعدها على البدء في ملء الصفحة
الفارغة لمستقبلها؟ ماذا لو كتبت خطاباً لمقدم برنامجها الإذاعي المفضل؟ أو
دعوة فتاة بلا مأوى إلى منزلها؟ ماذا سيحدث لو أنها قامت بهذا النوع من
الإيماءات التي تغيّر الحياة بالفعل؟ هذه ببساطة قصة «عابرو الليل» للمخرج
الفرنسي ميكايل هيرز.
تحية إلى برهان علوية بعرض فيلم «بيروت اللقاء» بعد أربعين
عاماً على عرضه في المسابقة الرسمية للمهرجان
المخرج الألماني أندرياس دريسن يقص علينا بطريقته المعتادة
الواقعية والقريبة من الوثائقية، قصة رابيي كورناز في فيلمه
Rabiye.
إنّها قصة امرأة عادية، تعتني بأطفالها، فيما تدير عرضاً ترفيهياً في
منزلها في بريمن. بعد وقت قصير من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، اتُهم
ابنها مراد بالإرهاب فيُنقل إلى معتقل غوانتانامو. يمثل هذا بداية رحلة إلى
قلب السياسة العالمية لهذه المرأة الألمانية التركية الحازمة.
المخرج النمسوي أورليش سيدل صاحب «ثلاثية الجنة» يعود بفيلم
«ريميني». لا أحد مثل سيدل يلتقط رثاء الحياة كما يفعل في أفلامه.
الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو، يُشارك بفيلمه الجديد «فيلم
الروائي». في هذا الفيلم بالأبيض والأسود، لا يزال سو يتأمّل في تأثير
الوقت على الحياة المكرّسة للفن، كما أنّ الشريط يحتفي بجمال اللّقاءات
التي تجري بالمصادفة وبأهمية أن تكون صادقاً في عالم الأفلام غير النزيه.
دوني كوتي يعود إلى برلين بفيلم «صيف مثل هذا» عن ثلاثة
نساء يعانين من فرط النشاط الجنسي. تقضي النساء الثلاث 26 يوماً في منزل
هادئ بجوار البحيرة، حيث يشرف عليهن اختصاصي اجتماعي ومعالج نفسي. شعار
المعهد «فرط النشاط الجنسي ليس مرضاً» ويسعى إلى الاستكشاف الصريح للتجارب
المختلفة، وأشكال الرغبة ونقاطها المتطرفة.
المشاركة العربية هنا وهناك
للأسف، العرب غائبون عن المسابقة الرسمية في برلين. عدا
ذلك، تُعرض خمسة أفلام عربية فقط في أقسام المهرجان الأخرى. هكذا، يُشارك
المصري محمد شوقي حسن بفيلم «بشتقلك ساعات» (فوروم). يحول المخرج المصري
هنا مغامراته الجنسية إلى سرد بأسلوب «ألف ليلة وليلة». مسرحية موسيقيّة
متعدّدة الوجوه تروي قصة حب بين رجلين بطريقة الحكايات الشعبية وموسيقى
البوب المصرية. وفي ثمان دقائق، يحاول المخرج المصري محمد عبد الكريم في
فيلمه القصير
Gazing… Unseeing
(فوروم) تخيّل سيناريو مستقبلي بائس لمدينة مصرية بعد كارثة الفيضانات في
الصحراء الغربية.
«وداعاً
ليونورا» لباولو تافياني هو رسالة وداع لأخيه وأيضاً للمسرحي الكبير لويجي
بيرانديللو
فيلم قصير للمخرج الصومالي موه اراوي بعنوان «سيأتي والداي
لرؤيتي» نرافق من خلاله مسجوناً في يومه الأخير ووجبته الأخيرة قبل مصير لا
مفر منه. ويحضر أب السينما الموريتانية ميد هوندو (1936 ــــ 2019) من خلال
إعادة عرض شريطه «جزر الهند الغربية» (1979). السينمائي الذي ينتمي إلى
السينما الأفريقية الجديدة ما بعد الحقبة الاستعمارية، قارب في عمله
الاستعمار والعبودية والنضال من أجل الاستقلال في جزر الهند الغربية
الفرنسية. تحيّة أخرى يوجّهها المهرجان، هذه المرة، إلى أحد رموز السينما
اللبنانية. إنّه برهان علوية (1941- 2021) الذي يعرض له المهرجان النسخة
المرمّمة من فيلمه الروائي «بيروت اللقاء» (1981) الذي يُعدّ أحد أبرز
الشواهد الفنية على الحرب الأهلية. نحن في بيروت، 1977. زينة على وشك
مغادرة البلاد، مثلما يفعل لبنانيّون كثر اليوم. حيدر لم يكن في المدينة
منذ فترة طويلة. اضطر إلى مغادرة قريته بسبب الحرب الأهلية. لم يرَ الاثنان
بعضهما منذ سنوات، على الرغم من استمرار الشعور بالشوق.
تحضر أندونيسيا للمرة الأولى بفضل المخرجة كاميلا أنديني
التي تأخذنا إلى حقبة الستينيات الضاجّة بالتحولات السياسية
تتبع الكاميرا الاثنين لمدة 24 ساعة تقريباً، بعد نقاط
التفتيش والأطلال، عالقين في حركة المرور، ينتظران عبثاً في أحد المقاهي.
ينشأ التشويق من مسألة ما إذا كانوا سيتمكّنان من رؤية بعضهما للمرة
الأخيرة، جاذبية الفيلم مستمدة من الجو الرقيق والكئيب المتأصّل في صور
المدينة المتضررة والأصوات الناعمة للشخصيات. «نادي لكل الناس»
و«السينماتيك» البلجيكية يقدّمان النسخة المرممة للفيلم في برلين. لم شمل
برهان علوية وبيروت وبرلين بعد 40 عاماً، حيث عرض «بيروت اللقاء» في
المسابقة الرسمية للمهرجان عام 1982.
لجنة التحكيم
يتولى المخرج والممثل الأميركي الهندي أم. نايت شياملان
رئاسة لجنة تحكيم المسابقة الدولية الرئيسية التي تضمّ في عضويّتها المخرج
الجزائري البرازيلي كريم عينوز، والمنتج الفرنسي التونسي سعيد بن سعيد،
والمخرجة الألمانية الجزائرية آن زهرة بوراشد، ومن زمبابوي المخرجة تسيتسي
دانغارمبكا، والمخرج الياباني العظيم يوروسوكي هاماغوتشي، والممثلة
الدنماركية كونس نيلسون. هؤلاء سوف يختارون الفائز بالدب الذهبي لأفضل
فيلم، وأيضاً الدب الفضي لجائزة التحكيم وأفضل مخرج وأفضل أداء... بالإضافة
إلى المسابقة الرئيسية، هناك 18 فيلماً وثائقياً ستعرض في المهرجان، فيما
ضمّ لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي في المهرجان كلاً من: المخرج الصيني وانغ
بينغ، ومصمّمة الصوت وصانعة الأفلام اللبنانية رنا عيد، والمصوّرة
السينمائية الألمانية سوزان شول. |