حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الخامس والستون

يوميات «كان» السينمائي 2012

لها فيلمان معروضان في «كان».. جيسيكا شستين: ما زلت أحاول هضم تجربة وجودي في المهرجانات

كان: محمد رُضا

لقطة أولى

* مهرجان القاهرة يعود

* عقد رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، الزميل يوسف شريف رزق الله، مؤتمرا صحافيا في مركز الفيلم المصري في «كان»، حيث أخبر الصحافيين أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عائد في السابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى السادس من ديسمبر (كانون الأول). الإعلان استقبل بترحاب كبير، فغياب المهرجان في العام الماضي بسبب الأحداث التي وقعت خلق فراغا معينا في خريطة المهرجانات العربية كونه واحدا من أقدمها. وللمهرجان الآن إدارة جديدة، إذ تم استبدال معظم من كان في الإدارة القديمة. الإدارة الفنية لماجدة واصف، والمدير الفني لورشات العمل هو المنتج وكاتب السيناريو محمد حفظي. نائبة الرئيس هي الناقدة خيرية البشلاوي، والمسؤول الإعلامي هو ياسر موهب، ويقوم الزميل طارق الشناوي بالإشراف على المطبوعات، بينما تقوم المخرجة هالة خليل بإدارة ما تم تسميته «ترويج كتابة السيناريو».

* خطوات حميدة.. لكن هل سينجح المهرجان في تجنب إخفاقات الأعوام الماضية وجلها تنظيمي؟ وهل سيستطيع القفز فوق الحواجز المستعصية التي زادت ارتفاعا بوجود مهرجانات خليجية تملك الميزانيات والخبرات التي خطفت من مهرجان القاهرة أضواءه منذ 10 سنوات أو نحوها؟ لا يبدو أن هذا آيل للتحقيق، ولو أنه مأمول بكل ما في الغايات النبيلة من صدق. فلكي يتجاوز هذا المهرجان الدولي عثرات الماضي، عليه أن يلغي معظم ما سبق من تنظيم وشؤون إدارية وطرق برمجة وأقسام والبدء من جديد من الصفر. عليه أن يخرج من صندوق الأمس ويتغلب على الميزانية التي نعلم أنها مهما كبرت ستبقى، بالمقارنة، محدودة، عن طريق الإتيان ببرامج جديدة ومسابقات أكثر تنوعا وابتكارا.

* ثم هناك تلك المسألة التي لا يكل المهرجان عن الاتكال عليها في إعلامه: إنه واحد من المهرجانات الدولية الـ14 المعترف بها عالميا، كونه منضم إلى «الاتحاد الدولي للمهرجانات». هذا يعني أن هناك نحو 100 مهرجان دولي كبير يجب أن نلغيه من تفكيرنا لأنه غير معترف به عالميا. لكن الحقيقة أن الاعتراف العالمي متوفر لكل منها، وأن الانضمام إلى الاتحاد الدولي للمهرجانات ليس بالميزة المهمة إلى الحد الذي يعمد المهرجان لنشره. سنجد مثلا أن هذا الإعلان متاح لمهرجانات أخرى منضمة إلى ذلك الاتحاد (مثل «كان» و«برلين» و«لوكارنو») لكنها لا تكترث لاستخدامه في حملاتها الترويجية. وسنجد أن المهرجانات العربية الأخرى غير المنضمة إلى ذلك الاتحاد، لا تتأثر بذلك.

ما يبدو أن غاية التذكير الدائمة بأنه واحد من أكثر من مهرجان منضم إلى الاتحاد هو الإيحاء بأنه رسمي أكثر من سواه. لكن الشأن الرسمي لا علاقة له بموضوع الإجادة وشغل المهرجانات الحديث.

* وهناك مهرجانان آخران تم الإشارة إليهما في ذلك المؤتمر، حسب ما تناقله الحاضرون، هما مهرجان الإسماعيلية التسجيلي الذي يقوم الناقد أمير العمري بإدارته ومهرجان الأقصر الجديد. اللافت في الأول أن مديره يهدف إطلاق دورة مدروسة من كل النواحي وتطوير فكرة المهرجان إلى حدث فني شامل يتكرر في أكثر من مكان، وقد اتفق مع «المؤسسة الملكية للأفلام» في الأردن على عرض الأفلام المشتركة في المهرجان في تظاهرة أردنية خاصة. أما المهرجان الثاني فهو يقام للمرة الأولى ويتخصص في عرض الأفلام المصرية والأوروبية فقط، على الرغم مما يحمله ذلك من تناقض ضمني.

جيسيكا شستين: ما زلت أحاول هضم تجربة وجودي في المهرجانات

جيسيكا شستين في «كان» بسبب فيلمين معروضين. أحدهما في المسابقة بعنوان «بلا قانون» (استقبله النقاد بفتور) والآخر معروض خارج المسابقة وتمثل فيه بصوتها فهو فيلم رسوم متحركة (أنيماشن) وعنوانه «مدغشقر 3».

وكانت في هذا المهرجان قبل سنة حينما ظهرت مع براد بت في «شجرة الحياة»، وكان ذلك فيلمها السابع في 4 سنوات. ومنذ عروضه «الكانية» ظهرت في 7 أفلام أخرى يجمعها كلها أنها فنية، ولو بدرجات متفاوتة، فهي لعبت الفيلم الذي وصل للأوسكار في مطلع هذا العام، وعنوانه «المساعدة»، وظهرت مع آل باتشينو في فيلم من إخراجه هو «سالومي حسب وايلد»، وفي محاولة لم تعرف النجاح بعنوان «حقول قتل تكساس» الذي اشترك في مهرجان برلين الأخير.

هي ممثلة موهوبة بلا أدنى شك. تعيش حالات متعددة بنفس القدرة والجدية. ولدت قبل 35 سنة ورقصت الباليه منذ أن كانت في الثالثة عشرة ثم دلفت إلى التمثيل بعد أعوام قليلة وجالت مسارح ولاية كاليفورنيا مع أدوار شكسبيرية أهمها بالنسبة إليها، وكما أشارت أكثر من مرة، دورها في «روميو وجولييت». ثم انتقلت إلى لوس أنجليس لتعيش مرحلتها المقبلة من دون أن يكون لديها أي رهان عما إذا كانت ستنجح أما لا. وقد نجحت.

·         هذه هي فترة نشطة من حياتك الفنية.. 7 أفلام في العام الماضي و5 هذا العام..

- إنها الصدفة مع بعض النجاح، ولن أعتذر عن ذلك (تضحك).

·         لكني كنت أذكر ذلك من باب التأكيد على نشاطك وكمعجب..

- شكرا.. حين أفكر في ذلك بنفسي أجد أنني لا أستطيع الاعتراض. إذا ما لاحظت فستجد أن الكثير من الممثلات اللاتي ما زلن نسبيا جديدات عادة ما يتلقفن العروض يمنة ويسرة في بداية الأمر، ثم تهدأ الأمور قليلا بعد ذلك.

·         أتيت من خلفية مسرحية.. كيف يساعد ذلك مهنتك بوصفك ممثلة سينمائية؟

- أتيت من المسرح الاستعراضي ثم تدرجت في تمثيل مسرحيات شكسبير ثم ظهرت في التلفزيون قليلا، والآن في السينما، ولا أدري بعد أين هو الخط الفاصل بين ماضي الفني وهذه المرحلة من مهنتي كممثلة. عما إذا كانت التجربة المسرحية تساعد الممثل السينمائي فيعتمد ذلك على الأدوار في الحقيقة. كلما كان الدور عميقا ومكتوبا جيدا استدعى من الممثل الاستعانة بمفرداته من الأداءات، وكثير منها تكون في الواقع قبل نجاحه في السينما. الأدوار الأخرى تستدعي كذلك الاهتمام والمعرفة في كيفية الحفاظ على نقطة متوسطة تلتقي فيها الخبرة بالغاية المنشودة وراء فيلم أقل في متطلباته الفنية من أفلام أخرى.

·     تبدين قادرة على تجاوز مشكلة الانتقال من شخصية إلى شخصية، لكن خلال تصوير شخصية ما، هل تعيشينها بعد التصوير أيضا؟

- أفكر كثيرا فيها بعد نهاية التصوير. تلازمني لكن في حالة واعية. وأعتقد أن هذه الحالة تنحصر هذه الأيام في الأدوار التي أمثلها مع فنانين ومخرجين كبار. مثلا لم أستطع الانفصال بتفكيري عن شخصيتي في «شجرة الحياة» حال انتهاء التصوير رغم أنها شخصية بسيطة وأسلوب المخرج يعتمد على التعبير بالصورة متجاوزا التعبير الذي يقوم به الممثل تبعا للمشهد وللشخصية المرسومة.

·     في العام الماضي كنت هنا لأجل ذلك الفيلم الذي فاز بالجائزة الأولى في «كان» والآن أنت في «كان» لفيلمين. هل بدأت تشعرين بالألفة مع المكان؟

- في العام الماضي كان كل شيء جديدا تماما. وكانت خطوة كبيرة بالنسبة لي أن أكون هنا. وأذكر أنني قلت في نفسي إنها صدمة البداية. ليس أنني لم أقدر هذا الاحتفال وما شعرت به من تقدير، لكني كنت أعتقد أنني إذا ما عدت فسيكون ذلك عاديا. هذا العام أصارحك أن كل شيء يبدو كما لو كان للمرة الأولى. ما زلت أحاول هضم تجربة وجودي في المهرجانات.

·         أفلامك تغزو المهرجانات بكثرة هذه الأيام. هل أنت مستعدة للأضواء؟

- (تصرخ) نعم (تضحك). دعنا نرَ. عندي فيلمان هنا في «كان»، وكان عندي فيلم في برلين («حقول القتل في تكساس») وفي العام الماضي فيلم هنا وفيلم في فينيسيا (سالومي حسب وايلد). أعتقد أني سأكون في فينيسيا هذا العام بفيلم أو فيلمين.. نعم أنا مستعدة. آه.. ونسيت «سندانس» أيضا. نعم أعتقد أني مستعدة، لكني دائما أتذكر أنه حينما انطلقت في مهنتي لم يكن كل ذلك واردا.

·         إلى ما تعيلين نجاحك؟

- أعتقد أن الحظ يلعب دورا، لكن، بكل صدق هناك قدر كبير في أن تكون موجودا في المكان المناسب في الوقت المناسب. وأن تترك لموهبتك الباقي.

·         ألا تقللين من عنصر الموهبة بذلك؟

- لا أعتقد.. لكني لا أشق طريقا لم يشقه غيري من قبل. بعضهم أكثر موهبة وبعضهم الآخر أقل موهبة. هناك الكثير من الممثلين والممثلات الموهوبين الذين ما زالوا يدورون في حلقة مفرغة يحاولون اختراقها لكي يصلون إلى الشهرة. وفي المقابل الكثير من الممثلين الذين بلغوا الشهرة قبل استكمال استعدادهم كفنانين.

·         حدثيني عن تجربتك مع آل باتشينو في ذلك الفيلم الذي لم يشهد العرض الذي يستحقه..

- هذا صحيح بالفعل. لم ينل العرض الذي يستحقه، لكن آل يعرف ذلك من البداية. لم يصنعه للعروض التجارية.

·         لكن حتى العروض المهرجاناتية لم تلفت النظر إليه كثيرا.

- هناك نقاد كثيرون كتبوا عنه، لذلك لا أعرف مدى صحة اعتقادك. لكن بالنسبة لي شخصيا وجدت أنني في رحاب فني شامل. تعلم أنه يدور حول أوسكار وايلد بقدر ما يدور حول مسرحيته «سالومي»، وعندما جلست لأراقب الفيلم في العام الماضي كنت مأخوذة بالتوازي بين حكاية باتشينو نفسه كمخرج يتحدث عن نفسه، ثم كمخرج خلال تحقيق المسرحية وكمخرج للفيلم. ثم كيف نجح في عملية توليف هذه الخطوط لينقل عبرها رؤيته إلى الموضوع. أعتقد أن ذلك كان جهدا رائعا من قبله.

·         حين تتحدثين عن بداياتك ما الذي يستوقفك أكثر من سواه؟

- تقصد حين أتذكر بداياتي؟ أتذكر ما قبل البدايات في الواقع. فأنا دائما ما كنت أعلم أني سأصبح ممثلة. كنت أقول لوالدي ذلك وأتلقى نظرات متسائلة، ثم همهمات من نوع «سنرى». لكني كنت مصرة وأصبحت أتحدث بلغة الواثق وأقول «أنا ممثلة». أعتقد أن والداي لم يرغبا في صدي وإعادتي للواقع أو إظهار أنني أحلم بما هو صعب تنفيذه. لكنهما كانا يشجعاني، بل إن ذلك الموقف كان مشجعا.

·         حين انتقلت إلى هوليوود لتعيشي حالة سينمائية متكاملة.. ماذا وجدت في استقبالك؟

- حين انتقلت إلى هوليوود لم أكن أعلم أي شيء عما يخبئه المستقبل لي. أعتقد أنني فهمت حقيقة أنني قد لا أعجب الكثيرين. وكنت جادة على الرغم من محاولاتي أن أبدو غير ذلك. كان لدي دائما السؤال حول ما إذا كانت هوليوود ستجد عملا لي يناسب طموحاتي. لكن في البداية بالطبع تضع طموحاتك جانبا. تقوم بما تستطيع.

·     لكنك حققت الكثير منذ عام 2008 إلى اليوم. ولديك 14 فيلما منذ ذلك الحين، بينها فيلمك الأخير «بلا قانون». كيف وجدت العمل في هذا الفيلم؟

- لم يسبق لي أن مثلت مع أي من الممثلين الآخرين فكان ذلك مناسبة للتعرف شخصيا على الممثلين وأكن احتراما كبيرا لغاي بيرس وتوم هاري وغاري أولدمان وميا وازسكوفسكا وشايا لابوف. كذلك هي المرة الأولى التي مثلت فيها تحت إدارة المخرج جون هيلكوت وأعرف الآن أنه إنسان متأن ويعرف ما يريد من الممثل.

·         لديك فيلم آخر مع المخرج ترنس مالك بعنوان «للعجب».. متى سيبدأ تصويره؟

- هذا هو العنوان حتى الآن وموعد تصويره، الذي قد يتغير من جديد، هو خريف هذه السنة.

·         بصراحة، ما رأيك بترنس مالك؟

- بصراحة رأيي فيه أنه مبدع رئيسي في الحياة الفنية حول العالم. رأسه مشغول بالصور وعالمه مختلف وقصصه دائما جديدة. إنه في السينما لكي يضيف شيئا لا يستطيع آخرون إضافته لأن تفكيره وأسلوبه يختلفان.

أفلام «كان»

- حب هينكه للفيلم البسيط والمعقد طريقه إلى السعفة

- يا خيل الله (3*) - إخراج: نبيل عيوش - مغربي - فرنسي (قسم «نظرة ما»)

* في عام 2003 شهدت الدار البيضاء سلسلة انفجارات قام بها متطرفون إسلاميون ونتج عنها سقوط ضحايا أبرياء على أيدي حفنة اعتنقت سبيل الإرهاب وسيلة لنشر فكرها ومناهضتها للنظام القائم. في عداد ما كانت تلك الفترة تشهده مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 فإن هذه العمليات حظيت باهتمام كبير وفي الوقت ذاته اعتبرت جزءا من الوضع الأكثر شمولا الضارب في اتجاهات العالم المختلفة. وكل من هذين الاعتبارين صحيح.

المخرج نبيل عيوش، صاحب أفلام نجحت سابقا في لفت نظر متابعي السينما وهواتها، وإن لم تنجح دائما في توفير خامة فنية رصينة ودائمة، يعود إلى أجواء «على زويا» (فيلمه الثاني - 2000) حيث الحارات الشعبية المقامة عشوائيا بأسقف من صفيح وأزقة من الماء السائب والوحول والساحات التي يلعب فيها الأولاد ويتشاجرون. هنا الحارة هي بن مومن في ضواحي الدار البيضاء، وهي مرتع فقر ظاهر. أبطاله هم مجموعة من الأولاد الشرسين الذين يؤلفون شللا تتقاتل في ما بينهم. بؤرة اهتمام المخرج سريعا ما تتحدد بالحديث عن ولدين شقيقين هما حميد (عبد الله راشد) وياسين (عبد الحكيم راشد). حميد أكثر تهورا لكنه يحب شقيقه ويدافع عنه. ومن الشلة ذاتها هناك نبيل صديق ياسين الذي يتعرض للاغتصاب من قبل ولد لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.

لا أدري ما إذا كان هناك أي وضع واقعي لما يصوره المخرج أمام الكاميرا، بما فيها الشرب والتدخين والقتل والاغتصاب في سن مبكرة، لكن المخرج يربط كل ما نراه بالفقر والجهل ثم هذا العامل بالتوجه صوب الإرهاب كسبب أول وأساسي في انتشار الظاهرة. في هذا الإطار يضع يده على عامل مهم، إن لم يكن الأهم، لكن في الصياغة الفنية فإن الناتج ليس على ذات المستوى الجاد.

إذ يغرف المخرج في بداية الفيلم من الكاميرا المعايشة للبيئة بكل مفردات تلك المعايشة من كاميرا محمولة ولاهثة وتوقيت متتابع ومتوتر وضجيج صارخ ينقلب 180 درجة صوب أسلوب بصري مختلف يسوده هدوء ورغبة في دراسة الماثل على الشاشة. هذا ما يخلق أسلوبين غير ملتقيين إلا بمقدار ما يربطهما إخراج مشترك، ويكشف - إلى حد – عن أن النزعة للاستعراض كانت غالبة خصوصا في ذلك القسم الأول الذي تنتهي أحداثه سنة 2001 بخروج حامد من السجن بعدما آل إليه لسنوات، وانضمامه مع شقيقه إلى المجموعة المتطرفة التي تسعى لإرسال أفرادها إلى الموت على أساس أنه الطريق إلى الجنة بصرف النظر عن الضحايا التي ستسقط في هذا السبيل.

فيلم نبيل عيوش ليس خطابيا ولا يحاول أن يصنف نفسه حاكما أو مدافعا، لكنه في الوقت ذاته يركن إلى شخصيات مرسومة كرتونيا إلى حد بعيد. المهمة التي يتصدى لها كانت تحتاج إلى أن يرسم لتلك الشخصيات المتطرفة البعد الأعمق لكي يبتعد عن التنميط.

التصوير والإخراج جيدان، وكذلك التمثيل. وهو ينجز ما أراده المخرج بالطريقة التي يعتقد أنها مثلى: استعراضي للحالة أكثر مما هو ماض في تحليل وتفسير مسبباتها. على ذلك، لديه طريقة في التعامل مع الأولاد كممثلين لا نجدها متوفرة بالأسلوب الطيع والتلقائي ذاته لدى أي مخرج آخر. في نهاية المطاف هو فيلم قد يحمل المشاهد لاعتباره عملا يستغل الواقع لحسابه الخاص، كما قد يذهب البعض للقول، أو قد يحمل المشاهد لتقدير الخطوة على أساس أنها إنما تنقل الواقع وتبحث في أسبابه. على الرغم من أن الفيلم ليس استغلالا، إلا أن الأسباب الواردة ليست كافية وربما استطاع عرضها أو الحديث عنها في فيلم آخر.

الشرق الأوسط في

24/05/2012

 

النقد العالمي معجب أقل:

كياروستامي بفيملين

محمد رضا – كان 

بينما احتفى مهرجان "كان" بجديد المخرج الإيراني عبّـاس كياروستامي «كواحد في الحب» عارضاً إياه بين أفلام المسابقة، تم إطلاق فيلمه السابق «نسخة مُـحتـلّـفة» (حسب العنوان الإنكليزي) أو "نسخة طبق الأصل» (بترجمة العنوان الفرنسي) على أسطوانات جديدة في مطلع هذا الشهر. إنها ليست المرّة الأولى التي يتم خلالها إطلاق هذا الفيلم المصنوع سنة 2010 والذي اشترك في دورة كان في ذلك العام، على أسطوانات، لكن الطبعة السابقة حملت الفيلم وحده، في حين هناك بعض المعلومات والإضافات على الطبعة الجديدة.

لقد رفع الإعلاميون والمهرجانيون والنقاد الغربيون، وبعد ذلك بعض العرب، المخرج عبّاس كياروستامي إلى مصاف جهابذة الإخراج حتى من قبل أن يترك البلاد ونظامه في العام الماضي. في كنف ذلك النظام، كان كياروستامي يصنع أفلاماً لا تناوئ السُـلطة بل السياق الجماهيري المعروف للسينما السائدة. ومع أن هذا ليس كافياً لاعتبار من يقوم بذلك مخرجاً فنّاناً، إلا أن الغرب، وبعده بعض العرب كما أسلفت، حضن كياروستامي على أساس أنه مبدع ينتمي الى رهط السينمائيين المؤلّفين لمجرد أنه ينفّذ فيما يفكّر به. لا اعتباراً جدّياً ما إذا كان ما ينفّذه فيه أخطاء في القواعد السينمائية0

في أفلامه السابقة، خط المخرج خطوطاً على رمال مهنته. أمسك بالكاميرا وصوّر، ثم أمسك غيره بالكاميرا وصوّره. صنع أفلاماً طويلة لمجرد أن مشاهدها لا تنتهي وهذا غير ما يصنعه مخرجون كباراً من فئة تاركوفسكي وأنجيليبولوس او أنطونيوني. وقف أمام الكاميرا في "عشرة" وسرد عليناً درساً ألّفه في السينما محا فيه جهود سواه معتبراً أن طريقته هي الطريقة. جيّر فيلماً عن أطفال الأيدرز في أفريقيا، حمل اسم «أ ب س أفريكا»، لصبح فيلماً عن كيف "اتصلت بي الأمم المتحدة لتطلب مني أنا صنع فيلم عن الأيدز وكيف ذهبت الى هناك وكيف اشتغلت وتعاملت وكم رق قلبي حيال أطفال الأيدز". 

ما ينضوي «نسخة مُـحلّـفة» عليه هو أن مؤلّفاً يصل متأخراً على قاعة فيها نحو خمسين شخصا في بلدة إيطالية في مقاطعة توسكاني ليلقي خطاباً بالإنكليزية (فهم الإيطاليون الإنكليزية او ما فهموا) فتتسمّـر الكاميرا عليه وهو يتحدّث بما يعتبره الخطيب والفيلم معه مهمّـاً بينما هو ليس كذلك. الى القاعة ذاتها، تدخل جولييت بينوش التي وصلت أيضاً متأخرة واتجهت الى الصف الأول وجلست على كرسي محجوز (لعلّه للمؤلف). لقطات طويلة عليه وأخرى عليها وعلى ابنها ثم تكتب رقم هاتفها وتتركه عند الجالس بقربها لإيصاله الى المؤلّف0

المؤلّف واسمه جيمس (ويليام شيمل) يقصد الغاليري الذي تديره إيلي (بينوش) والكامن تحت الأرض وتلتقيه ويقترح عليها أن تأخذه الى حيث يمكن أن يرتشفا فنجاني قهوة. توافق. تودّع قطّتها وتغلق المحل وتأخذ صاحبنا في رحلة في السيارة الى بلدة أخرى، يسوقان، يصلان، يمشيان، يدخلان غاليري آخر. يستمعان، يدخلان مقهى. يخرجان من المقهى. يدخلان مطعماً. يخرجان من المطعم. يسيران، يجلسان على درج وهكذا. كل ذلك والحوار بينهما لا ينقطع مع تطوّر واحد في كل هذا السياق المضجر وهو أن ايلي أخذت تعتبر، على حين غرّة ومنذ أن اعتقدت امرأة تدير المقهى رقم واحد، أن جيمس زوجها، أنه زوجها بالفعل. والمؤلّف، من دون سبب لا ظاهر ولا باطن، يماشيها ويستجيب لهذا الاعتقاد ويعاملها كما لو كانت زوجته من خمسة عشر سنة وكما لو أن إبنها الذي بقي في البيت هو إبنهما المشترك0

خذ مثلاً المشهد الذي يجلسان فيه في مطعم وكيف يتذمّر المؤلّف من الخدمة قبل أن تبدأ. ينادي النادل المشغول الذي -من دون الاكتراث للقطة له تظهر شخصيّته- يطلب من جيمس الانتظار لكن هذا يطلبه الآن. يسأله زجاجة خمر. حين تعود "الزوجة" من الحمّـام وقد تزيّنت، يفاجئها جيمس بالتجاهل وبثورته على النادل الذي أعطاه خمراً لا يعجبه واختفى. كما صوّر العبقري كياروستامي المشهد، فإن لا مبررات لأي مما يقع. لا مبرر لتجاهل النادل تأمين الخدمة، ولا مبرر أن يخلو المطعم من سواه، ولا مبرر لثورة الزوج، خصوصاً بعدما دخل المطعم ويده فوق كتف ايلي برقّة، ولا مبرر لتقطيع اللقطات على هذا النحو. لكن الفيلم بأسره لا مبرر له وليس فقط ذلك المشهد0

الفيلم الجديد الذي عرضه كياروستامي في "كان" في هذه الدورة، «مثل واحد في الحب» هو، في نظر العديدين هنا، أسواً. حكاية يابانية الجغرافيا حول الفتاة الجميلة التي يتم إرسالها إلى بيت بروفسور جامعي عجوز لأنها تعمل بائعة هوى في الليل لتتدبّر تكاليف دروسها في النهار. العجوز يجد نفسه متورّطـاً في خلاف بينها وبين خطيبها الذي يعتقد خطأ أنه جدّها. حين يكتشف الخطيب أن العجوز ليس كذلك يثور ويهدده. ينتهي الفيلم بحجرة يرميها، من أن نراه، على نافذة غرفة العجوز الذي يتراجع ويسقط. انتهى الفيلم.

من استطلاعات الرأي التي انتشرت في هذه الدورة يجد المرء أن فيلم كياروستامي الأخير هذا نال حظـاً أقل من القبول النقدي من سابقه. معظمه لم تثره مسألة تصوير فيلم لا يخلو من الخطأ في أكثر من مكان (أخطاء سخيفة الحدوث لكنها دالّـة) لكن المشكلة الأساسية التي تعكس فشل هذه الخطوة هو أن الفيلم الجديد إذ تقع أحداثه في اليابان فإنه لا يحمل أي سبب ثقافي او درامي لذلك. ليست هناك هوية يابانية لما يقع بل أن الحكاية قد تقع في جنوب أفريقيا او في كندا إذا شئت لها.

الجزيرة الوثائقية في

24/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)