فاز المخرج مراد مصطفى بجائزة أفضل فيلم قصير (عيسى- أعدك
بالفردوس). الجائزة تمنحها مسابقة (رايل الذهبية) في (أسبوع النقاد)
المقصود بهذه التظاهرة التي بدأت في الستينيات، موازية لجوائز (كان)
الرئيسية، أنها تعبر عن وجهة نظر النقاد الفرنسيين في اختيار الأفلام (كعمل
أول لمخرجيها)، تعبر عن لمحة إبداعية خاصة تستوقف عيون النقاد.
زادت حصيلتنا بهذه الجائزة واحدة أخرى، تضاف إلى نصيبنا
القليل في (كان) وغيره من المهرجانات الدولية، فهى قطعًا جوائز عزيزة
المنال.
أفراحنا قليلة جدًّا جدًّا جدًّا، بينما نحن متخصصون في
إجهاضها، وتشويه مبدعيها، وبث الرعب في نفوسهم حتى لا يعاود أي منهم أن
يفعلها مجددًا، ويستقر في أذهان زملائهم أن الجحيم ليس كما قال سارتر (هم
الآخرون)، بل هي الجائزة، وعلى الفور لا يفكر أحدهم في التقدم بفيلمه لأى
مهرجان خارج الحدود.
في السنوات الأخيرة مع كل جائزة تأتى إلينا من (كان)
تحديدًا، يبدأ الضرب تحت الحزام وأتصور أن (عيسى) من الصعب اغتياله، عفوًا
(التلكيك) من أجل اغتياله، القضية التي يقدمها الفيلم من المستحيل قراءتها
على أي نحو آخر سوى أنها تروى حكاية عن مهاجر إفريقى يعيش بمصر، وهى من
الحكايات الواقعية التي التقطتها عين المخرج بذكاء.
سوف أتناول العمل تفصيليًّا في تلك المساحة خلال الأيام
القادمة فهو يستحق قراءة متأنية، وأعلن حسين فهمى رئيس مهرجان القاهرة
السينمائى عن اتفاقه مع المخرج على عرض الفيلم ضمن مسابقة الأفلام القصيرة،
وربما خارج التسابق، لمشاركته في مهرجان دولى مما قد يتعارض مع اللائحة،
وفى كل الأحوال مجرد عرضه بمهرجان القاهرة يوفر له حماية أدبية قد تحول دون
توجيه طعنات، لكل من نجح في اختراق الحدود، رغم أنى موقن بحكم التجربة.
أنهم لن يكفوا عن المحاولة لضرب الفيلم عقابًا له على
الجائزة (عادتهم ولن يشتروها)، متخصصون في سرقة الفرحة، مثلًا بعد فوز
الفيلم الطويل (ريش) لعمر الزهيرى بالأفضل أيضًا في أسبوع النقاد قبل عامين
التقت وزيرة الثقافة السابقة د. إيناس عبدالدايم بفريق عمل الفيلم،
وهنأتهم، إلا أن هذا التقدير تحول بعدها إلى مذبحة للفيلم بمجرد عرضه في
مهرجان (الجونة)، وتوقفت أحلام المخرج باستكمال الطريق.
لم تكن هذه هي السابقة الأولى، لديكم مثلًا قبلها بعام
المخرج سامح علاء وجهوا إليه خناجرهم المسمومة والملعونة، بمجرد حصوله على
الجائزة الذهبية في مسابقة الفيلم القصير، المقصود بتوصيف قصير ألا يتجاوز
زمنه (30 دقيقة)، حصد فيلم (16) على السعفة الذهبية، ويحمل أيضًا اسمًا آخر
(أخشى أن أنسى وجهك) عام 2020 في الدورة الافتراضية لمهرجان (كان) بسبب
(كورونا).
وهى أول مرة نحصل فيها على السعفة، يوسف شاهين أخذها 97 عن
مجمل أعماله وليس عن عمل فنى محدد، الفيلم القصير (16) تم عرضه أيضًا
بمهرجان (الجونة) وعند إعلان الجائزة في (الجونة) تم تسريب هذه الشائعة،
أنه تم تغيير الجائزة) لصالح هذا الفيلم بدلًا من فيلم آخر، كان سيعلن عنه،
وتم على وجه السرعة استدعاء لجنة التحكيم مجددا، حتى لا تتناقض جائزة
(الجونة) مع (كان).
وهى كما ترى ضربة تحت الحزام، تنفى عن الفيلم استحقاقه
جائزة في مهرجان داخل حدود الوطن، فما بالكم بخارج الوطن.
ربما أطلق الشائعة أحد المتنافسين في (الجونة)، مبررًا
فشله، أما الضربة الثانية الأخطر فهى التفسير الدينى للجائزة التي تشير إلى
أن الفيلم حصل على سعفة كان الذهبية، لأنه يسخر من الإسلام، والمخرج يغازل
الذائقة الغربية لتخوفها مما أطلقوا عليه (الإسلاموفوبيا).
شاهدت الفيلم ثلاث مرات، واحدة (أون لاين) في مهرجان ( كان)
لتعذر السفر وقتها وأيضًا لإلغاء الدورة واقعيًّا، ثانى مشاهدة في (الجونة)
مع الجمهور، والثالثة بعد انتشار شائعة نقده للإسلام، وتأكدت وقتها أنه ليس
له من قريب أو بعيد أي صلة بالإسلام، إلا فقط لمن يرى أن ارتداء بطل الفيلم
للنقاب حتى يرى وجه حبيبته قبل رحيلها، هو انتقاد للدين الحنيف بعد أن تم
اختصار الإسلام في مجرد نقاب.
مع الأسف التجربة أثبتت أن بعض المتحذلقين من أهل المهنة
وغالبًا من الذين فاتهم قطار الزمن، وتضاءل رصيدهم في الداخل والخارج
يوجهون طعنات لأى مخرج يحظى بتقدير خاصة لو جاء من خارج الحدود، والسلاح هو
الطعن بخنجر مسموم اسمه سمعة الإسلام أو سمعة مصر.
جملتان من المحفوظات العامة تابعنا بعضها مع يوسف شاهين في
مهرجان (كان) 1991 مع فيلمه (القاهرة منورة بأهلها)، الذي عرض في قسم
(أسبوعى المخرجين) وطالبت مؤسسة صحفية كبرى في كل مطبوعاتها، بسحب جواز
سفره بمجرد عودته للوطن، وتصدى كاتب هذه السطور لتلك الحملة، وعُرض الفيلم
في نقابة الصحفيين وعقدت ندوة للدفاع ليس عن الفيلم ولا مخرجه يوسف شاهين،
ولكن عن حرية الإبداع.
المخرج عمر الزهيرى تلميذ خيرى بشارة أحد (أشطر) تلاميذ
يوسف شاهين، تعرض لحرب شعواء بعد حصوله لأول مرة للسينما المصرية على
الجائزة الذهبية لأفضل فيلم (ريش) في قسم (أسبوع النقاد)، على الفور نلقى
في وجهه بورقة (سمعة مصر) وكأنها ماء النار.
لا وجود لنا في (كان) هذه الدورة، إلا مع فيلمين للشابين
مراد مصطفى (عيسى) وجاد شاهين (الترعة) عُرض الفيلم الأخير في قسم طلبة
معهد السينما وتلك هي المشاركة الثانية لنا في هذا القسم الذي بدأ في
التسعينيات.
قبل نحو 9 سنوات، كانت المشاركة الأولى للمخرج عمر الزهيرى
بالفيلم القصير (بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375) مأخوذ عن
قصة قصيرة لتشيكوف (الرجل الذي عطس).
المخرج عمر الزهيرى يمتلك الحلم والإصرار ووصل إلى (كان)،
مرتين، الأولى أفلتت بلا ضجة لأنه لم يحصل على جائزة، والثانية أبعدته
تمامًا عن الدائرة وأوقفت مشروعاته القادمة، منتج الفيلم محمد حفظى قال لى
إنه بعد تجربته مع (ريش) لو عادت به الأيام، فلن يقدم مجددًا (ريش)!!.
المخرج الشاب جاد شاهين تقدم بفيلمه القصير (الترعة) ضمن
أفلام مشروعات الطلبة، حالة فلكلورية عن (النداهة) تعيشها الكثير من
المجتمعات، اللعنة هي المصير الذي يحل بالإنسان مهما حاول تجنبه.
في دقائق قليلة شاهدنا المخرج الشاب على الشاشة ممسكًا
بمهارة بكل أدواته الإبداعية، زاوية التصوير والإضاءة والديكور وأيضًا
توجيه ممثليه ووصلت الفكرة، التي تؤكد قدرة المخرج على التكثيف.
مع الأسف أصبحت في السنوات الأخيرة، أخشى من حصول أي فيلم
مصرى على جائزة خارج الحدود بسبب هؤلاء المتشدقين بـ(سمعة مصر)!.
السينما المصرية تنتعش فقط من خلال هؤلاء المغامرين الشباب
الذين يبحثون عن حلول إنتاجية خارج قواعد السينما المصرية الطاردة لكل من
يحاول التفكير، بعيدًا عن المقرر الرسمى، هؤلاء هم فقط من يملكون الأمل،
أتمنى إذا لم نكن قادرين على احتضانهم فلا نمارس هوايتنا المعهودة بخنقهم!. |