حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الخامس والستون

«كان» يقع في «حبّ» مايكل هانيكي

عثمان تزغارت/ كان

أسدل «مهرجان كان» أمس ستارته، متوّجاً المعلّم النمساوي مجدداً بالسعفة الذهبية. جوائز الدورة 65 لم تشكّل مفاجأة بعدما جاءت الأفلام متقاربة، خيّم عليها الحبّ المستحيل، والرأسمالية والسفر

على الورق، كانت الدورة 65 من «مهرجان كان» واعدة على كل الصعد. كوكبة لامعة من كبار صنّاع الفن السابع شاركوا في أعمال تتسم بالثراء والتنوع، وتيمات إشكالية كان متوقعاً أن تثير الجدل. لكن الرتابة خيمت على المهرجان، ولم يعثر جمهور الكروازيت على فيلم ينال الإجماع.

وإذا كانت أعمال سينمائيين أمثال والتر ساليس (على الطريق) أو ديفيد كروننبرغ (كوسموبوليس) قد خيبت الآمال، فإن أعمال بقية «الكبار» جاءت مميزة، لكن متقاربة، بدءاً من تحفة عباس كياروستامي «مثل عاشق»، مروراً بـ«حبّ» مايكل هانيكي الذي توّج بالسعفة الذهبية أمس بعد ثلاث سنوات فقط على نيله الجائزة نفسها عن «الشريطة البيضاء» (راجع المقال أدناه)، وصولاً إلى «نصيب الملائكة» لكين لوتش (جائزة لجنة التحكيم)، و«ما وراء الهضاب» لكريستيان مونجيو (جائزة السيناريو وجائزة أفضل أداء نسائي مناصفة بين كوسمينا ستراتان وكريستينا فلوتور). لذا، كان بإمكان الجوائز الرئيسية أن تتوزع بأكثر من طريقة، من دون أن يثير ذلك اعتراضاً.

لم يقتصر الأمر على تقارب المستويات الفنية. كان لافتاً تقارب التيمات، أبرزها تيمة الحبّ المستحيل التي كانت بمثابة بصمة «كان». كأنّ المصير التراجيدي لمارلين مونرو التي اختيرت أيقونة الدورة، ألقى بظلاله على مصائر شخوص الأفلام المشاركة. اختار عباس كياروستامي ومايكل هانيكي منحىً تفكيكياً ولغة مكثفة لسبر أغوار علاقات حب إشكالية وقصة زوجين عجوزين تباعد بينهما أعراض المرض والشيخوخة. بينما تناول أوديار ومونجيو التيمة ذاتها في قالب إنساني مؤثر. الأول صوّر معاناة عاشقين تفصل بينهما الإعاقة الجسدية، بينما تناول الثاني حرقة عاشقتين مثليتين تمزقهما عقدة الذنب الدينية التي تلقي بظلالها على علاقتهما «المحرّمة».

شكّلت المرافعة ضد شطط العولمة الليبرالية ثانية أبرز تيمات الدورة. في «كوسموبوليس»، قدم ديفيد كروننبرغ اقتباساً لرواية دون دليلو التي تروي يوماً في حياة رجل أعمال ثري (روبرت باتنسون) يستقل سيارته الليموزين في نيويورك للذهاب عند الحلاق، لكنه يعلق في أزمة سير بسبب تفجّر الأزمة المالية التي عصفت بوول ستريت في صيف ٢٠٠٨، قبل أن تمتد الى العالم. وإذا بالنظام الرأسمالي العالمي يختنق في «عجقة» الأزمات. تيمة الرأسمالية تناولها كين لوتش في «نصيب الملائكة» الذي نال جائزة لجنة التحكيم. يروي الشريط قصة شلة من الشبان المدانين بارتكاب سرقات صغيرة، يُحكم عليهم بساعات من الأشغال ذات المنفعة العامة، ويجدون في هذا البؤس الاجتماعي ملاذاً في ممارسة هواية ارتياد نوادي تذوق الويسكي الإيرلندي. حين صعد «اليساري الأشهر في السينما المعاصرة» لتسلّم جائزته أمس، وجّه تحية «إلى كل المناضلين ضدّ التقشّف» في إشارة إلى «الغاضبين» مثل «احتلوا وول ستريت» وحركات الاحتجاج ضدّ العولمة وتجاوزات الرأسماليّة. الى ذلك، شكلت أفلام السفر تيمة ثالثة. إلى جانب ليموزين كروننبرغ، هناك ليموزين مماثلة يتنقل فيها بطل Holy Motors لليوس كاراكس. وبالطبع، شكل السفر محور «على الطريق» المقتبس عن رواية جاك كيرواك. لكنّه خيّب الآمال بعدما جاء رتيباً. وبين المكسيك وإسبانيا وبلجيكا، يدور فيلم المكسيكي كارلوس ريغاداس «ضوء بعد العتمة» الذي حاز جائزة أفضل إخراج. فيما حاز جائزة «الكاميرا الذهبية» فيلم «وحوش الجنوب البري» للأميركي بن زيتلن.

أما الجوائز الأخرى، فقد توزّعت على الدانمركي مادز نيكلسن الذي نال جائزة أفضل ممثل عن دوره في The Hunt. فيما منحت لجنة التحكيم التي يرأسها ناني موريتي الإيطالي ماتيو غاروني الجائزة الكبرى عن «واقع» الذي يوجّه تحيّة الى سينما الواقعية الإيطالية في الستينيات. وكان غاروني قد حاز قبل أربعة أعوام الجائزة الكبرى أيضاً عن فيلمه «غومورا».

 الأخبار» 24/5/2012)،

رغم الهجمات التي تعرض لها في الإعلام الجزائري

عرب المهرجان: جدل وجائزة

حصل «التائب» لمرزاق علواش على جائزة «أوروبا سينما» ضمن تظاهرة «أسبوعي المخرجين». ويبدو أنّ «بعد الموقعة» ليسري نصر الله يواجه حملة مماثلة، والحفاوة النقدية التي استقبل بها على الكروازيت، زادت منتقديه عدائيةً. إذ اتهم هؤلاء الشريط المصري بأنّه ذو تمويل منتج صهيوني! وغاب عنهم أنّ المنتج ليس سوى اليساري جورج مارك بن حمو الذي كان مستشاراً خاصاً للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، أدار في الثمانينيات مجلة «غلوب»، ثم أسبوعية l›événement du jeudi اليساريتين. ورغم كونه يهودياً فرنسياً من أصل جزائري، إلا أنّه لم تعرف عنه أي مواقف صهيونية.

الحبّ في كل أحواله

أستاذ جامعي ياباني عجوز يوزع وقته بين كتبه، ويتحايل على مرارة الوحدة وقسوة الشيخوخة، باستضافة بائعات هوى لمقاسمته العشاء. وإذا به يقع في غرام طالبة شابة قادمة من الريف تضطر إلى امتهان الدعارة لتمويل دراستها، وتجد في حنانه تعويضاً عن فظاظة خطيبها الأرعن. في المقابل، هناك زوجان فرنسيان مسنّان يعيشان حياتهما بهدوء، إلى أن تصيب نوبة دماغية الزوجة بالشلل النصفي، ما يدفع الزوج الى رهن كل وقته للاعتناء بها.

كان بإمكان قصتي الحب الإشكاليتين أن تجتمعا في فيلم واحد. لكن القصة اليابانية هي موضوع «مثل عاشق» لعباس كياروستامي، فيما تدور أحداث نظيرتها الفرنسية في «حبّ» لمايكل هانيكي. ورغم الفوارق المعروفة بين أسلوبي المعلمين الإيراني والنمساوي، إلا أنّ عوامل عدة تقرّب عمليهما بدءاً من المنحى المينيمالي الذي ينأى بنفسه عن البهرجة البصرية، وصولاً إلى الإيقاع البطيء والمشاهد التي يدور أغلبها في فضاءات مغلقة، مروراً بالأسلوب التفكيكي الذي لا يرسم بورتريهات شخوص الفيلمين وفق نمطية التنامي الخطي والحكائية الكلاسيكية، بل يميط اللثام عنها على دفعات، ليكشف تدريجاً عما يتفاعل في أعماقها من عقد وجراح وآلام دفينة.

لكن هذه التوأمة الفكرية والفنية بين الفيلمين لا تعني تشابه مضمونيهما. كلاهما يسلط الضوء على العنف النفسي والاجتماعي عبر قصة حب مستحيلة. هانيكي اختار كعادته الغوص في الجوانب الأشد قتامة في النفس البشرية. بعد العنف المراهق في فيلمه «ألعاب مسلية»، ها هو يسلط الضوء على عنف من نوع آخر. عنف لا ينبع من فورة الشباب، وما يحركها من تمرد وحبّ للحياة، بل من خريف الشيخوخة وما ينجم عنه من وهن وتهاوٍ جسدي وفكري. بعض مشاهد الفيلم التي يعتني خلالها جان لوي ترانتينيان بزوجته المقعدة (إيمانويل ريفا) تُعدّ الأقسى في أعمال هانيكي منذ «معلّمة البيانو».

ورغم أنّ جمهور المعلّم النمساوي اعتاد المضامين القاسية والرؤى السادية في أعماله، إلا أنّ «حب» شكّل صدمة قوية لمشاهديه، وخصوصاً أنّ هانيكي تعمّد مراوغة جمهوره الذي يتوقع طوال النصف الأول من الفيلم أن تتعلّق العقدة الدرامية بالانهيار التدريجي لحواس الزوجة المقعدة. وإذا بالمشاهد يفاجأ بانهيار أكبر هو الانهيار النفسي المدوّي للزوج الذي يتفاعل ويتصاعد على نار هادئة ولا ينتبه إليه أحد، حتى ابنته (الممثلة الأثيرة لهانيكي إيزابيل أوبير).

أما عباس كياروستامي، فيسلك طريقاً مغايراً لسبر أغوار العنف المطبق على العلاقات الإنسانية المعاصرة. عنف غير مرتبط بالنفسيات البشرية القاتمة أو بمفاهيم الخير والشر بمعانيها الكلاسيكية، بل بمصادفات الحياة ومفارقات الأقدار التي تصنع الأبطال وترقى بهم ليصبحوا بشراً خيّرين، وتطحن الأشرار في أتون العنف والإجرام. بهذا، يواصل صاحب «طعم الكرز» الأبحاث الجمالية والفكرية ذاتها التي بدأها في بيئته الإيرانية الأصل، بدءاً بـ«عشرة»، ثم انتقل بها الى الريفييرا الإيطالية في «صورة طبق الأصل» قبل أن يحط رحاله في طوكيو...

عثمان...

الأخبار اللبنانية في

28/05/2012

 

فجر يوم جديد:

القرار بيد الشريك الفرنسي!

مجدي الطيب 

أمر جائز ووارد بقوة أن يقرأ الناقد الحدث، سواء أكان فيلماً أو عرضاً مسرحياً، ثم يكتب عنه، متأثراً بخلفيته الثقافية أو مدعوماً بوعيه السياسي.

لكن ما هو غير جائز، ولا يمكن القبول به على الإطلاق، أن يُغير الناقد ويُبدل وجهة نظر تبناها المبدع في ندوة يحضرها المئات، وربما تبثها عشرات المحطات الفضائية، والشبكات الإذاعية، فينقل وجهة النظر بعدما يوجهها الوجهة التي يريد، إما بتجميلها أو تشويهها، وفي الحالتين يتسبب في إصابة القارئ، أو المتابع للندوة، بشيء من البلبلة، والكثير من الدهشة والريبة.

هذا الأمر هو ما حدث بكل تأكيد مع الكثيرين ممن قرأوا، مثلي، ما كتبه الناقد الكبير سمير فريد عن تداعيات ما بعد عرض الفيلم المصري «بعد الموقعة» في المسابقة الرسمية للدورة الخامسة والستين لمهرجان «كان» السينمائي الدولي.

أكد فريد بالحرف الواحد أن المؤتمر الصحافي، الذي استغرق ساعة كاملة، شهد سؤالاً للمخرج يسري نصرالله حول موقفه من عرض فيلم «بعد الموقعة» في إسرائيل، ورد نصر الله بأن توزيع الفيلم في أي دولة ليس من اختصاصه بل يدخل ضمن مسؤولية الشركة الفرنسية التي تملك حقوق التوزيع خارج العالم العربي.

هكذا كتب فريد، لكن ناقداً آخر كتب في جريدة أخرى، وفي اليوم نفسه، يؤكد أن المخرج يسري نصر الله أجاب على السؤال قائلاً: {لن أسمح بعرض فيلمي في إسرائيل»!

فأي الروايتين نصدق؟ وما الذي قاله نصر الله بالضبط لنفهم ما إذا كان يرفض بشكل قاطع عرض فيلم «بعد الموقعة» في إسرائيل أم أنه يترك القرار للشركة الفرنسية التي تملك حقوق التوزيع خارج العالم العربي؟

الرواية الأرجح والأكثر مصداقية تلك التي جاءت في تغطية الناقد الكبير سمير فريد، الذي تتمتع كتاباته ومتابعاته برصانة وجدية لا يتسرب إليهما الشك، خصوصاً أن ما قاله نصر الله يُذكرني بواقعة قديمة كنت شاهداً عليها عندما تناقلت الأخبار أن فيلماً للمخرج الكبير يوسف شاهين، أظنه «اليوم السادس»، اختير للمشاركة في مهرجان القدس العالمي للسينما عام 1986.

آنذاك، ما كان مني سوى أن ذهبت إليه مدفوعاً بحماسة الشباب، وواجهته بالاتهام، وبغضب لم ينجح في إخفائه دفع في وجهي بـ «فاكس» يحمل كلمة واحدة بخط يده هي «NO»، يرد بها على الشركة الفرنسية التي تملك حقوق توزيع الفيلم خارج العالم العربي، وتسأله رأيه في عرض الفيلم في «مهرجان أورشليم».

هو الموقف نفسه الذي يمكن أن يتعرض له المخرج يسري نصر الله في حال تفكير الشركة الفرنسية، التي تملك حقوق توزيع فيلم «بعد الموقعة» خارج العالم العربي، في عرضه في إسرائيل؛ لأن رفض المخرج يسري نصر الله غير مُلزم للشركة، ولا يُعتد به، وهي الحقيقة القانونية التي يُدركها نصر الله جيداً، ولهذا جاءت إجابته متسقة مع بنود العقد الذي حرره عندما أكد أن «الأمر خارج اختصاصه» بينما كان في مقدوره أن يستثمر الفرصة، ويتقمص شخصية «المناضل»، ويردد الكثير من المصطلحات «الثورية» والنظريات «الانتهازية»!

هل يعني هذا أن نصر الله فرط أو تنازل أو هادن ليكسب تعاطف الدوائر الغربية أو جماعات الضغط اليهودية؟

بالطبع لا؛ فمن يعرف، عن قرب، المخرج، الذي عاش الحرب الأهلية اللبنانية في شبابه، وقدم الفيلم الملحمي «باب الشمس»، الذي تحول إلى «أيقونة» القضية الفلسطينية على شاشة السينما العربية، يُدرك أنه كان صادقاً تماماً عندما قال، في المؤتمر الصحافي نفسه، إنه ليس سعيداً بعرض الفيلم في إسرائيل ما دامت تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وأعلن على الملأ أنه ليس ضد السلام بدليل علاقة الصداقة التي تجمعه وبعض المخرجين الإسرائيليين المدافعين عن حقوق الفلسطينيين.

هذا هو يسري نصر الله، الذي يتبنى الرأي الذي يتسق مع قناعاته وأيديولوجياته، ويتخذ المواقف التي تنسجم مع قراراته، ولا يعرف «العنترية» أو البطولة الزائفة، التي أراد «البعض» أن يُلصقهما به بالإدعاء عليه، زوراًً وبهتاناً، بأنه قرر، بشكل قاطع، «ألا يسمح بعرض فيلمه في إسرائيل» فهو أول من يعلم أن القرار ليس بيده… وحتى إذا أراد منع عرضه فإنه لن يستطيع!

magditayeb@yahoo.com

الجريدة الكويتية في

28/05/2012

 

مارلين مونرو… الفتنة النائمة

كتب: بيروت – محمد الحجيري 

ينتشر على صفحات الـ{فايسبوك» ألبوم صور للنجمة الأميركية مارلين مونرو وهي نائمة، صور توحي بكلمات كثيرة عن هذه النجمة التي تحول كل شيء حولها إلى أسطورة.

كثيراً ما نشاهد نجمات اليوم في غرف النوم يستعرضن مفاتنهن، لكن نادراً ما نجد صورة عفوية لمغنية نائمة في العالم العربي، صورة تتسم بالحسن فحسب. أما مارلين مونرو فيبدو أنها اقتنصت كل لحظة في حياتها لتوظفها في الصور، وهي نائمة، ترقص، يطيّر الهواء فستانها، عارية في الهواء الطلق، تغني، حتى في لحظة انتحارها أو مقتلها الملتبس كانت لها صورتها التي شغلت العالم.

حين نشاهد صور مارلين مونرو نائمة تصبح قصة «الأميرة النائمة» رتيبة ونهملها وننسى أننا تابعناها على الشاشة، فنوم مارلين فيه وقع آخر ولغة أخرى، ففي صورة واحدة يهيم المرء في تأمل على «الشقراء الغبية» التي خطفت بهشاشتها أبصار العالم، وما زالت الأكثر نضارة بصورها، ولم تتخطاها أي من النجمات الجديدات، لا مادونا ولا الليدي غاغا… مارلين هي الأساس والأخريات يدرن في فلكها على رغم أنها كانت من البساطة ما يكفي، لكنها تمتعت بهالة خاصة ثبتتها في الزمن ولم يستطع أحد إزاحتها من اللحظة الأيقونية.

كيف نرى مارلين وهي نائمة؟ هل نكتب عنها قصة، أم نحاول أن نضفي مشاهد متخيلة على نومها البارد والأنيق؟ هل هي تمثِّل في نومها؟ وبماذا كانت تحلم، ومن التقط لها الصور؟ المفارقة أن مارلين حين سئلت ذات مرة حول ما ترتديه للنوم، أجابت: «فقط بضع قطرات من عطر شانيلNo5 } (في مناسبة الاحتفال بتسعين عاماً على إطلاق No5). بدت في إجابتها الإعلانية والاستهلاكية كثيرة الشاعرية إلى حد الإغراء، وكأنها كانت مجنونة في حاسة الشم.

نتأمل صور مارلين نائمة ونتذكر رواية «الجميلات النائمات» للياباني كواباتا. تحكي هذه الرواية عن العجوز إيغوشي الغني والمرهف الحس والذي يعيش توحد الشيخوخة. يدخل إيغوشي منزلاً غامضاً ليقضي الليل متأملاً فتاة مراهقة تستسلم لنوم عميق، واقعة تحت تأثير مخدر قوي، هناك إلى جانب الدمية الحية، يدخل العجائز ربما ليستعيدوا وهم شبابهم الضائع، من دون انزعاج أو شعور بالذنب.

الشيخوخة المطلقة

إنها فرصة ليتذكر إيغوشي النساء وللوصول إلى عتبة الموت أو الطفولة، أيكون حضوره إلى هنا اكتشافاً لهول الشيخوخة المطلق؟ لا يفكر بانتهاك المحرمات هنا، ولن يخالف التوصيات، لكن ارتباك الشيخوخة يجتاحه. يتذكر أنه عندما توقف للمرة الأولى في هذا المنزل كان مدفوعاً بحبه لكل ما هو غريب. تساءل: هل ثمة مسنون أكثر عجزاً منه؟ كان إيغوشي الأكثر حساسية بين العجائز المترددين، كان يشعر بإغواء الإثم، وبشيء فظيع مصحوب برعب، يرتعد ويطفو على روحه، من دون أن يتخذ شكلاً محدداً في الحقيقة، هو إثم كبير يرتكبه بعض الرجال في حق الإنسانية. ارتعد تناول قرص المخدر وتساءل: ما الذي سيحدث لو غرق هو أيضاً في نوم قاتل؟ أمَّا مارلين فماتت قبل أن تشيخ، حتى إن الجمهور يشيخ وصورتها ما زالت في قمة شبابها، هي مثال الفتنة الغواية لا الفتنة الشريرة التي تتشبث بأهل السياسية، مارلين النائمة توقظ الخيال من جموده وتدفعه نحو أحلام كبيرة، بل وتكون مصدراً لأسئلة بلا إجابات: لماذا هذا الهوس بمارلين، وماذا لو كانت خارج الصورة، وماذا لو وجدت قبل اختراع الكاميرا؟ أسئلة ساذجة عن أيقونة عالمية تحمل في الوقت نفسه ما يوحي بأنها ساذجة، علماً أن كل لبيب ربما يتمنى أن يكون في ممكلة سذاجتها.

صور مارلين النائمة على الـ{فايسبوك» كانت تعوزها صورتها وهي نائمة إلى الأبد، فالنافل أن العالم استيقظ في 5 أغسطس عام 1962 على خبر وفاة مارلين مونرو حيث وجدت عارية في سريرها في بيتها في لوس أنجليس وعمرها 36 سنة، وقالت السلطات آنذاك إنها انتحرت عن طريق الحبوب المنومة والكحوليات. إلا أن الكثير من معجبيها أرجعوا وفاتها إلى المخابرات للحصول على يومياتها وبعض الوثائق المهمة، وبقي موتها في دائرة الالتباس ونائماً في أدراج الأسرار العميقة، ماتت النجمة ولكن شبح جسدها ما زال يخيم في الأروقة، وعريها ونومها مثل أطياف تنقذ العالم من الجمود.

الجريدة الكويتية في

28/05/2012

 

السينما تعيد رواية على الطريق إلى الأضواء

كتب: بيروت – الجريدة 

رغم أهمية رواية «على الطريق» للروائي جاك كيرواك (1922 ـ 1969) التي أصبحت «أيقونة» أدبية في الأوساط الثقافية العالمية، فإنها في العالم العربي لم تحظ بالاهتمام اللازم، هذا ما يقوله بعض الأوساط التي ترجمت الرواية إلى العربية.

رواية «على الطريق» عبارة عن سيرة ذاتية استوحاها كيرواك من رحلاته ومن موسيقى الجاز والشعر وتجارب المخدرات. لكنه غيّر مئات الأسماء فيها، وابتكر منها أسطورة شعبية. كتب كيرواك الرواية في عام 1951، لكنه لم ينشرها إلا في عام 1957. بمعنى أدق، كتبها كيرواك في ثلاثة أسابيع واستغرق نشرها تسعة أعوام.

«على الطريق» يُعاد تسليط الضوء عليها اليوم إلى جانب «جيل الغضب»، وكُشفت حقائق جديدة حولها. فبعد 55 سنة على صدورها عُرضت سينمائياً في فيلم حمل عنوان «على الطريق» ويشارك في عروض «مهرجان كان» الحالي.

قدّم عرض الفيلم الأول على الريفييرا الفرنسية، أي بعيداً عن الطرق الأميركية التي أوحت الكثير للكاتب والتي اخترقها بطلا الفيلم والرواية: سال بارادايس ودين موريارتي. وحافظ مخرج الفيلم البرازيلي والتر ساليس على روح الرواية ومناخاتها التي تعتبر أيقونة حركة «جيل الغضب» الأميركية وأرباب الثقافة في العالم. فنقل المخرج أجواء الرواية المعروفة إلى مشهديات مؤثرة، حيث يطوف أبطاله في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية وفي جعبتهم أفكار وأحلام وحب وعلاقات… وليست المرة الأولى التي يعالج فيها ساليس موضوعاً مشابهاً في إطار تسكّع أبطاله، فهو أنجز فيلمه «يوميات دراجة نارية» الذي يروي رحلة الثائر أرنستو تشي غيفارا عبر أميركا اللاتينية، كذلك له أكثر من عمل يتوه فيها أبطاله عبر الطرقات وهو يقول في هذا الصدد: «كلّما ابتعدت عن جذورك زادت إمكانية معرفتك لنفسك ويمكن أن تجيب عن أسئلة من نوع: من تكون؟ من أين أتيت؟ وفي نهاية المطاف: ماذا تريد أن تكون؟».

سنوات التجوال

جسّد كيرواك شخصيته في دور سال بارادايس في ما يشبه السيرة الذاتية عن سنوات تجواله في الأربعينيات والخمسينيات، ويشارك في بطولة الفيلم سام رايلي وغاريت هدلوند وكريستين ستيوارت وكريستين دنست وفيغو مورتنسون. ويقوم الأخير بدور أولد بول لي الذي يمثل في الرواية شخصية الكاتب وليم بوروز. لا بد من الإشارة الى أن ساليس لم يكن أول من فكّر في أفلمة «على الطريق» بل سبقه كثر، من بينهم كوبولا نفسه تحديداً، غير أنهم كانوا جميعاً سرعان ما يتراجعون، معلنين استحالة تلك الأفلمة لنصّ شديد الصعوبة لا يحمل أحداثاً قد تُحَوَّل إلى لغة بصرية جذابة.

تزامناً مع فيلم «على الطريق»، صدر كتاب «كرواك وجيل الغضب» للباحث جان فرنسوا دوفال، يتناول فيه «المتسكّع بفم ملاك»، ويعتبر دوفال أن كيرواك «جسّد كل أحلام الجيل الذي ولد قبيل أو خلال الحرب العالمية الثانية مع كل طموحاته».

وما لا يعرفه سوى الخبراء هو أن نسخة «على الطريق» التي صدرت في نيويورك في 1957، لم تكن هي النسخة الحقيقية بل كانت النسخة التي طلبت دار «سالفيكينغ» من الروائي كتابتها أو إعادة كتابتها بما يليق بأميركا تلك الفترة، أي أميركا التي لا تقبل بكتابات عن المخدرات والجنس. كذلك أجبرته على تغيير الأسماء الحقيقية كما وردت في النص الأصلي. وعلى رغم أن النص الذي سيصدر في 5 سبتمبر1957 تعرض للتغيير أو التحريف، فإنه قد دخل الأسطورة الأدبية لأميركا والعالم. وصحيح أن تعرض لنقد مؤسساتي وشرس، إلا انه حقق نجاحاً عالميا، وأصبح من ضمن برامج الجامعات ابتداء من عام 1958.

عندما توفي كيرواك تولت والدته غابرييل الأرشيف الكامل له، في حين ظلت «لفافة الرواية»(أي المسودة) لتباع في المزاد العلني يوم 22 مايو 2011 في دار  «كريستيز» مقابل 3 مليون دولار. وتبين حديثاً أن كيرواك كتب الرواية بدايةً بالفرنسية التي اعتمدها في روايتين لم ينشرهما. فقد نشرت دار «فايكنغ» النسخة الأصلية في عام 2007. كذلك أصدرت دار «غاليمار» الفرنسية الطبعة الجديدة لرواية كيرواك وتتضمن مقاطع كثيرة كان الرقباء والناشرون قد حذفوها في الطبعة الأولى الصادرة في الخمسينيات من القرن الماضي.

جاك كيرواك أحد ألمع رموز «جيل الغضب» تلك الحركة التي أحدثت ثورة هائلة في الإبداع الأميركي في الشعر كما في النثر، وقادت حركة تمرد ثقافية ضد المجتمع الاستهلاكي والرأسمالية العالمية، والأخلاق التي تسم الطبقات المحافظة والبورجوازية. وهي ضمت، إلى جانب كيرواك، كل من ألن غينسبورغ، وليام يوروز، نيل كاسيدي، وغريغوري كورسو. برز هؤلاء في أعقاب الحرب التي حولت البشر إلى متخمين وهامشيين. وهؤلاء اختبروا الهامش بمعانيه الاقتصادية والإبداعية كافة. وعاش كيرواك حياة معذبة في طفولته، من تشرد وتصعلك في مراهقته، ما دفعه إلى اللجوء إلى الكتابة الأدبية باعتبارها تعويضاً رمزياً للواقع القاسي والمؤلم. تميزت كتابات كيرواك بنمط الكتابة التجريبية وتعاطفها مع الأقليات والفئات الاجتماعية المهشمة لفترة ما بعد الحرب الأميركية.

رفض كيرواك ورفاقه الملكية والوظيفة ومجّدوا الفوضى والتمرد، لذلك اعتبر النقاد رواية «على الطريق» بمثابة ترجمة لأحلام الشباب بالترحال والانتقال وحرق السفن وراءهم بغاية البحث عن إمكانية للحرية. ولرواية «على الطريق» تأثير كبير على عدد من الشعراء والموسيقيين أمثال بوب ديلان وجيم موريسون.

الجريدة الكويتية في

28/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)