بعد أربعة عقود من صدوره، ما زال فيلم "إي.تي" يعد
عملاً فنياً هو مرآة مرحلة تاريخية ولت ولكنه لا يزال راهناً. والعودة
إليه وإلقاء نظرة فاحصة عليه اليوم يعتد بها قبيل صدور فيلمه المقبل،
الذي يقال إنه سيرة ذاتية شأن الفيلم الشهير، لكن من دون كائنات فضائية
يتعرض صبي صغير لإساءات ناجمة عن معاداة السامية في مدرسته
الجديدة، يرمي الأطفال عملات معدنية على الأرض عندما يمر أمامهم استهزاء
بما يتناقل عن ولع اليهود بالمال، و يتركون قطع الخبز التقليدي، البايغل bagels،
في خرانته، يطلقون عليه صفة "الجشع" ويلكمونه في وجهه.
ومما يزيد من بؤس الولد طلاق والديه، وهو من أحلك الصدمات
في طفولته، بعدما بدأت والدته علاقة مع أحد أصدقاء العائلة.
الصبي المقصود هو ستيفن سبيلبرغ. ولا شك في أن إحدى أكثر
الطرق نجاعة لمحاربة المتنمرين هي أن يقوم الشخص المضطهد بصناعة فيلم ووضع
الأشخاص الذين عذبوه في أدوار بارزة. كان سبيلبرغ مغرماً بالأفلام منذ أن
تم اصطحابه لمشاهدة فيلم "أعظم استعرض على الأرض [في المعمورة]"
The
Greatest Show on Earth
للمخرج سيسيل بي ديميل الصادر عام 1952 عندما كان في الخامسة من عمره فقط.
من المناسب تماماً أن يعاد إصدار فيلم "إي.تي: زائر من خارج
الأرض"
ET:
The Extra-Terrestrial
الذي أنجزه سبيلبرغ عام 1982، بالتزامن مع اقتراب العرض العالمي الأول
لأحدث أفلامه، "آل فيبلمان"
The
Fabelmans.
الفيلم الجديد هو سيرة ذاتية صريحة، ويتناول طفولة المخرج في ولاية
أريزونا، وتحديداً طلاق والديه. كان هذا أيضاً الموضوع غير المباشر لفيلمه
السابق. الصبي إيليوت، بطل "إي.تي" الذي يصادق مخلوقاً من خارج كوكب الأرض
لطيفاً وكبير العينين، يحاول أيضاً استيعاب الانفصال بين والديه، حيث اختفى
والده في ظروف غامضة وذهب إلى المكسيك.
يتردد أن "آل فيبلمان" يتضمن نسخة درامية من اللقاء الحقيقي
الذي جمع سبيلبرغ عندما كان مراهقاً مع المخرج جون فورد (الذي يلعب دوره
ديفيد لينش مخرج مسلسل ’توين بيكس’
Twin
Peaks).
يمنح فورد الطفل بضع لحظات قبل أن يقول له "اخرج [تحرك] عليك اللعنة". ومع
ذلك، فإن نصيحته القاسية حول كيفية إخراج الأفلام كافية
لإقناع الصبي بأنه قد يكون لديه أيضاً مستقبل في صناعة السينما [الإخراج].
لا شك في أنه سيكون من المبالغة الإشارة إلى أن الكائن الفضائي في "إي.تي"
هو رمز يعادل شخصية جون فورد في "آل فيبلمان". ومع ذلك، هناك نقاط تقاطع
بين الفيلمين، إذ يبحث صبي تعيس في كليهما عن الرفقة والإجابات وشخصية
أبوية [يحتذى عليها].
كان سبيلبرغ قريباً بشدة من بطل القصة ابن السنوات العشر في
"إي.تي". يصف كاتب سيرته الذاتية جوزيف ماكبرايد الفيلم بأنه "سيرة ذاتية
عاطفية مبطنة" لمخرجه. "أحد الأسباب التي دفعت ستيفن ليصبح صانع أفلام هي
أن يحظى بقبول اجتماعي"، يقول ماكبرايد موضحاً أحد الدوافع التي جعلت
الطالب المجتهد في المدرسة يقف وراء الكاميرا ويشرع في توزيع الأدوار على
زملائه في الفصل.
في "إي.تي"، تعد صداقة إليوت مع الفضائي جواز سفره إلى
الشعبية [في أوساط أقرانه]. عند وصول الفيلم إلى نهايته، كان شقيقه الأكبر
(لعب دوره روبرت ماكنوتون) والمولعون بالرياضة في المدرسة الذين كانوا
يتعاملون معه بلؤم في يوم من الأيام، حريصين جميعاً على مساعدة إليوت في
تهريب المخلوق الفضائي من السلطات.
في الولايات المتحدة، أعادت شركتا "يونيفرسال بيكتشرز" و
"آمبلين إنترتيمنت" إصدار فيلم سبيلبرغ الكلاسيكي على شاشات "آي ماكس"
حصرياً في أغسطس (آب]. إنه قرار غريب بالنظر إلى أن هذا أحد أصغر أفلام
سبيلبرغ وأكثرها حميمية، إنه "دراما نفسية ريفية" بحسب تعبيره. تخبرني دي
والاس التي تلعب دور ماري والدة إليوت، "في الواقع كان من المفترض أن يكون
’إي.تي’ فيلم ستيفن الصغير وسط أفلامه الرائجة الكثيرة". بالنسبة إلى
منتقدي "إي.تي" فإنه يتمتع بهيئة الأفلام التلفزيونية المبهرجة. إنه قصة
خيال علمي تشتمل على مركبة فضائية وكائن فضائي، لكن معظم الأحداث تتكشف في
أماكن مألوفة بالنسبة إلينا من خلال عدد لا يحصى من المسلسلات الكوميدية
والمسلسلات التليفزيونية في فترة الثمانينيات. يجري جزء كبير من الأحداث
داخل منزل عائلة إليوت، والدته (الممثلة والاس) منشغلة بصراعاتها المنزلية
لدرجة أنها لا تلاحظ حتى وجود المخلوق الفضائي ذي القلب المتوهج والأصابع
الطويلة جداً تحت سقف بيتها.
المؤثرات البصرية في العمل ليست سبباً في نجاحه أبداً. من
المفترض أن تحاكي لقطات الأطفال الراكبين على الدراجات بينما تعرض صور
للسماء خلفهم عملية الطيران. كما أن أحد أسباب الإضاءة الخافتة للفيلم هو
أن المصور السينمائي ألين دافيو كان قلقاً بشأن اكتشاف الجمهور أن الكائن
الفضائي الذي صممه معالج المؤثرات الخاصة كارلو رامبالدي، مصنوع في الواقع
من المطاط والبلاستيك. (على كل حال، تتذكر والاس أن الممثلين تعاملوا مع
إي.تي كما لو كان واحداً منهم. على وجه الخصوص، كان النجم الطفل، درو
باريمور، الذي كان حينها في السادسة من عمره، يجري مناقشات جادة مع الفضائي
بين المشاهد، متجاهلاً حقيقة أنه لم يكن "حقيقياً").
كما أن طاقم الممثلين ليس من الأسماء البارزة جداً، باريمور
رائعة تماماً في دور أخت إليوت الصغرى ذات الغمازة المميزة على ذقنها،
بينما يتمتع بيتر كويوت بجاذبية خاصة في دور العالم الذي كلفته الحكومة
ملاحقة الفضائي، هذا ليس فيلماً بنجوم من الدرجة الأولى، من المعروف أن
شركة "كولومبيا بيكتشرز" قد رفضت المشروع لأنه يفتقر إلى الجاذبية التجارية
الواضحة كما بدا لها.
في وقت تقديم سبيلبرغ "إي.تي"، لم تكن سمعته قد تعافت
تماماً من الفشل الملحوظ في فيلمه الكوميدي عن الحرب العالمية الثانية 1941
الذي أصدره عام 1979 وحقق في شباك التذاكر أداء أضعف بكثير من فيلمي "الفك
المفترس"
Jaws
أو "لقاءات قريبة من النوع الثالث"
Close
Encounters of the Third Kind.
الناقد البريطاني المؤثر روبن وود الذي اعتبر الفيلم على أنه أسطورة عتيقة
ومتحيزة جنسياً من حقبة ريغان، قال ممتعضاً، "لا يمتلك ’إي.تي’ أي سبب
يجعله يحظى باهتمام أكبر مما تحصل عليه أفلام (هوليوود) الصغيرة الأخرى
التي لا تعد ولا تحصى". ومع ذلك، سرعان ما أصبح الفيلم ظاهرة ثقافية كاملة،
لقد جذب الجماهير من جميع الأطياف. عندما عُرض للمرة الأولى في ختام مهرجان
كان السينمائي في عام 1982، سمع أعضاء لجنة تحكيم المهرجان التي تضمنت
المؤلف الواقعي الساحر غابرييل غارسيا ماركيز والمخرج الأميركي سيدني لوميت
والممثلة جيرالدين شابلن، وهم يقولون "الحمد لله، فيلم رائع". لم يدخل
العمل في المنافسة ولم يصوتوا عليه، لكن جمهور المهرجان رفيع المستوى
استقبل "إي.تي" استقبالاً حماسياً، كما أن استجابة رواد السينما في كل مكان
آخر كانت مماثلة.
قدمت عديد من النظريات حول النجاح الباهر لـ "إي.تي"، الذي
لا يزال يحتل المرتبة الرابعة بين أكثر الأفلام شعبية على الإطلاق من حيث
مبيعات تذاكر السينما. أشار بعضهم إلى مواضيعه الدينية ولاحظ آخرون تشابهه
مع فيلم "ساحر أوز"
The
Wizard of Oz،
فقد قارنوا الفضائي بشخصية دوروثي واعتبروا الأطفال مكافئين أصغر حجماً
لشخصية الفزاعة والأسد الجبان معادلاً لرجل الصفيح الذي يساعد الوحوش
الخشبية التعيسة على العودة إلى وطنها. كان سبيلبرغ أيضاً يحاول تصويب
أخطاء "ديزني". في أوائل الثمانينيات، ضلت ديزني طريقها وكانت تروج لأفلام
ذات رؤية منقحة ومثالية للحياة الأسرية في الخمسينيات، التي بدت وكأن الزمن
قد عفا عليها في أميركا ما بعد ووترغيت وحرب فيتنام. في عام 1981، على سبيل
المثال، وصلت حالات الطلاق في الولايات المتحدة إلى رقم غير مسبوق هو 1.21
مليون حالة.
يتذكر ماكبرايد أن زميله القديم آرت مورفي، ناقد كبير سابق
في مجلة "فيرايتي" أخبره أن "سبب نجاح هذا الفيلم هو أن سبيلبرغ أدرك حقيقة
الطلاق". توافق والاس (التي أصدرت أخيراً كتابها للمساعدة الذاتية بعنوان
’مولود: ولادة نفسك الجديدة’) على أن "إي.تي" تعامل بصراحة مع العدد الكبير
من العائلات الأميركية بما في ذلك عائلتها التي كانت موجودة حينها. تقول،
"لم تكن والدتي أماً عازبة، لكنها ربما كانت كذلك لأن والدي كان مدمناً
الكحول بشدة ... من كل النواحي العملية، لقد تربيت على يد أم عازبة، كنت
أعرف الطاقة التي تتمتع بها شخصية ماري في الفيلم جيداً، إنها الأم التي
ستفعل أي شيء لرعاية أطفالها".
كان هذا أكثر فيلم يقارب حياة سبيلبرغ الشخصية حتى الآن
مستوحى من مشاعره الخاصة بالوحدة والعجز بعد انفصال والديه، ولكنه كان
يتمتع بجاذبية عالمية فورية، يمكن للأطفال أن يشعروا برابط مع العمل لأنه
كان صريحاً بشأن صدمات الطفولة والعائلات المفككة. في هذه الأثناء، وجد
آباؤهم انعكاساً لأنفسهم في شخصيات مثل الأم التي تعرضت للمضايقة التي
جسدتها والاس.
جون سيلز، كاتب ومخرج أفلام مرشحة للأوسكار مثل "سمك العشق"
Passion Fish
(1992) و"نجمة وحيدة"
Lone
Star
(1996)، كلف في الأصل من قبل منتجة سبيلبرغ، كيثلين كينيدي، للعمل على فيلم
"سماء الليل"
Night
Skies،
وهو حكاية عن فضائيين حاقدين يستهدفون عائلة ريفية. شعر سبيلبرغ أن هذا كان
شديد العنف. يتذكر المخرج في فيلم وثائقي صادر عام 1996، "لقد كان الأمر
مخالفاً لرؤيتي حقاً ... سرد قصة عنيفة ومخيفة عن كائنات فضائية تهاجم
مزرعة". (في النهاية، أنتج سيلز فيلم "الأخ من كوكب
آخر"
The
Brother from Another Planet
عام 1984 ، الذي كان فيه الكائن الفضائي العالق على الأرض رجلاً أسود).
بدلاً من العمل على "سماء الليل"، قرر سبيلبرغ أثناء تصوير
فيلم "سارقو التابوت الضائع"
Raiders of the Lost Ark
عام 1981 أنه يريد رواية قصة عن صبي وحيد وفضائي لطيف. كلف كاتبة السيناريو
ميليسا ماتيسون التي كانت في فريق عمل "سارقو التابوت الضائع" مع شريكها
آنذاك هاريسون فورد كتابة السيناريو. كانت هي الشخص الذي قرر منح "إي.تي"
قدراته العلاجية السحرية.
بعد مرور أربعين عاماً ما زال الفيلم موضوعياً وتوثيقياً
لمرحلة تاريخية في آن معاً كما كان دائماً. ذات مرة، وصف المخرج "إي.تي"
بأنه "قصة عن الأقليات ... تمثل كل أقلية في هذا البلد". في أميركا ما بعد
ترمب، حيث يُعامل المهاجرون بمثل هذا العداء يكون للعمل صدى إضافي. في وصف
شحيح، انتقد الناقد المخضرم روبن وود بشدة الفظاظة في صميم "إي.تي".
لقد كان سبيلبرغ حريصاً بشكل خاص على تصوير "’الآخر’ في شكل
كائن صغير محبوب وغير ضار أبداً آت من خارج كوكب الأرض". عندما يتعلق الأمر
بالتعامل مع العرق والاضطهاد، لم يتبع سبيلبرغ أسلوب مالكولم إكس الصارخ
تماماً. ومع ذلك، فإن الفيلم يتعمق أكثر بكثير من أفلام العائلة الأخرى
المعاصرة له. يقول لي ماكبرايد، "هذا أحد الأشياء التي لا يدركها الناس في
أعمال سبيلبرغ ... هناك سوداوية مختبئة تحت الأجزاء المبهجة. "إي.تي" فيلم
ممتع وساحر وجذاب، لكنه يخفي كثيراً من الألم في ثناياه".
تلخص والاس الجاذبية الدائمة لـ "إي.تي" قائلة، "ربما شاهدت
هذا الفيلم 150 مرة حتى الآن. أبكي في كل مرة وأضحك على نفسي لأنني أعرف
بالضبط ما الذي سيحدث... لقد شاهدته مع أشخاص أصغر سناً، وهم يشعرون بوجود
رابط معه تماماً مثلما فعل الأطفال عندما صدر ... إنه يصل إلى قلوبهم، وهم
يفهمونه تماماً. هناك أطفال صغار يأتون إلي عندما أحضر في مناسبات خاصة
(أطفال صغار في الثالثة والرابعة من العمر) فينظرون إلي ويوجهون أصابعهم
نحوي ويقولون ’إي.تي، اتصل بالمنزل!’".
السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان سبيلبرغ قادراً على
إضفاء القدر نفسه من السحر في فيلم سيرته الذاتية الجديدة الأكثر وضوحاً
’آل فيبلمان’. لكن هذه المرة سيتعين عليه القيام بذلك من دون مساعدة أي
مخلوقات محببة.
صدر فيلم ’إي.تي’ في المملكة المتحدة في 2 سبتمبر (أيلول)،
أما العرض العالمي الأول لـ ’آل فيبلمان’ فسيكون في مهرجان تورونتو
السينمائي الدولي المنعقد في الفترة ما بين الثامن و الـ18 من سبتمبر.
*نشرت اندبندنت هذا المقال في 12 أغسطس 2022
© The Independent |