عُرض ضمن «عمّان السينمائي الخامس»
..
«العودة
إلى الإسكندرية» لـ تامر رجلي عالم فانتازي يرصد علاقات عائلية معذبة
عمّان ـ «سينماتوغراف» : نبيلة رزايق
الحب والقسوة هما الدافعان الرئيسيان لفيلم "العودة إلى
الإسكندرية"، وبالنسبة لمخرج الفيلم، تامر رجلي، فإن هذا المزيج المتقلب
مستوحى من العلاقات التي شهدها في طفولته بين النساء في الجانب المصري من
عائلته.
يقول روجلي في مهرجان عمّان السينمائي الدولي، حيث يُعرض
الفيلم: "لطالما شعرتُ بوجود الكثير من الحب في تلك العلاقات، ولكن أيضًا
الكثير من الكراهية بطريقة ما، ولم يتمكنوا من إخبار أنفسهم بأنهم يحبون
بعضهم البعض. كانت كل العلاقات معذبة بعض الشيء، ومعقدة بعض الشيء، ولكن
كان لا يزال هناك الكثير من القلب. أكثر بكثير مما اعتدت عليه مع عائلتي في
سويسرا."
تدور أحداث فيلم "العودة إلى الإسكندرية" حول "سو"، وهي
طبيبة نفسية تسافر من سويسرا إلى مصر بعد أن سمعت أن والدتها المنفصلة عنها
قد أصيبت بجلطة دماغية.
منذ بداية هذه الرحلة، يدخل الفيلم في عالم فانتازي - نوع
من الحلم المحموم الذي يدفع بالحبكة إلى الأمام باستخدام تفاعلات الهلوسة
بين سو (نادين لبكي) ووالدتها فيروز (فاني أردان). هذه الأداة السردية
مناسبة، خاصةً بالنظر إلى نوع الحزن الذي يهدف الفيلم إلى استكشافه.
يقول روجلي: "ظهرت القصة بأكملها عندما توفيت جدتي في مصر".
"كانت علاقتي بجدتي رائعة. وكان هناك الكثير من الأعمال غير المكتملة وكان
لدى والدتي مشكلة في التعامل مع هذا النوع من الحزن."
تسافر سو أولاً إلى القاهرة لمقابلة خالتها، قبل أن تنطلق
في رحلة برية إلى الإسكندرية حيث تقيم والدتها المريضة.
تتنقل "سو" عبر المناظر الطبيعية التي تبدو انعكاسًا
لحالتها الذهنية - حيث تنتقل من اضطراب حركة المرور في القاهرة إلى الصحاري
المتأملة في طريقها إلى الإسكندرية، قبل أن تصل أخيرًا إلى الصفاء النسبي
للمدينة الساحلية.
تظهر شخصيات غير متوقعة على طول الطريق تجعل بطلة الرواية
تواجه قضايا عالقة. وبالطبع، تتم الرحلة في سيارة مليئة بالشخصيات، وهي في
هذه الحالة سيارة مكشوفة وردية اللون تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.
ومع ذلك، فإن فيلم "العودة إلى الإسكندرية" ليس فيلمًا
نموذجيًا للرحلات على الطريق، حيث ينتظرنا مستقبل غير مؤكد، وربما ملهم -
وفي الخلفية تكمن مخاضات الماضي.
تقود سو سيارتها لمواجهة ماضيها، وفي الوقت نفسه تهلوس
بمحادثات مع والدتها، وتواسي نفسها الأصغر سنًا، وتجلس على موائد العشاء مع
عماتها المتوفيات وأقاربها من النساء اللاتي تصفهن بـ "العقارب".
وتكشف عن طبيعة والدتها العدائية، وتتعرف على علاقة حب
جمعتها بقبطان أوروبي قبل أن تُجبر على الزواج من والد سو.
هذه العلاقة الغرامية الفاشلة، واضطرارها للعيش في حطام
أحلامها، كان لها تأثير محوري على موقف والدتها تجاه سو، التي تعتبرها
الطفلة التي ولدت من علاقة حب.
مرة أخرى، يشير روجلي إلى أن العديد من شخصيات الفيلم لها
نظراء مباشرون في حياته الخاصة.
ويقول: "كطفل، ترى أشياءً لا يفترض أن تراها أو تسمعها".
"أنت تأخذها وتخلق نوعًا ما قصتك الخاصة. رأيت الكثير من الأشياء. رأيت
عشيق جدتي، على سبيل المثال، عندما كنت مراهقًا، عندما ذهبت إلى المرحاض في
الثالثة صباحًا. لم أكن أعرف من هو هذا الرجل، لذا كان عليَّ نوعًا ما أن
أحل اللغز.
ويضيف : "اعتقدت أنه سيكون من المثير للاهتمام بالنسبة
لشخصية سو أن تعيد اكتشاف والدتها في نفس الوقت الذي نكتشف فيه نحن، لأنها
في البداية، كانت هذه الشخصية القاسية واللئيمة للغاية، ولكن في النهاية،
ترى أنها عانت كثيرًا في حياتها. وهي نوعًا ما نقلت ذلك إلى ابنتها."
بينما كان لدى روجلي فكرة معينة عن شخصية سو، إلا أنه ينسب
الفضل إلى لبكي في الارتقاء بالشخصية إلى آفاق جديدة.
ويشير إلى أنه كمخرج روائي طويل لأول مرة، كان متوترًا في
البداية من المخرجة المرشحة لجائزة الأوسكار التي ستؤدي دور سو، لكنه يقول
إن مشاركتها في النهاية كانت "هدية".
ويتابع روجلي: "إنها شخص عفوي للغاية، مثل الإلكترون الحر
وتجلب الكثير من الأشياء العفوية للشخصية. لقد أحببت العمل معها."
في حين أن مسار سو كشخصية ملفت للنظر في حد ذاته، إلا أن
فيلم "العودة إلى الإسكندرية" يتفوق في تقديم لمحة عن المجتمع المصري
الفرانكفوني الذي كان يعمه الشيخوخة، وكذلك وجهات النظر الطبقية التي كانت
مهيمنة في ذلك الوقت.
وعلى المستوى الجمالي أيضًا، يزخر الفيلم - رغم أن أحداثه
تدور في العصر الحديث - بعناصر الحنين إلى القرن العشرين، بدءًا من الفنادق
والقصور القديمة إلى الملابس العتيقة التي ترتديها سو ووالدتها وخالاتها.
وتأتي هذه المشاهد على النقيض من الدقائق القليلة الأولى من
الفيلم التي تدور أحداثها في سويسرا "الباردة جدًا والمصممة بشكل رائع جدًا
ولطيفة جدًا ولكنها فارغة".
يقول روجلي إنه كان يحاول بطريقة ما إعادة خلق مصر التي
ألفها في طفولته، والأجواء التي كانت تذكره بجدته.
ومع ذلك، وبقدر ما يزدهر قلب وروح القصة من ذكريات روجلي
الشخصية، فإنه يؤكد أنه بمساعدة زملائه من الكتاب تمكن من الوصول بالقصة
إلى شكلها النهائي المصقول. ويتابع إن كاتبة سيناريو الفيلم ماريان برون
ساعدت في صقل وجهة النظر الأنثوية. أما كاتب السيناريو الآخر للفيلم فكان
المخرج المصري الشهير يسري نصر الله.
ويؤكد روجلي: "لقد أتيحت لي الفرصة للعمل مع يسري نصر الله
في مرحلة لاحقة، ولقد أضفى الحياة على الحوار والشخصيات، وكان من المهم
أيضًا بالنسبة لي أن أحصل على موافقته لأنه يعرف نوعية الأشخاص الذين
ينتمون إلى هذه الطبقة الأرستقراطية القديمة." |