في فيلمه (اللعب مع الكبار - 1991)، يقدم المخرج شريف عرفه سينما جميلة
متكاملة، ويؤكد من خلاله رؤيته الإخراجية الخاصة. كما ينجح في تقديم فيلم
جماهيري ذو مستوى فني رفيع، يرقى بذوق المتفرج والناقد على السواء.
في (اللعب مع الكبار) توافرت ثلاثة عناصر فنية هامة، بل أنها تألقت أيضاً،
فبالإضافة الى نبض شريف عرفه الخاص، كانت هناك شعبية عادل إمام (النجم
الأوحد)، ثم جرأة وحيد حامد كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم. وإن هذا
التفاعل الفني بين الثلاثي (عرفه/ إمام/ حامد) قد أنتج ثماراً خصبة وفيلماً
يعد من بين أهم ما أنتجته السينما المصرية في السنوات العشر الأخيرة.
والفيلم كفكرة، يتحدث عن ذلك العبث الإقتصادي والإجتماعي بمصائر البشر،
والذي يقوم به المستغلون الكبار بحق الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة في
مواجهة هذا الإرهاب الواقع عليهم.
يحكي الفيلم عن حسن بهلول (عادل إمام) كنموذج للإنسان البسيط الذي أجبرته
ظروف الحياة على أن يعيش حالة البطالة، فهو لا يعمل ولا يستطيع حتى الزواج
من خطيبته (عايدة رياض)، ويحاول أن يعيش حياته التي يصبغها بعبثية جميلة،
معتمداً على قدراته وخبراته في الحياة. واقعه مظلم وآماله محطمة، إلا أنه
يملك قدراً كبيراً من الحب والإحساس بالمسئولية تجاه وطنه.
تبدأ أحداث الفيلم عندما يجري حسن إتصالاً بجهاز أمن الدولة، ويتحدث الى
الضابط (حسين فهمي) ليبلغه عن توقيت حريق سيحدث في أحد المصانع في اليوم
التالي. وعندما يسأله الضابط عن كيفية معرفته بذلك، يبلغه حسن بأنه شاهد
الحادث في الحلم. وبالفعل يقع الحادث، لتبدأ علاقة من نوع خاص بين حسن
والضابط. وتتعدد الحوادث التي يشاهدها حسن في الأحلام (يعمد المخرج لتكرار
مشهد إستيقاظ حسن من النوم للإيحاء بشيء ما) وفي كل مرة يصدق حسن فيما
يقوله للضابط. عندها يتعرض حسن لضغط وتعذيب نفسي وجسدي عندما يتم تحويله
الى ضابط آخر (مصطفى متولي) للتحقيق معه، ولكنه يصر على الصمت وكتمان
أسراره ومصدر معلوماته حتى يعود لصديقه الضابط الذي بدوره يكن حباً حقيقياً
لحسن. وتنتهي الأحداث عندما يتم إلقاء القبض على عضو مجلس الشعب (أحمد عقل)
لإستغلاله حصانته البرلمانية لتهريب المخدرات، حيث يكتشف الكبار بأن موظف
سنترال الهاتف (محمود الجندي) هو الذي أفسد صفقتهم هذه، والذي يستقي منه
حسن بهلول معلوماته. فيقرر الكبار التخلص من حسن بهلول وصديقه، لتبدأ بذلك
أجمل مشاهد الفيلم، وذلك في محاولة حسن الفاشلة لإنقاذ صديقه عندما يصل
متأخراً. ففي المشهد الأخير (داخل السنترال) يمسك الضابط بمسدسه بينما يصرخ
حسن بهلول بأنه سوف يواصل حلمه ولن يتوقف عن الحلم، مؤكداً على مواصلة
المشوار في كشف صور الفساد بالحلم بواقع أفضل، الى أن يسمع صوت رنين الهاتف
في النهاية ليكون بمثابة إنذار للمتفرج.
إن فيلم (اللعب مع الكبار) بالرغم من أحداثه الواقعية، إلا أنه يحلق بنا
بين الحين والآخر وينطلق الى آفاق وفضاء الخيال والفانتازيا الرحبة، ونلمس
ذلك في حوار وحيد حامد الذكي واللماح وكاميرا شريف عرفه الشاعرية وأداء
عادل إمام الأخاذ. فعادل إمام في هذا الفيلم مختلف.. صادق وحيوي، يؤدي دوره
بحميمية شديدة ينفذ بها الى مشاعر المتفرج وعقله بسهولة.. فقد شاهدناه
فناناً يعرف كيف يصل بأدائه وتعبيرات وجهه الى معنى الجملة التي ينطق بها.
أيضاً وصل حسين فهمي الى الذروة في أدائه، هذا بالرغم من أن الشخصية التي
أداها ليس لها ملامح درامية حادة، ولهذا فإن قدرته على التواصل مع المتفرج
تنبع من صدقه في التعبير الأدائي.
والفيلم بشكل عام يزخر بمناظر رائعة للقاهرة، خصوصاً في الليل، إستطاع شريف
عرفه كمخرج أن يقدمها بصدق من خلال عين مدير التصوير محسن نصر. هذا
بالإضافة الى ديكورات نهاد بهجت ذات التصميمات البسيطة والمعبرة وذات
الألوان المنسجمة. كما يتميز (اللعب مع الكبار) أيضاً بذلك الإيقاع السريع
والمدهش، الذي جعل المتفرج مشدوداً حتى آخر لقطة من الفيلم. |