تختتم اليوم الدورة الثانية من مهرجان
البحر الأحمر السينمائي الدولي،
بأداء يشوبه الكثير من علامات الرضا والإرتياح، وأداء تجاوز إلى حد كبير
أخطاء الدورة الأولى، وينبئ عن ما سيتم تقديمه في سنوات مقبلة إذا تحسن
أكثر وأكثر.
المهرجان الذي يحظى بإهتمام حكومي كبير في المملكة
العربية السعودية،
استطاع هذا العام أن يجذب الأنظار إليه بوجود عدد كبير من نجوم وصناع
السينما، وهي الركيزة الأساسية التي يبدو أن القائمين على المهرجان أتخذوها
من أجل تثبيت مكانة “البحر الأحمر” عالميا، المهرجان شهد زخم حقيقي بوجود
نجوم كبار وحوارات وتفاعل، كما شهد العديد من الفعاليات المهمة أيضا، وهو
الشيء الذي رحب به صناع السينما الذين حضروا نسخته الثانية، وأهدانا هذا
الحراك على أرض الواقع.. “أخبار
النجوم”
كانت في قلب الحدث، وتابعت أسبوع من الحراك السينمائي بمهرجان واعد ومبشر
سيكون إضافة حقيقية للمهرجانات السينمائية العربية والعالمية..
إبهار.. وتركيز
قبل يوم من انطلاق النسخة الثانية، بدى للجميع أن التركيز
هو أهم أسلحة الإدارة الشابة للمهرجان التي يقودها المنتج والسينمائي الشاب
محمد التركي، الذي تولى المنصب قبل 6 أشهر فقط من بداية النسخة الثانية،
لكنه نجح أن يعبر بصورة كبيرة عن طموحات جيله للسينما وللمهرجان.
التنظيم المتقن إلى حد كبير الذي تم استقبال الوفود الكثيرة
القادمة إلى المملكة لتغطية ومتابعة الحدث، كان مؤشرا ومباراة إلى حد كبير،
وهو ما توقعناه، وما حدث بالفعل مع بدايات الفعاليات التي أنطلقت بحفل
مبهر، لكنه طويل إلى حد كبير، ويبدو أن الحالة الاحتفالية بوجود هذا العدد
الكبير من نجوم العالم على سجادة “البحر الأحمر” كانت السبب في زيادة توقيت
الحفل، الذي شهد تكريم لأيقونات السينما، من النجمة المصرية يسرا التي كان
لها طلة مبهرة وخلابة وحضورا طاغيا وألتف حولها المعجبون والنجوم، والنجم
الهندي الكبير شاروخان، والمخرج البريطاني الكبير جاى ريتشي.. تكريم “البحر
الأحمر” لـ3 من أساطير السينما كان معبرا عن موقف المهرجان من الجميع،
وانفتاحه على كل الثقافات
.
بخلاف نجوم التكريمات، شهد الحفل حشدا من النجوم من كل
أنحاء العالم، حيث استقبل نجوم هوليوود وعلى رأسهم الأمريكية شارون ستون
التي كان لها لقاء مفتوح مع الجماهير تحدثت فيه عن شغف السينما، والمخرج
الكبير الحائز على “الأوسكار”، الأمريكي سبايك لي، الذي أتسم حواره مع صناع
السينما بـ”خفة الدم” وأرائه في الحياة والسينما والفن، وقدم خلال جلسته
“الحرارية” العديد من نصائحه لصناع السينما، مؤكدا أن يكون لديهم شيء حقيقي
ليرونه للناس، وكان هناك حوارات أخرى لنجوم كبار مثل النجم الهندي أكشاي
كومار الذي شهد لقاءه زحاما وإقبالا كبيرا، وتحدث “فتى بوليوود” عن أهمية
السينما وصناعة الفن في تغيير نمط وسلوك الحياة إلى الأفضل دائما، كما
تحدثت اللبنانية نادين لبكي عن تجربتها الفنية كمخرجة وممثلة، وذلك قبل أن
يتحدث المخرج الألماني فاتح أكين عن أحلامه وتجاربه ونصائح لصناع السينما
الشباب.
حراك الحوارات الفنية التي يتيحها المهرجان ليس فقط لصناع
ونقاد وأهل السينما والفن، لكن للجمهورر بشكل عام، وكانت فرصة حقيقية،
فالإقتراب من هؤلاء والتعرف على حياتهم ورحلتهم أشبه بالحلم الذي تحقق
لعشاق السينما.
فاعلية السوق
أصبح المهرجان في كثير من فعالياته ملتقى حقيقي للنجوم من
الشرق إلى الغرب، ويبقى “سوق الفيلم” واحدا من أهم الفعاليات التي تلقى
رواجا وتقديرا في أي مهرجان، وتحرص دائما الشركات والهيئات أن تكون جزءاً
منها.. في “البحر الأحمر” هناك تنوع حقيقي وفاعلية حقيقية بـ”السوق” الذي
شهد تواجدا كبيرا للشركات، وشهد أيضا تواجدا وإقبالا من صناع السينما الذين
تواجدوا ودخلوا في نقاشات مهمة مع هذه الشركات، ونجحوا في اقتناص الفرص،
بالحصول على دعم أو فرصة إنتاج من أحدهم، وهو المعنى الحقيقي والمهم
لـ”السوق”.
“سوق
البحر الأحمر” لم يكتف بهذا الدور فقط، لكنه قدم العديد من المناقشات
المهمة حول مشاكل الصناعة وتطورها والتكنولوجيا وتأثيرها وكيفية الحصول على
دعم وكيفية تسويق الفيلم وكلها قضايا مهمة لصناع السينما الذين تواجدوا
بقوة.
صناعة سعودية
بالحديث عن الصناعة كان لابد أن نتعرف على إستراتيجيات
الصناعة بالسعودية، وهو أمر مهم، ويدرك صناع مهرجان البحر الأحمر أهمية أن
يكون هناك صناعة سينما حقيقية بالمملكة، لهذا كان هناك أكثر من لقاء مع
جماهير المهرجان لشرح إستراتيجية وركائز الإنتاج في السعودية، والبداية مع
برنامج “ضوء “الذي يدعم المواهب السعودية بمنح لا تسترد من أجل خلق فرص
جديدة للشركات السعودية.. والبرنامج الذي تموله “هيئة الأفلام” يقدم الدعم
للشركات والمواهب السعودية في المقام الأول، لكنهم قرروا منح الشركات
العربية فرصة للإشتراك في البرنامج بشرط وجود شريك سعودي.
على جانب آخر، أعلنت “الهيئة الملكية لمحافظة العلا”، عن
ركيزة جديدة لدعم السينما والصناعة في المملكة، من خلال بناء عدد من
استوديوهات التصوير المجهزة بكل الأنظمة التكنولوجية التي تحتاجها صناعة
السينما، والمرحلة الأولى من الاستديوهات سوف تتم على 30 ألف متر، من خلال
2 ستوديو و2 ورشة و2 من مبان الدعم.
أفلام
بدون شك، نجح “البحر الأحمر” في تقديم وجبة مهمة من الأعمال
السينمائية المميزة، التي عرضت خلال العام في المهرجانات السينمائية
الكبرى، مثل “كان” و”فينسيا” و”برلين”، وأيضا فرصة لعشاق السينما الذين لم
يتمكنوا من رؤية هذه الأعمال، لكني دائما أحب أن أنوه لأهمية المسابقة
الرسمية لأي مهرجان، والتي يستمد منها المهرجان قوته ومكانته، فالمسابقة
الرسمية ليست مجرد تظاهرة عادية، لكنها حجر الأساس لأي مهرجان، وللآسف كثير
من المهرجانات العربية لا تهتم بها، ومنها “البحر الأحمر”، الذي حشد لجنة
تحكيم على أعلى مستوى، لأفلام ضعيفة المستوى إلى حد كبير، وأظن أن “البحر
الأحمر” بالإمكانيات المادية والخبرة التي يكتسبها يوما بعد آخر، مهيأ
لتواجد مسابقة مهمة تضم أسماءً مميزة وأعمالا عالية الجودة.
القاهرة – جدة
مع كل مهرجان جديد في المنطقة العربية يثار سؤال وتخوف حول
مهرجان القاهرة السينمائي ومستقبله وقدرته على مواجهة التحديات.. الحقيقة
أيضا أن السؤال يتسع إلى ما أبعد من ذلك، حول مواجهة “القاهرة” وصناعة
السينما المصرية لصناعة السينما الناشئة بالمنطقة، وهناك من يتحدث عن سحب
الريادة أو تقلص دور مصر الفني، أو تغير الخريطة الفنية، وسعي هذه الدول
إلى ذلك، وكلها أسئلة مشروعة، لكنها تدخل في إطار البحث بالنوايا، فالظاهر
مثلا في مهرجان البحر الأحمر، أن “جدة” ترحب بـ”القاهرة”، وتوليها إهتماما
تستحقه لعلاقتنا وأهميتها، وأن السينما المصرية بتاريخها وحاضرها، متواجدة
في كل الأوقات والفعاليات، و”السوق” يشهد تواجدا مهما، كما تم تكريم أيقونة
مصرية في الافتتاح، وترميم أعمال مصرية مثل “خللي بالك من زوزو” و”غرام في
الكرنك”، والاحتفاء بعرضها في المهرجان، بالإضافة لتواجد مصري من خلال
نيللي كريم في لجنة التحكيم، ووجود مهم لمنى زكي، وافتتاح دار عرض سعودية
جديدة بأفلام ليوسف شاهين، ومعرض تصوير لفنان مصري هو جمال فهمي، وشراكات
مصرية وسعودية إنتاجية، وتواجد مصري بكثير من كواليس المهرجان.. الحقيقة
أيضا أن طرح مثل هذه الأفكار تعد تقليلا من السينما والفن المصري الذي لا
يمكن الاستغناء عن تواجده في أي وقت ومكان، ونحن دائما نرحب بأي نافذة فنية
جديدة تفتح في الوطن العربي، وندعم التجارب الجادة ونفرح بها ولا نخشاها،
وخلفنا وأمامنا حقيقة مهمة هي أن قوة مصر الناعمة تاريخا وحاضرا ومستقبلا
قوية وراسخة وثابتة. |