تحدث خلال كتابه الصادر مؤخراً عن قطاع الثقافة
والتراث الوطني عن إن السينما المصرية تعيش تخلفاً في
مواكبتها لكل ما هو جديد، مقارنة بالسينما العالمية،
كما وصف المخرج السينمائي محمد خان بأنه من بين قلة من
المخرجين المصريين المحمومين بجدية استثنائية ومتميزة،
وإنه من بين قلة أيضاً ممن حاولوا تكسير القوالب
الجامدة هذه، وقدموا سينما مختلفة بموضوعات جريئة، إلا
أنهم ـ أيضاً ـ لم يستطيعوا التخلص كثيراً من الشكل
والأسلوب السينمائي التقليدي، وذلك ربما لعدم وضوح
الرؤية الفنية والسينمائية لديهم.
وبالرغم من كل هذا، إلا أن سينما الثمانينات
والتسعينات - والحديث هنا للحداد - في مصر طالعتنا
بتجارب وأفلام مغايرة وقليلة جداً، لم تعهدها السينما
المصرية من قبل .. تجارب متمردة على ما هو سائد،
استطاع صانعوها التصدي لذلك التيار التقليدي المسيطر
والثورة عليه.ليصف الخان بأنه أحد هؤلاء المخرجين إن
لم يكن أهمهم، حيث يمثل تجربة سينمائية خاصة بالنسبة
للسينما المصرية.. هذا المخرج كما يتحدث الحداد دائما
ما يفاجئنا ، مع كل فيلم يقدمه، بطرح فكري وفني متميز
ورؤية سينمائية ذات أسلوب خاص ومبتكر، لا علاقة لتلك
الرؤية بالأسلوب التقليدي الذي اعتاد عليه معظم
المخرجين المصريين.
وعن سؤالنا له عن قراءته للاجتهادات و الخطوات الأولى
في المشهد السينمائي البحريني، تحدث عن ذلك التجاهل
الذي وصفه بالواضح من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية
تجاه هذا الفن الجماهيري الهام.. في الوقت نفسه وصف
الذوادي بالمحارب في مجابهة كل هذا التهميش والتجاهل.
فهذا الفنان المتجدد لا يمكننا نكران جهوده لخلق هذا
الجو المليء بالأمل.. ثم لابد للآخرين أن يعو بأن
السينما تاريخ.. السينما وجه البلد في كل المحافل
الدولية وكل المناسبات، التقته الايام وتحدثت معه حول
كتابه فكان هذا الحديث.
·
بداية، ما الذي دفعك للكتابة عن محمد خان تحديداً من
المخرجين السينمائيين ؟ وهل هناك ما يميز تجربته عن
آخرين كثر من المخرجين العرب ؟
[ الكتابة عن أي مخرج مسألة ليست بالسهلة بالطبع..
فلكي تتناول مخرجا معينا لابد لك من مشاهدة تجربته
بالكامل.. أي كل ما أنجزه هذا المخرج.. وكل ما كتبه..
وكل ما قاله.. في الصحافة المكتوبة والمسموعة
والمرئية.. ألا ترى بأن هذه مهمة صعبة..؟!
أكثر ما شدني في تجربة المخرج المهم محمد خان، هو ذلك
الاهتمام من جانبه بشخصياته وما يحيط بها من تفاصيل
صغيرة.. ربما يراها الآخرون غير مهمة، إلا أنها عامل
هام في إبراز دواخل هذه الشخصيات.
محمد خان هو أحد أبرز الذين جددوا وغيروا في السينما
المصرية. فهو يعيش في بحث دائم عن إطار وشكل جديد
لأفلامه، يميزها عن بقية ما أنتجته وتنتجه السينما
السائدة.. محمد خان فنان يعشق السينما ويمارسها كما
يتنفس الهواء، يصور باستمرار متوغلاً في بحثه الدائم
هذا.
هذا بالرغم من التهمة التي يطلقها البعض عليه، بأنه
مخرج شكلي يهتم بالجانب التقني (الصورة) أكثر من
اهتمامه بالمضمون.. إلا أننا نرى العكس، فما يميز خان
أكثر هو طرحه لمضامين وشخصيات جديدة ومبتكرة لم تعهدها
السينما المصرية، وهذا ما جعلنا نقوم باستعراض كامل
وموسع لأفلامه.. ربما هو لا يهتم بالحدوتة التقليدية..
هذا صحيح..!! إلا أنه يركز على شخصيات الفيلم ويهتم
بها أكثر من أي شيء آخر.. مما يجعله قادراً على التوغل
في أعماقها والكشف عن جوانب هامة في تركيبتها، وإضفاء
أبعاد إنسانية صادقة عليها، يطرح من خلالها قضايا
فردية، إنما تعكس مجتمعاً بأكمله.
·
لاشك في أن كل كتاب يكتب للسينما له ثيمة معرفية أو
فكرية أو ثقافية يرغب المؤلف في تقديمها للمهتمين
بالسينما، ترى ما الثيمة السينمائية التي وددت التركيز
عليها وتقديمها من خلال شخصية خان ؟
[ هذا صحيح.. فعندما قررت الكتابة عن المخرج الراحل
عاطف الطيب.. وكان هذا في كتابي الأول.. كانت الثيمة
التي اخترتها (ثنائية القهر/التمرد) في أفلامه.. وهي
ثيمة كانت متوفرة في غالبية أفلامه.. إلا أن على
الناقد أن يسلط الضوء عليها، وإبرازها للمتلقي كأسلوب
متكامل.. وليس منفرداً في كل فيلم على حدة.
.. هنا في كتابي الثاني.. تعلقت كثيراً بشخصيات خان
السينمائية.. رأيتها مختلفة عن ما تطرحه السينما
المصرية.. فأبطال محمد خان شخصيات حزينة وحيدة متمردة
وغير منتمية، وتمثل خليطاً مركباً من المشاعر
والأحاسيس المتناقضة.. بين الجد واللامبالاة، النقاء
والتردد، التواضع والكبرياء، الحلم والإحباط، الغربة
والانتماء. هذه هي طبيعة شخصيات محمد خان، فهي أبعد ما
تكون عن الأنماط الاجتماعية المتوائمة مع مجتمعها. فهو
لا يبحث عن نوعية محددة من الأفلام، وإنما يبحث عن
شخصيات مميزة وغير نمطية.. شخصياته هي غير القادرة على
التأقلم مع مجتمعها، تعيش في صراع دائم بين الحلم
والواقع، في بحث دائم عن الذات والحرية الشخصية.
كذلك أردت أن أوضح للمتلقي في هذا الكتاب.. كيف أن
محمد خان نجح من بين غالبية مخرجي السينما المصرية..
عندما نزل بكاميرته إلى الشارع منذ أول أفلامه (ضربة
شمس) عام ٨٧٩١، وكان بهذا الفيلم لافتاً في طرحه
للكاميرا المحمولة.. بمساعدة مدير التصوير سعيد شيمي..
حيث كونا ثنائياً مدهشاً في مجموعة من الأفلام.. أسست
لتجربة هامة فيما بعد في السينما المصرية.
إضافة إلى ذلك.. كان لابد من التأكيد على أن هذا
المخرج المجتهد.. أراد ومن خلال جميع أفلامه، خلق
جمهور واعٍ ومثقف سينمائياً ومتذوق لهذا الفن.. وهو
بصفته فنانا غير تقليدي، لا يريد أن ينصاع لرغبات
الجمهور، بل يريد أن يعوده على ما يقدمه له.
·
أخيراً، كيف يقرأ حداد الاجتهادات و الخطوات الأولى
في المشهد السينمائي البحريني، خصوصا تلك التي يجتهد
من خلالها المخرج البحريني بسام الذوادي والسيناريست
فريد رمضان وأمين صالح وآخرين؟
[ ربما تكون هذه التسمية هي الأصح في وصفنا للحالة
السينمائية عندنا (المشهد السينمائي البحريني)..
باعتبار أن التجارب التي ظهرت قليلة.. وبغض النظر عن
مستواها الفني والتقني.. إلا أنها بالطبع تشكل نواة
لسينما في المستقبل.
حقيقة أشد على يد المخرج بسام الذوادي.. وأصفه
بالمحارب في ظل هذا التجاهل من المؤسسات الرسمية
والأهلية تجاه هذا الفن الجماهيري الهام.. فهذا الفنان
المتجدد لا يمكننا نكران جهوده لخلق هذا الجو المليء
بالأمل.. ثم لابد للآخرين أن يعو بأن السينما تاريخ..
السينما وجه البلد في كل المحافل الدولية وكل
المناسبات.
أختم هذا اللقاء بهذا التساؤل المنطقي.. هل حان الوقت
لكي نتحدث عن شركات إنتاج سينمائية.. ومشاهدة فيلم
بحريني كل عام أو عامين..؟! بدل الإنتاج التليفزيوني
للعديد من المسلسلات التي تنتهي بعد عرضها ولا تبقى في
الذاكرة الفنية.. هذا بالرغم من أن إنتاج مسلسل واحد
يكفي لإنتاج فيلم أو فيلمين في ظل التطور التكنولوجي
للكاميرا الرقمية. |