مع بداية فعاليات مهرجان "كان" السينمائي الدولي 2023 في
الدورة 76، يحتفي عشاق السينما في العالم العربي بمشاركة عربية هي الأكبر
على الإطلاق، إذ تشهد هذه الدورة مشاركة سبعة مخرجين من أصول عربية. ويبدو
أن إدارة المهرجان هذا العام قد أعادت توجيه أنظارها إلى مناطق جديدة
ومختلفة، وهو ما اتضح في كلمة المدير الفني للمهرجان تييري فريمو في
المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عن الاختيار الرسمي، حيث قال: "تُعيد
السينما العالمية اختراع نفسها، هناك العديد من الأفلام من بلدان لم تعتد
القدوم إلى كان، مثل منغوليا، وهناك حضور قوي من شمال أفريقيا وشرق وغرب
أفريقيا، وهناك العديد من النساء بين هذا الجيل الجديد من صانعي الأفلام".
(1)
للسينما العربية في مهرجان "كان" تاريخ ممتد، منذ دورته
الأولى عام 1946، حيث شارك آنذاك فيلم
"دنيا"
للمخرج محمد كريم، كما شارك المخرج والممثل المصري يوسف وهبي في لجنة تحكيم
الدورة نفسها. وعلى امتداد تاريخ المهرجان تعددت المشاركات العربية في
المهرجان، وكان من بين أبرزها "وقائع سنين الجمر" للمخرج الجزائري محمد
الأخضر حمينة، الذي كان أول فيلم عربي يفوز بجائزة السعفة الذهبية في
مهرجان "كان" عام 1975.
هذا بالإضافة إلى مشاركات المخرج المصري يوسف شاهين الذي
شارك بعشرة أفلام على مدار مسيرته السينمائية، بداية من "ابن النيل" في
أوائل الخمسينيات وحتى "إسكندرية – نيويورك" عام 2004، كما فاز بجائزة
السعفة الذهبية عام 1997 عن مجمل مسيرته. كما فاز فيلم "ريش" للمخرج كامل
زهيري عام 2021 بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد.
بنات ألفة
الفيلم التونسي "بنات ألفة" للمخرجة كوثر بن هنية هو الفيلم
العربي الوحيد المشارك في المسابقة رسميا بصفته منافسا على جائزة المهرجان
الكبرى السعفة الذهبية. وتأتي هذه المشاركة بعد غياب تونس عن المسابقة
الرسمية لأكثر من نصف قرن، منذ المشاركة الأخيرة لفيلم "حكاية بسيطة كهذه"
للمخرج عبد اللطيف بن عمار في مسابقة الأفلام الطويلة عام 1970.
يدور فيلم "بنات ألفة" في قالب يجمع بين الروائي والتسجيلي،
ويتناول القصة الحقيقية للسيدة التونسية ألفة الحمروني، وهي أم لأربع
فتيات، تنضم اثنتان منهما (رحمة وغفران شيخاوي) إلى تنظيم الدولة، وتهربان
إلى ليبيا لينتهي بهما المطاف سجينتين هناك، بينما تكافح الأم لإنقاذ
ابنتيها من السجن، والحفاظ على ابنتيها الأخريين في الوقت ذاته.
فيلم
"بنات
ألفة"
من بطولة هند صبري، ومجد مستورة، بالإضافة إلى مشاركة بطلات القصة
الواقعيات السيدة ألفة الحمروني وابنتيها آية وتيسير شيخاوي، وتستعين
المخرجة بالممثلتين نور خوري وإشراق مطر لأداء دورَيْ الابنتين الغائبتين.
التأليف والإنتاج لحبيب عطية ونديم شيخ روحه، والفيلم من إخراج كوثر بن
هنية التي سبق لها أن ترشحت لنيل جائزة الأوسكار عن فيلمها
"the
man who sold his skin".
ومَن يدري، ربما تتمكن من نيل السعفة الذهبية هذا العام، وهي واحدة ضمن ست
مخرجات نساء ينافسن في المسابقة الرئيسية لهذا العام.
بدورها، احتفت النجمة التونسية هند صبري بمشاركة الفيلم في
المسابقة الرسمية لمهرجان "كان"، ويُذكر أنها كانت قد شاركت في المهرجان
عام 1994 من خلال فيلم "صمت القصور" للمخرجة مفيدة التلاتلي، الذي فاز
وقتها بجائزة الكاميرا الذهبية عن قسم "نظرة ما".
(2)
وداعا جوليا.. الحضور الأول للسودان
أما مسابقة "نظرة ما"
(Un certain regard)،
وهي فئة من فئات جوائز المهرجان الرسمية تجري بالتوازي مع منافسة السعفة
الذهبية، فشهدت وجود فيلم "وداعا جوليا"، وفيه يسعى المخرج محمد كردفاني
لرصد مأساة انفصال الشمال والجنوب السوداني عبر حكاية (منى) مغنية متقاعدة
من الشمال تتسبب بشكل ما في مقتل رجل من الجنوب، وهو ما يدفعها لأن تسعى
لتعيين زوجته (جوليا) لتعمل لديها خادمة كي تتخلص من الإحساس بالذنب، وتجد
نفسها تتورط في صداقة غريبة مع جوليا التي تسعى لحل لغز اختفاء زوجها.
الفيلم من إخراج محمد كردفاني، ومن بطولة إيمان يوسف وسيران رياك ونزار
جمعة وقير دويني.
لا عجب في كونه الفيلم السوداني الأول الذي يتمكن من الوصول
إلى "كان"، فقد عانت السينما السودانية لفترة طويلة من الغياب التام،
مقارنة بدول الجوار. فرغم أن أول وحدة لإنتاج الأفلام في السودان قد أُنشئت
في أواخر الأربعينيات، فإن إنتاجها اقتصر على الأفلام الدعائية، وبعد ثورة
1969 (الانقلاب الذي قاده العقيد جعفر النميري) أُنشئت مؤسسة الدولة
للسينما التابعة لوزارة الثقافة والإعلام، واقتصر إنتاجها على الأفلام
التسجيلية والقصيرة في البداية، فيما لم يظهر أول فيلم روائي طويل إلا في
عام 1970 باسم "آمال وأحلام"، من إنتاج الرشيد مهدي وإخراج إبراهيم ملاسي.
(3)
عانت السينما السودانية من التضييق طويلا، لكنها لحُسن الحظ
بدأت تستعيد عافيتها، وهو ما ظهر في مجموعة من الأفلام الرائعة التي تمكنت
من الوصول إلى المهرجانات السينمائية العالمية، ومن بين أبرزها "ستموت في
العشرين" لأمجد أبو العلاء، و"الحديث عن الأشجار" لصهيب قسم الباري.
كذب أبيض.. أسماء المدير تستكشف ثورة الخبز
يشارك المغرب أيضا في مسابقة "نظرة ما" بالفيلم الوثائقي
الطويل "كذب أبيض" أو
"The Mother of All Lies"
للمخرجة أسماء المدير، الفيلم يتناول رحلة أسماء لاستكشاف طفولتها، حيث
تبدأ الأحداث بذهابها إلى منزل والديها لمساعدتهما في حزم أغراضهما
للانتقال إلى منزل آخر، وبينما تفرز أغراض طفولتها تجد صورة لمجموعة من
الأطفال في ساحة روضة، وهي الصورة الوحيدة من طفولتها، لكن أسماء تشكك في
أن تكون هي الطفلة الموجودة في الصورة.
تتحول هذه الصورة إلى منطلق لاستكشاف قصص العائلة الشخصية
عبر حكايات جدتها ووالديها، وفحص الأكاذيب الصغيرة ومساحات الزيف في كل
قصة. كما تتطرق لاستكشاف التاريخ، وتحديدا حقبة انتفاضة الدار
البيضاء عام 1981، وتأثيراتها على المجتمع المغربي، لتكتشف كيف تحتوي كل
حكاية شخصية على قدر من الكذب.
الفيلم من إنتاج لوسي ريغو وبولين تران فان ليو. سبق أن
قدمت أسماء المدير عددا من الوثائقيات، من أبرزها "في زاوية أمي" من إنتاج
الجزيرة الوثائقية، والفيلم ينطلق أيضا من الصور والحكايات العائلية، حيث
تبدأ رحلته من بطاقة بريدية بها صورة للقرية التي عاشت فيها أمها خلال
طفولتها، وشارك الفيلم في مسابقة الظهور الأول في مهرجان إدفا الدولي
بهولندا.
كلاب الصيد.. الحياة في الهامش
من المغرب أيضا يشارك المخرج كمال لزرق بفيلم "كلاب الصيد"
(Les Meutes)
وذلك في مسابقة "نظرة ما"، وتتناول حبكة الفيلم أبا يكافح للحياة مع ابنه
في الشوارع الخلفية للمغرب، لكنهما يتعرضان لموقف خطير، حيث يتورطان في
محاولة التخلص من جثة رجل مختطف عن طريق الخطأ في سيارتهما. وتمتد أحداث
الفيلم على مدار ليلة واحدة، تتنقل فيها الشخصيات من موقف إلى آخر في عالم
الهامش.
الفيلم من بطولة أيوب العيد وعبد اللطيف مسطوري، وكلا
الممثلين يقف أمام الشاشة لأول مرة، وهو ما يبدو امتدادا لنهج المخرج في
فيلمه السابق "مول
الكلب"
(The Man with a Dog)
الذي تعامل فيه أيضا مع ممثلين يقفون أمام الكاميرات للمرة الأولى، وركز
أيضا على الطبقات الفقيرة والمهمشة في المغرب، من خلال شاب يبحث عن كلبه
الضائع، فيكتشف العوالم الخفية للدار البيضاء.
عمر الفراولة.. التحرر من الماضي في شوارع الجزائر
ومن الجزائر يأتي فيلم "عمر الفراولة"
(Omar
la Fraise)
للمخرج إلياس بلقدار الذي يُعرض في قسم "عروض منتصف الليل". يتناول الفيلم
قصة عمر الزروقي، محتال في الخمسينيات من عمره ملقب بعمر الفراولة، يهرب من
فرنسا إلى شوارع الجزائر مع صديقه روجر، ويضطر للبقاء في الجزائر بعد أن
حكمت عليه المحاكم الفرنسية بالسجن لعشرين عاما.
يضطر عمر للعمل في مصنع للحلويات، وفي المساء يحتفظ بحياة
الجريمة الليلية مع مجموعة من المحتالين صغار السن، ويقابل امرأة تحاول
إقناعه بالاستقرار لتكوين أسرة. يعاني عمر من التشتت بين الحياتين حتى
يُقتل أحد أصدقائه ويفكر جديا في تغيير حياته. جدير بالذكر أن المخرج إلياس
بلقدار سبق أن فاز بجائزة أسبوع النقاد في الدورة السابعة والخمسين من
المهرجان عام 2018 عن فيلمه "يوم الزفاف".
مشاركة مصرية بفيلمين قصيرين
يشارك أيضا في "كان" هذا العام الفيلم القصير
"الترعة"
(The Call Of The Brook)
للمخرج المصري جاد شاهين في قسم
"LA CINEF"،
وهي مؤسسة تحت رعاية مهرجان "كان" السينمائي، أُنشئت لإلهام ودعم الجيل
القادم من صناع الأفلام الدوليين، وهذه هي المرة الثانية التي يشارك فيها
فيلم مصري في هذه المسابقة.
يتتبع الفيلم قصة شاب صعيدي يذهب لترعة ملعونة ويشاهد أمرا
غريبا يدفعه للتشكيك بكل شيء، مستندا إلى أسطورة شعبية قروية تُعرف
بـ"النداهة". والفيلم من بطولة محمود عبد العزيز، هبة خيال، وسارة شديد.
استغرق الإعداد للفيلم نحو ستة أشهر، لكن نتيجة للميزانية المحدودة المخصصة
لإنتاجه صُوِّر الفيلم في يوم واحد وعلى مدار ست عشرة ساعة متواصلة. ويستعد
جاد شاهين في الفترة الحالية لإنتاج فيلمه الروائي الطويل الأول الذي
يتشابه مع فيلم "الترعة" في تناول الأساطير الشعبية والمخاوف.
عيسى.. القاهرة بعيون المهاجرين
في مسابقة أسبوع النقاد يشارك فيلم مصري قصير آخر هو
"عيسى"
(I promise you paradise)
للمخرج مراد مصطفى، يتتبع الفيلم قصة المهاجر الأفريقي عيسى في السابعة عشر
من عمره، الذي يعيش في مصر ويتعرض لحادث عنيف يحاول بعده إنقاذ أحبائه.
الفيلم من بطولة كيني مارسيلينو وكنزي محمد، سيناريو مراد مصطفى وسوسن
يوسف، ومن إخراج مراد مصطفى. الفيلم هو الفيلم القصير السادس في مسيرة
مخرجه الذي سبق أن قدم أفلام "خديجة"، و"ما لا نعرفه عن مريم"، و"حنة ورد"،
و"سالب خمسة"، و"مانيكان"، ويستعد حاليا لتقديمه فيلمه الطويل الأول الذي
يحمل عنوان "عائشة لا تستطيع الطيران" عن قصة مهاجرة صومالية. يهتم مراد
مصطفى بقضايا المهاجرين الأفارقة في مصر، ويحاول في أكثر من عمل من أعماله
تقديم الواقع عبر أنظارهم. وربما تعوض مشاركة الفيلمين القصيرين عن غياب
الأفلام المصرية الطويلة عن المهرجان.
الأردن يشارك للمرة الأولى بفيلمين
في قسم أسبوع النقاد كذلك يشارك الفيلم الأردني "إنشالله
ولد" للمخرج أمجد الرشيد، من بطولة منى حوا ومحمد جيزاوي ويمنى مروان وسلوى
نقارة وهيثم عمري، وهي المشاركة الأولى للأردن في تاريخ المهرجان. يتناول
الفيلم قصة نوال التي يتوفى زوجها وتحاول أن تنقذ ابنتها وتحتفظ بمنزلها،
الذي كانت على وشك فقدانه بسبب عدم وجود ابن ذكر لها رغم أنها اشترته من
أموالها الخاصة، وهو ما يدفعها لأن تدعي الحمل من زوجها المتوفى كي يتأجل
تقسيم الميراث. الفيلم هو أول فيلم طويل لمخرجه الذي سبق أن قدم ستة أفلام
قصيرة أبرزها فيلم "الببغاء" الذي حصد عددا من الجوائز المهمة في عدة
مهرجانات.
(4)
البحر الأحمر يبكي
يعد فيلم
"البحر
الأحمر يبكي"
أول فيلم أردني قصير يصل إلى المهرجان، وينافس في مسابقة "نصف شهر
المخرجين". الفيلم من إخراج فارس الرجوب، وهو العمل الإخراجي الأول له،
وبطولة أحمد شهاب الدين ومحمد نزار. تدور الأحداث حول امرأة ألمانية تُدعى
إيدا، تعود إلى بلدة على ساحل البحر الأحمر، حيث مات حبيبها العربي، كي
تودعه لمرة أخيرة، وصُوِّرت الأحداث في مدينة متخيلة، بكاميرا 16 مم،
وتستكشف مشاعر الحداد التي تعاني منها البطلة.
ورغم وقوف أسماء عربية خلف صنع هذه الأعمال، فإنها جميعا
باستثناء الفيلم السوداني "وداعا جوليا" إنتاج مشترك مع دول أخرى للبحث عن
التمويل، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة السينما العربية على إنتاج أعمالها.
ورغم ذلك، يظل وجود هذه المجموعة من المخرجين العرب في الدورة الحالية أمرا
مبشرا بمساحة أرحب وعصر جديد للسينما العربية.
(5)
_____________________________________
المصادر:
Tunisia’s ‘Four Daughters’ is Cannes’
only competing Arab film as festival shifts east
المصدر السابق
كتاب ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ ﻭﺣﺎﺿﺮﻫﺎ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ تأليف:
كمال محمد هشام
INSHALLAH A BOY | Atlas Ateliers
(marrakech-festival.com
Egypt’s short THE CALL OF THE BROOK to
compete in the Cannes Film Festival’s LA CINEF official competition –
EgyptToday
المصدر : الجزيرة |