لوحة لمارلون براندو تزيّن مدخل فندق "دبليو" الذي يؤوي بعضاً من ضيوف
مهرجان الدوحة السينمائي، البالغ عددهم نحواً من خمسمئة. ما ان تقترب من
صورة
العملاق الأميركي، حتى يأتيك المسؤول عنها ليسألك اذا كنت تنوي شراءها.
وعندما يفهم
انك لا تملك في جيبك عشرة آلاف دولار ثمناً لاقتنائها، ينسحب
بهدوء متسلحاً
بابتسامة ساعي البريد الذي اخطأ في العنوان.
الدوحة مدينة كتومة، باطنية. لن
تعرف ماذا تريد منك ولن تقول لك لماذا انت في ضيافتها، حتى بعد
أن تحتضنك لخمسة
ايام متتالية. الآتي من أبو ظبي الواقعة على مسافة نحو ساعة بالطائرة، لن
تبهره
حتماً ناطحات السحاب التي ارتفعت في بلاد ليس في سمائها سحابة واحدة قطّ.
هوس
الأرقام القياسية والعالمية وجعل اسم قطر على كل لسان، يتحكمان
بالعقول في هذه
البقعة من أرض العرب. لكن، في المقابل، يكفي أن تكتب اسم باميلا اندرسون أو
سواها
من المشكوك في أمرهن في محرك البحث "غوغل" كي ترميك التكنولوجيا في صحراء
قاحلة،
فيخرج من الصندوق الذي أمامك من يقول
لك: "هذا الموقع محجوب يا عزيزي، للعالمية
حدود!".
ثاني أوكسيد الكربون مستواه عالٍ جداً في الدوحة. قلة الاوكسيجين
الناتجة من هذا العلو تتسبب بشعور مزمن بالتعب. هذا الجوّ غير اللطيف تكاد
لا تشعر
به لأن المهرجان الذي تبلغ موازنته بضعة أضعاف ما تنفقه دبي
على مهرجانها، يضع في
تصرف الضيوف سيارات "بي أم دبليو" حديثة تقلهم من مكان الى مكان. الأمكنة
كثيرة في
هذه الدورة الثالثة (25 ــ 29 تشرين الأول): هناك المركز التجاري، "سيتي
سنتر"،
الذي هُمّش بعدما كانت تجري فيه معظم عروض الدورة الماضية. هناك خصوصاً
مدينة كتارا
التي تؤوي كل شيء، من مسرح الهواء الطلق الى قاعة الاوبرا الفخمة والصالات
على شكل
هنغار المصممة خصيصاً للحدث، فمراكز الصحافة ومساحات
الاسترخاء، الخ. فجأة توسع
المهرجان، وبات يهيمن على هذا الفضاء الرحب كله. في اليومين الاولين، صار
من يدخل
الى الـ"كتارا" يشعر بأنه مفقود ومن يخرج منها يحسّ نفسه مولوداً. هذه
الضخامة كلها
لأقل من خمسين فيلماً يمتد عرضها على أربعة أيام.
ادارة المهرجان قد تدرك جيداً
مصالحها في توسيع الرقعة المخصصة للمهرجان، وقد لا تدرك. لكن
هذا، يصبح شأناً
ثانوياً عندما ترى، بالعين المجردة ومن دون اللجوء الى ارقام، الازدياد في
عدد
المشاهدين الذين يرتادون الصالات المظلمة. شيئاً فشيئاً تمتلئ المقاعد
دائماً وفق
منطق سائد في مهرجانات الخليج: الاقليات. فاذا كان الفيلم
اندونيسياً، يكون الجمهور
ذا غالبية اندونيسية، واذا كان هندياً يتجمع الهنود، وهكذا. الأفلام
الأميركية توحد
الجميع. أما الظاهرة الأكثر خطورة، فهي إدخال الاطفال الرضّع الى الصالات.
المهرجانات العالمية ممنوعة على من هم تحت السنّ القانونية (18)، لكن في
الدوحة
أمهات حملن اطفالهن الى فيلم "الغارة" الاندونيسي، المعروض في الساعة
الحادية عشرة
ليلاً، أحد أكثر الافلام عنفاً ودماً وسادية، وكلما بكى طفلٌ، ركضت أمه الى
خارج
الصالة لتهدئته ثم العودة مجدداً...
الحضور يتفاقم وسمعة المهرجان تترسخ و"مؤسسة
الدوحة للأفلام" راعية الحدث تطمح الى أن تصبح لاعبة أساسية لصناعة الفيلم
في منطقة
الخليج، لكن القائمين عليها يواصلون تبنيهم لأشخاص انتهى تاريخ صلاحيتهم:
بريجيت
لاكومب، مصورة المشاهير، تستمر في توزيع كتابيها الرديئين على
الضيوف المعتمدين. لا
تزال الصور التي التقطتها لمجموعة سينمائيين وسينمائيات تحتلّ جدران مدينة
كتارا.
مشروعها "أنا الفيلم"، وهو على ما يبدو قيد
التنفيذ، عقيم ولا يجدي، لكن "عقدة
الأجنبي" لا تزال أحد الأمراض التي لا شفاء منها في هذه
المهرجانات.
أما جان
جاك آنو، الذي افتتح الدورةَ الثالثة شريطُه "ذهب أسود" الممول جزئياً من
"مؤسسة
الدوحة للأفلام"، فقدم افلمة كاريكاتورية باهظة الثمن (يُحكى عن موازنة
وصلت الى
ستين مليون دولار) لرواية "العطش الأسود" لهانس روش. آنو، مخرج "اسم الوردة"
و"الدبّ" و"حرب النار" وأفلام يعتملها الطموح، بات منذ فترة معينة صياد فرص
سينمائية بعدما اندثر إلهامه، وها انه يرسو على شاطىء الخليج العربي، بحثاً
عن
التفاتة جديدة الى سينماه. لكن رياح الصحراء لا تجري فقط بعكس
ما يشتهيه المرء، بل
تلتهم أيضاً كل ما يعترض طريقها.
¶¶¶
بالرغم من انفتاح نسبي على مواضيع تؤرق
السينمائيين أينما وجدوا، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، لم
يلامس المهرجان ما بات
يعرف بالربيع العربي الا بطرف الاصابع وبحذر شديد، متناسياً أن مهرجان
ترايبيكا
النيويوركي الذي أسسه الثلاثي روبرت دو نيرو وجاين روزنتال وكريغ هاتكوف
غداة 11
أيلول المشؤوم كان فعلاً سياسياً، ولا يكفي استنساخه وتجريده
من روحيته. بيد أن زمن
التغيير العربي كان حاضراً حتى بغيابه. كيف لا، وكل فيلم عربي بات
مستشرفاً، بهذا
المعنى أو بذاك، لما كان سيحدث بدءاً من 17 كانون الأول 2010، يوم أضرم
البوعزيزي
النار في جسده. فكلمة تغيير ترد على لسان قطريين مرات عدة، لكن
النحو الذي يُطرح
فيه الموضوع يجعلك تشعر بأن المعني بالتغيير هو الآخر، فقط الآخر، ولا يمكن
القطري
أن يكون معنياً به، لا الآن ولا غداً. هذا المشهد برمته يشبه اللقطة
العبثية في
فيلم "توق" للفلسطينية السورية لينا العبد، المعروض في
المهرجان: امرأة خمسينية
ثرية تتغنى بالحرية والديموقراطية أمام الكاميرا وتنسى انها علّقت على جدار
مكتبها
صورة لبشار الأسد!
اشكاليات كثيرة تسود المهرجان، تبدأ مع النسخة العربية
للكتالوغ الذي يبدو انه تمّت الاستعانة بـ"غوغل" لترجمة ملخصات الأفلام،
وتنتهي عند
العنصر الأجنبي الذي يأتي من خارج بيئة المكان. هذه الاشكالية ليست حكراً
على
مهرجان الدوحة، انما تطال مهرجانات الخليج كلها. لكن في الدوحة
الاشكالية بارزة،
مستعصية، معقدة. المتطوعون الذين يبلغ عددهم 1100 عنصر هم الاكثر قدرة على
اعطاء
هوية للمهرجان وتلوينه. هؤلاء الواجهة والجنود غير المجهولين الحرصاء على
حسن سير
عمليات الدخول الى الصالات والخروج منها؛ اسطول من الآسيويين
الذين أتوا الى بلد
نفطي بحثاً عن "حلمهم الأميركي"، لكنهم يرسمون ملامح المهرجان الخارجية
أكثر مما
يرسمها القائمون عليه في الطبقات العليا. معظم هؤلاء لم يتفق بعد على لفظ
موحد
لكلمة ترايبيكا. كما انهم يجهلون الشخصيات المعروفة على مستوى
العالم العربي، ما
يولد حوادث طريفة، آخرها عدم السماح للفنان الكويتي سعد الفرج والمجموعة
التي
ترافقه بحضور حفل الختام، على الرغم من انهم من الوفود الرسمية.
يشعر الصحافي
أو الناقد الذي حضر بأنه حرّ يستطيع أن يكتب ما يشاء، وينتقد عيوب المهرجان
بالنحو
الذي يمليه عليه ضميره المهني. لكن، ما السرّ في أن معظم الأقلام تحسب مئة
حساب قبل
أن تدلو بدلوها؟ وما العيب الذي يمنع القارئ من أن يطلع على
معظم ما تتناقله
الالسنة في الجلسات الصباحية إلى مائدة الفطور؟ أهو خوف الصحافي من أن
يُحذف من
قائمة المدعويين؟ أمّ انه كسل فكري وعدم كفاءة في اقتناص الهنات؟ هنا لا
بدّ من
السؤال: كم عدد الذين ادانوا التصرف الأرعن لعمر الشريف الذي
رفع يده (صفعة؟) على
صحافية زميلة أرادت أن تتصور معه، في لحظة موثقة لفّت دورة كاملة حول الكرة
الارضية
بفضل الانترنت؟ كم من هؤلاء فكر في توجيه اللوم الى مهرجان لم يحتجّ على
حماقة فنان
في التاسعة والسبعين من العمر؟ تحت سموات أخرى، كانت الردود لتكون أقل
تسامحاً في
حقّ ممثل لا تزال الصحافة الصفراء مصرة على نعته بـ"العالمي". لنتذكر
قليلاً ما
القصاص الذي لقيه لارس فون ترير في كانّ، حين نطق بما اعتبرته ادارة
المهرجان اهانة
لضحايا المحارق النازية. هنا الفرق الأساسي بين مهرجان "عالمي"
يتحلى بشخصية كاملة
متكاملة وآخر "محلي" يتوسل بـ"العالمية".
¶¶¶
مرة أخرى بعد مهرجان أبو ظبي، مخرج سوري، محمد
ملص، يترأس لجنة التحكيم. كل واحد حرّ ليفسر على هواه الاهتمام
المفاجئ بالسوريين
في المهرجانين، هذا اذا لم تكن المسألة مجرد مصادفة! هناك سبعة افلام
روائية وسبعة
افلام وثائقية في المسابقتين المخصصتين للسينما العربية، ولكل واحدة منهما
لجنة
خاصة. ما يصعب استيعابه، في هذا المجال، أن لجنة تحكيم الافلام الروائية
مؤلفة من
خمسة أشخاص، أما الاعضاء المحكمون للأفلام الوثائقية فهم
ثلاثة. هل يحتاج الروائي
الى ما لا يحتاجه الوثائقي؟
في اليوم الأخير، سرّبت كارمن لبس، العضو في لجنة
تحكيم الروائي، النتائج، ما اثار حفيظة المخرج المصري خالد الحجر، فسحب
فيلمه
"الشوق" (ذهبية مهرجان القاهرة 2010) من المهرجان، بعدما علم انه ليس
من الفائزين.
هل كان تصرف على هذا النحو لو ان التسريب أعلن فوزه؟ حادثة اخرى جعلت
كثيرين
يستغربون: التبديل المفاجئ لموعد حفل توزيع الجوائز من السابعة
مساء الى الثانية
عشرة والنصف ظهراً، من دون ابلاغ الصحافة، التي لم يتسن لها حضوره.
لم تكن لجنة
تحكيم الأفلام الروائية راضية تماماً عن الافلام الفائزة، لكن هذا ما تيسر
وتوافر.
كانت اللجنة وجدت نفسها أمام خيارين: إما
حجب الجائزة وإما منحها لأقل الأفلام
سوءاً. فالأفلام السبعة لم تحلق عالياً. هذا ما استطاعت
المسؤولة عن برمجة الأفلام
العربية هانية مروة اقتناصه من السوق، بعدما وضع مهرجان أبو ظبي يده على
أفضل
الانتاجات الصادرة في الأشهر الماضية. من يطلع ولو قليلاً على الصراع الخفي
الحاصل
حالياً على الافلام العربية في أروقة المهرجانات الثلاثة (أبو
ظبي، الدوحة، دبيّ)،
يدرك أن المسألة آيلة الى تصعيد لعله ينعكس ايجاباً على
السينما العربية.
¶¶¶
الثورة التي طال انتظارها في بلاده الجزائر كان
"وجهها" خيراً على مرزاق علواش. فهو غادر مهرجان الدوحة وفي جيبه مئة
ألف دولار،
ثمن الجائزة التي نالها (أفضل فيلم عربي) عن "نورمال" المستوحى من اجواء
خلع
الديكتاتوريات الرسمية في كل من مصر وتونس.
ثمة فيلم آخر أثار ترشيحه لأوسكار
افضل فيلم أجنبي من جانب المغرب ضجيجاً، لكونه ليس فيلماً
مغربياً بل فرنسي، أسندت
اليه جائزة أفضل مخرج. انه "عمر قتلني" لرشدي زمّ، عن قضية عمر الرداد،
البستاني
المغربي المهاجر الى فرنسا الذي اتهم في أواسط التسعينات بأنه قتل السيدة
التي يعمل
عندها، قبل أن تقع القضية في يد وسائل الاعلام فتروح تتضخم. فيلم ذي خلاصات
تقليدية
لكن فاعلة ومؤثرة، خصوصاً في الجانب المتعلق بأداء سامي بوعجيلة الذي استحق
عنه
جائزة أفضل ممثل.
في الوثائقي، ذهبت الجائزة الكبرى (مئة ألف دولار أخرى) لنمير
عبد المسيح عن فيلمه "العذراء، الاقباط وأنا" الذي صور رحلة مخرجه الفرنسي
المصري
الى بلاد والدته المؤمنة بالمعجزات. دائماً في قسم الوثائقي، حازت المخرجة
اللبنانية رانيا اسطفان جائزة أفضل مخرجة وثائقية، عن "اختفاءات
سعاد حسني
الثلاثة"، في حين بقيت رائعة المخرجة اللبنانية ليلى حطيط سالاس، "أقلام من
عسقلان"
عن النضال السلمي للفنان التشكيلي الفلسطيني زهدي العدوي في سجن اسرائيلي،
بعيدة من
أذواق اعضاء لجنة تحكيم الوثائقي بقيادة نيك برومفيلد. الصفعة
الأنقى في المهرجان
لم توجعهم. لكن لنطمئن: حياة الأفلام تبدأ بعد المهرجانات...
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
لبنان ضيفاً عزيزاً على قلب المهرجانات العربية!
برغم انتاجها المقلّ، نجحت السينما اللبنانية على مدار السنوات
الماضية في
استقطاب شعبية معينة وانتزاع اعتراف دولي، وجزء كبير من هذا تحقق في
المهرجانات
العربية. أربعة أفلام لبنانية على الأقل فازت العام الماضي بأرفع الجوائز
في
مهرجانات المنطقة الثلاثة التي تهيمن على المشهد العام: "شتي
يا دني" لبهيج حجيج
اقتنص جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان أبو ظبي. "طيب. خلص. يللا" لرانية
عطية
ودانيال غارسيا حاز في المكان نفسه جائزة افضل مخرج جديد من العالم العربي.
محمود
قعبور نال جائزة الجمهور في الدوحة، فيما ذهبت جائزة دبي
الكبرى الى جورج هاشم عن
"رصاصة طايشة". كلٌّ من المغرب الذي بات ينجز أكثر من 15 فيلماً
سنوياً، والمارد
المصري الذي يولي الكمّ على الكيف، لم يقدرا على مواجهة ما يمكن اعتباره
"ظاهرة
لبنانية" في المهرجانات العربية. طبعاً، اللوبي موجود والسينمائيون يملكون
ما يكفي
من الذكاء لحشر الشعبي والفني في اطار فيلمي يليق بأكثرية محتملة، لكنّ،
برغم ذلك،
هذه حالة مثيرة، لأن القليل الذي يُنتج في هذا البلد لا يبقى
أسير الصالات الخاوية
والجوارير الرطبة.
لا
يقتصر العنصر اللبناني على المشاركين في المهرجانات، بل
يمتد الى المساهمين في صناعتها. في كل واحد من المهرجانات
الثلاثة، هناك من يدير
شؤوناً ادارية وفنية، وبعضهم يشغل مراكز القرار والاختيار، كحال هانية مروة
وشادي
زين الدين، المسؤولين في مهرجان الدوحة السينمائي، حيث ثلاثة لبنانيين
نالوا جوائز
في الدورة الأخيرة: نادين لبكي مُنحت، مرة أخرى بعد مهرجان
تورونتو، جائزة الجمهور
عن "وهلأ لوين؟"، في حين ذهبت جائزة أفضل مخرج في القسم الوثائقي الى رانيا
اسطفان
عن "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة". أما الجائزة الثالثة فكانت من نصيب أحمد
غصين
الذي نال تنويهاً فخرياً عن فيلمه "أبي ما زال شيوعياً...". وكانت الحال
مشابهة في
أبو ظبي ايضاً (13 ــ 22 ت1)، الذي ردّ الاعتبار الى السينما اللبنانية من
خلال
جائزتين. اعطي زياد حمزة جائزة أفضل منتج من العالم العربي عن
"ديما براندو" (وتقاسمها
مع مخرجه رضا الباهي)، وجائزة مشابهة كرست اللبناني الأميركي صوني قدوح
عن "هذا المكان الضيق".
"النهار"
في مهرجان تسالونيك الـ52
من 4 الى 13 الجاري،
ستواكب صفحة السينما في "النهار" نشاطات الدورة الثانية والخمسين من مهرجان
تسالونيك (اليونان) الذي سيُعقد في مكانه وزمانه برغم الأزمة الاقتصادية
التي تعصف
بالبلاد منذ أشهر. الملصق يعلن هذا القلق باللونين الأزرق
والبنفسجي، ومتاهة تمنع
الرقم 5 لقاء زميله الرقم 2. يفتتح المهرجان بفيلم "الأحفاد" لألكسندر باين
ويختمه
شريط لأميركي آخر هو شون داركن وعنوانه "مارتا مارسي ماي مارلين". بين
هاتين
اللحظتين، عشرات الأفلام الجديدة، منها 15 في المسابقة الدولية التي تضم
اعمالا من
المكسيك وتركيا وتشيكيا، الخ. ويفتح المهرجان نافذة على افلام
عُرضت في مسابقة
مهرجانات دولية ولا يقل عدد العناوين في هذه الخانة عن مجموعة من 44
فيلماً، فيها
آخر افلام دانييلي لوكيتي وميشال أوسلو.
النهار اللبنانية في
03/11/2011
رجال أحرار
يدعو إلى تعزيز ثقافة المحبّة والتسامح ونبذ
العنف والكراهية
عدنان حسين أحمد / أبو ظبي
لم ينسَ المخرج
الفرنسي المتحدِّر من أصول مغربية إسماعيل فروخي، صاحب (الرحلة الكبرى)،
المواطنينَ المغاربة الذي أقاموا طويلاً في عموم المدن الفرنسية ولم
يُحسبوا ضمن
التعداد الرسمي للسكّان الفرنسيين الأمر الذي جعلهم مُهمّشين لا ينتمون
رسمياً إلى
الفرنسيين ولا يُحسَبون في الوقت ذاته على الأجانب الطارئين الذين قد
يتركون فرنسا
في أية لحظة يشاءون.
لقد قاتل هؤلاء الرجال المغاربة من أجل تحرير
فرنسا، وتحقيق الحرية للمواطنين الفرنسيين، ولكنهم هُمِّشوا من
التاريخ وتم إقصاؤهم
ومحوهم من الذاكرة الجمعية للشعب للفرنسي.
فلا غرابة أن يعود المخرج إسماعيل
فروخي الذي يحمل هموماً فرنسية ومغربية مشتركة إلى التذكير
بهؤلاء الرجال الشجعان
الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الحرية والكرامة والعيش الرغيد الذي لا تنغّصه
همجية
النازيين ودكتاتوريتهم البربرية المقيتة.
تقع أحداث (رجال أحرار) في عام 1942
حينما فرض الحكم النازي سيطرته المطلقة على باريس وبقية المدن
الفرنسية وما رافقها
من قمع ومصادرة للحريات الخاصة والعامة. وهي ذات الحقبة الزمنية التي وصل
فيها يونس (طاهر رحيم) إلى باريس وبدأ يعتاش على بيع
السلع الغذائية في السوق السوداء، الأمر
الذي يعرّضه إلى نتائج لا تُحمد عقباها. وحينما تعتقله الشرطة
الفرنسية متلبساً
بالجرم المشهود لا يجد بُداً من العمل لمصلحتها حيث يكلّفه أحد الضباط
بالتجسس على
جامع باريس الذي تحوم حوله شكوك عديدة من بينها أن مؤسس الجامع وإمامه سي
قدّور بن
غبريت (مايكل لوندال)، الذي يحمل لقب وزير الخارجية ومبعوث
سلطان المغرب يُصدر
وثائق سفر مزورة لليهود ولأعضاء في المقاومة الفرنسية إلى المحتل النازي
الذي خطف
حريات الناس وارتهنهم في وضح النهار.
لا يعتمد فروخي على السير والإحالات
الواقعية فقط مثل سيرة الشيخ بن غبريت وقصة المطرب سليم
الهلالي (لعب الدور محمود
شلبي)، وإنما ذهب أبعد من ذلك حينما اجترحت مخيلته المجنحة شخصية يونس الذي
وافق
مضطراً على العمل كجاسوس على جامع باريس الذي أصبح أنموذجاً للتعايش السلمي
بين
الأديان لأن الشيخ بن غبريت لا يفرّق بين مسلم ومسيحي ويهودي،
لذلك أصبح الجامع
ملاذاً لليهود والسياسيين والمنبوذين اجتماعياً الذين يخشون من الاعتقال أو
الترحيل
القسري. ثمة مشاهد مؤلمة يندى لها جبين الإنسانية خجلاً حينما يرى الأفعال
الدنيئة
التي يرتكبها الجيش النازي ضد هؤلاء الضحايا الذين ضاقت بهم
الأرض، لكن جامع باريس
اتسع لهم واحتواهم وأنقذهم في خاتمة المطاف من وحشية العقل النازي.
ثمة علاقة
حميمة تنشأ بين يونس، الشخصية المتخيلة التي اجترتها موهبة فروخي، وبين
المطرب سليم
هلالي الذي كان يغني أغاني أندلسية ويحيي بعض الحفلات الغنائية هنا وهناك.
ونظراً
لحاجة يونس الماسّة فقد باعه ذات مرة (دربوكة) ثمينة ظل سليم
يستعملها في حفلاته
الخاصة وأغنياته الأندلسية ذات الأصول الجزائرية العريقة. وحينما تتعمق
أواصر
الصداقة بين الشابين يكتشف يونس أن صديقه المطرب يهودي فيقرر قطع علاقته
بالشرطة
الفرنسية ويكف عن التجسس، وحينما تتفاقم علاقته بالشرطة
الفرنسية وما يشاهده بأم
عينه من ضرب وتقريع ومطاردة لليهود والمسلمين والمنبوذين اجتماعياً من قبل
النازيين
والمتعاونين معهم من قوات الشرطة الفرنسية يقرر يونس الانضمام إلى المقاومة
لمقارعة
الظلم والاستبداد. ثمة مشاهد مؤثرة لا ينساها المتلقي بسهولة مثل مشهد
الهروب بطفلة
جميلة أو مشهد المواجهة المسلحة مع قوات الشرطة التي كانت
تلاحق المقاومين في كل
مكان تقريباً غير أن يونس كان يتصدى لهم في الأزقة والشوارع والمناطق
المفتوحة
وينال منهم الواحد تلو الآخر. وعلى الرغم من بساطة القصة السينمائية ذات
المرجعية
الواقعية إلا أنه طعّمها بنوع من الخيال المستحبّ الذي فعّلها
وأشبعها بالخطاب
البصري والصور السينمائية الرصينة التي تبقى في ذاكرة المتلقي لمدة طويلة
من الزمن
بعد أن عجنَ مفرداتها الفكرية بنسغ المحبة والتسامح متجاوزاً كل أشكال
العنف
والكراهية ونابذاً سياسة الإقصاء والتهميش التي تعرّض لها
الفرنسيون المغاربة
وأشقاؤهم في المقاومة والنضال.
جدير ذكره أن إسماعيل فروخي من مواليد القنيطرة
بالمغرب وقد أنجز عدداً من الأفلام التلفازية والسينمائية نذكر
منها (المجهول) و
(زوج
الأحذية) و (الرحلة الكبرى) إضافة إلى (رجال أحرار) الذي فاز بجائزة أفضل
مخرج
من العالم في الدورة الخامسة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي لعام 2011.
المدى العراقية في
03/11/2011 |