هل تبادل "علي" وحبيبتُه الأدوارَ الجندرية بالفعل؟... عن
فيلم "صاحبتي"
علياء طلعت
الجندر أو النوع سواء بمعناه البيولوجي أو الاجتماعي
وتحولاته، من القضايا المثيرة والخلافية ومتعددة الاستخدامات في السينما،
فهو منبع للكوميديا أحياناً، أو طارحاً للتساؤلات الفلسفية أحياناً أخرى.
وخلال فعاليات مهرجان فينسيا السينمائي الدولي عُرض الفيلم
المصري القصير "صاحبتي"
(My Girlfriend)
للمخرجة كوثر يونس، عمل تناول قضية حساسة بشكل شديد الرهافة باستخدام ممثل
وممثلة فقط عبر سبع عشرة دقيقة.
على الحافة بين الذكورة والأنوثة
تبدأ أحداث فيلم "صاحبتي" بحضور صديقة البطلة إلى منزل
أهلها للانتهاء من مشروع جامعي يعملان عليه سوياً، تدخل الزائرة "عليا" إلى
الغرفة المغلقة مع صاحبتها، ولكن في الدقيقة التالية نكتشف أنها ليست سوى
شاب متنكر في زي فتاة حتى يستطيع زيارة حبيبته في منزلها بلا خوف من
الرقابة والتضييق.
تحضر صديقة البطلة إلى منزل أهلها للانتهاء من مشروع جامعي
يعملان عليه سوياً، تدخل الزائرة "عليا" إلى الغرفة المغلقة مع صاحبتها،
ولكن في الدقيقة التالية نكتشف أنها ليست سوى شاب متنكر في زي فتاة حتى
يستطيع زيارة حبيبته في منزلها بلا خوف من الرقابة والتضييق... فيلم
"صاحبتي"
المشاهد التالية تستعرض البطل "علي" وهو يدلف إلى عالم
الفتيات من زاوية جديدة، فهو هنا ليس "آخر" يستطلع فضاء الأنثى من الخارج،
بل يختبر حميميته من الداخل؛ نشاهده يجرب بشغف أحمر الشفاه ذا اللون القوي،
يستمتع بشكل ساقيه المثاليين في الجورب النسائي الأسود اللامع، يرسم حاجبيه
وأعلى عينيه بالقلم الملون، ثم ينظر لنفسه في المرآة بإعجاب كفتاة.
يلقي الفيلم الضوء على حميمة يفتقد إليها الرجال في علاقتهم
تجاه أجسادهم، فهي من التابوهات المحرم عليهم حتى التفكير فيها، ما عدا
إنماء العضلات بالنسبة للبعض، لكن أي اهتمام آخر تعتبره الأفكار الذكورية
المسمومة نوع من أنواع "الخنوثة".
يلقي فيلم "صاحبتي" الضوء على حميمة يفتقد إليها الرجال في
علاقتهم تجاه أجسادهم، فهي من التابوهات المحرم عليهم حتى التفكير فيها، ما
عدا إنماء العضلات بالنسبة للبعض، لكن أي اهتمام آخر تعتبره الأفكار
الذكورية المسمومة نوع من أنواع الخنوثة
التشبه بالجنس الآخر
(Crossdressing)
يمكن تعريفه تبعاً لكتاب "النسوية وما بعد النسوية" تأليف سارة جامبل بإنه
"مجموعة من السلوكيات التي تتضمن ارتداء أزياء الجنس الآخر على الرغم من
التفاوت الكبير في الدوافع التي تؤدي إلى ذلك، فالممثلون الرجال الذين
يؤدون أدوارَ نساء، والممثلات اللاتي يتقمصن أدوار الرجال، والأشخاص الذين
أجروا عمليات تحويل الجنس، والمولعون بارتداء أزياء الجنس الآخر،
والسحاقيات اللاتي يلعبن أدوار الذكور في الممارسات السحاقية، كلّ هؤلاء
يتزيون بأزياء الجنس الآخر، وتقول جوديث باتلر إن هذا السلوك يلفت الانتباه
إلى الطبيعة الأدائية الأساسية في كل الهويات المبنية على النوع".
استخدمت المخرجة كوثر يونس هنا "التنكر" ليعبُرَ البطل من
جنس لآخر. هذا العبور الذي له مزاياه وعيوبه، فبسببِه استطاع الدخول إلى
حجرة نوم حبيبته ببساطة، وتحت نظر أهلها، بل كان على وشك ممارسة الجنس
معها، ولكنه أيضاً جعله يختبر مشاعرَ الخوف والقلق المرافقة لهذا الجنس
بالذات، خشيةَ التعرض لاعتداء؛ عرف لأول مرة هشاشة الجسد الذي يجب حماية
حدوده طوال الوقت.
حتى الجنس مع التنكر جاء مختلفاً؛ ففي السردية الدارجة حول
العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة جسد الرجل ليس مطالباً بأن يكون جميلاً
أو جذاباً أو محلَّ مسائلة وتقييم، والعكس بالعكس. لكن خلال العلاقة
الحميمة بين علي وحبيبة بدأت بتحسس ملامح جسده الأنثوية الزائفة، والسخرية
من حجم ثدييه الضخمين، يضطرب الفتى، ويفقد رغبته الجنسية، ويغضب من
الحبيبة، ولا يعلم هل هذه غضبة رجل يتم الاستهزاء من ذكوريته؟ أم فتاة يتم
التنمر على ملامحها الجسدية؟
بحر وعر من المشاعر
تمضي الساعات، وتغادر "عليا/علي" الحجرةَ في طريقها للخارج،
لتلتقي مع الأب في مشهد واحد، ولكن بدلاً من أن يشعر بطلُنا بالتهديد من
انكشاف حقيقته بكل العواقب المترتبة على ذلك، يخاف الأب نفسه لأن الأخير
يتعامل معه بصورةٍ حميمية أكثر من الطبيعي، تضع تصرفاته في خانة التحرش،
فيستكشف "علي" بشكل مفاجئ معنى أن تكون على الجانب الآخر من الجدار، جانب
الفتيات اللاتي يتعرضن لهذه التصرفات ويشعرن بذات الحيرة، هل تلك حميمية
زائدة، أم اعتداء جسدي يجب الحذر منه؟
هل "علي" رجل متنكر في زي امرأة؟ أم هو امرأة حبيسة جسد
ذكر؟ هل حبيبته حليقة الشعر ترغب فيه أكثر لأنه متنكر في رداء فتاة؟ أين
يقفان على الحدود الجنسانية؟ وهل تبادلا الأدوار الجندرية بالفعل؟
خلال دقائق الفيلم خاضت المخرجة كوثر يونس بحرَ هذه المشاعر
الوعرة؛ جعلت المشاهد والمشاهدة يتماهيان مع شخصية غير معتادة درامياً،
شخصية على الحافة بين عالمي الرجال والنساء، تخضع لتجربة بدأت بمزحة بين
حبيبين، وانتهت بصدمة مخيفة.
دفعت المخرجة المشاهدين لطرح عدة أسئلة بلا إجابات: هل
"علي" رجل متنكر في زي امرأة؟ أم هو امرأة حبيسة جسد ذكر؟ هل حبيبته حليقة
الشعر ترغب فيه أكثر لأنه متنكر في رداء فتاة؟ أين يقفان على الحدود
الجنسانية؟ وهل تبادلا الأدوار الجندرية بالفعل؟
جنسانية الشخصيات السينمائية موضوع خطر اليوم في السينما
العربية في ظلِّ توجهات صارمة للغاية للحدِّ من ظهور الشخصيات المثلية أو
المتحولة جنسياً أو التي تخالف القواعد المتعارف عليها بأي شكل من الأشكال،
ويمكن الرجوع لأزمة فيلم "أصحاب ولا أعز" اللبناني بسبب ظهور شخصية مثلية
جنسياً فيه.
وفيلم "صاحبتي" على بساطته الشديدة يعمل على كسر هذا
التابو، ولكن بدون مواجهة، فهو لم يخبرنا عن قصد عن حقيقة شخصياته؛ ترك
الباب مفتوحاً لتأويل المشاهدين أنفسهم، محتمياً بقصرِ وقتِه وتصنيفه كفيلم
قصير لن يتاح للعرض سوى في المهرجانات السينمائية أو العروض الخاصة على
أقصى تقدير، على عكس الأفلام الطويلة والتجارية التي تحظى بفرصة عرض أوسع
على الملتقين بالتأكيد.
وعلى الرغم من أن التحول الجنسي في الأفلام المصرية ليس
وليد اللحظة، بل بدأ بالفعل منذ عام 1938 بفيلم "بنت الباشا المدير"، ومع
أفلام تقدمية للغاية بالنسبة لوقتها مثل "الآنسة حنفي"، إلا إنه حدثٌ
تراجعَ في تناول هذه المواضيع على مدار السنوات، مع الاتجاه نحو تناول أكثر
قلقاً وحساسيةً لهذه المواضيع. وعلى عكس الكثير من الأفلام الروائية
المصرية التي جعلت من التنكر وتبادل الأدوار الجندرية مصدراً للكوميديا في
الكثير من الأحيان، والفانتازيا في أحيان أخرى، فإن فيلم "صاحبتي" استكشف
جانباً آخر لهذا التخفي، أكثر واقعيةً وبساطةً من أي تناول آخر.
استطاع فيلم "صاحبتي" الحصول على شرف العرض في واحد من أهم
ثلاثة مهرجانات عالمية أي مهرجان البندقية، ولكنه حتى الآن لم يُعرض على
متفرجي بلاده، ولم تحدَّد بعد محطته العربية التالية، غير أنه بالتأكيد
خطوة واثقة للأمام في مسيرة كوثر يونس الإخراجية، وإضافة مميزة لأي مهرجان
يٌعرض خلال برامجه. |