خاص فيلم افتتاح كان 75:
"قطع!".. التجريب السردي في أفلام كوميديا الزومبي
أحمد شوقي في
سينما وتلفزيون
بالنسبة لمشاهد كلاسيكي اعتاد احتفاء المهرجانات خلال
افتتاحها بالأعمال الملحمية الكبرى، يبدو اختيار فيلم "قطع
Coupez"
للمخرج الفرنسي ميشيل أزانيفيسوس لافتتاح الدورة الخامسة والسبعين لمهرجان
كان السينمائي اختيارًا غريبًا، لكن من يتابع مسار اختيارات المهرجان خلال
الأعوام الأخيرة سيدرك أن كان صار يميل لاختيار عمل خفيف لمخرج كبير،
باعتبار الافتتاح عرض يأتي بعد مراسم عديدة تجعل من الأفضل ألا يُثقل
الفيلم بالمزيد على الحضور.
الطريف أن قبل ثلاثة أعوام فقط اختار المهرجان فيلم الزومبي
الكوميدي "الموتى لا يموتون
The Dead Don’t Die"
للأمريكي جيم جارموش ليكون فيلم الافتتاح، وها هي دورة جديدة تفتتح بفيلم
زومبي كوميدي، وإن كانت التجربة هذه المرة أكثر ذكاءً في التعامل مع
الوسيط، وفي الارتباط بالميتاسينما (السينما عن السينما) التي تخصص
أزانيفيسوس فيها منذ أن نال فيلمه الصامت الشهير "الفنان
The Artist"احتفاء
الجميع عام 2011.
هذه المرة يأخذ المخرج الموهوب خطوة أبعد داخل عوالم
الميتاسينما، فـ"قطع" ليس فقط فيلمًا تدور أحداثه داخل صناعة السينما،
ولكنه فيلم عن محاولة إنتاج فيلم هو إعادة إنتاج لفيلم ياباني ناجح يدور
حول صناعة فيلم، أي إنه فيلم عن فيلم عن فيلم عن فيلم!، في تعقد قد يبدو
هنا مربكًا بعض الشيء، لكنه منطقي أكثر على الشاشة.
ثلاثة فصول
"قطع!"،
وهو العنوان الجديد للفيلم بعدما تقرر التخلي عن عنوانه الأصلي "زد
Z"
بسبب المعنى السيء الذي ارتبط بالحرف ضمن الحرب الروسية الأوكرانية، يبدأ
بفيلم رعب مدته أكثر من النصف ساعة. شريط رعب رخيص الإنتاج، رديء الصنع، تم
تصويره في لقطة واحدة طويلة بحبكة لا تمتلك الكثير من الإقناع حول فريق
يقوم بتصوير فيلم رعب ليكتشفوا أن المخرج قد قام بإيقاظ لعنة قديمة كي يجعل
فيلمه أكثر واقعية. الغريب أن الشخصيات الفرنسية تحمل أسماءً يابانية،
وتقول إحداهن أن اللعنة سببها تجارب قام بها الجيش الياباني! لتستمر
الأحداث كيفما اتفق حتى نصل للنهاية الدامية وتصعد معها تترات النهاية بعد
النصف ساعة أو 35 دقيقة للدقة.
إلى هنا نشاهد فيلم رعب رخيص من الفئة
B،
أو يمكن أن يكون من فئة أقل إن كان هناك شيء كهذا. حتى أن الشعور المسيطر
في تلك المرحلة من الفيلم هو الملل من طول زمن الشريط الذي يبدو أنه سيستمر
طيلة الـ 110 دقيقة زمن الفيلم، لكن مع نزول التترات ندرك أن ما سبق مقدمة
لحكاية اختار أزانيفيسوس أن يرويها في ثلاثة فصول متباينة.
الفصل الأول هو الفيلم، الفصل الثاني هو الاتفاق على الفيلم
والإعداد له، عندما يُعرض على مخرج متخصص في صناعة الإعلانات وأفلام
الشركات أن يقدم نسخة فرنسية من الفيلم الياباني الناجح "قطع واحد للموتى
One Cut of the Dead"،
المهمة التي يرفضها قبل أن يعود ويقتنع بضغط من المنتج ولرغبته في تحسين
علاقته مع ابنته الشابة، قبل أن يبدأ الفصل الثالث الصاخب والذي نرى فيه
تصوير الفيلم، ليفسر المخرج من خلاله كل ما شاهدناه من هنّات في الشريط
الذي بدأ به الفيلم.
اختيار أزانفيسيوس أن يبدأ بالنتيجة ثم يعود لتفسيرها قرار
سردي جريء، منح الفيلم من ناحية اختلافه عن الفيلم الأصلي وعن السائد في
هذه النوعية من الأفلام، وهو الاختلاف الذي قاد العمل ربما لمكان بحجم
افتتاح كان. لكن الاختيار أيضًا أثقل الفيلم بمستوى الشريط الافتتاحي، وجعل
"قطع!" في حاجة لبعض الصبر في البداية حتى تبدأ المشاهدة في الإتيان
بثمارها للجمهور بعد قرابة الساعة إلا ربع من الفيلم، وهو ليس بالأمر الهين
في زمن المنصات الذي يقيم فيه الجمهور إمكانية استكمال العمل بناء على
ثوانيه الأولى.
تحية للسينما والأبوّة
الفيلم يحمل تحية لفن السينما خاصة أفلام الفئة ب، تلك
الأعمال الدموية رخيصة الإنتاج التي خلقت تاريخيًا قطاعًا كبيرًا من
المحبين المخلصين. يحمل "قطع!" كذلك تحية لقيمة الأسرة، فالعلاقة بين
المخرج وابنته ليست فقط المحرك الرئيسي لموافقته على صنع الفيلم، ولكنها
الطريقة التي تُنقذ التصوير في النهاية وتجعل الفيلم يخرج للنور، ولعل أرق
ما في الفيلم هو سؤال: كيف تمكن هذا الشريط الرديء من تصحيح علاقة أب
وابنته التي يحبها؟
هناك العديد من النكات الطريفة التي تفجر الضحكات، وكثير من
الاستظراف والاعتماد على ضحك معوي يرتبط بتفاصيل مقززة لا تزال لأسباب غير
مفهومة تنتزع ضحكات الجمهور الغربي. أزانيفيسوس يترك العنان لممثليه ليأخذ
كل منهم شخصيته نحو حدودها القصوى، وهو اختيار مفهوم في إطار النوع وفي ظل
كون أحد جوانب الحكاية قيام الشخصيات بالارتجال المستمر تحت ظروف لا تسمح
به. هذه الحرية تسببت في تباين الناتج النهائي لمحاولات كل ممثل وممثلة.
أما على الصعيد السردي، وبالرغم من قيمة قرار البدء بالفيلم
كما أوضحنا، فإن ما يثير الأسئلة المنطقية هو كون الناتج شريطًا رديئًا
بحق، لا يمكن حتى تصنيفه كواحد من أفلام الفئة ب الصالحة للنجاح الجماهيري.
لذلك فعندما نشاهد كيفية صنعه في الفصل الثالث نضحك على بعض التفاصيل
والتبريرات، لكننا لا نجد أن تناقض منطقي بين التصوير الذي اكتمل بمعجزة
وبين الناتج النهائي له. ولعل المفارقة كانت لتنبع مثلًا من جودة الناتج
رغم تردي تفاصيل إنتاجه، أو سوء الناتج رغم الاهتمام بالتفاصيل، لكن
المعطيات هنا تؤدي مباشرة للنتائج، في طريق مستقيم تزينه بعض الضحكات.
"قطع!"
فيلم خفيف الظل، يُقدم فيه مخرج كبير على تجربة سردية ذكية يتعامل فيها مع
نوع قتله المخرجون بحثًا، حتى جاء ميشيل أزانيفيسوس فقال إن ثمّة جديد يمكن
تقديمه في كوميديا زومبي، ليرد مهرجان كان بالقبول والاحتفاء واختيار
الفيلم لافتتاح دورة تحمل رقمًا تاريخيًا. |