حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الخامس والستون

أحضان مجانية فى «كان»

طارق الشناوي 

ماذا تفعل لو كنت مكانى وأنت تسير فى الشارع وجدت من تفتح لك ذراعيها وتأخذك بالأحضان وقبل أن تستيقظ من الحضن الأول تجد حسناء أخرى تمنحك الثانى وأنت فى حالة الذهول والدهولة تفاجأ بحضن ثالث وإذا لم تسرع بالاحتماء بالرصيف ربما يصل الأمر إلى عشرة أحضان وأنت وحظك، حيث إنك لن تضمن فى هذه الحالة أن كل الأحضان من نساء جميلات، حيث إنه فى الزحام لا مجال للانتقاء.

هذا هو ما حدث لى بالضبط وأنا أسير أمام قصر الباليه فى «كان» قبل ساعات قليلة من نهاية المهرجان واكتشفت أن الأحضان تُمنح لكل عابر أمام القصر، وأن هذه هى المرة الثانية التى يتم فيها ذلك، أى أنه حدث فى العام الماضى أيضًا، ولكنى لسبب أو لآخر لم ألحظ ذلك.

عدت مباشرة إلى «النت» لأكتشف الحكاية ووجدت أن هناك منظمة عالمية تحمل اسم «أحضان مجانية» بدأت نشاطها قبل خمس سنوات واختارت موعدًا ثابتًا لها وهو «السبت» الأول من يوليو فى كل عام، وحيث إننا لم نكن فى الأول من يوليو ولكنه «سبت»، ولأن هناك حدث عالمى تعيشه مدينة «كان»، فإن أعضاء هذه المنظمة قرروا أن يحطموا القاعدة ويمنحوا الأحضان المجانية يومًا إضافيًّا مجانيًّا!!

إنها أحضان بريئة فى كل الأحوال، والحكاية بدأت من مدينة سيدنى بأستراليا عندما عاد رجل من الغربة إلى بلدة وكان محبطًا فوجد من أحس به فى الشارع، فمنحه حضنًا، ومنذ ذلك الزمن وهو يبحث عن كيفية العمل على اتساع دائرة الأحضان لمن هم مثله يعيشون مشكلات ولا يجدون من يتعاطف معهم، وهى بالتأكيد ظاهرة عالمية، ولكن ما حدث هو أن السلطات الأسترالية اعتبرت أن هذه الأحضان بها اعتداء على الخصوصية فحرّمتها، وبعد ذلك استضافته المذيعة الشهيرة أوبرا وينفرى، وانضم إليه الآلاف، تضامنوا معه، فلم يعد هناك ما يستحق التحريم، حيث إن الأمر فى كل الأحوال لا يتم عنوة لأن من حقك لو أردت أن تمنع هذه الأحضان.

عدت إلى مصر بعد نحو أسبوعين قضيتهما فى «كان» وأنا ألهث من فيلم إلى آخر، وبالتأكيد كنت أتابع الحالة السياسية وما يجرى فيها وما أسفرت عنه الانتخابات، ووجدنا أنفسنا نضرب فى الحائط ما بين المُر والأمَرّ منه، مرسى أم شفيق كلاهما مُر، ولكن مَن الأمَرّ؟ تلك هى المشكلة التى تعددت فيها الآراء!

التيار الدينى الذى جربناه خلال أشهر قليلة تحت قبة البرلمان واكتشفنا كم هم مخادعون، هم المُرّ أم هم الأَمَرّ منه؟ هل استبدال مبارك آخر فى السلطة بالفريق شفيق الذى لم يعترف بالثورة وبمجرد تعيينه رئيسًا لوزراء مصر كان الهدف الاستراتيجى له هو إجهاض الثورة؟

أسقط الثوار شفيق من مقعد رئيس الوزراء بعد نحو شهر من خلع مبارك، فهو أول رئيس وزراء يستطيع الشعب خلعه بعد ثورة 52. بين شفيق والثورة والثوار ثأر، فكيف نستأمنه على مصير مصر حتى لو قال إنها مدة واحدة لن تتجاوز 4 سنوات، حتى لو وقّع على وثيقة بأنه لن يتدخل فى أحكام القضاء ولن يعفو عن مبارك؟ فمن الذى يضمن كل ذلك؟ وهل شفيق الذى شاهد رئيسه داخل القفص سوف يسمح بأى مظاهرات؟ الدماء ستصبح هى وسيلته للبقاء على الكرسى بحماية من المجلس العسكرى، فهو حريص على أن لا تطولهم أى سلطة رقابية.

شفيق هو صوت الفلول الذين لا يمكن الاستهانة بهم، كما أنه يحظى بتعضيد من يرون فى حكم العسكر طريق الأمان لمصر.

العديد من القوى التى تورّطت فى صفقات مع فساد عصر مبارك والتى لم يطلها القانون، لديهم المليارات ويدعمونه، ومن داخل السجن يستطيعون بأموالهم دعمه.. دولة الطاغية الفاسد لم تمت، لا تزال تتنفس تحت الرماد بعد أن عثروا على رجلهم.

إنها الديمقراطية، ولكننا نملك فى أيدينا قوة الامتناع وإبطال الصوت، والرئيس الذى يأتى بعدد محدود من الأصوات سيظل دائمًا رئيسًا مطعونًا فى شرعيته.

الامتناع عن التصويت طبقًا لقراءة الحالة فى مصر سيصب فى صالح شفيق. بديهى أن قطاعًا وافرًا من الأقباط سوف تذهب أصواته إليه.. كما أن جزءًا لا يستهان به من الأصوات التى مُنحت لحمدين سوف تتوجه إلى شفيق، خوفا من شبح الدولة الدينية.. إنها مأساة لا تصلح معها عشرات من تلك الأحضان المجانية التى انهالت علىّ فى «كان»!

التحرير المصرية في

30/05/2012

 

 

سعفة «كان» ذهبت لمن يستحقها

طارق الشناوي 

بمجرد عرض فيلم «حب» توقعت حصوله على سعفة «كان» وصباح أول من أمس أيضا قلت إنه الأقرب إلى السعفة، وعندما أعلن المخرج الإيطالى نانى موروتى، أمس، الجوائز منح المخرج النمساوى ميشيل هانكى وفيلمه الفرنسى الألمانى النمساوى المشترك «حب» جائزة السعفة، وفى لمحة مؤثرة على مسرح قاعة «لوميير» الكبرى مساء الأحد الماضى شاهدنا كيف أنه فى عدد محدود من الأفلام لا تستطيع أن تُقدم الإحساس الفنى بعيدا عن أداء الممثلين، وأن إبداع المخرج مهما شاهدنا له من لمحات خاصة ومؤثرة لا يمكن أن ينفصل عن الممثلين، ولهذا أثنى رئيس لجنة التحكيم على بطلى الفيلم جان لوى ترانيتان وإيمانويل ريفا، كما أن المخرج أيضا شاركه فى الثناء على بطليه. ويستحق الفيلم أن أعيد إليكم ما كتبته فى هذه المساحة عند عرضه فى بدايات المهرجان.

عندما يعرض فيلم لمخرج حصد من قبل سعفة «كان» يزداد حجم التوقعات، بل أحيانا يتجاوز خيال الناس إمكانيات المخرج ويلعب الترقب دائما دورا سلبيا لأننا فى العادة ننتظر ما هو أبعد وأعمق وأروع، وبالصدفة كان موعدنا مع اثنين من حملة سعفة «كان» المخرج النمساوى ميشيل هانكى وفيلمه «حب» حصل المخرج على سعفة المهرجان بفيلمه «الشريط الأبيض» 2009 وبعدها بأقل من 12 ساعة المخرج الإيرانى عباس كيروستامى وفيلمه «مثل من يقع فى الحب» حصل على السعفة عن فيلمه «طعم الكرز» 1997.

والفيلمان يجمعهما الحب، إلا أن الحقيقة بقدر ما كان ميشيل هانكى قادرا على أن يتوازى مع التوقعات بقدر ما خابت ظنونا هذه المرة مع كيروستامى.

الفيلم الإيرانى يستحق فى كل الأحوال أن نتناوله بشىء من التفاصيل فى مقال قادم نقترب أكثر من فكر كيروستامى، عندما يغادر الحدود ويقدم فيلما خارج الشروط الشكلية للسينما الإيرانية مثلما شاهدنا قبل عامين فيلمه «نسخة مصدقة»، لنكتشف أن الاختلاف فقط هو أن النساء لا يرتدين الحجاب، إلا أن الفيلم به كل ملامح كيروستامى، ولكن دعونا الآن نستكمل نشوتنا بفيلم «حب».

نحن أمام زوجين تجاوزا الثمانين يعيشان فى حالة امتزاج يجمعهما حب الموسيقى فلقد كانا أستاذان لتلك المادة قبل الإحالة إلى المعاش.

الفيلم يبدأ برجال الشرطة يقتحمون منزلا ويضعون كمامات على وجوههم دلالة على مضى بضعة أيام على وقوع الجريمة، ونكتشف جثة امرأة ملقاة على السرير وحولها الزهور.

اللقطة الثانية فى المسرح حيث كان الزوجان الحبيبان يحضران حفلا موسيقيا ونعود بعد ذلك إلى الموقع الرئيسى للأحداث، والكاميرا لا تغادر البيت نظل داخل هذا المكان الضيق والكلاسيكى فى ملامحه نتابع تلك العلاقة بين الحبيبين. السيناريو كتبه المخرج ليس على الطريقة البوليسية من أجل التشويق وزرع تساؤل عن من الجانى، ولكن تلك الجريمة برهافة إحساس المخرج وقدرته على بناء السيناريو لم نتذكرها إلا مع ارتكاب البطل لحادثة القتل لتستحوذ علينا الحكاية العاطفية بكل تفاصيلها وتداعياتها!

الإحساس العاطفى بين الزوجين العجوزين لم يتوقف. يتناولان الإفطار ونلحظ أن المرأة غابت لحظات عن الوعى وعندما تسترده تكشف أنها عادت إلى المنزل بكرسى متحرك ويصبح على الزوج أن يتولى رعايتها. تتدهور الحالة وتفقد قدرتها على الحركة وتفقد أيضا ذاكرتها ويقدم المخرج مشهدا عميق الدلالة للزوج وهو يخشى من فقدان الذاكرة فيبدأ فى تدوين حياته وحياتها على الورق وتزداد الزوجة تعثرا فى النطق، ويلمح الزوج رغبتها فى الموت فيضع الوسادة على رأسها حتى ينهى حياتها.

الفيلم لا ينتهى هنا، ولكن نعيش الحلم مع الزوج عندما يرى فى منامه زوجته فى المطبخ وهما فى طريقهما إلى مغادرة المنزل، وكأن المخرج يريد أن يحقق للمتفرج نهاية سعيدة لم تحدث على الشريط السينمائى.

الكاميرا لم تغادر المنزل إلا فى مشاهد نادرة واحدة فى مسرح وأخرى أمام باب الشقة، ولكن يظل المنزل هو البطل المسيطر على الإحساس العام. الكاميرا غادرت فقط المكان شكليا عندما انتقلت على الحائط لنرى اللوحات التشكيلية وكأنها تفتح أمام أعيننا مجالات للرؤية، ولكن يظل المنزل على ضيقه الموضوعى قادرا على أن يمنحنا مساحات رحبة من التأمل.

المكان هو بالتأكيد أحد عوامل تفرد السينما، بل إنها تلعب دائما بهذا السلاح الذى تمنحه لها الكاميرا، ورغم ذلك نشهد فى العالم تجارب نادرة لأفلام تقيدت بالمكان وانطلقت لما هو أبعد مثل فيلم للمخرج البريطانى سيدنى لوميت «اثنا عشر رجلا غاضبا» الحائز على الأوسكار قبل نحو 60 عاما جرت أغلب أحداثه فى غرفة المحلفين فى أثناء نظر القضية أمام المحكمة كما أن المخرج صلاح أبو سيف قدم فيلم «بين السما والأرض» وأحداثه داخل المصعد.. الضرورة الدرامية هى التى تحدد الرؤية فى النهاية، ولكن على المخرج أن ينطلق بخيال الجمهور وأن يزيد من جرعات التأمل ليشعر المتفرج أنه بقدر ما أحكم القيد على المكان بقدر ما شعر برحابة الفكر الذى يحمله العمل الفنى.

العمل الفنى الرائع من حقه أن يتطلع إلى الجائزة. الفيلم بدأ بجثة وانتهى بجريمة ولكن ما تبقى فى وجداننا هو حالة حب أفضت إلى قتل ثم انتحار.

لمن السعفة الذهبية؟ حتى كتابة هذه السطور أقول لكم إنها لفيلم ميشيل هانكى «حب» وحتى إشعار آخر أقصد حتى فيلم رائع آخر انتهت كلمات المقال ولم يعرض بعد هذا الفيلم من يستحق السعفة حتى أعلنت أول من أمس نتائج المهرجان!!

الحب ظل بين الزوجين حتى الرحيل، فهو أراحها من آلامها ولحق بهما وقدم المخرج مشهدا شديد الدلالة على ذلك عندما وجد حمامة تحط على شباك المنزل وتدخل إلى البيت، ويحاول البطل تقييدها حتى لا تغادر المنزل، فى تلك اللحظة كان كل شىء قد انتهى دراميا وترك المخرج الباب مشرعا للناس لكى تُكمل هى الزمن.

باقى الجوائز جاءت فى التمثيل لبطلتى الفيلم الرومانى «خلف التلال» كوسمينا ستارتون وكريستينا فلوتر أحسن ممثل لـ«مادس ميكسلين» بطل الفيلم الدنماركى «الصيد» إخراج توماس فينتر برج، والجائزة الكبرى للفيلم الإيطالى «واقعى» إخراج ماتيو جارونى وتحليل الجوائز يستحق أن نلتقى فى مقال قادم.

التحرير المصرية في

29/05/2012

 

 

في دورته الـ 65

مهرجان " كان".. كثير من الأفلام الهزيلة قليل من الإبداع الفني

(طارق الشناوي- mbc.net)  

هل كانت هذه هي الدورة الأضعف في تاريخ مهرجان "كانالذي وصل إلى دورته رقم 65..الكثيرون ممن تابعو المهرجان في الكثير من دوراته يؤكدون ذلك ولكن لو كان لي أن أجيب من واقع متابعتي لعدد 21 دورة متتالية من عمر المهرجان بدأت رحلتي معه عام 1992 أستطيع أن أقول إن هذا العام شهد بالفعل أقل دوراته جاذبية، ورغم ذلك تكتشف أن الإقبال الإعلامي على المهرجان تزداد معدلاته؛ حيث غطى فعاليات المهرجان أكثر من 5 آلاف إعلامي.

شهدت هذه الدورة هطولا دائما للأمطار الغزيرة التي كانت هي أيضًا الأغزر طوال دوراته لكن بالتأكيد الحصيلة ليست هزيلة تمامًا تستطيع أن تتوقف أمام عددًا محدودًا من تلك الأفلام التي وجدت لنفسها مساحة في الذاكرة.

  لا شك أن فيلم "حبإنتاج ألماني فرنسي نمساوي مشترك للمخرج النمساوي "ميشيل هانكاالحاصل على سعفة كان قبل ثلاثة سنوات عن فيلمه "الشريط الأبيضكان هو الأفضل.نحن أمام زوجين تجاوزا الثمانين يعيشان في حالة امتزاج يجمعهما حب الموسيقى فلقد كانا أستاذان لتلك المادة قبل الإحالة للمعاش.

الفيلم يبدأ برجال الشرطة يقتحمون منزلًا ويضعون كمامات على وجوههم دلالة على مضي بضعة أيام على وقوع الجريمة ونكتشف جثة امرأة ملقاة على السرير وحولها الزهور.

اللقطة الثانية في المسرح حيث كان الزوجان الحبيبان يحضران حفلًا موسيقيًا ونعود بعد ذلك إلى الموقع الرئيسي للأحداث والكاميرا لا تغادر البيت نظل داخل هذا المكان الضيق والكلاسيكي في ملامحه نتابع تلك العلاقة بين الحبيبين.. السيناريو كتبه المخرج ليس على الطريقة البوليسية من أجل التشويق وزرع تساؤل عن من الجاني ولكن تلك الجريمة برهافة إحساس المخرج وقدرته على بناء السيناريو لم نتذكرها إلا مع ارتكاب البطل لحادث القتل لتستحوذ علينا الحكاية العاطفية بكل تفاصيلها وتداعياتها!!

الإحساس العاطفي بين الزوجين العجوزين لم يتوقف، يتناولان الإفطار ونلحظ أن المرأة غابت لحظات عن الوعي وعندما تسترده تكشف أنها عادت للمنزل بكرسي متحرك ويصبح على الزوج أن يتولى رعايتها.. تتدهور الحالة وتفقد قدرتها على الحركة وتفقد أيضًا ذاكرتها ويقدم المخرج مشهدا عميقا الدلالة للزوج وهو يخشى من فقدان الذاكرة فيبدأ في تدوين حياته وحياتها على الورق وتزداد الزوجة تعثرًا في النطق ويلمح الزوج رغبتها في الموت يضع الوسادة على رأسها حتى ينهي حياتها.

الفيلم لا ينتهي هنا ولكن نعيش الحلم مع الزوج عندما يرى في منامه زوجته في المطبخ وهما في طريقهما لمغادرة المنزل وكأن المخرج يريد أن يحقق للمتفرج نهاية سعيدة لم تحدث على الشريط السينمائي.

الكاميرا لم تغادر المنزل إلا في مشاهد نادرة واحدة في المسرح وأخري أمام باب الشقة ولكن يظل المنزل هو البطل المسيطر على الإحساس العام.. الكاميرا غادرت فقط المكان شكليًا عندما انتقلت على الحائط لنري اللوحات التشكيلية وكأنها تفتح أمام أعيننا مجالات للرؤية ولكن يظل المنزل على ضيقه الموضوعي قادرًا على أن يمنحنا مساحات رحبة من التأمل.

المكان هو بالتأكيد أحد عوامل تفرد السينما بل إنها تلعب دائمًا بهذا السلاح الذي تمنحه لها الكاميرا ورغم ذلك نشهد في العالم تجارب نادرة لأفلام تقيدت بالمكان وانطلقت لما هو أبعد مثل فيلم للمخرج البريطاني سيدني لوميت "اثنا عشر رجلًا غاضبًاالحائز على الأوسكار قبل نحو 60 عامًا جرت أغلب أحداثه في غرفة المحلفين أثناء نظر قضية أمام المحكمة.. كما أن المخرج "صلاح أبو سيفقدم فيلم "بين السماء والأرضوأحداثه داخل المصعد.. الضرورة الدرامية هي التي تحدد الرؤية في النهاية ولكن على المخرج أن ينطلق بخيال الجمهور وأن يزيد من جرعات التأمل ليشعر المتفرج أنه بقدر ما أحكم القيد على المكان بقدر ما شعر برحابة الفكر الذي يحمله العمل الفني.

العمل الفني الرائع من حقه أن يتطلع للجائزة الفيلم بدأ بجثة وانتهى بجريمة ولكن ما تبقى في وجداننا هو حالة حب أفضت إلى قتل.الفيلم الثاني الذي سكن مشاعري في هذه الدورة الفقيرة فنيًا من عمر المهرجان هو الفيلم الروماني "خلف التلالللمخرج"كريستيان مونجيو".

 ما هي التلال إنها ربما تلك التي تحجب الرؤية أو ما نعتقد أننا نخفيه بعيدًا ثم بعد ذلك نقترب لنكتشف الحقيقة.. المخرج"كريستيان مونجيوالحائز على جائزة سعفة "كانقبل خمس سنوات بفيلمه "4 شهور وأسابيع ويومانعاد مجددًا إلى المهرجان مستكملًا الحالة الإبداعية التي يحرص على التقاطها ويمزج  فيها بين الواقع والرؤية الدرامية والعمق الفكري والفلسفي.

كيف نرسم ملامح العمل الفني هل الواقع نحصل عليه كما هو أم نعيد تأمله.. الواقعة حقيقية فتاة ذهبت للدير لكي تعيد صديقتها حيث أنهما تزاملتا في دار الأيتام ولكن هذه الفتاة ينتهي بها الأمر بأن قتلت من فرط التعذيب داخل الدير وصارت قضية رأي عام قبل سبع سنوات في رومانيا وقدمت عنها عشرات من الكتب ومئات من التحقيقات الصحفية.

هذه المرة المخرج هو الذي عايش كتابة السيناريو كل هذه السنوات السبع حرص على أن يكتب السيناريو عدة مرات واختصر من فيلمه بعد التصوير نحو 30 دقيقة.. الواقعة مادة خام لكنها لا يمكن أن تضمن عملًا سينمائيًا متفردًا هناك بالقطع شيء أبعد بكثير وأهم وهو زاوية الرؤية.

لا يمكن أن ننظر للفيلم باعتباره ينتقد دين ولا طقوس متعلقة بطائفة ولا الرهبنة في الديانة المسيحية ولكنه يتناول من يرددون كلمات الله وهم لا يحملون في أعماقهم روح التسامح.. من قتل هذه الفتاة حتى ولو رأيت أنها خاطئة هم القساوسة والراهبات الذين نفذوا التعليمات القاسية بحبسها وتقييدها بالجنازير رغم أنهم كانوا يقرءون عليها كلمات من الإنجيل يطلبون لها الهداية والتقوى والرحمة!!

السيناريو يشير إلى علاقة مثلية جمعت في الماضي بين فتاتين واحدة تذهب للدير لكي تتطهر وتلحق بها الأخرى لكي تعيدها إلى حياتها السابقة.. الفتاة الأولي عرفت الطريق إلى الله وتتشبث بالإقامة في الدير وتلجأ كلما شعرت بالضعف البشري للصلاة وتدعو صديقتها للدخول أيضًا لحياة الرهبنة وتبدأ رحلة المعاناة.. القلوب التي ننتظر منها فيض الحب والرحمة تقسو ولا تعرف سوي أن الإنسان يجبر على الإيمان وهكذا يتم حبس هذه الفتاة المتمردة في غرفة داخل الدير وعندما تثور يوجه لها قدر لا يحتمل من العنف والغلظة والذي يمارس ذلك هم من منوط بهم حماية أرواح الناس وهدايتهم.. وتذهب الفتاة للمستشفي على إثر التعذيب ولا يجدون أمامهم سوي أن نري الراهبات بعد أن تحولن إلى قطيع سرت بهن روح العدوان وتخلين في لحظة عن الإحساس البشري وهن يصنعن وسائد خشبية تُثبت عليها مسامير ليزيد العذاب والغريب أنهن تفعلن ذلك وهن تقرأن آيات من الإنجيل.. يوثقون يديها وقدميها بالجنازير ولا يتوقفون عن ترديد الآيات المقدسة.. تموت الفتاة من فرط التعذيب ويقدم القسيس والراهبات للتحقيق عما فعلوه باسم الدين.

هل الفيلم يتحدث عن دين ما.. لم أشعر بأنه ينتقد طقوس المسيحية بقدر ما كان الهدف أنه يتناول الأديان جميعها عندما يتصور البعض أنه يردد الكلمات ولا يدرك معناها يخلص لمنطوق الكلمة ولا تمس قلبه معانيها!!

يختار المخرج اللحظة التي تأخذ الشرطة فيها القسيس وعدد من الراهبات للتحقيق وتتعثر العربة في الطريق لتضع نهاية الفيلم لنستكمل نحن في أعماقنا الفصل الأخير.. الحقيقة أن أضعف قسم شهد أفلام متواضعة في مهرجان "كانهو المسابقة الرسمية التي هي عنوان المهرجان بينما كانت أقسام مثل "نظرةوكذلك الفعاليات الأخرى التي تقام على الهامش مثل "أسبوعي المخرجينو"أسبوع النقادهم الأقوى والأكثر جاذبية!!

الـ mbc.net في

28/05/2012

 قصة زوج يرافق زوجته في رحلة نحو الموتفيلم "الحبينتزع السعفة الذهبية في مهرجان " كان"

مايكل هانيكه يرفع السعفة الذهبية ارفع جوائز مهرجان كان

(كان (فرنسا) -mbc.net )

منحت جائزة السعفة الذهبية في الدورة الخامسة والستين لمهرجان كان مساء الأحد 27مايو/أيار إلى فيلم (الحبللنمساوي مايكل هانيكه، وهي قصة زوج يعشق زوجته ويهتم بها ويرافقها في رحلتها نحو الموت.

وسلم رئيس لجنة التحكيم المخرج الإيطالي ناني موريتي الجائزة، مشددا على "المساهمة الأساسيةللممثلين الرئيسيين جان لوي ترانتينيان (81 عاماوايمانويل ريفا (85 عاما).

وقد صعد الممثلان إلى المسرح وسط تصفيق الحضور مع المخرج النمساوي صاحب الشعر الأبيض الذي فاز بالسعفة الذهبية للمرة الثانية بعد "الشريط الأبيضفي عام 2009.

وشكر المخرج الذي يقيم بين فيينا وباريس "بعمق الممثلين الرائعين الذين صنعوا هذا الفيلم وهم جوهره".

وقالت ايمانويل ريفا "إن عملنا كممثلين هو أن نتقاسم الحياة، فالاحتفاظ بكل شيء في الداخل ليس جذابا".

جان لوي ترانتينيان من جهته الذي علت شفتيه بسمة، فقد دفع القاعة إلى البكاء بقوله "هذا يؤثر بنا كثيراقبل أن يقسم السعفة إلى ستة أرباع: ربع للمنتجين وربع للمخرج "الذي هو برأيي أكبر مخرج على قيد الحياة"، واثنان آخران لريفا وايزابيل هوبير التي تقوم بدور ابنته في الفيلم.

أما الربع الخامس، فيذهب إلى فريق الفيلم والسادس إلى "نصفي الآخر".

وأنهى كلمته القصيرة بإعلان الاستشهاد بـ"قصيدة قصيرة جدالجاك بريفير تقول "ماذا لو حاولنا أن نكون سعداء، أقله لنكون مثالا".

الـ mbc.net في

28/05/2012

 

آلة مقدسة

طارق الشناوي 

لا أحد عاش أكثر من أيامه، ولكن كلنا مهما امتد بنا العمر نشعر أننا لم نعش الحياة التى تمنيناها.. لدينا تجارب لم تكتمل، وأحلام أجهضها قانون الواقع، وأفكار لم نمتلك الجرأة لكى نحيلها إلى واقع نمسكه بأيدينا.

عندما يكتب القدر كلمة النهاية نبدأ فى حساب السنين والأيام والثوانى التى عشناها ونسأل عما لم نحققه فى ذلك الزمن القصير مهما طال.

لم يعرف أحد ماذا بعد نهاية الحياة، عندما تنتهى صفحات الكتاب نعرف التحرر من الجسد الذى يماثل التحرر من قانون الجاذبية، حيث لا قانون يُفرض عليك، وفى تلك المساحة الزمنية قبل أو بعد الرحيل بلحظات تجرى أحداث الفيلم الفرنسى «آلة مقدسة».

بطل الفيلم انتهى رصيده من الحياة أو فى طريقه إلى الانتهاء، ولهذا قرر فى أقل من يوم من مطلع الفجر حتى انتهاء الليل أن يحقق كل ما كان مكبوتا أو ممنوعا، مستعينا بحقيبة المكياج التى تحيله فى كل مرة إلى شخص آخر. مجموعة من البشر يتقمصهم تباعًا، نراه رب أسرة يحنو على ابنته ونراه فى لحظة قاتلا، وفى أخرى وحشًا ومصاص دماء، وفى ثالثة زير نساء.. كل شىء قدمه فى تلك الساعات القليلة وكأنها منحة إلهية حصل عليها تتحرك فى الزمن الحالى والقادم ولا تترك أمامه فرصة لالتقاط الأنفاس!!

رؤية «فانتازيا» خيالية يقدمها المخرج الفرنسى ليوس كاراكس، فى فيلمه وهو يتنقل فى باريس من حى إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى وكأنه يلعب مع الجمهور على المكشوف. فى كل مرة يدخل العربة التى تحولت إلى «آلة مقدسة»، ويبدأ فى وضع المكياج، كما يتخيله للدور الجديد الذى يستعد أن يعيشه.

تبدأ الأحداث فى شقة، تتصل غرفة النوم بدار أوبرا.. اختار المخرج بطل الفيلم دانيس لافانت، وهو يرتدى بيجامة ويخرج على الناس وكأنه يودع الحياة فى اللحظات الأولى للفيلم، وكأنه يمهد الجمهور إلى تلك الحالة من التماهى مع الأحداث، حيث إننا بصدد عرض فنى جديد متعدد الأوجه والأفكار، ويصل المخرج، وهو أيضا كاتب السيناريو، إلى أن يقدم لنا العلاقة مع قائدة العربة التى تمثل القدر التى تنتقل به من حى إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى، وتنتهى الأحداث وحوار دائر بين العربات فى الجراج التى تكمل هى أيضا أصول اللعبة!!

الانتقال فى الصورة من حالات درامية ونفسية وتشكيلية متغيرة تكشف قدرة المخرج على التغيير والتعبير من موقف إلى آخر، حيث نجد أنفسنا كمشاهدين نلهث أيضا وراءه. وكان المخرج الفرنسى بارعا فى تحقيق تلك الانتقالات الفنية والدرامية والنفسية، كما أن البطل دانيس لافانت كان قادرا على أن يتقمص الشخصية بحالة مقننة من المبالغة، تتواءم مع روح الكوميديا والفانتازيا التى تشكل قانون وروح هذا الفيلم.

عند نهاية عرض الفيلم استمعت إلى مزيج من حالة الإعجاب والاستهجان، وعندما تابعت تقديرات النقاد فى عدد من المجلات التى تصاحب المهرجان مثل «سكرين» و«فيلم فرانسيس» استوقفنى هذا التناقض الحاد بين من يمنحه الدرجة النهائية أربع نجوم ويرشحه للسعفة، ومن يعتبره هو الرداءة بعينها ويمنحه تقديرا رديئا!

إنها نوعيات قليلة جدا من الأفلام التى تلمح فيها هذا التباين بين من يضعها على القمة ومن يخسف بها إلى سابع أرض.

وتلك هى المشكلة التى عانى منها هذا الفيلم، التى من الممكن أن تكتشف من خلالها لماذا كان نصيب هذا الفيلم قدرا متعادلا من التصفيق والاستهجان!!

****

تعلن مساء اليوم نتائج هذه الدورة رقم 65 التى أعتبرها الأسوأ على الأقل خلال 21 دورة تابعتها من تاريخ هذا المهرجان، حيث إننا لم نشاهد سحر السينما إلا فى القليل من الأفلام، وأنتظر أن تتردد اليوم عند إعلان الجوائز أسماء تلك الأفلام هى كالتالى «خلف التلال» الرومانى للمخرج كريستيان مونجيو، والفيلم الفرنسى الألمانى النمساوى المشترك «حب» للمخرج ميشيل هانكى، مرشحان لسعفة أفضل فيلم، وبطلا فيلم «حب» مرشحان لجائزتى التمثيل، وهما جين لويس ترينتجانت، وإيمانويلا ريفا، وبطل فيلم «الصيد» الدنماركى مادس ميكليسين مرشح لجائزة أفضل ممثل، ولا أستبعد أيضا فيلم «آلة مقدسة» ولا بطل الفيلم دانيس لافانت من المنافسة.. ساعات قليلة وتعلن النتائج.

التحرير المصرية في

27/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)