حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الخامس والستون

في مهرجان كان السينمائي:

الحب حتى الموت أو بالموت

أمير العمري 

مرة أخرى يعود المخرج النمساوي الكبير مايكل هانيكه (70 عاما) الى مسابقة مهرجان كان السينمائي بفيلمه الجديد "حب" Love وهو أول أفلامه بعد "الشريط الأبيض" الذي حصل على السعفة الذهبية قبل عامين.

مرة أخرى يأتى هذا الساحر الكبير الذي يملك ناصية الفن السينمائي، ويمكنه التلاعب كما يشاء، بالشكل، كما سبق أن جرب في أفلام مثل "الشفرة: غير معروفة " Code: Unknown و"مخفي" Hidden ثم فاجأنا بالتصاقه بالشكل التقليدي اللا تقليدي في فيلم "معلمة البيانو" و"الشريط الأبيض".

بـ"التقليدي" نقصد قدرته على استخدام طريقة الحكي أو القص التقليدية، التي لا تتمثل بالضرورة في رواية قصة (لا يروي هانيكه قصصا مكتملة أبدا)، بل في أسلوب تدفق الأحداث، أو بالأحرى طريقة تدفق الصور حول الحدث الواحد، فهو أسلوب يسير الى الأمام، لا يلجأ كثيرا الى القفز بين الأزمنة والأماكن، ولا يعتمد على التداعيات وعلى تداخل عناصر من خارج الصورة ومن خارج المشهد، بل يبدو مخلصا تماما لتكوين المشهد (الذي يدور داخل ديكور واحد محدد المعالم)، وملتزما بفكرة تصعيد الحدث الى أن يأتي الى نهايته "الذهنية" وليست تلك النهاية "الآلية" التى تبدو كـ"خاتمة" فالخاتمة عند هانيكه قد تكون بداية لحالة أخرى جديدة "ذهنية" يريد أن ينقلها أو يجسدها للمشاهدين. ولهذا نقول إنه أيضا "غير تقليدي" رغم تقليديته الظاهرية. إن صوره ولقطاته تخفي أكثر مما تظهر، أو تشير في ظاهرها الى ما يوجد في باطنها من دلالات، ولذلك فهو أقرب الى برجمان، منه إلى أي مخرج سينمائي آخر. ولأفلامه ايقاع خاص بطيء ممتد، متعمد لكي يتيح للمتفرج مساحة للتأمل، للإحاطة بتفاصيل المكان، وهو لذلك يعتمد على التكوين (عناصر تكوين الصورة تشكيليا من قطع ديكور واضاءة تلعب دورا في تجسيد الحالة الدرامية) وعلى أداء الممثلين، وعلى الكاميرا الثابتة واللقطات التي تستغرق مدة أطول من المعتاد على الشاشة بغرض اتاحة مساحة للتأمل، خصوصا أن الانتقال من لقطة الى أخرى لا يتم حسب تتابع الحوار بل يتجاوز هذا إلى الابقاء على اللقطة حتى بعد أن يتوقف الحوار.

هنا.. في فيلمه الجديد الصادم، نحن أمام ثنائي: زوج وزوجة، بلغا الشيخوخة وأصبحا يقفان على عتبة الموت: آن وجورج.. إيمانويل ريفا- 85 سنة (بطلة الفيلم الشهير "هيروشيما حبيبي لآلان رينيه قبل 53 سنة) وجان لوي ترنتنيان- 82 سنة (الحائز على جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان عام 1969 عن دوره في الفيلم الشهير "زد- إنه حي" Z.

آن وجورج من الموسيقيين المخضرمين. نراهما في بداية الفيلم يذهبان الى حفل موسيقي لأحد تلاميذهما.. لكننا لا نرى العازف، بل نشاهد الجمهور وهو يستمع الى العازف في الحفل. لكننا قبل ذلك ندلف الى الموضوع من خلال المشهد الذي يسبق نزول عناوين الفيلم على الشاشة: ضابطا شرطة يقتحمان شقة باريسية، لكي يعثرا على جثة متحللة ترقد على الفراش. وإذن نحن أمام موضوع يدور من البداية حول الموت

بعد عودتها من الحفل تصاب آن بجلطة تقعدها.. تنتقل الى المستشفة حيث تتلقى علاجا ثم تعود الى المنزل حيث يرعاها جورج، يعد لها الطعام والشراب، ويدلك لها ساقاها لكي تسترد عافيتها. وهناك امل كبير يرواد الاثنين في أنها يمكن بالفعل أن تستمد عافيتها سريعا

ابنتهما إيفا التي تقوم بدورها احدى الممثلات المفضلات عند هانيكه وهي إيزابيل أوبير، تزورهما وتبدي قلقها الشديد على حالة والدتها، وعلى قدرة الأب- الزوج على القيام بكل تلك الأعباء وهو على تلك الحالة من الشيخوخة.

تفقد المرأة الذاكرة بشكل كامل تقريبا، تتعرض لجلطة أخرى تتركها مشلولة في نصف جسدها الأيمن. تجلس في مقعد للمعاقين يدفعه الزوج. يرفض جورج باصرار ان ينقلها الى مصحة أو بيت للمسنين رغم ضغوط الابنة.  

الحدث بأكمله يدور لمدة ساعتين (هي زمن الفيلم) داخل شقة الزوجين المحبين اللذين تربطهما ذكريات مشترة وتاريخ مشترك.. الحب حالة توحد بينهما رغم الألم الذي تفصح عنه الحالة التي بلغتها الزوجة الآن. تمسك جورج حتى النهاية بالقيام برعاية زوجته يعكس مقدار حبه لها. لكن تدهور حالتها وزيادة جرعة المعاناة تؤدي به الى الاقدام على الفعل الذي يبدو قاسيا، خاليا من الانسانية، فيما يراه هو قمة الرقة.

في مشهد صادم للجميع، يضع جورج وسادة على رأس زوجته ويضغط ويظل يضغط الى أن تلفظ هي أنفاسها. يخرج ويعود بباقات من الورود. يجلس لكي يكتب رسالة بعد أن يسد منافذ الشقة كلها بالأشرطة اللاصقة لكي لا تتسرب الرائحة على ما يبدو الى الخارج.

أين يذهب جورج: هل ينتحر؟ هل يغادر الشقة؟ هل يبقى الى أن يواجه هو الآخر مصيره؟ لا أحد يعرف ولا يبدو أن من المهم أن نعرف فلسنا أمام فيلم "بوليسي" يهتم بالتحقيق فيما حدث ومن فعل ماذا، بل يبدو مسار اهتمامه متركزا أساسا على الحالةالعقلية والذهنية التي تدفع الى ما رأيناه.

في أحد المشاهد.. تتسلل حمامة الى داخل الشقة من نافذة مفتوحة.. تسير الحمامة بتمهل وكأنها تعرف المكان جيدا.. تلتقط من أرضية الصالة ما تلتقطه وما تراه هي فقط ولايراه غيرها.. يتأملها جورج قليلا ثم يطردها من النافذة.

وبعد قيامه بفعل "القتل الرحيم" يجد جورج أن الحمامة قد عادت الى الشقة مجددا.. يأتي بقطعة من القماش ويحاول جاهدا أن يضعها على جسد الحمامة وهي تسير على الأرض لكي يقبض عليها. ينجح في ذلك بالفعل بعد عدة محاولات.. ثم لا نرى شيئا.. لكننا نعرف من خلال الورق الذي يدونه، على طريقة مذكرة الانتحار، ربما قبل أن يرحل هو الآخر بعد أن يتخلص من حياته بطريقة لا نراها، نعرف أنه أطلق سراح الحمامة هذه المرة أيضا

لاشيء يمكن أن يستخدمه مايكل هانيكه في فيلمه دون معنى ودون أن يكون له سبب لديه.

في مشهد من مشاهد الفيلم يقرأ جورج خبرا مفاده أن الولايات المتحدة ستستقبل أخيرا رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو استقبال رجل دولة، وتقيم له مؤتمرا صحفيا. هذا الخبر يمر دون أي تعليق لكنه الخبر الوحيد في الفيلم الذي يتوقف أمامه هانيكه فهل تخفى دلالته!

"حب" فيلم عن الحب من منظور قد لا يخطر على بال أحد، بل وقد يصدم الكثيرين، لكنه يعكس احساسا صادقا بمسار الحياة عندما تضغط على المرء وتصبح أحيانا عبئا على من لايزالون يتمتعون بقسط منها.

في فيلم من هذا النوع يبرز كثيرا التمثيل: نحن هنا أمام ثلاثة من عمالقة التمثيل في السينما الفرنسية.

أداء ايمانويل ريفا يجعلها بلا أي شك المرشحة الأولى لنيل جائزة أحسن ممثلة في "كان". إنها تتمكن بعبقرية وخبرة وحنكة خاصة، من التحكم في عضلات وجهها وجسدها، بل وبنظرات عينيها، لكي تعكس الحالة "الفيزيائية" للشخصية التي تؤديها كما ينبغي أن يكون الأداء: نظرات زائغة تائهة، تلعثم في الكلام، تعثر في الحركة، صعوبة في فتح الفم.. إنها تجعلنا نقف في خشوع أمام الشيخوخة، أمام فكرة الاقتراب من الموت خاصة وأننا نعرف أننا نشاهد تلك الممثلة التي كانت لها فتنتها في الماضي.. عندما كنا أطفالا وكانت هي في عز شبابها.

وتلك أيضا هي حالة جان لوي ترنتنيان الذي يبدو هنا وقد طعن في السن، لكنه يتمتع بالحضور الذهني وقوة الشكيمة والقدرة على الحركة، والاصرار على أن يقدم لشريكته في الحياة كل ما عنده بل إنه لا ينسى أن يحضر الورود لكي يضعها حول فراشها كما سنرى في مشهد البداية عندما يكتشف رجال الشرطة الجثة المتحللة على الفراشة محاطة بالزهور.

ان فيلم "حب" تعبير خاص عن تلك الحالة من الحب التي تصل الى مستوى من الشفافية قد يعجز العقل الإنساني بتكوينه المحدود من إدراكها وتمثلها بسهولة. وتلك هي عظمة هذا الفيلم.

الجزيرة الوثائقية في

22/05/2012

 

«خلف التلال»..الحياة المهمومة بوطأةالإرث الثقافي والاجتماعي

كان - مسعود أمرالله آل علي 

ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، عُرض الفيلم الروماني "خلف التلال" للمخرج كريستيان مونجو، الذي يقبض على مواضيع حساسة وشائكة ومركبة في المجتمع الروماني المعاصر، ويدخل في تفاصيل أقل ما يمكن وصفها بالإشكالية، والتي قد تحدث هزة في وعي المراقب والرقيب في الوقت ذاته.

مونجو لا ينفك إلا ويزرع القسوة أمام متلقيه، يواجهها مع نفسه، ويخلق فيها بذرة التساؤل المفرط في تطرفه، والمحير لدرجة التشنج أمام التركيبة الإنسانية الملغزة والمتلونة والبائسة واليائسة والمتسلطة والمحرومة... والكثير من الصفات المتناقضة التي تنصهر تحت وطأة العنف الاجتماعي والديني والاقتصادي.

إرث حياتي

الحالات الكثيرة التي تعتمل في إنسان اليوم، المشغول بأولوياته الأساسية والإرث الحياتي المبني على تراكمات تأريخية وثقافية ومجتمعية ودينية، تصطدم في أغلبها بمعتقداته التي اكتسبها من هذه الفضاءات المورثة قسراً إليه، والتي صنعت منه هذا الإنسان البليد المتشرب بالتابوهات الجاهزة، والمرتهن لرحمة الآخر البخيلة والقاسية.

عندما تعود "ألينا" (تؤديها ببراعة كبيرة كريستينا فلوتور) من ألمانيا لإقناع صديقتها فويشيتا (تؤديها بهدوء وحنكة كوسمينا ستارتان) التي قررت أن تصبح راهبة في دير بقرية نائية، تعود وهي مشبعة بالأمل بأن محاولتها هذه، ستبعث في صديقة الطفولة بعض الروح والتقدير لصداقة خرجت من عمق البؤس حيث أنهما كبرا في ملجأ للأيتام، وترعرعا معاً في غياب تام للعائلة والأصدقاء. "ألينا" مقتنعة تماماً بأن صديقتها لن تخذلها، وقد آن لها أن تخرج من صومعتها إلى فضاء مفتوح في ألمانيا بعيداً عن المجتمع الذي ذاقا منه الويلات الكثيرة.

هذه القناعة من جانب، وعناد صديقتها التي نذرت حياتها للرب وللكنيسة، ستدخلها في دوامة لا يحدها سقف واضح؛ حيث أن البابا لم يستسغ وجودها منذ البداية لعدم التزامها الديني في المكان المقدس، ولكنه يوافق على مضض أن تبقى لأيام معدودة إلى أن تجد مأوى خاص بها.

وجهة نظر

تحاول "ألينا" أن تغير وجهة نظر صديقتها غير أنها تفشل في كل محاولاتها، بل العكس تطلب منها "فويشيتا" أن تبقى في الدير، وأن تترهبن، ولأجلها توافق، وتقبل "ألينا" فكرة تعميدها من البابا، وتخليصها من ذنوبها السابقة. تتعقد الأمور كثيراً بمجرد أن تطرح أسئلة كهنوتية مركبة ولا يجيبها البابا بشكل واضح. تستاء العلاقة ويتم اتهامها تارة بالكفر، وأخرى بالجنون، وأخيراً بالمس الشيطاني، فيتم صلبها في محاولة لتطهيرها، وتخليصها من الأرواح الشريرة التي تلبسها.

كل هذا و"فويشيتا" تراقب ما يحدث في صمت وبكاء مريرين، الأخرى تفعل كل ما بوسعها للحفاظ على هذه الصداقة والصديقة، بينما هي تفعل كل ما بوسعها لإرضاء الرب. حيرتها جمدتها مثل الثلج الأبيض الكثيف الذي يغطي المكان؛ بل ويغلف مشاعر الكثير منهم، هذه العلاقة الجدلية مثلثة الزوايا والنوايا لن تخرج بحسم مثالي ومرض لكافة الأطراف، والخاسر بالتأكيد سيكون دنيوياً. اتفاقية تعاون لتطوير صناعة الأفلام المحلية

على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي، وقعت مجموعة ديجيتال دومين المتخصصة بالإنتاج الرقمي، اتفاقية تعاون مشترك مع "توفور54"، لتطوير صناعة الأفلام المحلية وقطاع الإنتاج التلفزيوني والإعلامي بمنطقة الشرق الأوسط، وبموجب الاتفاقية ستقوم المجموعة بإنشاء استوديو للرسوم والمؤثرات البصرية الرقمية ولقطات الحركة، واطلاق معهد ديجيتال دومين الاعلامي في أبو ظبي. وقالت نورة الكعبي، الرئيس التنفيذي لتوفور54: "تأسيس أول استوديو بهذا الحجم في المنطقة، يدلّ على التأثير الإيجابي الذي نقدمه للقطاع الإعلامي في الوطن العربي، حيث يشكّل التعاون مع مجموعة ديجيتال دومين خطوة في تطوّر الإنتاج الرقمي بالمنطقة وتطوير المحتوى المحلي المبتكر للأفلام الروائية والتلفزيون. وسيوفر هذا التعاون الفرصة لتطوير مهارات الشباب."

كان ـ البيان نظرة ما

الروماني كريستيان مونجو سبق وأن نال السعفة الذهبية في 2007 عن "أربعة شهور، ثلاثة أسابيع ويومان"، ومشاركة في "نظرة ما" عام 2009 مع "حكايات من العصر الذهبي".

البيان الإماراتية في

22/05/2012

 

سؤال الموت الرحيم في «حب» وأسئلة البراءة في «الصيد»

كان (جنوب فرنسا) - إبراهيم العريس 

بعد أربعة أيام من عروض في مهرجان «كان» غلب عليها شيء من البلادة، تساءل الحاضرون عما إذا كانت السعفة الذهبية ستعرف مرشحين جديين، لكن فيلمين جديدين انضما أمس الى الفيلمين الروماني «عبر التلال» و - إلى حد ما - الفرنسي «الصدأ والعظم»، لنيل حظوة شبه عامة.

كان يمكن أهلَ «كان» منذ البداية توقُّعُ أن يأتي الفيلمان قويين ولو لمجرد اسم صاحب أولهما، ميكائيل هانيكي (أكثر من فوز في دورات سابقة، بما فيها السعفة الذهبية)، واسم الثاني، توماس فنتربرغ (أحد مؤسسي تيار الدوغما مع لارس فون ترير، وصاحب جائزة كبرى من مهرجان كان قبل عقد ونيّف عن تحفته «الاحتفال»).

وليس ما يجمع بين موضوعي الفيلمين، باستثناء تقشف كلّ منهما على طريقته، وكونهما يغوصان معاً في بعض أكثر القضايا الاجتماعية دقة وخطورة... إنها السينما التي تحبس الأنفاس تشويقاً وإثارة للقلق من دون أن تتقصد ذلك، السينما التي تنتظر الدقائق الأخيرة لتقديم الخبطة المسرحية المباغتة من دون ان يجول في جوها طيف الراحل هتشكوك، ونحن بعد كلّ شيء، لسنا أمامها في خضم السينما البوليسية وإن كان في كل من الفيلمين جريمة وربما أكثر، وضحية وربما أكثر.

هانيكي النمسوي يعود الى «كان» بفيلمه الجديد «حب» الذي ظل محاطاً بالتكتم حتى اللحظات الأخيرة، وهو حين عرض، كذّب كل التكهنات التي سبقته، ليقدم تحفة سينمائية وربما درساً مزدوجاً في فن التمثيل. وبالتحديد من خلال فنانين انتزع هانيكي كلا منهما من عزلة أعوامه الثمانين، ومآسيه: إيمانويل ريفا، وجان لوي ترينتينيان، فإذا كانت الأولى مختفية منذ عقود تاركة هواة السينما يتذكرون أداءها الرائع في فيلم «هيروشيما يا حبي» (من إخراج التسعيني آلان رينيه الذي يشارك بدوره هذا العام بفيلمه الجديد أنتم لم تروا بعد شيئاً» المقتبس عنوانه أصلاً أن عبارة شهيرة في فيلم ايمانويل ريفا المذكور)، فإن ترينتينيان عزل نفسه منذ سنوات حداداً على رحيل ابنته ماري.

غير أن المأثرة التي يمثلها الفيلم نفسه تبدو أكثر ضخامة، إذ تمكّن المخرج في فيلمه الفرنسي هذا من ان يبقي الجمهور حابساً أنفاسه طوال أكثر من ساعة ونصف الساعة، وسط ديكور واحد وحياة يومية رتيبة ليس فيها سوى عجوزين، رجل وامرأته أمام المرض والموت المقبل يدمران حياتهما وربما حبهما أيضاً... ولحد علمنا لم يسبق للسينما أن قدمت مثل هذا الحب ولا مثل هذا الحنان في مكان مغلق وسيرورة تطرح نهايتها سجالات اجتماعية حادة حول ما يشبه الموت الرحيم.

ليس هناك شيء من هذا الاحتفاء في فيلم «الصيد» للمخرج المبدع توماس فنتربرغ... لدينا واحد من تلك الأفلام التي تعطي انطباعاً بأن السينما إنما خلقت من أجله... وهذه المرة أيضاً يدور الحدث في مناخ عائليّ وفي قرية شمالية صغيرة تتميز بالهدوء وحياة الدعة منذ البداية. وذلك على رغم مشكلة طلاق وحضانة يعانيها لوكاس بطل الفيلم الذي يضطر الى العمل في حضانة أطفال ريثما تنجلي متاعبه. بيد أن عمله هنا سيراكم مشاكل أخرى له لم تكن في الحسبان. إذ تقول «إشاعة» تطلقها طفلة هي ابنة جاره وصديق عمره، إن لوكاس قد عبث بها جنسياً. منذ البداية نؤمن نحن بأن الرجل بريء، لكن أهل القرية يؤمنون من ناحيتهم بأن الأطفال لا يكذبون. وهكذا تتحوّل القرية كلها ضد لوكاس وإن كانت الشرطة ستبرئه: هنا لم يبق له مكان. وهو يطرد من كل مكان... فلا يبقى للدفاع عنه سوى قلة بينهم ابنه المراهق الذي سيضرب هو الآخر ويضطهد... ومن دون الدخول في التفاصيل نقول فقط ان لوكاس سيستعيد مكانته واعتباره بعد عام، ولكن رصاصة تطلق عليه وتخطئه – وربما على يد ابنه نفسه – سوف تنهي الفيلم بسؤال كبير وخطير، ربما لن يجرؤ أي متفرج على الإجابة عنه، ولا حتى المخرج – في اعتقادنا – سيجرؤ على هذا. وربما يكون هذا السؤال ما يعطي الفيلم قيمة استثنائية تجعله حاضراً بقوة ليلة اختتام الدورة... ربما!

الحياة اللندنية في

21/05/2012

 

أحلام كبيرة تُراود مهرجان كان السينمائي الليلة

 (مسعود أمرالله آل علي 

مع افتتاح مهرجان كان السينمائي في نسخته الخامسة والستين الليلة، ماذا نتوقع أن تحمل لنا ؟ بين المسابقة الرسمية، وقسم "نظرة ما"، وبين "نصف شهر المخرجين"، و"أسبوع النقاد"، ومسابقة الأفلام القصيرة، و"السيني فاونديشن".. لاشك هناك الكثير مما يُمكن توقعه إيجاباً بمجرّد التنقل بين هذه الأقسام ومعرفة الأفلام والأسماء التي تشملها؛ ولكن هل هي كذلك؟ ربما الأيام المقبلة ستكشف لنا الكثير.

لا تهدأ مدينة كان في شهر مايو، تبقى ساهرة اعتباراً من هذه الليلة وحتى الختام في 27، ومثل كل سنة، تبدأ بتوقعات وأحلام كبيرة، ثم لا تلبث أن تنطفئ في الليلة الأخيرة. لا تبدو هذه الدورة مغايرة عن سابقتها، بعض الأسماء الكبيرة تُعيد وتُكرّر ذاتها، حضور كثيف للسينما الأميركية في المسابقة كلها لأسماء جديدة تُشارك للمرة الأولى. فرنسا تُشارك بثلاث أفلام في المسابقة، وبإنتاج مشترك لعشرة أفلام أخرى من أصل 21 فيلماً.

تتوزع المناطق الجغرافية للأفلام المشتركة حسب جنسيات مخرجيها بين دول أوربية مثل: إيطاليا، النمسا، بريطانيا، الدنمارك، رومانيا وروسيا؛ وبين أميركا اللاتينية: البرازيل والمكسيك، وشمال أميركا من كندا، وحضور آسيوي ممثل في كوريا الجنوبية، بينما تغيب اليابان تماماً إلا من فيلم وحيد بإخراج إيراني، وفيلم وحيد آخر من الوطن العربي الذي يتواجد بشكلٍ معقول جداً مقارنة بالسنوات القليلة الماضية. هناك ندرة واضحة في الأفلام من إخراج نساء إلى درجة أن خلت المسابقة منها تماماً، فيما حظي"نظرة مابفيلمين فقط.

العريق الإيطالي بيرناردو بيرتولوتشي خارج المسابقة مع فيلم "أنا وأنتالمقتبس عن رواية نيكولا أمانتي حول شاب يساعد أخته على ترك إدمانها على المخدرات؛ والأميركي فيليب كوفمان يعود لمواضيعه الأثيرة من خلال ربط الأدب بالسينما في فيلم"هيمنغواي وغيلهورنالزاخر بالنجوم: نيكول كيدمان، كلايف أوين، روبيرت دوفال، وطوني شلهوب.

أسطورة الحب والإخلاص

الياباني تاكاشي ميكي مع "أسطورة الحب والإخلاص"، والإيطالي داريو أرجنتو مع "دراكولا"، كلاهما يحضران في عروض منتصف الليل التي عادة ما تكون مخصّصة لأفلام الرعب والأدرينالين. التايلاندي إبيشاتبونغ ويراسيثاكول الذي حاز على السعفة قبل سنتين عن "العم بونمييحضر في عرضٍ خاص مع "فندق ميكونغ"، كما التركي الألماني فاتح أكين.

أما "كان كلاسيك"؛ فهو عامر بالكثير من الأفلام التي تم إعدادها وترميمها، إضافة إلى أفلام جديدة تكون مواضيعها في الأغلب حول السينما. الفرنسي المخضرم كلود ميلر يختتم المهرجان بفيلم "تيريزا ديسكيروالذي يأخذنا إلى منطقة الأنديز في فرنسا بالقرب من بوردو، حيث يتم ترتيب أغلب الزيجات عن طريق دمج قطع الأراضي، وتوحيد العائلات المجاورة. هنا تصبح الآنسة"تيريز لاروكفجأة السيدة "ديسكيرو"؛ لتصطدم أفكارها الطليعية مع الاتفاقيات المحلية. ولأجل التحرّر من المصير المفروض عليها، ولتعيش حياتها كما تبتغي، ستلجأ إلى تدابير وطرق متطرّفة.

في قراءة سريعة لأفلام المسابقة الرسمية سنجد أنها تحفل بأسماء مخرجين سبق وأن حازوا على السعفة الذهبية: النمساوي مايكل هينيكه عن "الشريط الأبيضفي 2009، يعود هذه المرة مع "حُبمع الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير في حكاية درامية قاسية حول علاقة امرأة بأبويها بعد أن تُصاب الأم بسكتة دماغية. الروماني كريستيان مونجو نال السعفة في 2007 عن "أربعة شهور، ثلاثة أسابيع ويومانوهو هنا مع "ما وراء هيلزفي حكاية حب ساخطة يسودها صراع بين الروحانية والمادية. أما الإيراني المخضرم عباس كيارستمي؛ فقد حصد السعفة سابقاً عن فيلم "طعم الكرزفي العام 1997، وهذه المرة هو مع فيلم ياباني خالص باسم "وكمن في الحبحول علاقة مشوّشة بين فتاة شابة تبيع الحب، ورجل طاعن في السن. "حصّة الملائكةللبريطاني العريق الذي يخضر كين لوتش للمرة الحادية عشرة في المسابقة الرسمية، وسعفة ذهبية لفيلم "الريح التي تهز الشعيرفي 2006.

ضوء بعد الظلام

أسماء مخضرمة أخرى ومعتادة على المسابقة: الفرنسي المخضرم آلان رينيه يُشارك للمرّة السابعة في المسابقة الرسمية بفيلم "لم تر شيئاً بعد". والكندي ديفيد كرونينبيرغ مع "كوزموبوليسفي رابع مشاركة في المسابقة الرسمية، وسبق أن حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلم "كراشفي العام 1996. أما الكوري الجنوبي هونغ سانغ-سو فهذه المشاركة الثالثة مع "في بلد آخر"؛ كذا الفرنسي جاك أوديار مع "صدأ وعظمالذي تلعب البطولة فيه الفرنسية ماريون كوتيار.

والأمر كذلك مع البرازيلي المميز والتر ساليس الذي يأتي مع "على الطريق". المكسيكي الاستثنائي كارلوس ريغاداس يمضي بخطى واثقة بعد ثلاث مشاركات من أصل أربعة أفلام أخرجها للآن، هو هنا مع "ضوء بعد الظلام". الكوري الجنوبي الآخر في المسابقة سانغسو يأتي في ثاني مشاركة مع "طعم المال"؛ كما الفرنسي ليو كاراكس الذي يحضر مع "هولي موتورز"، فيما كانت المشاركة الأولى في العام 1999 مع فيلم "بولا إكس". المشاركة الثانية للدنماركي توماس فينتربيرغ بعد "الاحتفالفي العام 1998 مع "المطاردة"؛ والنمساوي أولريتش سيدل مع "الجنة: الحببعد "استيراد - تصديرفي 2007.

أما "واقعللإيطالي ماتيو غاروني، فهو يعود للمسابقة للمرة الثانية بعد أن قدّم تحفته "غومورافي العام 2008 وحصد عنه الجائزة الكبرى؛ أما الروسي سيرغي لوتزنيتسا يأتي مع "في الضباببعد "فرحيفي 2010.

مخرجون للمرة الأولى

مخرجون للمرة الأولى في المسابقة الرسمية: المصري يسري نصرالله مع فيلم "بعد الموقعةالذي يسرد حكاية بين شاب فقير باسم سمرة مارس العنف ضد متظاهري الثورة، وبين فتاة ثورية أرستقراطية منة شلبي في زمن ما بعد الثورة. المخرجون الأميركيون الأربعة يُشاركون للمرة الأولى في المسابقة بلا استثناء: أندرو دومينيك مع "قَتلِهم بهدوءبطاقم طويل من النجوم في التمثيل: براد بيت، جيمس غاندولفيني، راي ليوتا، ريتشارد جينكينز، بين مندلسون، وسام شيبارد. أما جون هيلكوت؛ فيحضر مع"بلا قانون"، فيما يأتي لي دانيلز مع "الفتى الورقيمن تمثيل: ماثيو مكاوني، نيكول كيدمان، جون كوزاك، وزاك إيفرون، بالإضافة إلى صاحب فيلم الافتتاح ويز أندرسون مع "مملكة مونرايز"

نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية

الـ mbc.net في

17/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)