مهرجان الإسكندرية السينمائي يلجأ إلى عروض قديمة ومجانية
لتجاوز أزمة التمويل.
تعيش الكثير من المهرجانات السينمائية المصرية على ما تقدمه
الدولة من دعم، ومع تزايد أعدادها والوضع الاقتصادي الصعب، تقلص الدعم
العمومي بينما تراجع بريق الكثير من هذه الفعاليات، ما يهدد وجودها، ويدفع
إلى محاولة إيجاد حلول لاستمرارها.
القاهرة
- اختتم
مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط فعاليات دورته الثامنة
والثلاثين الإثنين، وسط جدل لا يتوقف حول طبيعة الدعم المالي الذي تحصل
عليه المهرجانات الفنية من وزارة الثقافة المصرية الذي أخذ في التراجع، على
الرغم من التوسع في إقامة الفعاليات والاحتفالات الفنية.
وكشف الناقد أمير أباظة رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي
عن جملة من الصعوبات التي تعرض لها في أثناء التحضير للدورة المنتهية في
العاشر من أكتوبر الجاري، وعلى رأسها انخفاض قيمة المخصصات المالية المقدمة
للمهرجان من وزارة الثقافة، حيث جاءت قيمتها أقل مما قدمته الوزارة للدورة
المنعقدة قبل انتشار جائحة كورونا التي تسببت في تقليص الدعم بنسبة 30 في
المئة وعدم وجود ضيوف أجانب.
وشدد في تصريحات إعلامية على أن وزارة الثقافة خصصت ميزانية
بلغت مليوني جنيه فقط (نحو 100 ألف دولار) لتنظيم دورة العام الحالي، وكان
الرقم ضئيلا للغاية، مشيرا إلى أن إدارة المهرجان تغلبت على ذلك عبر
استقطاب أفلام جديدة من دون دفع مقابل مادي لصُناعها كما هو الحال في
المهرجانات الأخرى.
أزمة متكررة
أمير رمسيس: انتشار
المهرجانات إيجابي لكن الأزمة في إدارات بعضها
واتجهت إدارة المهرجان لجذب أفلام من دول لم تكن حاضرة من
قبل في دوراته السابقة، وأخرى ليست ضمن قائمة الأفلام المشاركة في
المهرجانات الدولية ودائما ما تحقق جذبا جماهيريا واسعا تضمنت المسابقة
الرسمية التي شاركت فيها 14 فيلما أعمالا من دول عربية وأوروبية، بينها
تونس والمغرب والجزائر ولبنان وسوريا، واليونان وإيطاليا وإسبانيا
والولايات المتحدة وكندا وكرواتيا وصربيا والبوسنة.
وعرض المهرجان خلال حفل افتتاحه في الخامس من أكتوبر الجاري
أحد الأفلام القديمة، وهو “برسوم يبحث عن وظيفة”، في واقعة نادرة الحدوث
بالمهرجانات السينمائية وبدت مؤشرا قويا على حجم تأثره بتراجع التمويل
المالي.
وحاولت إدارة المهرجان التخفيف من حدة الأزمة بالربط بين
اختيارها عرض أول فيلم مصري كوميدي قصير جرى إنتاجه قبل مئة عام وبين
الدورة الحالية التي حملت عنوان “أضحك للسينما”.
ودائما ما تكون أزمة التمويل حاضرة في غالبية المهرجانات
الفنية في مصر، ووصل الأمر إلى أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي واجه
صعوبات بالغة في مجاراة مهرجان الجونة الذي رعاه رجل الأعمال المصري نجيب
ساويرس في منتجع الجونة الواقع على البحر الأحمر قبل الإعلان عن إرجاء
دورته الجديدة هذا العام إلى أجل غير مسمى من دون إبداء أسباب واضحة، على
الرغم من نجاحاته في دوراته السابقة.
دائما ما تكون أزمة التمويل حاضرة في غالبية المهرجانات
الفنية في مصر إضافة إلى سوء الإدارة والعجز عن الاستمرار
ويقول نقاد فنيون إن المهرجانات تعاني خللا إداريا من جانب
القائمين عليها، وتوجه اتهامات إلى الطرف المتسبب في انخفاض القيمة الفنية
لبعضها وعدم قدرتها على جذب مواطني المحافظات التي تحتضنها، كذلك عدم
القدرة على استقطاب أفلام قوية وخلق برنامج قوي وناجح يسهم في إثراء
الإنتاج السينمائي بوجه عام.
وتتركز غالبية مبررات الإدارات الفنية للمهرجانات لتقليص
التمويل الحكومي إلى ما دون الـ40 في المائة من إجمالي الميزانية المخصصة،
ما شكل عائقا أمام تقديم برنامج فني جيد في ظل أزمة تعانيها السينما تتعلق
بعدم قناعة رجال الأعمال بالمشاركة كرعاة في كثير من الفعاليات الفنية،
وانعكاس الأوضاع الاقتصادية على جهات عديدة أقدمت في السنوات الماضية على
توقيع عقود رعاية للمهرجانات وتراجعت في الوقت الحالي نتيجة الترشيد في
نفقاتها.
تتعامل جهات حكومية كان يمكن أن تشارك في دعم المهرجانات
الفنية على قيمة ما تقدمه وزارة الثقافة كعامل مبدئي تقرر على أساسه حجم
الدعم الذي تقدمه ويكون هو المحدد لإمكانية مشاركتها في التمويل من عدمه،
وتعتبر إدارات المهرجانات أن دعم وزارة الثقافة يشكل الكتلة الأساسية من
ميزانية المهرجان.
رغم نجاح المهرجان إلا أن هناك العديد من المشكلات
بوصلة التمويل
ويقول مدير مهرجان القاهرة السينمائي المخرج أمير رمسيس
لـ”العرب” إن انتشار المهرجانات من الأمور الإيجابية والمطلوبة، لكن الأزمة
تكمن في أن إدارات بعضها لديها تصورات أن الحكومة يجب عليها تقديم الدعم
المادي بشكل كامل، وهذا لا يحدث في أي بلد في العالم بما فيها المهرجانات
الدولية الكبيرة.
وأوضح أن عوامل النجاح تتمثل في مدى قدرة إدارة المهرجان
على إيجاد سبل أخرى للتمويل عبر تقديم عروض وأعمال فنية تلامس أوجاع
واهتمامات المواطنين وتحقق نجاحات جماهيرية كبيرة، وفي هذه الحالة سوف
تتمكن من جذب الرعاة.
ويضيف في تصريحه لـ”العرب” أن اعتماد بعض المهرجانات على
التكريمات والندوات على حساب الأعمال الفنية التي تستقطبها يُنفر كثيرا من
الجهات الاستثمارية والرعاة، لأنها تعد أنشطة تقتصر على ضيوف المهرجان ولا
تحقق الأثر الجماهيري أو الفني المطلوب، وأن تكرار الشكاوى من ضعف التمويل
يعبر عن ضيق أفق لدى القائمين على تلك المهرجانات.
وتقدم وزارة الثقافة المصرية دعما ماليا لكافة المهرجانات
بصورة متساوية تقريبا، بما فيها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي يعد
الواجهة الفنية الأولى للدولة، وبعض إدارات المهرجانات تحصل على دعم إضافي
من الوزارة عبر طرق ووسائل مختلفة، مع ذلك يبقى المردود الفني والجماهيري
ضعيفا في بعض المهرجانات.
ومن وجهة نظر رمسيس أن حجة إدارات المهرجانات بعدم قدرتها
استقطاب أفلام قوية بسبب المقابل المادي الذي تفرضه شركات الإنتاج والتوزيع
في غير محلها، لأن العالم ينتج على مدار العام الآلاف من الأفلام، ونسبة
الأعمال التي تكون بحاجة لمقابل مادي لا تزيد عن 10 في المئة من الإنتاج،
وهناك جهات عدة تبحث عن عرض أفلام ناجحة فنيا بلا مقابل ولا تجد من يتواصل
معها من إدارة المهرجانات المصرية.
الحاجة إلى إعادة التقييم
سمير الجمل: الدعم
الحكومي للمهرجانات الفنية في حاجة إلى إعادة تقييم
لدى العديد من النقاد في القاهرة قناعة بأن جذب الأفلام
المرشحة لجوائز الأوسكار وغيرها من الجوائز العالمية أحد عوامل الجذب
المهمة للجمهور والجهات الراعية، لكن لا يمكن بناء خطط تمويل المهرجانات
عليها فقط، فالمبرمجون الذين مهمتهم الوصول إلى أعمال فنية ذات جودة مرتفعة
بإمكانهم التنقيب عن الأفلام التي تتماشى مع الثقافة المصرية وتسويقها بشكل
جيد يضمن جذب الجمهور المحلي لها.
ويعلق في الأذهان دائما النجاح الذي حققه مهرجان الإسكندرية
للفيلم القصير الذي لم يتجاوز عمره الثماني سنوات، وبدأ بميزانية زهيدة
للغاية واستطاع أن يحقق نجاحا جماهيريا واسعا، وتمكن مؤخرا من عقد شراكات
مع مهرجانات دولية أخرى بينها مهرجان الفيلم الأوروبي المستقل، ومهرجان
ميامي للأفلام القصيرة، تضمنت تبادل الخبرات والأفلام وترشيحات لجان
التحكيم في مسابقات مختلفة.
ويذكر الناقد المصري سمير الجمل لـ”العرب” أن الدعم الحكومي
للمهرجانات الفنية بحاجة إلى إعادة تقييم مع زيادة أعدادها سنويا، ومن
المستحيل تمويل جميع الفعاليات في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ومن
الخطأ القول إن كافة المهرجانات تحقق أهدافا سياحية وفنية، فبعضها لا يجذب
الجمهور وقد يذهب الدعم هنا في غير محله.
ويشير إلى أن اللجنة العليا لإدارة وتنظيم المهرجانات التي
أنشأتها الحكومة المصرية منذ نحو أربع سنوات عليها دراسة الفعاليات التي
تستحق الدعم، وإدخال تعديلات على مهامها بحيث تتولى بحث الأثر الفني لكل
مهرجان وفقا لتقييم تقوم بتقديمه إلى وزارة الثقافة التي يجب أن يكون
قرارها النهائي إداريا فقط.
وتقوم المهرجانات المصرية على عاملين، أحدهما يتعلق
بالتعبير عن قوة مصر السينمائية ويتمثل ذلك في المهرجانات الدولية وعلى
رأسها القاهرة السينمائي الذي يحاول مجاراة غيره من الفعاليات العربية
والدولية المماثلة، وبين مهرجانات محلية أخرى توجه إلى جمهور المحافظات
وتحدد قدرتها على الاستمرارية من عدمها ومدى نجاحها في جذب جمهور الأقاليم
المصرية التي يشكل عزوفها موتا بطيئا لها.
صحافي مصري |