"آيات
أرضية" فيلم عن الوجه العبثي للنظام الإيراني
شريط سينمائي يصور كابوس القمع الذي يعيشه الشباب
الإيرانيون.
لأنه يقمعهم ويطاردهم في كل مكان، يصور المخرجون الإيرانيون
النظام في أعمالهم، ليصفوا للعالم الخارجي مدى بشاعته وقدرته على التنكيل
بهم، وتصبح أفلامهم صوتا يرتفع إلى جانب أصوات المحتجين، معلنا رفضه لطريقة
عمل النظام العبثي.
كان (فرنسا)
- يسعى
المخرجَان الإيرانيَّان علي أصغري وعلي رضا خاتمي من خلال فيلم “آيات
أرضية” الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي لإبراز عبثية النظام القائم في
طهران، عبر سرد تجارب مواطنين عاديين في التعامل معه خلال حياتهم اليومية.
ويأتي هذا الفيلم الذي لفت انتباه الجمهور والنقاد، ليكون
واحدا من عدد كبير من الأفلام التي ينتجها إيرانيون منذ سنوات، ليكشفوا بها
الجانب المظلم للنظام الإيراني والفظائع التي يمارسها في حق الإيرانيين وكل
من يعارضونه وينتقدون سياساته المجحفة.
ويقول أصغري عن فيلم “آيات أرضية” الذي اختير بين الأفلام
المتنافسة ضمن فئة “نظرة ما” إنّ “الجميع يقولون لنا إنّ أسلوب عملنا
يُذّكر بأسلوب الكاتب كافكا”، وهو رائد الكتابة الكابوسية، ويعدّ أحد أفضل
الأدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة وتُصنّف أعماله بكونها
واقعيّة عجائبية.
◙
الفيلم عبارة عن عمل فلسفي يحوم حول طريقة اشتغال النظام
أكثر منه تجسيدا للوضع السياسي في البلاد
ويمارس النظام الإيراني دكتاتوريته تجاه السينما
والسينمائيين الإيرانيين، حيث يفرض رقابة مشددة على المواضيع والقضايا التي
تتناولها الأعمال السينمائية، ولا يكف الأمن الإيراني عن ملاحقة
السينمائيين المعارضين لنظام الحكم في البلاد وحتى المسؤولين الرسميين
أنفسهم، الذين يحتفون دوما بالإنجازات العالمية التي تحققها أفلام المخرجين
المقموعين، الذين يذوقون مرارة السجن والإقامة الجبرية والتهديد والمنع من
السفر والنفي طوعاً أو اضطرارا.
وكان تصوير “آيات أرضية” انطلق في طهران قبل أسبوعين من
اندلاع الحركة الاحتجاجية التي تلت وفاة مهسا أميني في منتصف سبتمبر. وبعد
تصوير ثلاثة مشاهد من العمل، أوقف المخرجان أعمال التصوير في خضم
الاحتجاجات.
ويقول خاتمي "كان من المحزن جداً أن نرى فكرة الفيلم تتجسّد
فعليا في الشوارع، فسرد قصص الأشخاص أتى في وقت مناسب جداً". وعلى شكل “قصص
قصيرة” وبأسلوب لا يخلو من الفكاهة، تُظهر مشاهد الفيلم مواطنين إيرانيين
كلّ واحد منهم في مكان ثابت، فيما يسمع المُشاهد صوت مَن يحاورونهم فقط من
دون رؤية وجوههم.
ويقول أصغري "كان من المهم ألا يظهر وجه المُحاور، وكأنّه
شخص واحد في مختلف الحالات، ونظام واحد". ومن بين ما تُظهره مشاهد الفيلم،
رجل يذهب لتسجيل اسم مولودته الجديدة، ووالدة برفقة ابنتها داخل متجر لبيع
الملابس، وشابة تجري مقابلة عمل، وسيدة تبحث عن كلبها المفقود في مركز
للشرطة.
وسرعان ما تظهر في المَشاهد التي تبدو عادية في البداية،
عبثية واضحة. وتُقابَل خطوة رجل يرغب في تسمية ابنه ديفيد بالرفض "لأنّ
الاسم أوروبي لا إيراني". ويقول له الموظف في دائرة النفوس “لماذا لا
تسمّيه داوود؟".
وتصبح فتاة تبحث عن عمل ضحية لتحرش جنسي، فيما يواجه رجل
يبحث بدوره عن عمل أسئلة كثيرة للتأكّد من أنه متديّن. وفي أحد المشاهد،
تُوَبَّخ سيدة تبحث عن كلبها الضائع على أساس أنّ “الكلاب من المخلوقات
النجسة”، ويقول لها عنصر من الشرطة “لماذا لا تتبنّين عصفور كناري؟".
ويرفض خاتمي القول إنّ العمل ينقل “صورا عن إيران”، ويضيف
“لا نريد التظاهر بأننا نمثل روحية أمة برمّتها (…) لكنّ كل إيراني سيجد
نفسه في أحد مشاهد الفيلم". ويتابع “إنّ الفيلم عبارة عن عمل فلسفي يتمحور
حول طريقة عمل النظام أكثر من تجسيد للوضع السياسي في البلاد".
ونشأت فكرة الفيلم بعدما حُظر تصوير عمل كان يرغب المخرج في
إنجازه. ويقول في هذا الخصوص "قلنا لأنفسنا كم كانت المحادثات التي
أجريناها مع السلطات سخيفة".
علي أصغري: الفيلم
يستند إلى قصص حقيقية وينقل صورا عن إيران
ويظهر المشهد الأخير مخرجا يرغب في تصوير فيلم عن والدته
التي تتعرض للضرب على يدي والده، فيطلب منه أحد المسؤولين "حذف" 12 صفحة من
سيناريو العمل، ويقول له "لا يمكنك أن تنهي والدك في الفيلم".
ويقول خاتمي “إنّ هذا الحوار حقيقي بنسبة 95 في المئة.
فمعظم السيناريوهات تستند إلى قصص حقيقية (…) وكل ما يظهر في الفيلم ليس
جديدا، بل جرى تناوله بأسلوب جديد".
ويقول أصغري “لي ست شقيقات وثمة أمور تواجهها بعض الشخصيات
في الفيلم استوحيتها ممّا واجهته شقيقاتي". ويعكس أحد المشاهد ما تعرضت له
مهسا أميني التي توفيت بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في
طهران على خلفية مخالفة قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء.
وتواجه إحدى الشخصيات في الفيلم تهديداً بالحجز على سيارتها
لأنّ لقطات لكاميرات المراقبة أظهرت أنها خلعت حجابها للحظات. ويقول لها
مَن يحاورها “ما أقدمتِ عليه جريمة".
وسجّلت ممثلتان في الفيلم هما صدف أصغري وفائزة راد ظهورا
في مهرجان كان السينمائي الأربعاء من دون حجاب.
ومع أنّ إيران لا تزال تشهد بعض الاحتجاجات، إلا أن حدّة
الانتفاضة تقلّصت. لكنّ المخرج المقيم راهناً في تورونتو يبدي رغم ذلك
تفاؤلاً. ويقول إنّ “الشباب في شوارع طهران يدركون ماذا يريدون. هذه المرة
الأولى في حياتي التي ينتابني فيها شعور بالأمل”. |