مخرجة "متل قصص الحب": الأفلام هي وسيلتنا لمعرفة الماضي
ميريام الحاج: الفيلم هو الذي اختار شخصياته ولست أنا التي
اخترتُها
أحمد
العياد
إيلاف من برلين: زخم
كبير شهده العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي اللبناني ، "متل قصص الحب"،
لمخرجته اللبنانية ميريام الحاج ، في الدورة الـ74 من مهرجان برلين
السينمائي الدولي، الذي توثق فيه المخرجة فترة متخبطة يعيشها لبنان منذ عام
2019، من خلال مذكراتها الشخصية.
تدور أحداث الفيلم حول ثلاث شخصيات من ثلاثة أجيال مختلفة
تحاول كل منها إطفاء النار المشتعلة في البلاد بطريقتها الخاصة، سواء بالحب
أو السياسة أو الثورة.
"إيلاف"
كان لها لقاء في برلين مع ميريام، للحديث عن فيلم "متل قصص الحب"، والحرب
اللبنانية وأشياء أخرى.
قضيتي الأولى
تقول ميريام الحاج إنها منشغلة بالمسائل المتعلقة بالحرب في
لبنان: "أنا أعمل عادة على موضوع الحرب الأهلية. "متل قصص الحب" يندرج في
هذا الهم، وفيلمي الأول كان متعلقا بتلك الحرب، وأكتب فيلما خياليا يتناول
الموضوع نفسه أيضا".
"الحرب
الأهلية موضوع يشغلني كثيرا لأن عائلتي شاركت في الحرب، وأنا أرى أن تأثير
الحرب لا يزال كبيرا جدا علينا. ولا يزال كل السياسيين ممن شاركوا في الحرب
موجودين في السلطة. وأعتقد أننا جميعنا نقدم محاولات في لبنان. لكننا، مثل
كل البلدان العربية، لا نُخبر قصصنا كثيرا. ليس لدينا جمهور أو إمكانات
لتقديم القصص التي نريدها. لكل فيلم أهمية كبيرة في التاريخ، لأنه يقدم
جزءا من التاريخ بطريقة المخرج ورؤيته".
الحاضر والماضي في لقطة واحدة
"متل
قصص الحب" يدور على 3 شخصيات تلتقي مرة واحدة في الفيلم، ومن خلال اللقاء
تمزج الحاضر بالماضي: "هدفي من الفيلم كان إظهار كيف أن الماضي -رغم وجود
محاولات اليوم لتغيير الواقع - لم يُحَل وينته وينسدل الستار عليه، فهو لا
يزال يؤثر على الحاضر. كيف نتخلص منه ونتحرر؟ يشغلني السؤال حول كيفية
المصالحة مع الماضي رغم قسوته وثقله".
اختيار الرسالة
استغرق تصوير الفيلم مدة طويلة بحسب ميريام الحاج وكذلك
عملية المونتاج، نحوا من سنتين ونصف سنة تقريبًا: "الفيلم انتهى تصويره في
2022، لكنني بدأت المونتاج في عام 2020. عقب انفجار بيروت بنحو 4 أشهر،
وكنت لا ازال في مرحلة التصوير، شعرت أن عليّ البدء. في 2022 كان لديّ أكثر
من 300 ساعة تصويرا، لا بد أن أخبر القصة من خلالها. النسخة الأولى من
الفيلم مدتها 4 ساعات، تتضمن كل المراحل والحقبات. بعدها بدأت مرحلة
التقصير والقص. الصعوبة كانت تكمن في ما أريد أن أقوله من خلال ذلك كله،
لأنني أعيش مع الشخصيات. تتغير حياتي مع الأحداث التي تقع، فكيف أجد الرؤية
التي تجعلني أظهر ذلك كله".
انفجار بيروت نقطة مفصلية
وكما حال كل اللبنانيين، أثّر انفجار بيروت على المخرجة
وعلى رؤيتها إلى الحياة، وإلى الفيلم أيضًا. فجّر ذلك الحادث الكثير من
التساؤلات لديها حول هدفها ورسالتها من تقديم السينما.
تقول: "بدأ الفيلم فعليا في 2018، ولم أكن وقتها أعلم إلى
أين سيتجه العمل، كنت أجرب تقديم شيء عن تفاؤل الجيل الجديد، وعن شعوره بأن
هناك تغييرا مقبلا أو محتملا يمكن أن تعرفه البلاد من خلال الانتخابات
والتحولات السياسية وخصوصا ما حدث في الثورة. لكن التغيير لم يحدث من خلال
الاتجاه السياسي. كنت أفكر أنه سيحدث من خلال الثورة أو الشارع. في ذلك
الوقت وقع انفجار بيروت".
"بعد
الانفجار، توقفت فترة عن التصوير، ولم أكن أستطيع استكمال المشروع. كانت
أفكاري وقتذاك تتمحور حول أهمية ما أقدمه وحول السينما من الأساس. وطرحتُ
على نفسي سؤالا: ما أهمية السينما في بلدٍ تصبح الأولوية فيه العثور على
حبة دواء؟! لم يعد يوجد دواء ولا مستشفيات، وكان الناس يموتون على أبواب
المستشفيات. "خلصت البلد!" وكنت أخاطب نفسي بأنني أقدم فيلما عن نهاية بلد!
طرحت كل تلك الأفكار وهي فتحت أبوابا على العديد من الأسئلة".
جمانة حداد صورة للأحداث
من شخصيات العمل، الكاتبة والناشطة النسوية والسياسية جمانة
حداد، التي تعدّ رمزا للمواطن اللبناني الذي أراد أن يستمر، ويبحث عن فرص
للحياة بعد انفجار بيروت: "بعد التفكير وجدتني أقدم فيلما عن بلد يمر في
وضع خطير وكبير، لكن في الوقت نفسه هناك شعب يرفض أن يموت ويجرب التمسك
بأحلامه حول التغيير. جمانة حداد شخصية معروفة، فهي فازت في الانتخابات
النيابية عام 2018 على لوائح قوى التغيير، لكن السلطة منعتها من الفوز
بتزوير النتيجة. لم يتركوها تدخل على البرلمان لأنها كانت ستطالب بقضايا
وأشياء لا يريدونها؛ من مثل المساواة بين الرجل والمرأة، والدولة المدنية
العلمانية، وإلغاء الطائفية، وهم لا يرغبون بذلك. بعد عملها في السياسة
راحت تبحث عن شغل يجعلها ترغب في الحياة. أخبرتني بأنها تأخذ دواء حتى
تستطيع النوم بعد الانفجار. هذا الشيء شعرنا به جميعا بعد الانفجار، ظللنا
لأشهر لا نستطيع النوم. في النهاية هي تمثل فئة من الشعب وتقدم هذه الفئة
من خلال تمسكها بالحياة. فمن لم يمت في الانفجار راح يبحث عن طريقة للحياة
حتى لا يموت من اليأس".
الفيلم اختار أبطاله
اللافت في الفيلم أن المخرجة لم تختر الشخصيات، فمن وجهة
نظرها أن "الفيلم هو الذي قام بالاختيار. في البداية كنت أعلم أنني لا أزال
أتحدث عن الماضي. تعرفت الى جورج الذي فقد رجله في الحرب، والذي يتحمل في
الوقت نفسه مسؤولية كبيرة عما حدث في الحرب، لكنه لم يصبح رجل سياسة ولا
صاحب أموال. تركز كل همه على مظهره الخارجي فكان يذهب مثلا 5 مرات في
الأسبوع إلى صالون الحلاقة. ذلك الشيء جعله شخصية سينمائية لي. كان يحكي
شيئا عن الماضي لسنا أكيدين منه، مُبهما وغير واضح".
تتحدث المخرجة عن بيرلا، بعدما رأتها في تظاهرات الثورة، وكيف كانت تعمل
على تجميع الناس وتأطيرهم، "ولأنها مليئة بالحياة، فرضت نفسها كشخصية في
الفيلم. هكذا جرى اختيار الشخصيات. وهذا هو الفارق بيني وبين من يعملون
يعملون بالتقارير الذين يبحثون عن أشخاص وممثلين حول موضوعات معينة للأرشفة
-التي هي مهمة- لكنني لم اختر تلك الطريقة. شعرت بأن شخصياتي هي من اختارت
الفيلم".
توثيق التاريخ من خلال الأفلام
عن أهمية الأفلام الوثائقية بشكل خاص، ترى المخرجة أنها
توصلت إلى خلاصة مفادها أنه لم يعد يهمها السؤال هل ما تقدمه في أفلامها من
حقائق من الممكن أن يغضب جهة أو مسؤولا في بلدها، مؤكدة أنها لو كان يهمها
هذا الجانب، "ما كنت قدمت فيلمًا. قلت لنفسي أن تلك الأفلام التي نقدمها لن
تظهر أو تُعرض في لبنان حاليا، لكن لا نعلم ماذا يخبئ المستقبل. حاليا يوجد
السياسيون الذين نخاف منهم، لكنهم غدا سيموتون. فإذا لم أكن أقدم الفيلم
لليوم فأنا أقدمه للمستقبل. كانت تخطر في بالي فكرة عدم لوم أولادنا لنا
كما فعلنا مع آبائنا، لأننا نكون قد أخبرناهم أننا قلنا "لا" من قبل ورفضنا
واقعنا".
تقول: "اللبنانيون الذين شاهدوا الفيلم أخبروني بعد خروجهم
من الصالة أنهم يتحدثون مع حالهم قائلين "إحنا عشنا كل هذا! كيف بقينا
عايشين وما جنّينا!". هناك إسقاط في الفيلم على حياتهم وما عايشوه، فإذا
الفيلم لم يُعرض حاليا في لبنان فسيعرض في المستقبل. نحن اليوم نشاهد
الأفلام التي صورت في الحرب الأهلية. اليوم نشاهد أفلام المخرج برهان علوية
التي تم تصويرها في الثمانينات ونفهم لبنان من خلال تلك الأفلام. الأمر جيد
إذا كنا نقدم أفلاما للتاريخ، من الواقع".
السينما اللبنانية مرتبطة بالحرب
السينما اللبنانية، في رأي المخرجة، لا تشبه السينما في مصر
أو فرنسا مثلًا، "ليس لها تاريخ مثلهما، لكنها مرتبطة بشكل وثيق بالحرب،
فنقول سينما قبل الحرب، سينما الحرب، سينما ما بعد الحرب. السينما لدينا
لها علاقة بالحرب طوال الوقت، والحرب تغيرنا طوال الوقت. والتحدي الذي
قدمته يتمثل في فيلم صعب لأنه يقوم على 3 شخصيات لا تلتقي. كان ذلك تحديا.
المراجع لدي كانت أفلاما عدة وليس فيلما محددا، بعضها أفلام فلسطينية،
المخرج الفلسطيني الذي كان يدافع عن القضية الفلسطينية من خلال أفلامه،
فأنا أحب تحدي تقديم شخصيات عدة تشتبك في ما بينها بطريقة ما من خلال القصص
التي ترويها، أفضل من ردها بعضها على بعض، وحوارها بعضها مع بعض". |