في
عام 1987، يقدم محمد خان فيلمه الهام (زوجة رجل مهم)، وتكمن أهمية هذا
الفيلم في ذلك السيناريو الجيد الذي كتبه السيناريست رؤوف توفيق. حيث
يتناول موضوعاً هاماً وجريئاً، ألا وهو مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد.
والأفلام التي تناولت هذا الموضوع قليلة جداً، بل هي نادرة في السينما
المصرية، وذلك لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للرقابة والنظام بشكل خاص. وحتى
الأفلام القليلة التي فعلت ذلك تناولت السلطة من الناحية السياسية
المباشرة، وأغفلت النواحي الاجتماعية والنفسية .. بعكس ما فعل المخرج محمد
خان في فيلمه هذا. لذلك ففيلم (زوجة رجل مهم) يتميز بأنه أبرز هذه النوعية
من الأفلام، بل أهمها ، وذلك لابتعاده عن المباشرة في الطرح، وعدم لجوئه
إلى الرمز في نفس الوقت.
في (زوجة رجل مهم) نحن أمام شخصيتين من بين أهم شخصيات محمد خان السينمائية
.. شخصية الرجل المهم هشام (أحمد زكي) وشخصية الزوجة منى (ميرفت أمين). هو
العقيد ضابط المباحث الذي استهوته السلطة منذ الصغر، فأصبح يمارس سلطته
داخل نطاق العمل وخارجه .. وهي الطالبة الجامعية العاشقة لصوت عبد الحليم
حافظ، بكل ما يحمله هذا الصوت من دلالات رومانسية. هو متعته الوحيدة إهانة
الآخرين وتلفيق أكبر عدد من التهم لهم، ويتعامل مع الجميع بمفهوم رجل
السلطة، فارضاً سلطته هذه في البيت والشارع وفي كل مكان. لتتكرس بذلك
شخصيته نتيجة خضوع الآخرين له واقترابهم النفعي منه.. وهي الفتاة الحالمة
الرقيقة التي تدخل عالم ضابط المباحث مبهورة في البداية بتلك الأبواب التي
تتفتح أمامها فجأة وتشعرها بأهميتها، غير مدركة أنها بذلك تقتل كل المفردات
والتفاصيل الجميلة في حياتها الهادئة المطمئنة. هي تكتشف بعد زواجها منه
بأنها ليست سوى قطعة جميلة من ديكور المنزل، اقتناها لاستكمال وضعه الأسري
والاجتماعي، وأنها بذلك قد فقدت شخصيتها وهويتها كامرأة وإنسانة لا تقوى
على مناهضته حتى في المسائل الزوجية الصغيرة والبسيطة. كما تجد نفسها
معزولة حتى عن العالم الخارجي المحيط بها.. وهو يكتشف ـ وبشكل مفاجئ ـ بأن
السلطة قد تخلت عنه وأحالته على المعاش، وذلك إثر تحقيقات النيابة ومحاكمات
القضاء في قضية أحداث يناير 1977، وهو الذي لم يكن يستطيع أن يتصور ـ
إطلاقاً ـ الخروج من إطار السلطة ليعيش كمواطن عادي، ولا يمكنه أن يتصور
أيضاً بأن الأيادي التي كانت ترتفع تحية له، توشك الآن أن تصفعه. يجد نفسه
الآن مطروداً من هذه السلطة، بعد أن توحدت شخصيته بها وأصبحا شيئاً واحداً.
هو يحاول التمسك بالسلطة حتى ولو كان ذلك وهماً، حيث يتضح هذا من خلال
تصرفاته الغريبة والشاذة، والتي تجسد رفضه القاطع لهذا الحدث الكارثة،
ووقوفه على حافة الجنون.. وهي في محاولتها للتصدي له ومواجهة أوهامه، تقف
عاجزة عن فعل ذلك نتيجة لسلبيتها وخضوعها له، هذا بالرغم من شعورها
بالمهانة ورفضها لهذا الزوج وأسلوبه الرخيص في التعامل معها والسيطرة
عليها. هو يصر على أن يعيش مع أوهامه، رافضاً التأقلم مع وضعه الجديد
ومواجهة الواقع، فنراه يستمر في محاولاته العقيمة لتحقيق توازنه المفتقد،
والذي لا يجده إلا في منزله ومع زوجته التي تصبح بسلبيتها المفرطة بديلاً
لعالمه الضائع ليمارس عليها ما تبقى لديه من سلطة.. وهي تصل إلى مرحلة صعبة
من التعاسة والإحباط في حياتها الزوجية، حيث الشعور بأن المنزل قد أصبح
كالسجن الصغير يمارس فيه زوجها دور السجان. فنجدها تستنجد بوالدها ليأخذها
بعيداً عن هذا العالم التي أصبحت الحياة فيه مستحيلة.
هنا يكون الرجل المهم، والذي ما يزال يحتفظ بطبيعته التسلطية، قد أحس بأنه
سيفقد زوجته أيضاً، أي أن أخر سلطاته مصيرها مهدد أيضاً. فنراه يتصرف بشكل
هستيري مجنون، وينطلق من داخله وحش ضاري لا يعرف سوى لغة الرصاص، فيقتل
والد زوجته ومن ثم ينتحر.
يضعنا فيلم (زوجة رجل مهم) أمام شخصيتين متناقضتين تماماً، بالرغم من
وجودهما تحت سقف بيت واحد، ويشتركان في حياة زوجية واحدة.. هي طالبة غارقة
في رومانسيتها.. وهو ضابط مباحث متسلط ومريض نفسياً. إذن لابد من وجود قاسم
مشترك يجمعهما ويشدهما لبعض، فما هو؟!
يتحدث محمد خان في هذا الصدد، فيقول: (كنت أود أن أظهر بأن هذه المرأة
ترتبط عاطفياً ـ وبشكل مخيف ـ بهذا الرجل.. إذن هناك شيء ما يربط
بينهما،شيء يقضي على وعي كل واحد منهما. كل هذا كان مكتوباً ولكني لم أجد
الصيغة التي أمرر بها هذه النقطة)*17
صحيح بأن محمد خان قد لمح لهذا الارتباط العاطفي فيما بينهما، وذلك في لقطة
القبلة ذات الإيحاءات الصارخة التي طبعتها منى على خد هشام، إلا أن هذا لم
يكن كافياً ولم يستطع توصيل الفكرة التي أرادها محمد خان. ومع ذلك فهذا لا
يمنع من استنتاج سبباً آخر، وهو إن كلاهما (الزوج والزوجة) قد وجد في الآخر
مُراده.. هو وجد فيها فريسة سهلة يمكن أن ترضخ لسلطانه.. وهي وجدت فيه
الرجل المهم الذي يحكم وتتحطم أمامه كل المصاعب والعقبات.
لقد استطاع محمد خان في فيلمه هذا أن يغوص داخل أعماق شخصياته وإظهار ما
بدواخلها من مشاعر وأحاسيس، كما أنه سخر كاميرته لتكون بالمرصاد لكافة
المتغيرات والتحولات التي طرأت على هذه الشخصيات. هذا إضافة إلى أنه قد
أحاطها بالكثير من التفاصيل الصغيرة التي ساهمت في إبراز الجوانب النفسية
والأخلاقية فيها، والتي كشفت أيضاً عن جوانب هامة وخطيرة في تركيبة رجل
السلطة وزوجته. ومما لاشك فيه بأن السيناريو قد نجح في صياغة المواقف
والأحداث الدرامية بشكل مقنع ومنطقي، إلا أن هذا السيناريو ـ بما يحويه من
مضمون جاد وقوي ـ قد طغى على إمكانيات الصورة السينمائية في التعبير
الدرامي التأملي، فكان الحوار الكثيف ـ رغم قوته ـ هو المسيطر في أحيان
كثيرة على الصورة، مما ساهم في ضعف هذه الصورة وإيحاءاتها، وقلل من
إمكانيات الإبداع الجمالي الفني للكادر لدى محمد خان. وهذا لا ينفي من أن
محمد خان قد قدم أسلوباً بسيطاً وممتعاً في الإخراج، وأثبت مقدرة كبيرة على
التحكم في أدواته الفنية. كما أنه نجح في إدارة من معه من فنيين وفنانين،
وعلى رأسهم (أحمد زكي) الذي أثبت بأنه ممثل عبقري وفنان من نوع خاص يمتلك
إحساساً عميقاً بالشخصية التي يؤديها، حيث جسد شخصية الضابط بشكل متقن
ومقنع إلى درجة كبيرة، عبر مراحلها المتعددة من الطموح والتسلط إلى
الانكسار والسقوط. |