حضورٌ واسع ونشاطٌ متنوّع لافت، هذا هو ما ميّز أيام
السينما السعودية في الدورة التاسعة والسبعين لمهرجان فينيسيا
السينمائي.
ونظّمت هيئة الأفلام السعودية بالتعاون مع مهرجان
البحر الأحمر السينمائي،
ومهرجان
أفلام السعودية ومشروع
نيوم وهيئة
"العلا للأفلام"،
سلسلة من النشاطات الساعية إلى تأسيس رابطة خاصة بين أعرق مهرجان سينمائي
في العالم، والمؤسسات السينمائية في الملكة العربيّة السعودية لتتحوّل إلى
فرصة مهمة ليس للسينمائييين السعوديّين فحسب بل للسينما العربية.
وقال المدير التنفيذي لهيئة الأفلام السعودية عبدالله
آل عياف،
إن الوجود السعودي في مهرجان فينيسيا ”جزءٌ من المشهد السينمائي السعودي،
وانعكاسٌ حي لما تشهده المملكة من تغيّرات ثقافية عبر رؤية 2030".
وأضاف لـ"الشرق": "يمر القطاع السينمائي السعودي بمرحلة
تاريخية مهمة، ونحن يداً بيد مع صنّاع الأفلام السعوديين ومع الشركاء
الوطنيين، سواء من الجهات الحكومية أو من القطاع الخاص أو من جهات غير
ربحية نبني قطاعاً بأكمله. يوجد لدينا جمهور كبير متعطش، لكن الصناعة
ذاتهابدأناها قبل سنتين، وبإذن الله سنصل إلى ما نريد".
وأوضح قائلاً: "نعمل الآن على تطوير المواهب، لتمكين صنّاع
الأفلام السعوديين والسعوديات من إنجاز أعمال تليق بالجمهور السعودي أولاً
وبالجمهور العالمي، كما نؤسس الآن بنى تحتية تخدم صناعة هذه الأفلام،
ونُنجز برامج لدعم الفيلم السعودي ليكون حاضراً أولاً في المملكة وفي
العالم".
وتابع: "نسعى أيضاً إلى استقطاب الاستثمارات وتوفير الفرص
لصناعة الأفلام الدولية في المملكة، كذلك نعمل على توفير بيئة مُشجّعة لهذا
الحراك بأكمله عبر تسهيل القوانين والأنظمة والتصاريح، بجانب أن يكون كل ما
يحدث مؤرشفاً بشكل يخدم صناعة الفيلم السعودي".
وأضاف عبدالله آل عياف: "نحن هنا الآن في مهرجان مهم
للغاية، وهو مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لنقول لصنّاع الأفلام في
السعودية: أنتم هنا في المهرجان مع نظرائكم، رأساً برأس، تلتقون، تتعارفون
وتُظهرون ما لديكم من تغيّرات إيجابية وتستفيدون من تجارب العالم. وبإذن
الله يداً بيد مع صنّاع الأفلام السعودية ومع الخبرات، التي نكون ضيوفها أو
نستضيفها في المملكة خلال مهرجاناتنا سنسطيع تحقيق المستحيل".
وردّاً على سؤالنا بشأن مستقبل الصناعة السينمائية في
المملكة، قال آل عيّاف: "الوضع مشرق وبإذن الله سيكون أثره ليس فقط على
قطاع الأفلام السعودي، بل أيضاً على السينما العربية بشكل أشمل".
احتفاء بإنجاز السينمائيات
بدأت نشاطات الحضور السعودي بحفل غداءٍ للترحيب
بالسينمائيين السعوديّين والعرب، المشاركين في مهرجان فينيسيا، أقامه
مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي يعمل فريقه التنظيمي على وضع
اللمسات على برامج الدورة الثانية التي تنعقد في الفترة من 1 وحتى 10
ديسمبر المقبل.
وفي اليوم الثالث للمهرجان، أقامت هيئة الأفلام السعودية في
وزارة الثقافة، لقاءً لصناع الأفلام السعوديين مع أجهزة الإعلام والصحافة،
تبعه حفلٌ حصري في قصر روكا، نظّمه مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي
ومجلة "فانيتي فير" الشهيرة، للاحتفاء بدور المرأة في صناعة السينما،
ولتكريم وتمكين النساء الموهوبات، أمام الكاميرا وخلفها وإلهام الجيل
المقبل من المبدعات وممن صنعن فارقاً في عالم صناعة السينما، بسردهن لقصص
أحدثت صدىً وتفاعلاً لدى الجماهير في جميع أنحاء العالم.
140
مشروعاً
اختُتم البرنامج السعودي بندوة مهمة للحديث عن الواقع
السينمائي في المملكة العربية السعودية، والتأثيرات الإيجابية التي هذا
الواقع على الإنتاج السينمائي الخليجي والعربي والإفريقي والآسيوي.
أقيمت الندوة ضمن فعاليات "فينيسيا، جسر للتواصل الإنتاجي
السينمائي"، وأدارها الناقد المختص بسينما الشرق الأوسط في مجلة في
"فارايتي" السينمائية نيك فيفاريلّي.
تحدّثت في الندوة المديرة التنفيذية لمهرجان البحر الأحمر
شيفاني بانديّا، عن التأثير الإيجابي الناتج عن دعم المهرجان لصنّاع
السينما العربية والإفريقية والآسيوية. وكشفت عن "برنامج حافل لدعم الأفلام
السعودية والعربية والإفريقية، إذ تجاوزت المشاريع والأفلام المدعومة في
غضون فترة تقلّ عن عامين بنحو 140 مشروعاً، وهو رقم هائل إذا ما قورن
بالفترة القصيرة من بدء المهرجان والاستعدادات التي جرت لإطلاقه في ديسمبر
من العام الماضي".
وقالت شيفاني پانديا: "الأرقام مثيرة للدهشة والبهجة معاً.
بدأت الخطوة قبل عامين، حين أنشأنا مؤسسة المهرجان، وكانت المهمة الأساسية
لها هو دعم الأفلام وصنّاعها، وخصّصنا جزءاً لتمويل دعم مشاريع الأفلام،
وعبر مختبر البحر الأحمر لدعم الفيلم الذي يتعاون مع (تورينو لاب)، ودعمنا
بذلك 36 مشروعاً، ومن ثمّ أسّسنا صندوق البحر الأحمر لدعم الفيلم، وهو
صندوقٌ يركّز على الفيلم العربي والإفريقي، في مراحل الكتابة والإنتاج وما
بعد الإنتاج".
وأضافت: "دعمنا العديد من الأعمال الجميلة بعد جهدٍ مُضنٍ
للجان الاختيار، وخلال العام والنصف الماضي فقط دعمنا 120 مشروعاً ونحن
فخورون بذلك، واليوم نرى نتائج ذلك المثيرة للفرح من خلال مرور عدد من
الأفلام في المهرجانات الدولبة، ففي فينيسيا نُقدّم 4 أفلام في البرنامج
الرسمي، إضافة إلى مشروعين في برنامج (فاينال كَتْ) سبق لنا ودعمناهما".
وعرضت المديرة التنفيذية لهيئة العلا للفيلم، شارلين
ديليوني جونز، الواقع الجميل لمحافظة العلا والإمكانيات الهائلة التي
تتوفّر فيها. ولدى سؤالنا عمّا يمكن أن يجده السينمائي في العلا، قالت إن
"من يأتي إلينا في العلا سيجد أمرين أساسيين، أولهما هو مشهد لم يُرَ من
قبل وما يزال يحتفظ بنقائه وبتناسقه مع البيئة والطبيعة. وثانيهما، هو
مقدرتنا على توفير كلّ ما يتطلّبه الإنتاج، لدينا بُنى عريقة مثيرة للدهشة،
لكنّ لدينا أيضاً بُنى ومباني شيدت على أسس معمارية غاية في الحداثة، لدينا
مشهدية الصحراء بجمالها إلى جانب مشهديّة المدينة ذاتها، كلّ ذلك برأيي هو
ما تمنحه العلا لصانع الفيلم ليُنجز فيلمه".
وشارك في الندوة أيضاً عرض واين بورج المدير التنفيذي
لمشروع نيوم، والمخرج والمنتج عبدالجليل الناصر مدير تطوير المشاريع في
هيئة الأفلام السعوديّة.
حلم يتحقق
المدير الفنّي لمهرجان أفلام السعودية، الشاعر أحمد الملا،
الذي حضر المهرجان ضمن الوفد السعودي، اعتبر أن ما يحدث الآن في المشهد
الثقافي السعودي بمثابة "حلم يتحقق".
وأضاف لـ"الشرق": "أحلامنا كبيرة جداً، لكننا نشهد هذا
التحول الكبير، وأرى أن من عوامل النضج الرئيسية هو أن هناك طاقات كبيرة
وشابة لديها الرغبة والشغف الكبيرين للتعلم وللمعرفة ولولوج المجال
السينمائي بالذات".
وقال: "في السابق كان السينمائيون السعوديون يعتمدون أساساً
على إمكانياتهم الفرديّة بشكل مستقل، أمّا الآن فإن هناك ما هو أكثر وما هو
مُنظم وتأسيسي وقوانين وأنظمة تُشجّع لكلّ ما لها علاقة بالإنتاج
السينمائي، نشهد بأن هناك تحولاً سريعاً على جميع المستويات الثقافية،
وبالذات الجانب السينمائي باتّجاه خطوات مدروسة فعلاً، لإقامة صناعة
سينمائية حقيقية في السعودية". |