حول أول فيلم سينمائي بحريني أجرينا في فترة سابقة لقاء مفصلاً مع مخرج
العمل (بسام الذوادي)، وهنا نكمل الحوار مع كاتب القصة أو الفكرة (أمين
صالح) لتكتمل الصورة حول هذه التجربة الهامة في واقعنا المحلي.
·
بين كتابة السيناريو وأجواء القصة القصيرة.. ماذا تقول؟!
بدهياً هناك اختلاف كبير بين الشكلين.. شكل القصة والسيناريو المتعارف
عليه عالمياً. القصة عمل فردي يجد الكاتب فيه نفسه أمام حرية شبه كاملة
أو شبه مطلقة، يعبر عما يريد باللغة التي يمتلكها. يخلق عوالم ذاتية
وموضوعية من غير النظر إلى أشكال رقابية أو أشكال أخرى دخيلة أو عناصر
فنية أخرى تشارك في العمل، بمعنى أن القصة عمل إبداعي فردي أما
السيناريو فالكاتب يضع في اعتباره أن العمل سيتعرض لمعالجات عديدة من
قبل الكاتب نفسه ومن ثم المخرج والممثل والمونتير والمنتج والموزع..
إلى آخره. السيناريو لم يتخذ شكلاً فنياً أو أدبياً مستقلاً مثل القصة
أو القصيدة.. وهو جامد ما لم ينفذ وبالتالي فيكون مقيداً بصناعة
السينما نفسها. في السيناريو أتنازل عن أشياء كثيرة أتمسك بها في كتابة
القصة، بمعنى أنه لابد أن تكون هناك عناصر فنية متوفرة مثل البناء
المتماسك والحبكة والحوار!
·
ما مدى اسهامك في كتابة سيناريو فيلم "الحاجز" ومدى قناعتك به؟!
اسهامي كان كاملاً.. المخرج (بسام الذوادي) كان متحمساً جداً لإخراج
عمل سينمائي، اقترح فكرة معينة وجدت أنها فلسفية أكثر من اللازم وغير
مقبولة عند المتفرج خصوصاً أنه أول فيلم، بالتالي لابد أن يكون العمل
في مستوى جيد لأنه لا توجد لدينا صناعة سينما أساساً أو حتى مناخاً
سينمائياً. عرضت فكرة مختلفة تم النقاش حولها (أنا وبسام الذوادي)،
اقتنعنا بالفكرة وانطلقت منها في صياغة سيناريو سينمائي كتبته وكان دور
الشرقاوي في مجال الحوار. ورغم اداركنا بخطورة عمل من هذا النوع إلا
أني كنت واعياً أن التجربة ليست فقط جديدة وإنما جريئة وخطيرة بسبب أنه
تنقصنا أشياء كثيرة.. المادة والعناصر الفنية.
·
باختصار، ما هي فكرة السيناريو كما تراها أنت؟!
تناولت الظواهر السلبية التي أفرزتها الطفرة النفطية والاقتصادية والتي
مازلنا نعاني منها، بطل الفيلم شاب ونتاج هذه الطفرة، يتسم باللامبالاة
وعدم الاكتراث بما يدور حوله في محيطه الداخلي والخارجي. أردت أن أظهر
هذه السلبية بشكل غير مباشر من خلال علاقته بكاميرا الفيديو، فهذا
الشخص ينظر إلى العالم من خلال العدسة لا من خلال عينيه!
بمعنى أنه لا يشارك فيما بحدث ولا يتفاعل وإنما يراقب فقط وتتفرع من
خلاله علاقات ثنائية بينه وبين آخرين كالحبيبة والصديق الصحفي وعائلته.
بالنسبة لمدى تقبل الجمهور لفكرة من هذا النوع، أعتقد أنه يعيش (أي
الجمهور) هذه الحالات وما يطرحه الفيلم أشياء تهمه حالياً. لم أرد أن
أرجع إلى زمن الغوص وإن كانت فكرته مغرية سينمائياً لأن كثيراً من
النقاد والسينمائيين في الخارج يهمهم أن يشاهدوا تراث المنطقة مثل فيلم
(بس يا بحر) الذي نجح بسبب موضوعه. بالنسبة للحاجز لا أضمن نجاحه
تجارياً.
·
قال المخرج أن الفيلم يعتبر متميزاً بالنسبة لما طرح في المنطقة (خالد
الصديق/ المخرج الكويتي) وبالنسبة لـ 90% من الأفلام المصرية الرائجة.
هذا التميز في اعتقادك كيف جاء؟
لا يمكن الجزم بتميز ما، لأن تميز أي فيلم لا يأتي من خلال السيناريو
المكتوب وإنما من خلال العمل ككل. وأنا أعتقد إنه لابد أن نكون أكثر
طموحاً وأكثر تواضعاً في تقييمنا لأعمالنا. وألا يأخذنا الحماس بعيداً.
ولذلك أرجوا أن يكون الفيلم في مستوى مقبول وأن يكون رافداً خاصاً ضمن
مسرى السينما العربية التي تشكل السينما المصرية فيها مركزاً هاماً.
·
هل تعتقد أن المخرج بامكانه أن يجسد رؤيتك السينمائية المطروحة؟
في تصوري أن بسام هو المؤهل الوحيد سينمائياً لإخراج فيلم، وأ،ا تعجبني
ثقته بنفسه وحماسه الشديد دون أن ننسى أن هذا هو أول عمل له، بالنسبة
للسيناريو لا أستطيع أن أحكم ما إذا كان بامكانه تجسيد ما طرحته في
الموضوع والنواحي الفنية لأن هذا يأتي فيما بعد. ولكني أعتقد أنه
بامكانه أن يتفهم أموراً كثيرة أردت ايصالها باعتباره صانع العمل وهو
بذلك المسئول الوحيد عن كيفية ظهوره في شكله النهائي.
·
كما أكدت أن السيناريو بناء يختلف عن القصة.. كيف تتهيأ لدخوله؟
يجب أن أضع في اعتباري أن هناك شخصيات وعلاقات وصراعات ضمن أجواء محددة
ولابد من تعميقها ومن تناولها بكل جزئياتها وتفاصيلها بشكل واضح، متسق
مع بعضه خاصة إذا كان العمل يأخذ الشكل الواقعي وهذا بالطبع لا يمنع من
ادخال أجواء حلمية أو كابوسية.
من الشروط المهمة في هذا السيناريو أن يكون البناء متماسكاً وأن تكون
متابعة الشخصية وتطورها متسقاً من حالة إلى أخرى.
لذلك فأنا طرحت الشخصية الرئيسية من جميع جوانبها السلبية وأدخلتها عبر
تجارب مع المحيط إلى حالة لابد أن تكون تغييرية بالنسبة له. شخصية من
هذا النوع لابد أن تجد صدمات هامة أمامها لكي تكتسب الوعي أو ربما
لتنكمش أكثر في ذاتها أو قوقعتها إلى حد الجنون.
·
كان أمين في معالجته السينمائية يتجه اتجاهاً مناقضاً لمعالجته
الابداعية القصصية، بمعنى نجد أن هناك اهتماماً أكثر بالطرح الواقعي في
المعالجة رغم أن الاتجاهات المتعددة في السينما تتيح مجالاً لاستيعاب
ما تطرحه قصصياً. لماذا هذا الاتجاه إذن أو لماذا الابتعاد عن رؤيتك
الفنية وهواجسها؟
في تصوري ليس هناك تناقض في الرؤية. نفس هذه الرؤية موجودة في قصصي
ولكن من خلال حالات مختلفة! الفرق أني أتعامل هنا مع شكل فني مختلف.
عندما أكتب سيناريو فأنا أقدم معالجة تتلاءم مع الظروف التي نعيشها
بالنسبة لجمهور السينما والعناصر الفنية الأخرى من منتج وممثل وبالتالي
هذا الشكل (السينما) محكوم بعوامل غير ذاتية وإنما بعوامل موضوعية
أساساً وأنا أعتقد أنه من الخطأ أن نبدأ بعمل يحمل أجواء يغلب عليها
الخيال أو أجواء سريالية لأن عملاً من هذا النوع سيكون تجريبياً
وبالتالي لن يتحقق له النجاح التجاري المفروض أن يتوفر في عمل سينمائي.
·
هل يعني هذا أن معيار الرواج هو الذي حكم عملية الاختيار والكتابة؟
ليس هذا.. هو وعي بالشكل السينمائي الذي يستدعي معالجة واقعية إلى حد
ما بالذات في ظروفنا وفي واقعنا! أنا لا أقصد (رواج) وإنما أقصد (نجاح)
العمل الآن. وهذا شيء متعارف عليه في صناعة السينما عالمياً.
إذا فشل الفيلم فنياً وتجارياً فهذا يعني القضاء على معظم العاملين في
الفيلم وبالتالي سيتخلق نوع من الاحباط واليأس عند أي شخص آخر يفكر أن
يصنع فيلماً.
·
ولكن ألا تعتقد أن السينما تتضافر فيها عناصر الرواية والصوت
والكاميرا.. إلخ. وبالتالي فهي تحتمل الأجواء التجريبية بشكل أكبر من
القصة التي تكون الكلمة فيها هي البطل الوحيد؟
في القصة لا أهتم بالجمهور وإنما في السينما لابد أن يكون الجمهور
حاضراً أمامي حتى وأنا أكتب السيناريو لأن الجمهور هنا بامكانه أن
يجعلنا نستمر أو نتوقف نهائياً.
·
هل تفكر حاليا في مشروع كتابة سيناريوهات لأفلام قادمة؟
لا! وحتى لو كان عندي سأأجل أي تفكير في انتظار هذا العمل. اخفاق العمل
فنياً يعني احباط كامل بالنسبة لي.
·
كيف بدأت امكانية كتابة السيناريو عندك؟
بحكم متابعاتي للأفلام السينمائية المكثفة وحبي للسينما بالدرجة الأولى
دفعني ذلك إلى كتابة أعمال تليفزيونية كان في البداية فاشلة وساذجة
لانه لم تكن هناك تجربة سابقة في كتابة السيناريو هنا لنستفيد منها،
ومشكلة كتابة السيناريو أنها لا تحتكم إلى قوانين خاصة، كل كاتب يخلق
قانونه الخاص. مع الوقت قرأت تجارب سيناريوهات كتاب محليين واطلعت على
بعض السيناريوهات الأجنبية ولكني حاولت أن أخلق بنفسي صيغة معينة
بالنسبة للسيناريو ولتوزيع المشاهد والجوانب التقنية الأخرى.
من المخرجين هنا الذين أذكر حواراتي معهم (عبدالله يوسف) الذي اشترك
معي في أعمال عديدة في المجال التلفزيوني العربة/ العطش/ يونس
والآخرون)، وهناك أعمال أخرى لم تنفذ بعد.
·
هل تعتقد أن صناعة السينما في البحرين تجيء الآن في الظرف المناسب
ذاتياً وموضوعياً أم أنها جاءت متأخرة أو قبل موعدها؟
الوقت حالياً غير مناسب لخلق صناعة سينمائية باعتبار أن هذه الصناعة
تتطلب رؤوس أموال واستديوهات وتقنيين وعناصر فنية أخرى كثيرة بالإضافة
إلى الممثلين والمخرجين، ونحن تنقصنا كل هذه الاستعدادات. لا يمكن
الحديث حالياً عن صناعة سينما محلية وإنما يمكن الحديث عن محاولات
فردية قابلة للتطور مستقبلاً.
·
لغة الحديث في الفيلم ما هي.. فصحى أم عامية؟
الفيلم سيكون باللهجة العامية، لأن الفصحى لم تشعرني أنها تستطيع إيصال
الفيلم كما أريد. القصة نفسها لا تستدعي ذلك إلى جانب قدرات الممثلين
غير المدربين على امتلاك ناصية الفصحى. رغم ذلك أشعر بتخوف ما وهو
كيفية استقبال الجمهور العربي للهجة المحلية.
·
أول فيلم تكتبه.. ماذا يعني بالنسبة لك؟
التجربة الأولى في أي مجال دائماً تعني الكثير ولذلك يحكمني الخوف.
أخبار الخليج البحرينية
في 25 يونيو 1989