هل خيب مهرجان القاهرة السينمائي آمال عشاقه؟
أضاع فرصة ذهبية في التوهج بتضارب التصريحات وغياب النجوم
العالميين ولعنة "الدريس كود"
حميدة أبو هميلة
توقع الجميع أن تحمل الدورة الـ44 من مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي بريقاً
وألقاً وحضوراً مهماً وضخماً مع حضور ضيوف متنوعين، وقبل هذا وذاك حفل
افتتاح يتناسب وعراقته الفنية.
وهو الأمر الذي كان يمكن تحقيقه بسهولة، فكل المقومات
متاحة، خصوصاً أن الفرصة كانت مواتية للغاية بعد إلغاء مهرجان الجونة هذا
العام، الذي كان بلا شك يسرق كثيراً من الأنظار بفعاليات مميزة وأنشطة
متنوعة وقائمة عروض طويلة، وضيوف من كل حدب وصوب، إضافة إلى الإبهار
بالطبع.
كما أن الحظ كان مواتياً من جهة أخرى هذه السنة، لأن
"انطلاق القاهرة السينمائي" 2022 بعكس العام سبق مهرجان
البحر الأحمر السينمائي،
وهو المهرجان الذي يحفل بحضور غير مسبوق عربياً لأكبر نجوم العالم ذوي
الشعبية الكاسحة.
الزي النموذجي
بعيداً من الأزمات الإدارية المتعلقة بإقالة رئيس المركز
الإعلامي للمهرجان الصحافي والناقد محمد عبد الرحمن قبيل الافتتاح بساعات،
مع إصدار بين توضيحي كان نصيبه الانتقادات اللاذعة بسبب الكلام المرسل الذي
لا يوضح شيئاً.
وكذلك مشكلة التصوير، التي نشبت بين المذيعة بوسي شلبي
والفنان حسين فهمي أمام الكاميرات، أو حتى مشادة الفنانة هند عاكف، لكن مر
الحفل وبدأت العروض والندوات والورش ويومياً يتمشى الضيوف على السجادة
الحمراء.
لكن مع الإنصاف، فإن الحدث السينمائي المصري الأكبر كان محل
انتقاد، لأنه وحتى انتصاف أيام المهرجان تقريباً كان الاهتمام الأكبر من
رئيسه بالحديث عما سمّاه "الدريس كود" بفخر وحفاوة.
ورغم أن مهرجانات العالم أجمع تشهد أنماطاً شديدة الاختلاف،
بل وشديدة الغرابة من الأزياء، إذ تعتبرها بيوت الموضة فرصة لإعلان
تصميماتها وأيضاً تعكس اهتماماً من تلك الدور بالوجود في الأنشطة الفنية
الأكثر قيمة وشهرة، إلا أن هذا بالطبع لا يعني أن يشجع المهرجان على السير
على السجادة الحمراء بالملابس الرياضية، فلكل مقام مقال.
لكن المبالغة في التشبث بهذا الأمر واعتباره إنجازاً،
يعتبره بعضهم تقليلاً من قيمة الحدث، لأن السينما في مفهومها الأول هي
الحرية، وهو الأمر الذي يتفق معه الناقد السينمائي محمد سيد عبد الرحيم.
مشيراً إلى أنه لطالما كانت السينما سبباً أساسياً من أسباب تطور الأزياء،
فهي تجمع فنوناً عدة، بينها تلك المتعلقة بخطوط الموضة، فعربياً هناك
فساتين لا تنسى في أشهر الأفلام سواء لسعاد حسني أو هند رستم أو شادية،
وعالمياً الأمر نفسه بالنسبة إلى مارلين مونرو أو أودري هيبورن.
وأبدى عبد الرحيم استغرابه من التركيز على مثل هذا الأمر،
واصفاً فكرة الدريس كود بالفكرة "الشعبوية"، التي تهدف إلى مغازلة الجمهور
الناقم على ملابس الفنانات بشكل عام. مضيفاً أن هؤلاء "ليسوا جمهور السينما
من الأساس".
مفاجآت غامضة
كما لم يتوقف رئيس المهرجان حسين فهمي (82 سنة) طوال الفترة
التي سبقت الافتتاح عن التركيز في تصريحاته على مفاجأة "غامضة" لن يعلنها
في وقتها، والجميع انتظر ما وعد، لكن جاء الافتتاح بلا مفاجآت، فالسهرة
جاءت متواضعة، بحسب كثيرين، إذ عرض فيها فيديو بالأبيض شوهد من قبل عبر
مواقع الفيديوهات حول "استديو مصر"، وكذلك فيديوهات عابرة بهدف تكريم
النجوم الراحلين، وبعض الاستعراضات من هنا وهناك.
وتردد في الكواليس أن النجم حسين فهمي كان يقصد بحديثه عن
تلك المفاجأة حضور الممثل العالمي ريتشارد جير (73 سنة) خلال حفل الافتتاح،
وهو الذي سبق وحضر بالفعل دورة المهرجان قبل نحو 12 عاماً، لكن لم يعلن أحد
من المسؤولين صراحة هذا الأمر، كما لم يهتم أحد بالاعتذار عن عدم تنفيذ
المفاجأة، ولا عن سبب إلغائها، فهل تعثرت المفاوضات مثلاً؟
وهو أمر يشبه ما قيل أيضاً عن وجود معرض لملابس الفنان
الراحل عمر الشريف على هامش الدورة، يتضمن أبرز ما ارتداه في أفلامه
الشهيرة، لكن أيضاً تم إلغاء المعرض، ليأتي التبرير بأن طارق عمر الشريف
نجل النجم الراحل رفض إتمام الفاعلية.
ارتباك التصريحات
اللافت أنه بالحديث مع عدد من العاملين بأروقة المهرجان لم
يشأ أحد منهم التعليق بشكل مباشر على نقاط ضعف الدورة، وأبرزها تجاهل تبرير
إلغاء "المفاجأة"، كما أن عدداً منهم فضّل إرجاء التصريح حتى بعد انتهاء
حفل الختام المنتظر في الـ22 من الشهر الحالي بدار الأوبرا المصرية.
لكن أحدهم تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، وقال إنهم لم يكن لديهم
أية معلومات محددة حول حضور أي نجوم عالميين، باستثناء بعض الصناع وبينهم
المخرج المجري بيلا تار، الذي جرى تكريمه بجائزة الهرم الذهبي، وأضاف أنهم
كان يعتقدون أن إدارة المهرجان كانت تقصد بالمفاجأة الاهتمام بحضور ذوي
الهمم الفعاليات مع تخصيص مقاعد خاصة ومجهزة لهم، إذ ظهروا مع الفنان حسين
فهمي على السجادة الحمراء.
وأثير لغط على مستوى آخر أيضاً فيما يتعلق بالدعوات الموجهة
لصناع السينما ومشاهير الفن، حيث كتب أكثر من فنان ومخرج تدوينات انتقد
فيها الإدارة على التخبط في هذه الناحية، بينهم المخرج سعد هنداوي،
والممثلة نانسي صلاح، والفنانة عفاف مصطفى، والفنان شريف خير الله.
كما علق كثيرون على أزمة حجز التذاكر المتكررة، التي لم
تستطع تلك الدورة تفاديها كذلك، وهو الأمر الذي علق عليه الناقد السينمائي
محمد سيد عبد الرحيم بالقول إن تلك الأزمة متعلقة بالأساس بسيستم الشركة
التي تتولى تلك المهمة، حيث تتكرر المشكلات نفسها. لكنه لفت النظر أيضاً
إلى نقطة أخرى تتعلق بعدم وجود إعلانات كافية في الشوارع للترويج للمهرجان
السينمائي الأهم في مصر، مشيراً إلى أنه ربما تكون الميزانية هي التي حالت
دون تنفيذ ذلك، بالتالي فكثير من الجمهور المتعطش للسينما لم يتمكن من
متابعة الفعاليات.
وبالعودة إلى لغط الـ"دريس كود" فقد نجح مسؤولو المهرجان
بجدارة على الأقل حتى منتصف الفاعلية في إشاحة النظر عن أي أحداث سينمائية
مهمة، والتركيز على تلك النقطة التي رغم عدم أهميتها بالمرة، لكنها على ما
يبدو تشغل حيزاً كبيراً من جدول أعمال الإدارة.
ومع ذلك لم يقل أحد منهم كيف جرى تقنينها؟ وهل من لم يلتزم
بتفضيلات المهرجان في التصميمات من النجمات تم استبعادهن مثلاً؟ وما معايير
الالتزام بهذا "الكود"؟ وهل هناك عقاب رادع على المخالفين؟
يشير الناقد الفني طارق الشناوي إلى أن الحضور ليسوا بحاجة
لأن يذكرهم أحد بشروط الوقوف على سجادة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في
الافتتاح أو الختام، بالتالي فالموضوع أخذ أكبر من حجمه بكثير بفعل تكرار
الحديث عنه بلا سبب.
كل تلك التضاربات لم تصب بالطبع في صالح الحدث، واللافت أن
محمد سيد عبد الرحيم يعود ليؤكد أنه لم يتوقع منذ البداية أن تكون الدورة
استثنائية أم مميزة، وتابع: "منذ الإعلان عن التغييرات الجديدة توقعت هذا
التراجع، فلا أحد ينكر نجومية حسين فهمي ولا تميزه في إدارة دورات ناجحة
للمهرجان قبل عقدين من الزمان، لكن ما حدث في الدورة الرابعة والأربعين
لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي أعاد الفعالية الكبرى لحقبة التسعينيات
بكل بساطة، وقد يكون السبب أن الفنان القدير لم يتابع عالم صناعة
المهرجانات في هذا العصر".
وشدد عبد الرحيم على أن المهرجان أخذ خطوات واضحة للأمام
منذ عام 2014 بإضافة أنشطة وشراكات وأجندة جديدة، كما أن علاقات عناصر
إدارته في السنوات الثلاث الأخيرة بالتحديد أسهمت في وضعه مرة أخرى على
خريطة المنافسة حيث استطاعوا جلب أفلام مهمة للغاية، واصفاً مستوى
الفعاليات هذه السنة بـ"المتواضعة، بخاصة فيما يتعلق بقائمة الأفلام
العربية المشاركة".
أفلام مهمة
حظى المهرجان هذا العام بضيوف مهمين على مستوى صناعة
السينما، لكن هناك تقليد معروف في المحافل من هذا النوع أن كبار نجوم
العالم من الممثلين هم من يجذبون الأنظار، بل ويسهمون في الترويج لفعالياته
شديدة الخصوصية، لذا كان من المنتظر أن نشهد بعضاً منهم في المهرجان الدولي
البارز بالمنطقة العربية، ومن الأشياء التي حظيت بالتعليق أيضاً من قبل
رواد المهرجان والحضور اليومي، هو أنه جرت العادة أن يطرح المهرجان بعض
الأفلام ذات الموضوعات الحساسة، التي تتنافى مشاهدها وموضوعاتها مع قواعد
جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، لكن كان معتاداً ألا تزيد على فيلم أو
فيلمين أو حتى ثلاثة على الأكثر، حيث تتاح للمشاهدة من قبل النقاد
والإعلاميين فقط، وليس للجمهور العادي، لكن في مهرجان هذا العام يصل عدد
تلك الأفلام التي يحرم منها الجمهور إلى ستة دفعة واحدة.
كما يجب الإشارة إلى عروض الأفلام المتميزة خلال هذه
الدورة، وبينها "The
Sonـ
الابن" لأنتوني هوبكنز وهيوجاكمان وفانيسيا كيربي ولورا ديرن، وهو عمل
إنساني عن المؤثرات التي تلقي بظلالها على علاقة الآباء بأبنائهم، من تأليف
كريستوفر هامبتون وإخراج فلوريان زيلر اللذين قدما قبل عامين الفيلم المهم
أيضاً "The Father"
الذي حصد بطله أنتوني هوبكنز جائزة أوسكار أفضل ممثل دور رئيس عن شخصيته
المعقدة به.
كذلك حقق المهرجان خطوة جيدة أخرى باختياره فيلم المخرج
ستيفن سبيلبرغ "The
fablemans"
لحفل الافتتاح، الذي يستعرض فترتي الطفولة والشباب للمخرج الكبير، ويعتبر
من أكثر أعمال هذا العام تميزاً.
ومن ضمن أبرز ما تضمنته جداول العروض أيضاً الفيلم الروماني
"R.M.N"،
والبرازيلي "Tinnitus
ـ طنين الأذن"، وكذلك "السباحتان" للمخرجة سالي الحسيني، الذي يتناول رحلة
السباحتين السوريتين سارة ويسرا مارديني الشاقة حتى وصولهما للمشاركة في
الأولمبياد.
كذلك كان اختياراً موفقاً للمهرجان عرض فيلم "الاختيار"
إخراج يوسف شاهين وتأليف نجيب محفوظ بعد ترميمه، خصوصاً أنه من الأعمال
التي من النادر عرضها عبر الشاشات، وهو بطولة سعاد حسني وعزت العلايلي وهدى
سلطان ومديحة كامل وميمي شكيب وسيف عبد الرحمن وإنتاج عام 1971.
"غزوة السجادة الحمراء"
على هامش الفعاليات أيضاً، كان هناك نصيب كبير للجدل لأحداث
لم تكن متوقعة، فقبيل حفل الختام بأقل من ثلاثة أيام، كان القيل والقال
منصباً على صورة المصلين الذين يفترشون السجادة الحمراء أمام مقر المهرجان،
من أجل اللحاق بصلاة الجمعة، وهي الصورة التي شهدت انقساماً هائلاً بين
المعلقين، ففي حين وجدها البعض عادية، ولا تهدف إلى إثارة أي أزمة، وجاء
تبريرهم أن هناك عدداً كبيراً من العمال والموظفين يوجدون هذه الأيام للعمل
بالمهرجان، بالتالي لم يتسع لهم مسجد دار الأوبرا المصرية صغير المساحة،
ولم يكن هناك مفر سوى الصلاة بأقرب مكان به خطبة الجمعة.
لكن في المقابل جاءت تصريحات المدير الفني للمهرجان، أمير
رمسيس، لتعبر عن اعتقاده بأن هذا التصرف ما هو إلا رسالة تهدف إلى "مهاجمة
المهرجان"، بل هو في إطار الحرب الشرسة التي يشنها البعض على الفنون بشكل
عام.
ومن خلال حسابه عبر "فيسبوك" كتب رمسيس "غزوة السجادة
الحمراء"، وهو التعبير الذي فجّر سيلاً من التعليقات. ففي حين هناك عدد
كبير أبدوا تأييدهم لوجهة نظر رمسيس، وأن هناك كثيراً من المتربصين بالحالة
الفنية بشكل عام، فإن البعض اعتبروا أنه تشبيه "غير موفق"، وقد يحمل إساءة
لموقف لم يكن مرتباً ولا مخططاً له.
وفوجئ المتابعون بحذف المدير الفني هذه التدوينة المختصرة،
واستبدالها بأخرى مطولة تشبه الاعتذار، جاء فيها: "كما أوضحت لمن سأل أو
شعر بالإساءة الشخصية فاعتذر لمن اعتقد أنه يمس المعتقدات الدينية، فتعليقي
ليس على فعل الصلاة نفسه بطبيعة الحال، إنما على اختيار عمدي لمكان يقع على
بعد أمتار من بوابة جامع مخصص من قبل دار الأوبرا للصلاة في فعل لا يخلو من
مزايدة على الفنون ومحاولة لإرسال رسالة معينة من عقليات ترفض الفن وتحتقر
السينما".
لكن المفاجأة أن هذا التصريح أثار مزيداً من الجدل بدلاً من
أن يغلق الموضوع، وقال الشاعر أيمن بهجت قمر معلقاً "كان يمكن له (أمير
رمسيس) الانتقاد لكن بدون سخرية"، كما وصف تراجعه بأنه "يحمل شيئاً من
التعالي"، ثم عاد قمر وكتب: "أمير رمسيس عايز يبوظ (يفسد) المهرجان. هو ده
(هل هذا) بوست اعتذار!"، مستنكراً الطريقة التهكمية التي وصف بها المشهد
وكذلك طريقة الاعتذار التي حملت ما سماه "تدخلاً في نوايا المصلين".
وهو الرأي الذي تكرر أكثر من مرة، حيث اعتقد البعض أن
الموقف كان بسيطاً وكان يمكن أن يمر من دون ضجة، ومن دون إثارة "نظرية
المؤامرة على الفن"، وكذلك كان الأفضل أن يكون التعليق الصادر من المسؤولين
بالمهرجان أكثر "حكمة".
لكن عدداً آخر تشبثوا كذلك بأن الهدف لم يكن الصلاة بقدر ما
كان "الاستعراض"، ومحاولة اتخاذ موقف مضاد للفعاليات السينمائية، ليعود
أمير رمسيس مرة أخرى بعد كل تلك الضغوط والتعليقات المتضاربة، ويكتب
اعتذاراً صريحاً وأكثر اختصاراً: "لكل من أساء فهم التعليق وأخرجه من سياقه
وتفسيره وجرح مشاعره الدينية أعتذر بشكل مباشر".
من جهته لم يعلق رئيس المهرجان، حسين فهمي، حتى الآن على كل
هذا السجال.
ولا شك أن فترة رئاسة حسين فهمي للمهرجان ما بين عامي 1998
وحتى 2001 شهدت تميزاً ونجاحاً وزخماً إعلامياً لا تزال أصداؤه في الذاكرة،
لكن في عودته الجديدة بعد أكثر من 20 عاماً لم تكن الأمور كما كانت من قبل. |