O
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 

إنتصار دردير تكتب :

إنها حقاً «أفلام لا تغادر الذاكرة»

** إنتصار دردير ـ سينماتوغراف

 

الإصدار التاسع

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

في الجزء الثاني من كتابه «أفلام لا تغادر الذاكرة»، الذي صدر إليكترونياً قبل أيام عبر موقعه المتميز «سينماتك»، يبحر بنا الناقد السينمائي البحريني حسن حداد في عالم من السحر لأفلام لم تبارح ذاكرتنا، ولا تزال قادرة علي إثارة دهشتنا رغم مشاهداتنا السابقة لها، نعود إليها بنفس الشغف لنكتشف مزيداً من سحرها، وكأننا نراها لأول مرة.

ليس السحر في الأفلام فقط، بل في اختيارات هذا المسحور المعجون بحب السينما، إذ يعرج بنا حسن حداد إلي أفلام تجوب بنا العالم شرقاً وغرباً، ينتقيها ببراعة خبير يدرك مكامن تفردها، ويستحوذ علينا برؤيته لنشاركه متعة الفرجة، التي تتحقق حين تقرأ الكتاب وتسارع بعد كل فيلم لتشاهده أو لتعيد مشاهدته مجدداً، لا يترك «حداد» تفصيلة صغيرة بالفيلم دون أن يسلط عليها الضوء بالتحليل والتوضيح.

في مقدمتها للكتاب تطرح الناقدة علا الشافعي سؤالاً مهما يتعلق بالطريقة التي نتعاطي بها مع الأفلام حين نعيد مشاهدتها، هل يظل الأمر كما هو أم أن حالة تكرار المشاهدة تجعله مختلفاً، نتيحة تراكم الخبرات والمشاهدات ووضعها  في سياقات عدة، بالإضافة إلي تبدل بعض المفاهيم وهو ما يحمل متعة متجددة مع كل مشاهدة جديدة.

تشير الناقدة المصرية إلي براعة «حداد» وعنايته الفائقة التي صبغت اختياراته، والتي تنوعت بين الدراما السياسية والاجتماعية والكوميدية والمغامرات و«اللايت كوميدي» والرومانسي، والتي يبدأها بفيلم «سريانا» من انتاج 2005، ويختار «المدرعة بوتيومكين» إنتاج 1925 ليكون خاتمة ملهمة لاختياراته، وبينهما مزيج من التنوع لكبار النجوم، من توم هانكس، بول نيومان، دينزل واشنطن، داستين هوفمان، جين فوندا، بيتر أوتول، أنتوني كوين، عمر الشريف، إضافة إلي مجموعة من المخرجين المخضرمين علي غرار، سام منديز، مارتن سكورسيزي، ستيفن جاجان، والعظيم سيرجي أينشتاين.

عبر 13 فيلماً عالمياً تنتمي لإنتاجات متباينة يقدم لنا الناقد العربي الكبير رؤية نقدية تحليلية لها، ويستهلها بفيلم (سيريانا ـ Syriana) من إنتاج 2005 وبطولة جورج كلوني، مات ديمون، جيفري رايت، كريس كوبر، ويليام هارت، واخراج ستفن غاغان، حيث يشير إلي أن «سيريانا» تعد دولة وهمية مستمدة من ثلاث دول هي سوريا وإيران والعراق، ويصف الفيلم بأنه صعب ومعقد مثل الواقع السياسي والإقتصادي الذي نعيشه، ومعالجته جريئة وملفتة للمخرج والسينارست ستيفن غاغان عن كتاب (لا تري شراً ـ See No Evil) لروبرت بيير العميل السابق للمخابرات الأمريكية.

يرصد الناقد نقطة الإنطلاق للحدث الرئيسي بالفيلم عندما يقرر الأمير العربي ناصر السباعي «يلعب دوره ألكسندر صديق، ممثل بريطاني من أصول سودانية» ولي عهد إحدى إمارات الخليج العربي المنتجة للنفط، وقف التعامل مع الشركة الأمريكية العملاقة «كونكس أويل»، وتحويل تعاملاته لصالح شركة صينية بديلة قدمت عطاءاً أفضل، تقوم القيامة في أمريكا، حيث تعتبر وكالة المخابرات المركزية بأن هذا الحدث يشكل لها صفعة قوية ولكل الاستثمارات الأمريكية بالخليج، وتكلف أحد عملائها «جورج كلوني» بتصفية الأمير العربي.

يتوقف الناقد الكبير عند كثير من التفاصيل التي تشكل رؤيته النقدية للفيلم، ونتوقف عند المشهد الأخير الذي يراه ذروة الأحداث حيث التوازي الملحوظ بين عملية إغتيال الأمير ناصر علي أيدي الأمريكان وبين العملية الإنتحارية بتفجير المدمرة الأمريكية في بحر العرب، هنا تصبح الشاشة بيضاء بدلاً من صوت الإنفجار لبضع لحظات، كل طرف بارك نجاح عمليته فيردد أعضاء الجماعة أن الهدف أصيب، بينما يشرب الأمريكان نخب انتصارهم بمقتل الأمير.

فيما يختتم الناقد اختياراته بالجزء الثاني من كتاب «أفلام لا تغادر الذاكرة»، بالفيلم الروسي «المدرعة بوتيمكين» الذي يعيدنا لبدايات القرن الماضي، إنتاج 1925، ويعد من أفضل ما أنتجته السينما العالمية للمخرج السوفيتي المبدع سيرجي أيزنشتاين، فلم يحظ فيلم في تاريخ السينما بما حققه هذا العمل من مجد، إذ يتصدر علي الدوام قائمة أفضل أفلام العالم، لدرجة حصوله علي لقب «فيلم كل الأزمنة وكل الشعوب»، ليظل دائماً تحفة خالدة في تاريخ السينما.

يتطرق الناقد إلي فكرة الفيلم حيث عرض علي مخرجه أيزنشتاين تصوير فيلم يحكي عن ثورة 1905 احتفالاً بالذكري العشرين لها، وقد رأي المخرج الفذ أن يركز علي حادثة حقيقية معينة بإمكانها أن تعطي صورة واضحة عن تلك الثورة بدلاً من تناولها من جميع الجوانب، وكانت بحق رؤية فنية عظيمة عندما اختار إنتفاضة البحارة فوق المدرعة الحربية بوتيمكين، مصوراً بعد ذلك تعاطف أهالي الأوديسا ومشاركتهم الفعلية مع البحارة في تلك الإنتفاضة، مشيراً إلي أن أهمية الفيلم لا تكمن في موضوعه الحربي فحسب، وإنما في ذلك الكمال الفني والدرامي المبتكر، وفي المونتاج الدقيق والمحكم والمثير حيث يخلق علاقة حميمة بينه وبين المتفرج، في تلك التراجيديا الجماهيرية التي تهيمن علي مشهد المجزرة الجماعية علي سلالم الأوديسا حيث الجنود القوزاق يطلقون النار دون تمييز علي الأهالي المحتشدين علي السلالم، في تلك الوحدة الثورية بين الماء واليابسة، بين البحارة المتمردين والكادحين المتعاطفين، تأتي تلك التفاصيل الدقيقة المبتكرة حيث السياق البنائي والمونتاج المتنامي، كل هذا وغيره جعل من «المدرعة بوتيمكين» نموذجاً للكمال الفني الملحمي وأثراً فنياً كلاسيكياً عظيماً في القرن العشرين.

ويضيف حداد بأن الفيلم يعد فريداً من حيث الشكل والمضمون، كما تكمن جوانب روعته من تلك المشاهد واللقطات التي جاءت على درجة كبيرة من التناسق والتجانس، لدرجة أن جميع المدارس الفنية المتخصصة بتدريس الإخرج قد عمدت إلي تدريس هذا الفيلم والتركيز عليه نظراً لأهميته.

بين الفيلم الأول والأخير الذي يضمه هذا الكتاب الفريد حكايات عديدة تحكمها رؤية فنية لـ11 فيلماً اختارها الناقد البحريني الكبير حسن حداد، غنية بالتفاصيل والمنهج التحليلي الذي يجعلنا نعيد اكتشافات أفلام سكنت الذاكرة ولم تغادرها، يتناولها بأسلوب موضوعي وسلاسة وهي (حافة العقل، الطريق إلي الهلاك، مدينة الله، شوكولا، رجل المطر، المسيسبي يحترق، صرخة الحرية، الثور الهائج، أن تكون هناك، العودة إلي الوطن، ولورانس العرب).

لا يكتفي الناقد الكبير بطرح رؤيته للأفلام، بل يقدم لنا شريطاً سينمائياً موازياً عبر مئات الصور الفوتوغرافية، التي تعبر عن مواقف ومشاهد كما لو كانت صوراً حية داخل الفيلم السينمائي.

** يمكن من اللينك الداخلي، (قراءة الكتاب)

 
 

موقع "سينماتوغراف" في 

17.06.2023

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004