يأتي مهرجان
الإسكندرية السينمائي لدول
البحر المتوسط، في دورته الحادية والأربعين التي تنطلق الخميس القادم،
برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة، محمّلًا بزخم كبيرمن التكريمات التي
عكست بذكاء هوية المهرجان ووعيه بأهمية الموازنة بين المحلي والعربي
والمتوسطي، في محاولة لترسيخ صورته كمنصة كبرى للاحتفاء بالسينما بوصفها
ذاكرة وتاريخًا ورسالة حضارية.
اختيار النجمة ليلى علوي لتكون الدورة باسمها ليس مجرد
تكريم لفنانة صاحبة رصيد فني بارز، بل هو استعادة لصوت جيل الثمانينيات
والتسعينيات الذي صنع ملامح السينما المصرية الحديثة حيث مثلت حضورًا
لافتًا في أفلام جسدت قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة، كما جمعت بين الشعبية
الواسعة والرؤية الفنية الجادة وحضور اسمها يغلف الدورة بطابع جماهيري
ورسمي معًا، ويعيد التوازن بين تكريم الحاضر واستحضار الذاكرة.
حملت التكريمات المصرية رسالة واضحة: الوفاء للتاريخ مع فتح
الأفق للأجيال الجديدة، فالمهرجان يحتفى بالفنانة فردوس عبد الحميد التي
شكّلت حضورًا بارزًا في الدراما والسينما الاجتماعية التي أثرت وجدان
المصريين ، وبالنجم رياض الخولي وهو ممثل شديد الحضور في الأدوار المركبة،
عزز فكرة الممثل الجاد في مواجهة سطوة "النجم التجاري".
كما يتم منح التكريم للمخرج هاني لاشين الذي امتلك مشروعًا
فكريًا وإنسانيًا واضحًا في السينما المصرية، والنجمة شيرين تكريم خاص
لنجمة ارتبط اسمها بأدوار مؤثرة في ذاكرة المشاهدين رغم قلة أعمالها، ومدير
التصوير سامح سليم بوصفه رمزًا للحرفية البصرية وصانعًا من صناع الصورة خلف
الكاميرا ، ولم يغفل المهرجان ربط الحاضر بالمستقبل، فيكرّم النجم أحمد رزق
الذي يمثل جيلًا معاصرًا متواصل الحضور، وهو اختيار يربط الأجيال الجديدة
بالتكريم
.
ويؤكد حضور النجوم المعاصرين في خارطة المهرجان، في الوقت
الذي يستعيد فيه المهرجان ذاكرة "الطفلة المعجزة" فيروز ، باعتبارها أحد
أبرز ملامح الطفولة في السينما المصرية، وهو احتفاء بالذاكرة السينمائية
وتقدير لتاريخ الفن المصري الذي يمتد عبر الأجيال.
الهوية العربية تبدو حاضرة بقوة من خلال تكريمات متوزعة على
أكثر من بلد، فقد منح المهرجان تقديره للموسيقار الليبي الكبير ناصر مزداوي
الذي تجاوزت ألحانه حدود بلده لتصبح جزءًا من الذاكرة الغنائية العربية،
والمخرج التونسي رضا باهي الذي عُرف بأعماله الفلسفية ذات البعد السياسي،
إضافة إلى المخرج المغربي الفرنسي حكيم بلعباس الذي يمثل الصوت الشعري
البصري في السينما المغربية، كما يمثل جيل المخرجين الذين جعلوا من الصورة
تأملًا في الإنسان والوجود، أما وسام البحر المتوسط فيذهب إلى النجم
المغربي محمد مفتاح، تقديرًا لمسيرته الفنية الحافلة التي جمعت بين الأداء
الملتزم والقدرة على تجسيد قضايا الإنسان العربي.
انفتاح المهرجان على الفضاء المتوسطي بدا حاضرًا من خلال
تكريم المخرج الفرنسي جان بيير آماريس، أحد الأسماء التي أسهمت في إثراء
السينما الأوروبية المعاصرة، بقضايا إنسانية واجتماعية، ما يكرّس الحضور
المتوسطي للمهرجان ،والمنتجة الإسبانية مرسيدس أورتيجا في لفتة تؤكد أهمية
دور الإنتاج في صياغة صورة السينما عالميًا باعتباره الوجه غير المرئي وراء
نجاح الأفلام.
تبدو تكريمات الدورة الـ41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي
بمثابة خريطة متكاملة للهوية : تكريمات محلية تثبّت الذاكرة الوطنية، وأخرى
عربية تفتح الجسورعبر المتوسط، وثالثة أوروبية تمنح المهرجان بعده المتوسطي
بهذا التوزيع المتوازن، لا يكتفي المهرجان بالاحتفاء بالنجوم وصنّاع
السينما، بل يؤكد رسالته الأعمق : السينما ذاكرة جماعية، ومجال للتواصل
الحضاري، ومنصة لتجسيد قيم الوفاء والاعتراف والإبداع |