«انشالله
ولد»... عندما تضع السينما الأردنيّة المرأة في عين العدسة وتتبنّى قضاياها
المخرج أمجد الرشيد: أنطلق من الواقع لأحثّ المجتمع على
النقاش وطرح الأسئلة
عمّان: كريستين
حبيب
«نوال»
امرأة عاديّة. ملامحها عاديّة، لغتها عاديّة، وكل ما فيها يمكن أن تتماهى
معه نساءٌ عربيّاتٌ كثيرات. لكنّ ثقلَ حكايتها غير عاديّ على الإطلاق. بعد
أن يفارق زوجها الحياة بشكلٍ مفاجئ، تصبح نوال مهدّدة بخسارة بيتها
وطفلتها. يبدو كل مَن وما حولها متآمراً عليها، من قوانين الأحوال الشخصية
المجحفة بحقّ النساء، إلى رجال العائلة الذين لا يرحمون ظرفها الأليم، وليس
انتهاءً بأرباب عملها القُساة، ولا ما خلّفه زوجها من ديون وأسرار صادمة.
«سنسمح
لكِ»...
«نوال»
هي بطلة فيلم «انشالله ولد» للمخرج الأردني أمجد الرشيد، والذي ينافس على
جائزة «السوسنة السوداء» في الدورة الخامسة من «مهرجان عمّان السينمائي
الدولي»، عن فئة أفضل فيلم روائي طويل. يتحدّث الرشيد لـ«الشرق الأوسط» عن
رحلته مع هذا الفيلم الطويل الأول في مسيرته، كاشفاً عن أن القصة التي
كتبها وأخرجها مستوحاة من حادثة حقيقية حصلت مع إحدى نساء عائلته.
بعد وفاة زوجها، سمعت الأرملة وأمّ البنات من أهله أقسى
العبارات: «طبقاً للقوانين، لنا نصيب من البيت حيث تعيشين، لكن سنسمح لك
بأن تبقي فيه»، مع العلم بأنها كانت قد اشترته من مالها وسجّلته باسم
زوجها. كان لجملة «سنسمح لك بالبقاء في بيتك» وقع الصاعقة على المخرج
الشابّ، الذي بدأت تدور أسئلة كثيرة في رأسه. يقول الرشيد إنّ «فكرة الفيلم
انطلقت من فرضيّة ماذا لو لم يسمحوا لها بالبقاء في منزلها».
قصص من الواقع
استحالَ هذا السؤال مَشاهدَ في مخيّلته فقرر تحويلها
فيلماً، مضيفاً عناصر روائيّة منبثقة هي الأخرى من الواقع. يوضح أنه أجرى
أبحاثاً كثيرة خلال عمليّة تطوير السرديّة، عن حالاتٍ مشابهة تتعرّض لها
النساء في الأردن والعالم العربي. لم يتعمّد الرشيد صناعة فيلمٍ نسويّ وهو
لا يصنّفه كذلك، بل يُدخله ضمن خانة الأفلام الاجتماعية التي تحكي قصصاً
إنسانيّة.
إلّا أنّ «انشالله ولد» يضع قضايا المرأة في عين العدسة
ويتبنّاها، رافعاً صوت النساء المظلومات والمقموعات. يُرجع الرشيد جزءاً من
ذلك إلى ظروف تربيته، حيث كان محاطاً منذ الصغر بسيّداتٍ غالباً ما يحكين
عن أحزانهنّ المرتبطة بالرجال.
جرأة «لورين»
شخصية «لورين» مثلاً، وهي ابنة أرباب عمل «نوال»، تحمل في
حكايتها قضايا شائكة وعلى لسانها مواقف حادّة وبالغة التحرّر والجرأة. فمن
خلالها، يتطرّق الفيلم إلى مواضيع مثل الخيانة الزوجيّة، والطلاق،
والإجهاض، والتعنيف الأسريّ. تكاد شخصيتها توازي أهميةً الشخصية الرئيسية،
ويلفت المخرج الأردني في هذا السياق إلى أنّ «الكلام الذي تقوله لورين في
الفيلم منقول بحذافيره عن أحاديث سمعتُها من نساء وصديقات حولي».
صحيحٌ أن «لورين» تمثّل الطبقة المتوسطة العليا في الأردن
في حين تنتمي «نوال» إلى الطبقة الفقيرة، «لكن أياً تكن الخلفيّة
الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية للمرأة في مجتمعنا، فإنّ معاناتها واحدة
والأغلال هي ذاتها»، وفق ما يقول الرشيد. في لحظةٍ حرجة من لحظات الفيلم،
تجمع المصلحة المشتركة ما بين المرأتَين، إلّا أن تلك العلاقة لا تتحوّل
أبداً صداقة، فهما تنتميان إلى عالمَين مختلفَين.
«خلطة
شاميّة»
أدّت شخصية «نوال» الممثلة الفلسطينية منى حوّا، أما
«لورين» فمن تمثيل اللبنانية يمنى مروان. أتقنت الاثنتان أداءيهما وأظهرتا
إمكانياتٍ استثنائيّة أمام الكاميرا. وقد تعمّد الرشيد تنويع هويّات
الممثلين على أن يشكّلوا «خلطة شاميّة» تعكس تركيبة المجتمع الأردنيّ، بما
فيها من أردنيّين وفلسطينيين ولبنانيين.
هذا التنوّع ميّز إنتاج الفيلم كذلك؛ إذ إنه أردنيّ -
سعوديّ - قطريّ - مصريّ - فرنسيّ مشترك. كانت لكلٍ من الهيئة الملكيّة
الأردنيّة للأفلام، وصندوق دعم الأفلام في الأردن، وصندوق البحر الأحمر
السعودي، اليد الطولى في دعم الفيلم، إلى جانب عددٍ من شركات الإنتاج
والمؤسسات التي تُعنى بالشأن السينمائي. يعلّق الرشيد قائلاً إنه فخور بكون
فيلمه من إنتاجٍ عربيّ متعدّد الهويات.
أمنيات الفوز بـ«السوسنة»
في رصيد «انشالله ولد» حتى اليوم أكثر من 25 جائزة عربية
وعالمية، وأكثر من 100 محطة في مهرجانات المنطقة والعالم، كما أنه مثّل
الأردن في السباق إلى الأوسكار عام 2023. كان عرضُه العالميّ الأول في
مهرجان «كان» العام الماضي، أما العرض العربي الأول فجرى في «مهرجان البحر
الأحمر» السعودي في جدّة.
«أنا
سعيد جداً بكل إنجازات الفيلم وبالجوائز التي حصدها، لكن للنجاح في بلدي
نكهة مختلفة»، يجيب الرشيد رداً على سؤال حول توقّعاته بالفوز بجائزة
«السوسنة السوداء». يتابع: «أتمنّى ذلك من قلبي فهذا يعني لي الكثير».
عروض عربية قريبة
الفيلم منبثقٌ عن المجتمع الأردني وهو يتوجّه إليه. يوضح
المخرج أنه لم يرد توجيه رسائل من خلال عمله السينمائي، بل رغبَ في طرح
الأسئلة التي تحثّ المجتمعَين الأردني والعربي عموماً على التفكير والنقاش؛
أسئلة مثل: «ألم يحِن الوقت لإعادة تقييم بعض العادات والتقاليد، لنرى ما
إذا كانت ما زالت مناسبة لمجتمعاتنا العصريّة أم يجب تعديلها وتطويرها؟».
على الرغم من صراحة «انشالله ولد»، فإنّ الرشيد لا يحبّذ
وصف نفسه أو فيلمه بالجريء. يفضّل القول إنه يعالج بصِدقٍ قصصاً طالعة من
الواقع، من دون افتعال الجرأة. أما المشاهدون العرب الراغبون في اكتشاف
الفيلم وما يخبّئ لغز عنوانه، فيعطيهم المخرج موعداً ابتداءً من منتصف هذا
الشهر، انطلاقاً من دور العرض الأردنيّة وصولاً إلى المملكة العربية
السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وتونس.
على قدر فخره بفيلمه، يفتخر أمجد الرشيد بالسينما الأردنيّة
التي، «ورغم كونها فتيّة، فإنها ترتكز إلى مواهب فريدة وقصص مميّزة ومواضيع
مهمّة» وفق تعبيره. وكما يحلم لفيلمه بتكريمٍ في بلده، فإنه يحلم بمستقبل
لامع للإنتاجات السينمائية الأردنية، من خلال أفلام محترفة وقادرة على
المنافسة العالميّة. |