(ميت فل ـ 1995) هو أحد أفلام المخرج المبدع رأفت الميهي.. هذا الفنان الذي
إختار أسلوب الفنتازيا للتعبير عن قضايا الواقع. حيث يؤكد في فيلمه الأخير
هذا على هذا الأسلوب الذي إختاره، وهو البعد عن الأفكار والأشكال
السينمائية المكررة. وهو بذلك خلق مدرسة فنية خاصة به يمكن أن نطلق عليها
سينما رأفت الميهي. الفيلم من تمثيل شيريهان وهشام سليم وحسن حسني وأشرف
عبد الباقي.
إن المتتبع لأفلام رأفت الميهي يجد بأنها تتميز بعنصرين مهمين، الأول هو
ذلك التوازن بين عقلانية مركزة تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص والذي يخرج
عن المنطق المعتاد للأشياء.. وبين عاطفية مغلفة بحنان خاص يصبه الميهي على
شخصياته ويجعلها قريبة من قلوبنا، مهما كانت طبيعتها أو خروجها عن التقاليد
المعروفة. أما فيلمه (ميت فل) فقد إفتقد بعض الشيء ذلك الحنان الخفي الذي
يحيط به شخصياته، فبدت باردة دون حياة، تتحرك وفق المنطق الخاص الذي رسمه
الميهي لها، دون أن تخلق ذلك التعاطف بينها وبين المتفرج. خاصة وأن الموضوع
المطروح في الفيلم موضوع حساس جداً، يتعرض لدور الأسرة وربها في معتقدات
المجتمع العربي الراسخة.
يعتمد فيلم (ميت فل ـ 1995) على فكرة عبثية تقوم على أساس فلسفي يركز على
مبدأ الإختيار الإنساني.. ماذا يحدث لو قرر الأولاد التمرد على النظام
الأسري التعسفي الذي يفرض عليهم آباء وأمهات قد لا يكونون هم المثل الحقيقي
الذي يتمنونه لأنفسهم؟ وماذا يحدث لو حقق هؤلاء الأولاد حقهم الخيالي في
إختيار أم أو أب جديد لهم؟
فبطلي الفيلم دلال (شيريهان) وكمال (هشام سليم) زوجان جديدان يكتشفان في
يوم الصباحية في فندق رخيص، بإن كلاً منهما قد كذب على الآخر بخصوص موقع
عائلته الإجتماعي.. فكمال زعم بأن والده يشغل منصباً هاماً، ومن المستحيل
أن يوافق على زواجه من فتاة من أسرة فقيرة، لذا لابد أن يكون زواجهما سراً.
وإذا بها تكتشف بأن والده مجرد موظف بسيط.. وهو يرد عليها بأنها قد خدعته
أيضاً، عندما زعمت بأن والدها خبير تجميل، ثم إكتشف بأنه مجرد حلاق في حي
القلعة.
هنا يقرر الزوجان الحبيبان أن يضربا بعرض الحائط بكل العواطف التي تربطهما
بأسرتيهما، ويبدأ كل منهما في البحث عن أب بديل.. أب ثري يحقق لهما الوجاهة
الإجتماعية. فتجد دلال ضالتها في المليونير حسين أفندي (حسن حسني) وتلقي
عليه بفكرتها فيتلقفها سعيداً ويطلق عليها إسم (سرمن رأى)، فهو لم ينعم
بالأبوة بإعتباره أب لإبن متخلف عقلياً أطلق عليه إسماً يعبر عن إحساسه
تجاهه وهو (ياخيبتك.. يا). بينما يفشل كمال في إيجاد أب يتبناه، فيتقرب من
المليونير نفسه وينجح في إقناعه بأن يتبناه هو أيضاً بعد أن يطلق على نفسه
(ميت فل). فيصبح الزوجان كمال ودلال شقيقين بحكم التبني مما يعقد حياتهما،
بالرغم من حصولهما على مبتغاهم من النعمة والثراء. حتى ينكشف أمرهما في
النهاية ويصبح زواجهما باطلاً.
من خلال فيلمه هذا، يقدم رأفت الميهي كوميديا الموقف الإجتماعي الفنتازي
كعادته، وفي الفنتازيا التي يطرحها الميهي بالذات، نرى أنفسنا منصاعين
لوجهة النظر هذه دون الحديث عن المبررات لتصرفات الشخصيات. صحيح بأن الميهي
قد تسرع قبل أن يعلن عن فكرة فيلمه المجنونة هذه، حيث لا يكفي دلال قص
شعرها من قبل والدها، حتى تمضي في تحقيق فكرة زوجها كمال في إختيار أب آخر،
إلا أننا نرى بأن ذلك كان ضرورياً لتفادي المط والتطويل للوصول الى الموضوع
الرئيسي.
هناك أيضاً نقطة إستوقفتنا في الفيلم، حيث تتوقف الأحداث فجأة ودون أي
مبرر، لتقوم (سر من رأي) بأداء رقصة هندية طويلة ليس لها أي هدف درامي سوى
إستغلال إمكانيات شيريهان الإستعراضية. كذلك بقية الإستعراضات التي جاءت
بعيدة عن النسق. |