جديد حداد

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

الفاتن

عمر الشريف

***

أغسطس 2025

 
 
 
 
 
 
 
 
 
   
 
 
 
 
 

كوميديا رأفت الميهي:

عقلانية تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص

 

بقلم: حسن حداد

 
 
 
 
 

 
 
   
 
 
 
 
 

ماذا يمكن أن يقال عن المخرج الكبير والكاتب الفنان رأفت الميهي. هل يصح لنا أن نقول بأنه يمثل حالة خاصة ونادرة في السينما العربية.. هل نقول بأنه فنان يطلق خياله الجميل ويجنح الى كل ما هو غرائبي وفانتازي.. أم نقول بأنه فنان يقدم الكوميديا في أفلامه، باعتبارها لا تعتمد في تركيبتها على تفاصيل الواقع بل تعلو على هذا الواقع، وبالتالي استطاع أن يقدم رؤية نقدية ساخرة لما يحدث في هذا الواقع. إن كل ما ذكرناه ينطبق تماماً على رأفت الميهي، فهو فنان حاول الإفلات من حصار الضحالة والثرثرة التي تتحكم في غالبية الإنتاج السينمائي المصري.. فنان قدم بإبداعاته افتراضات لها أساس علمي صحيح وبني عليها تداعيات ومشاهد تفجر الضحك من الأعماق، دون اضطراره لاصطناع خفة الدم، وهو بذلك قدم أفلاماً كوميدية بدون ممثلين كوميديين. إذن نحن أمام فنان عاهد نفسه بأن يكون مختلفاً، ليس رغبة في التميز وإنما لأنه يفكر بشكل مختلف، لا يقبل إلا الجديد ولا يتحمس إلا للابتكار.. هذا هو رأفت الميهي.

والمتتبع لأفلام رأفت الميهي يجد بأنها تتميز بعنصرين مهمين، الأول هو ذلك التوازن بين عقلانية مركزة تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص والذي يخرج عن المنطق المعتاد للأشياء.. وبين عاطفية مغلفة بحنان خاص يصبه الميهي على شخصياته ويجعلها قريبة من قلوبنا، مهما كانت طبيعتها أو خروجها عن التقاليد المعروفة.

نحن هنا أمام مخرج مصري يعد واحداً من أبرز شباب السينما المصرية، فنان أثيرت حوله ضجة كبيرة على جميع الأصعدة، من جمهور ورقابة وقضاء.. فمع كل فيلم قدمه، كانت هناك عدة مفاجآت أصر مخرجنا هذا على تقديمها للمتفرج ـ بجميع طبقاته ـ تعرّي وتفضح سلبيات هذا المتفرج ومجتمعه.

 

# # # #

 

(الأفوكاتو – 1983)

قدم المخرج وكاتب السيناريو رأفت الميهي فيلمه (الأفوكاتو) عام 1983، وهو فيلم ينتمي إلى ما يسمى بالكوميديا السوداء، ليقدم لنا كوميديا راقية وهادفة، افتقدتها السينما المصرية منذ أيام نجيب الريحاني (إن صح التعبير)، واضعاً نصب عينيه الرواج الجماهيري للفيلم الكوميدي، ومستغلاً ذلك لتصحيح الاعتقاد الخاطئ والسائد عن الكوميديا، خصوصاً إن الأفلام التي تناولت الكوميديا ـ وما أكثرها ـ تناولتها بشكل تجاري بحت، متخذة من التهريج طريقاً للربح المادي.

فالكوميديا هي أكثر الفنون الدرامية تعرضاً للظلم والإجحاف، في كل زمان ومكان. وذلك نتيجة ذلك الاعتقاد السائد بأن الكوميديا هي فن الإضحاك والتهريج فقط. علماً بأن الكوميديا - على غير ما هو شائع - ليست بعيدة عن مشاكل الإنسان وقضاياه الحقيقية. وهذا بالضبط ما فعله الميهي، عندما قدم (الأفوكاتو) ليكون نموذجاً للكوميديا الهادفة، مبتعداً عن الإسفاف والتهريج.

ومنذ أن بدأ رأفت الميهي الكتابة للسينما، كان اهتمامه منصباً على معالجة هموم الإنسان المصري والعربي وقضاياه السياسية الاجتماعية والنفسية، ويبدو ذلك جلياً في فيلمه الأول كمخرج (عيون لا تنام)، حيث تناول فيه وبواقعية أحد الأمراض الاجتماعية المتفشية في المجتمع. كذلك يواصل الميهي التعبير عن هذا الواقع في فيلمه (الأفوكاتو)، وإنما من خلال رؤية سينمائية مختلفة وجديدة وبأسلوب اعتمد فيه على عدم التقيد بقوانين الواقع، بل إنه لجأ إلى الفانتازيا. واستطاع ـ بهذا الأسلوب ـ أن يتجاوز المحاذير التي ظلت بعيدة عن النقد والتعرض لها من خلال السينما، عن طريق غير مباشر وساخر في نفس الوقت.. فهو يسخر من شخصية المحامي، ويسخر من السلطة القضائية، ويسخر من السجن والسجان، وكذلك يدين الطبيب والمأذون الشرعي.. وكل هذه رموز للمجتمع والسلطة، أدانها وكشف بعض أوراقها، باعتبارها أنماط فاسدة استطاعت استغلال سلطاتها لتحقيق مصالحها الشخصية، وهي إفراز طبيعي لمجتمع الانفتاح الفاسد.

وقد نجح رأفت الميهي في اختياره لشخصية المحامي حسن سبانخ (عادل إمام) بصفته رجل القانون المدافع عن الحق والعدالة، ليكون هو المتلاعب بهذه العدالة. فهو يستخدم المسافة بين القوانين والواقع ليقلب الحقائق ويجعل من البريء متهماً وبالعكس. ومن خلال هذا التناقض تحدث عملية فرز للمواقف الاجتماعية التي يريد أن يعريها ويكشفها في حياتنا اليومية.

يتحدث رأفت الميهي، فيقول: (...حسن سبانخ هو كل مسئول يحيد عن أداء واجبه، هذا هو مفهومي للسينما، فهي نقد الواقع وكشفه. وإذا كان هناك من يريد إبقاء الواقع على ما هو عليه فإنني لست كذلك. والفن لا ينبغي عليه أن يلعب هذا الدور (...) إن ما تعلمته في حياتي إن السينما هي أداة الناس لنقد السلطة والمسئولين...).

وفيلم (الأفوكاتو) لا يعتمد على ما تقوله الحدوتة، بقدر اعتماده على المواقف الاجتماعية والكوميدية الساخرة. وقد استطاع الميهي (المخرج) أن يجسدها بأسلوب فني بسيط وغير معقد، ابتعد فيه عن أسلوب الإبهار، واحتفظ فقط بالحرية في تنفيذ المشهد، حتى بدت المشاهد كاريكاتورية، وهي ـ بالطبع ـ صفة من صفات الفانتازيا.

نهاية الفيلم جاءت على غير المتوقع، فالفيلم يقدم صدمة للمتفرج ويجعله يخرج من الفيلم بشعور من الاكتئاب، بالرغم من كوميديا الموضوع التي يعيشها طوال أحداث الفيلم. ولعل هذا نتيجة للكم الهائل من السلبيات والعيوب التي يبرزها لنا الفيلم ويعيشها المجتمع المصري، إن لم يكن العربي بشكل عام.

مشهد النهاية، وعدة مشاهد أخرى، تؤكد لنا بأن الفيلم قد نفذ بشكل يتم فيه تحطيم وكسر قوانين الواقع، وإلا لكانت النهاية مضحكة كنهايات الأفلام الكوميدية التقليدية.

 

# # # #

 

(السادة الرجال – 1987)

يتناول فيلم (السادة الرجال) أبعاد العلاقة بين الرجل والمرأة، من خلال منظور اجتماعي ونفسي. فنحن أمام زوجين، أحمد (محمود عبد العزيز) وفوزية (معالي زايد)، تشتد بينهما الخلافات ويحاول كل منهما أن يستبد برأيه. 

ويقدم الفيلم، من خلال هذه العلاقة، فكرته الأساسية، وهي أن المرأة عندما يستقر قرارها على شيء، فهي ستحاول تحقيقه، حتى ولو كلف ذلك حياتها. فالـزوجة فوزية امرأة ناضجة تتميز بالأنوثة والجمال، متزوجة من صحفي له ثقله وسطوته، لكنه ينظر إليها نظرته لمجتمع الحريم، وينهاها على أن تتجاوز حدودها كامرأة، ويردد دائماً بأن الرجل هو صاحب الأمر والنهي في الحياة الأسرية وفي المجتمع ككل. لذا نرى فوزية تتمرد على هذه الحياة ويصل بها الأمر الى حد الثورة على مجتمع الرجال وعالمهم المضطهد للمرأة، فتقرر أن تصبح رجلاً، وتصارح صديقتها وزميلتها في العمل سميرة (هالة فؤاد) بقرارها هذا، باعتبارها المقربة الوحيدة منها، وباعتبارها تعيش معها كل تفاصيل حياتها، وتدرك مدى تعاستها في حياتها الزوجية. فتنتهز فوزية فرصة غياب زوجها في إحدى سفرياته الصحفية، وبالفعل تذهب الى أحد المستشفيات وتجري عملية جراحية تتحول بعدها الى رجل، كامل الرجولة. وعندها تصبح فوزية هي فوزي، الشاب الأنيق والوسيم، ومن ثم تعود الى صديقتها سميرة، التي تصعقها المفاجأة.

ويقدم رأفت الميهي طرحه الاجتماعي والفكري من خلال دراما اجتماعية في إطار كوميدي ساخر، ينتقد فيه صورة وواقع مجتمع الرجال ممن لا يزالون مرتبطين بالعلاقات والمفاهيم الأسرية القديمة المتعجرفة. 

وتتتابع الأحداث والمواقف الكوميدية الساخرة، حيث يعود الزوج من السفر ليجد زوجته رجلاً بل أكثر منه رجولة، فيحاول أن يثور على هذا الوضع. ولكن لا فائدة الآن، فعليه أن يعيش في الوضع الجديد هذا، دون أي اعتراض، خاصة وأن القانون قد قرر أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ليحيا الاثنان تحت سقف واحد. ويصبح على الزوج المثقف والمتنور أن يتقبل كل شيء تقوم به زوجته السابقة. وبالتالي عليه أن يقبلها كرجل يحيا حياته كما ينبغي، له كلمته وسطوته، ويبحث عن فتاة يحبها. وبالفعل يتقدم فوزي لخطبة سميرة، التي توافق بدورها على الزواج منه. والمفاجأة هي أن الزوج أحمد أيضاً راح يبحث عن زوجة أخرى، وهداه التفكير في صديقة زوجته سميرة. وعندما يذهب إليها طارقاً بابها طالباً يدها، تظهر له سميرة في ثياب النوم، وبجوارها زوجها الجديد فوزي، فيكاد يسقط مغشياً عليه.

في فيلم (السادة الرجال) يقدم الميهي موضوعاً مثيراً من الناحية الاجتماعية، له أبعاده الفكرية والميتافيزيقية، ومن خلال حس درامي كوميدي ساخر، يبرز تناقضات الواقع، ومن خلال تلك الهوة العميقة بين الرجل والمرأة. ومثل ما سخر الميهي من المساواة بين الرجل والمرأة، نراه يسخر أيضاً من المرأة التي تتصور إنها تحل مشكلتها كامرأة بأن تتحول الى رجل، فحل المشكلة ليس بإلغائها، حيث نشاهد المتاعب التي واجهها فوزي بعد زواجه من سميرة، واكتشافه بأنه يمارس معها نفس ما كان يمارسه الزوج أحمد مع الزوجة فوزية. فالمشكلة ليست بين المرأة والرجل، بل هي مشكلة المجتمع والواقع المحيط لهما. كما تمكن الميهي من تقديم هذا الطرح، من خلال معالجة سينمائية موفقة وفهم واع ومتميز للواقع الاجتماعي في تناقضاته، ومن خلال حسه الفني والخلاق بمفردات اللغة السينمائية وإمكانيات توظيفها.

 

# # # #

 

(سمك لبن تمر هندي – 1988)

في فيلم (سمك لبن تمر هندي)، نحن أمام عمل سينمائي فانتازي رائد. بل يمكن وصفه بأنه مغامرة فنية قام بها رأفت الميهي في إطار بحثه الدائم عن الجديد وغير المألوف. وهي بالطبع مغامرة شجاعة الهدف منها هو تحطيم كل القواعد المتعارف عليها لمخاطبة المتفرج. هذا المتفرج الذي مل من هذا الكم الهائل الذي تقدمه دوائر الإنتاج السينمائي المصري. ويبقى الرهان على هذا المتفرج، ومدى استعداده لتقبل هذا الجديد.

في فيلمه هذا، يبدأ الميهي بالتعريف بأبطال فيلمه الرئيسيين، بشكل واقعي تقليدي مدروس وذكي. فنحن أمام الشاب أحمد سبانخ (محمود عبد العزيز)، يعمل طبيباً بيطرياً، يتعامل بشكل إنساني مع نماذج مختلفة من الفلاحين الذين يعتمدون في رزقهم على الحيوانات، ونراه يرفض الاستغلال والجشع الذي يعاملهم به الممرض الذي يعمل معه. أما على الجانب الاجتماعي، فهو يحب فتاة ومتفق على الزواج منها منذ عشر سنوات، حيث حال من إتمام هذا الزواج العثور على شقة مناسبة أو غير مناسبة وتأثيثها. هذا بالرغم من أن حبيبته ـ واسمها إدارة (معالي زايد) ـ تحاول أن تساعده بالبحث عن عمل، إلا أنها تعيش في صراع دائم للالتحاق بوظيفة على الآلة الكاتبة، وتحاول أن تصل للرقم المطلوب، وهو ثمانين كلمة في الدقيقة، إلا أنها نفشل دائماً. وبالإضافة الى هذه الظروف الصعبة التي يعيشها أحمد وحبيبته إدارة، يصله خبر وفاة والده في الغربة، حيث سافر للعمل لتوفير حياة أفضل لأبنائه، ويكون وقع الخبر أليماً على أحمد. 

هذه البداية ذات النزعة الواقعية، ليس إلا حيلة فنية ذكية من الميهي، حتى يملك زمام المتفرج في صالة العرض، حيث يقدم صورة عامة لمجتمع يعاني فيه الشباب صعوبة تحقيق الحياة السوية المشرعة، علماً بأنه يقدم بطليه الرئيسيين من الناس العاديين تماماً. ومن ثم ينطلق ليقدم للمتفرج لوحات كاريكاتورية سريعة ولاهثة، شديدة السخرية الى حد المرارة من هذا الواقع. حيث يدخلنا الفيلم في تفاصيل أحداثه الكوميدية الساخرة، وذلك بزواج أحمد وإدارة في حجرة متواضعة في المكان الذي يمارس فيه أحمد عمله كطبيب وملاصقة لحضيرة الحيوانات المريضة. ومن ثم وقوعهما تحت تهديد أحد ضباط الإنتربول الدولي واسمه ملاك (يوسف داود)، والذي يعتقد بأن والد أحمد كان إرهابياً دولياً، وإن أحمد على اتصال بمنظمة إرهابية دولية وما زال يتلقى التعليمات منها. وبالتالي يجبرهما ملاك على دخول إحدى المستشفيات المتخصصة لعلاج مشاغبي العالم الثالث للحصول على اعترافات مفصلة منهما، بعد أن يتم غسل كل أعضاء الإنسان حتى يتوافق مع المجتمع.

في هذا المستشفى نرى الأطباء قتلة يأكلون لحوم المرضى ويطهون أكبادهم ويشربون دمائهم، في لوحات فانتازية كاريكاتورية شديدة السخرية. ولأن ملاك لا يستطيع الحصول على اعترافات مفصلة من أحمد وإدارة، فهو يطاردهما الى أن يعبرا من المشرحة الى الحياة الأخرى، الى الجنة والنار، ليقدم الميهي مشاهد عبثية جميلة. وعلى الرغم من احتياطات الأمن المشددة، ينجح أحمد في الهرب من المستشفى ويتخفى في ملابس تجعله أقرب الى الرهبان، يمتطي حماراً وينزل القرى مبشراً بالحب والعدل ويدعو الناس الى الانضمام إليه لتحقيق الحلم بتغيير العالم، علماً بأنه حلم رومانسي عاجز، أشبه بدعوة المسيح المثالية. وهكذا تستمر مطاردة ملاك لأحمد وإدارة الى أن ينتهي مصيرهما الى الموت، وينتهي الفيلم باحتفال تأبيني كبير لهما.

وبالرغم من أن رأفت الميهي نجح في تقديم اسكتشات كاريكاتورية ساخرة متتالية، متنقلاً من الخيال الى اللامعقول الى الجنون، إلا أنه يخضع مشاهده تلك لمنطق داخلي خاص، ويعتمد على موازنة عقلية ذكية ومدروسة بين الفن المتمرد والواقع الاجتماعي. حيث أن الأحداث والمواقف الفانتازية والكاريكاتورية، يغلفها خيال لا حدود له، يستمد مادته العبثية من واقع صار أشد عبثية من كل عبث فني.

 

# # # #

 

(سيداتي آنساتي – 1990)

في فيلم (سيداتي.. آنساتي) يواصل رأفت الميهي جنونه الفني ليلعب دوره الهام في كشف ذلك الزيف الذي يعيشه الواقع العربي. حيث يناقش قضية اجتماعية شائكة.. أل وهي قضية العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الشرقية في نهاية القرن العشرين. إنه لا يتعرض للظلم الواقع على المرأة، ولا يعرض للحمل الثقيل الذي يقع على الرجل، لكنه يعرض للواقع المجنون بكل سلبياته وايجابياته. فهو في هذا الفيلم، يلتقط بعض الأخطاء الاجتماعية والفكرية الشائعة، ويعيد صياغتها من خلال شكل فني فانتازي ساخر، مليء بالمتناقضات، معتمداً في ذلك على الخيال الممكن حدوثه في الواقع. 

في فيلمه هذا، يفترض رأفت الميهي بأن أربع بنات يقررن أن يتزوجن رجلاً واحداً، وهو ما لا يتعارض مع الشرع الإسلامي، ما دام تفسير الشرع أصبح حرفة وهواية لكل شخص حسب مصالحه وأهوائه. والفكرة مجنونة وخيالية، ولكنها واقعية في نفس الوقت، وذلك باعتبارها حلاً طريفاً وواقعياً ممكناً لمشكلة تأخر سن الزواج بالنسبة للبنات، وهي أيضاً حلاً لمشكلة عدم قدرة الرجال على أعباء الزواج هذه الأيام.

فمحمود (محمود عبد العزيز) شاب مثقف وحاصل على الدكتوراة، ولكنه يعمل ساعياً في إحدى الشركات، وذلك لأن دخل الساعي من القهوة والشاي ما يساوي 500 جنيه شهرياً، أي أفضل من مرتب حامل الدكتوراة. وفي المقابل هناك الأربع بنات.. المحامية درية (معالي زايد) والطبيبة آمال (عبلة كامل) والمهندسة عزيزة (صفاء السبع) والمحاسبة كريمة (عائشة الكيلاني)، هؤلاء البنات يعانين من مشكلة زواجهن في سن متأخر، وذلك بسبب أزمة الإسكان والأزمة الاقتصادية بشكل عام. لذا نراهن يقررن الزواج جميعاً من محمود مرة واحدة، والسكن معه في شقة واحدة، اختصارا لأزمة السكن. كما يؤكد الميهي نظرته الإنسانية الواعية للواقع من خلال شخصية المسيحية العجوز تيريز، صاحبة البيت الكبير الذي يسكن فيه البنات الأربع، وزواجها من ابن البقال الشاب سامي (أشرف عبد الباقي)، والذي يؤمن بمنطقه الخاص في زواجه من العجوز تيريز، بحثاً عن حنان الأم والزوجة في وقت واحد. فزواج محمود من أربع، مثل زواج سامي من العجوز تيريز، كلاهما تعبير عن التناقضات التي نعيشها في حياتنا اليومية.

وتصل الإحداث والمواقف الكوميدية العبثية الى ذروتها، عندما يقرر فتحي (يوسف داود)، رئيس الشركة التي يعمل فيها محمود وزوجاته الأربع، ترقية محمود بعد زواجه وإبعاده عن العمل في البوفيه، وبالتالي انخفاض دخله. مما يجعل زوجاته الأربع يقررن بقاءه في البيت ليقوم بالأعمال المنزلية، يكنس ويمسح ويجهز لهن الطعام.. لتظهر عليه ـ فيما بعد ـ أعراض الحمل الكاذب. فما دام قد تخلى عن دوره الحقيقي، فعليه أن يتحمل كافة النتائج. وعندما تتعقد الأمور بين محمود وزوجاته، تقوم درية وآمال بتطليق محمود والزواج من فتحي. هنا يقرران أن يستكملا الأربعة بأن يتزوج كل منهما بامرأتين جديدتين. هنا تثور ثائرة الزوجات القديمات، فيطلقن محمود وفتحي ليخرجاهما الى الشارع.

وهكذا نرى كيف أن الفنان رأفت الميهي، يتسلل الى أخطاء حياتنا اليومية ساخراً، ليزرع فينا الابتسامة ثم الضحكة التي تتفجر من الأعماق.. نضحك معه على أخطائنا وممارساتنا اليومية، ونفيق بالتالي على الحقيقة، حتى وإن لم نجرؤ على ممارستها، ويكفي هذا الفنان أنه جعلنا ننتبه ونفكر ونضحك مما نفعله. مدركاً بأن اللامنطق والعبث قد أصبح عرف التعامل اليومي في الواقع، فكيف لا يستخدم أسلوباً أكثر عبثية للوصول الى المتفرج.

 
 

مجلة نقد21 المصرية

عدد أكتوبر 2025

 
 
 
 
 
 
 
 

راسلونا على العنوان التالي

 
 
 
 

منزل 1855، طريق 3341، مجمع 733، الناصفة، ممكلة البحرين

تليفون نقال: 39894149

بريد إلكتروني:  hshaddad@gmail.com

Mail Us: House No 1855, Road No 3341, Block No 733, Alnasfa, Bahrain Kingdum.

Mobile: 973-39894149

E-Mail: hshaddad@gmail.com

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004