فقدت السينما المصرية في عام 1996، أحد أبرز عمالقتها في الإخراج
السينمائي، حيث توفي المخرج الكبير صلاح أبو سيف إثر مرض عضال عن 81
عاماً.. هذا المخرج الفذ والذي يعد من بين أبرز المخرجين الرواد الذين
أرسوا قواعد وتقاليد للسينما المصرية منذ البدايات الأولى ، واشتهر أبو سيف
بأفلامه الواقعية ، بل أصبحت أفلامه تمثل مدرسة سينمائية ، لها مناهج
وملامح ومراحل واختبارات ، حتى أنه استحق بجدارة لقب أبو الواقعية في
السينما المصرية .
والواقعية عند صلاح أبو سيف تعني أن ترى الواقع وأن تنفذ ببصرك وبصيرتك في
أعماقه وأن تدرك وتعي جذور الظاهرة، لا أن تكتفي برصد ملامحها فقط. وهذا
بالضبط ما جسده في أفلامه الكثيرة والمهمة.. فهو صاحب أفلام: ريا وسكينة،
الفتوة، شباب امرأة، بداية ونهاية، القاهرة 30، الزوجة الثانية، السقامات،
البداية.
وقد نال صلاح أبو سيف شهرة عالمية، إضافة إلى شهرته في العالم العربي، بل
أنه من أبرز المخرجين العرب شهرة في العالم. فقد اشترك بأفلامه في الكثير
من المهرجانات السينمائية الدولية، مثل مهرجان كان ومهرجان برلين ومهرجان
موسكو ومهرجان كارلو فيفاري ومهرجان فينيسيا ومهرجان فيفاي . كما حصل على
جوائز وشهادات تقديرية منها. وعرضت معظم أفلامه في الكثير من أسابيع الفيلم
المصري والعربي في العالم. هذا إضافة إلى الجوائز المحلية الكثيرة التي
حصلت عليها أفلامه.
وقد أمدت أفلام أبو سيف ـ بريادتها وثرائها الفني ـ النقاد بمادة متجددة
للدراسة والتحليل، فأصبحت أفلامه بمثابة المعايير التي تقاس بها جودة
الأفلام الجديدة، وهي ـ بالطبع ـ معايير على قدر كبير من الدقة والصدق
والحساسية، تمنح الناقد قدرة على الحكم بنزاهة.
يتحدث الناقد والمؤرخ الفرنسي العالمي جورج سادول عن أفلام صلاح أبو سيف،
فيصفها: (...بأنها قد خلقت في مصر تياراً لا تقل فعاليته عن تيار الواقعية
الجديدة الذي نشأ في إيطاليا، وأدى إلى خلق موجات جديدة في فرنسا وإنجلترا
وأمريكا...).
وفي مكان آخر يقول سادول: (...إن أبو سيف يعد واحداً من أفضل عشرة مخرجين
في العالم...). أما جمعية النقاد الفرنسية، فقالت عنه: (...إنه مخرج عالمي
متميز...).
وكتبت الباحثة السينمائية الألمانية أريكا ريشتر عن صلاح أبو سيف، فقالت:
(...يعتبر صلاح أبو سيف بحق أستاذ الفيلم الواقعي في مصر، وتمثل أفلامه
العمود الفقري للفيلم الواقعي العربي، وتحدد بظهوره اتجاها حساساً في تطور
السينما العربية...).
بعد رحيل هذا الفنان الكبير، ترى من الذي سيخلفه فنياً. صحيح بأن أبو سيف
فنان لا يمكن تعويضه، بكل ما قدمه من رؤى فنية وأسلوب سينمائي وابتكارات
ووجوه جديدة في مجال السينما، وبالتالي لابد أن يكون له تلاميذ حرصوا على
مواصلة الدرب الذي بدأه. وفي الوسط السينمائي المصري هناك طابور طويل من
المخرجين الذين تخرجوا من مدرسة صلاح أبو سيف، وحاولوا محاكاة البعض من
أفلامه فنياً. فهناك أشرف فهمي الذي أعاد إخراج فيلم (لك يوم يا ظالم) في
فيلم بعنوان (الوحش داخل إنسان). وعلي عبد الخالق الذي قدم محاكاة لرائعة
(الفتوة) في فيلم (شادر السمك). وعاطف الطيب الذي أطلق اسم حسن على بطل
فيلمه (سواق الأتوبيس) تيمناً وتبجيلاً لأستاذه الذي قدم (الأسطى حسن) منذ
أكثر من ثلاثة عقود. وكما انطلق محمد خان، مستكملاً توغل أبو سيف في أحراج
المدينة، اتجه هاشم النحاس من خلال الفيلم التسجيلي، إلى النفاذ ببصره
وبصيرته في أغوار الواقع. وهناك الكثير من اللمحات والإسقاطات الفنية التي
تناثرت هنا وهناك في أفلام مخرجي السينما المصرية الجديدة (الواقعية
الجديدة)، أبرزهم عاطف الطيب، محمد خان، خيري بشارة، داود عبد السيد. صحيح
بأن هؤلاء المخرجون قد خطوا لأنفسهم طريقاً جديدة في التعبير عن الواقع،
إلا أنهم لا ينسون فضل أبو سيف وتأثيره عليهم، فهو الذي علمهم السينما في
بداياتهم الأولى.
المرحلة الأولى ( 1915 ــ 1936):
ولد صلاح أبو سيف في حي من أفقر أحياء القاهرة (بولاق) عام 1915، مع بدايات
الحرب العالمية الأولى، ونشأ في بيئة شعبية فقيرة. وقد كان حي بولاق في تلك
الفترة يموج بالمقاومة الشعبية والإضطرابات والعنف بين المصريين والاستعمار
البريطاني. وبولاق هو نفس الحي الذي اندلعت منه ثورة 1919، وكان خاله من
بين المناضلين الذين اعتقلتهم السلطات البريطانية. ومن الطبيعي أن يكون لكل
هذا الزخم تأثيراً كبيراً ومباشراً في نشأة صلاح أبو سيف وتشربه بالروح
الوطنية ضد الاستعمار، وبالتالي كان له أكبر الأثر على بناء شخصيته أيضاً
وتكوين فكره السياسي فيما بعد.
أما بالنسبة لبداية تعرفه بالسينما، فيقول أبو سيف: (...كانت بداياتي مع
السينما كتاباً صغيراً وقع في يدي وعمري عشر سنوات، يتحدث عن مخرج
السينما.. وكانت السينما قبل هذا الكتاب عبارة عن ممثلين.. هكذا كنت أتصور.
وعندما قرأت الكتاب قررت أن أكون مخرجاً سينمائياً...).
وفي فترة شبابه، وعندما كان يعمل في شركة النسيج بالمحلة، إشتغل أبو سيف
بالصحافة الفنية. وفي عزلته عن الوسط الفني والسينمائي هناك، انكب على
دراسة فروع السينما المختلفة والعلوم المتعلقة بها، مثل الموسيقى وعلم
النفس والمنطق، علاوة على معايشته للظروف البائسة التي يعاني منها عمال
المحلة.
وهناك في المحلة، التقى بالمخرج نيازي مصطفى، والذي ساعده في الانتقال إلى
أستوديو مصر، وكان ذلك عام 1936، ومن ثم أصبح رئيساً لقسم المونتاج
بالأستوديو لمدة عشر سنوات.. حيث تتلمذ على يده الكثيرون في فن المونتاج.
واستمر أبو سيف في أستوديو مصر كمونتير ومساعد مخرج، وأخرج عدداً من
الأفلام التسجيلية والوثائقية القصيرة. أبرزها فيلماً عن حركة المرور في
الإسكندرية، وآخر عن الضجيج والصخب في القاهرة تحت عنوان (سيمفونية
القاهرة)، وفيلماً آخراً عن البترول. إلى أن قام بتجربته الأولى في الإخراج
السينمائي الروائي، وذلك بعد محاولات مضنية ومريرة. وكان هذا الفيلم هو
(دايماً في قلبي ـ 1936) .
وفي بداية عام 1939، وقبل سفره إلى فرنسا لدراسة السينما، عمل صلاح أبو سيف
كمساعد أول للمخرج كمال سليم في فيلم العزيمة، والذي يعتبر الفيلم الواقعي
الأول في السينما المصرية. وفي أواخر عام 1939، عاد أبو سيف من فرنسا بسبب
الحرب العالمية الثانية.. تلك الفترة التي شهدت تبلور ونشاط التيارات
السياسية والفكرية في مصر، وكانت الجمعيات الثقافية منتشرة في كل أنحاء
القاهرة، تنظم الندوات والمحاضرات. وقد اشترك صلاح أبو سيف في جمعية
الثقافة والفراغ، وكان يتردد عليها آنذاك الفنانون كامل التلمساني وأسعد
نديم وفؤاد كامل وحلمي حليم، وكانت أغلب حواراتهم ونقاشاتهم تدور حول
السينما.
المرحلة الثانية ( 1951 ــ 1957):
تعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل في حياة مخرجنا أبو سيف، وهي المرحلة
التي أطلق فيها أهم أفلامه الواقعية. فعندما عاد من إيطاليا حيث كان يخرج
النسخة العربية من فيلم (الصقر ـ 1950)، كان قد تأثر بتيار الواقعية
الجديدة في السينما الإيطالية. وأصر على أن يخوض هذه التجربة من خلال
السينما المصرية.
فعندما عرض أبو سيف سيناريو (لك يوم يا ظالم ـ 1951) على المنتجين، رفضوا
هذه المغامرة، كما رفضوا من قبل فكرة المخرج كمال سليم في إخراجه فيلم
العزيمة. مما اضطر أبو سيف إلى إنتاج هذا السيناريو بنفسه حيث نجح ولاقى
إقبالاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً.
ثم بعد ذلك قدم أفلامه الواقعية الأربعة، والتي تعتبر نقلة فنية هامة، ليس
في مشوار صلاح أبو سيف فحسب، وإنما في مسيرة السينما المصرية بشكل عام. هذه
الأفلام الأربعة هي: الأسطى حسن ـ 1952، ريا وسكينة ـ 1953، الوحش ـ 1954،
شباب امرأة ـ 1957، الفتوة ـ 1957. وقد ناقش أبو سيف في الفيلمين الأولين،
الانهماك في الملذات التي تميز بها المجتمع القديم، إضافة إلى تجسيد ظاهرة
الاضطهاد الاجتماعي وعلاقة المجرم بالسلطة الاجتماعية والمصلحة المشتركة
بينهما. بينما وصف في الفيلمين الآخرين ألاعيب ودسائس النظام الاجتماعي
والاقتصادي من خلال حركة الأفراد ومواقفهم الخاصة.
الأسطى حسن ـ 1952:
قصة: فريد شوقي. سيناريو وحوار: السيد بدير + أبو سيف. تمثيل: فريد شوقي +
هدى سلطان + زوزو ماضي + حسين رياض.
القناعة كنز لا يفنى.. عبارة كان لها دور هام وإيجابي وسلبي في نفس الوقت.
فهذه العبارة كانت تأشيرة السماح للفيلم بالعرض من قبل الرقابة. أما سلباً،
فهو أن هذه العبارة قد عنت أن يتقبل الأسطى حسن واقعه الفقير كما هو.
وبالطبع فقد أثارت هذه العبارة ضجة في أوساط المثقفين.
وفيلم (الأسطى حسن) يشكل وصفاً تفصيلياً لمجتمع الأغنياء ومجتمع الفقراء..
بين حيين: الزمالك الذي يعتبر أغنى أحياء القاهرة، وبولاق الذي يعتبر
أفقرها. وهما قريبان من بعض ولا يفصلهما إلا نهر النيل ويربطهما جسر يمتد
في النهر. حيث نلاحظ في أكثر من مشهد منظر هذا الجسر، وكأن أبو سيف يريد
التأكيد على هذا التقارب المكاني بينهما، بالرغم من التفاوت الطبقي بينهما.
وبعد ثورة يوليو 52، برزت موهبة صلاح أبو سيف بوضوح، بعد أن قبل الثورة في
حالة وصف للمجتمع (الأسطى حسن). فقد اتخذ من الإنسان الفقير والمسحوق بطلاً
لأفلامه، بعد أن كان بطل غالبية الأفلام السابقة من الباشوات. وبفيلم
(الفتوة) ينهي صلاح أبو سيف مرحلة مهمة تعتبر من أخصب مراحل مشواره
السينمائي وأعظمها.
المرحلة الثالثة ( 1957 ــ 1968 ):
بعد فيلم (الفتوة)، دخل أبو سيف مرحلة الإنتاج الوفير، فقدم في الفترة من
1957 إلى 1968، ستة عشر فيلماً، تنوعت مواضيعها بين الواقعية والوطنية
والعاطفية والغنائية، وتفاوتت في جودتها من فيلم إلى آخر. ففي أفلام (
الطريق المسدود ـ هذا هو الحب ـ أنا حرة )، عالج موضوع مهم بالنسبة لتلك
الفترة من حياة مصر السياسية والاجتماعية، مع بروز وتطور العلاقات
الاجتماعية، وهو موضوع تحرر المرأة وخروجها للعمل جنباً إلى جنب مع الرجل،
وأعطاها حق الانتخاب وحق الاختيار في الحب والزواج.
أما أبرز أفلامه السياسية والواقعية في هذه الفترة، فكانت بين السماء
والأرض، بداية ونهاية، القاهرة 30، الزوجة الثانية، القضية 68.
المرحلة الرابعة والأخيرة ( 1970 ــ 1986 ):
لقد كان فيلم (فجر الإسلام) هو باكورة أفلام أبو سيف في هذه المرحلة. وهو
بهذا الفيلم يتجه إلى الإنتاج الضخم في السينما. وقد قدم من خلاله رؤية
متطورة لذلك الصراع التقليدي بين المسلمين والمشركين، حيث جعل هذا الصراع
رمزاً لكل صراع بين التخلف والتقدم، واتبع أسلوباً جديداً في الإخراج، ركز
فيه على المعاني الإنسانية.
في هذه المرحلة، قدم أبو سيف مجموعة كبيرة من الأفلام، تفاوتت في المستوى
وتعددت في النوعية. ومن أهمها (حمام الملاطيلي، السقامات).
****
إلى هنا نكون قد تناولنا مسيرة صلاح أبو سيف السينمائية من خلال عرض أبرز
أفلامه التي قدمها منذ بدأ مشواره الفني وحتى وفاته. ومن خلال هذا العرض
لأفلامه، نصل إلى استنتاجات وملاحظات هامة ميزت مسيرته السينمائية الطويلة
والمتميزة.
التأثر بالسينما السوفييتية:
لقد تأثر أبو سيف بالسينما السوفييتية في أغلب أفلامه. ففي حديث له، قال:
(...لا أنكر تأثري بالسينما السوفييتية، لأنها أول من لفت نظري من خلال
إطلاعي على الكتب السوفييتية التي كتبت عن السينما. وأنا مميز بالرمزية
والواقعية معاً. بمعنى أن الرمزية عندي ليست تفلسفاً، وإنما أنا أكتب
بالكاميرا ما أشاهده وأحس به ويحس به كل إنسان مهما كانت ثقافته بسيطة.
وعندما كنت أرمز إلى شيء في مشهد ما في أفلامي كان الجميع يفهمون ما
عنيت...).
ففي أفلامه، نستشف هذه الرموز:
في (الأسطى حسن) وضع أبو سيف فريد شوقي وهدى سلطان الفقيرين أمام باب مفتوح
لخزانة خشبية لحفظ الأكل لا توجد فيها إلا قطعة جبنة متعفنة، وفي المقابل
وضع زوزو ماضي ورشدي أباظة الغنيين أمام باب مفتوح لثلاجة كبيرة عامرة
بالكافيار والفراخ واللحمة. وكان يريد أن يبين للمتفرج ذلك التفاوت المعيشي
والطبقي.
وفي (ريا وسكينة) استخدم أبو سيف إناء الشاي والماء يغلي فيه للتعبير عن
حالة الغليان في نفوس شخصيات المشهد. كما استعمل قربة الهرمونيوم وهي تتقلص
وتنتفخ مثل الكيس المستخدم في العمليات الجراحية لتجسيد نبضات القلب. وفي
آخر المشهد انتقل إلى المجزرة ليصور بقرة وهي تذبح تعبيراً عن ذبح الفتاة.
أما الرمز في (شباب امرأة) فقد كان عبارة عن صورة لرجل يمسك بشاة، وهي
تعبيراً عن زواج تحية كاريوكا بشكري سرحان جبرياً.
وفي (الفتوة) يبدو الرمز في لقطات متناغمة ومتنقلة بين فريد شوقي والحمار،
أثناء العمل أو أثناء الأكل. وبهذه اللقطات يؤكد أبو سيف على أن الإنسان قد
يصل في حالات معينة إلى مرتبة الحيوان. وكذلك عند وقوع المعركة النهائية في
السوق، نشاهد صورة الملك وقد ضربت بالطماطم الفاسدة رمزاً لسقوط التاج.
وصورة زكي رستم أيضاً نراها تسقط على الأرض لحظة موته.
وفي (بداية ونهاية) كان التعبير عن الدعارة ببالوعة المجاري. كذلك عندما
أراد أبو سيف أن يصور بيت الدعارة، وكان ذلك غير مسموح به رقابياً، استخدم
موسيقى ( آه يا زمن )، وهي موسيقى معروفة عند المصريين وتستخدم للدلالة على
هذه الأماكن ولها كلام جنسي.
وقد استخدم أبو سيف في (القاهرة 30) الصورة في الرمز، وذلك عندما أظهر
(حمدي أحمد) وخلفه قرون معلقة على الجدار، للدلالة على أنه قد أصبح قواداً.
السيناريو هو الأهم:
والميزة الثانية هي أن أبو سيف قد اشترك في كتابة السيناريو لجميع أفلامه.
فهو يعتبر كتابة السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم.فمن الممكن عمل فيلم جيد
بسيناريو جيد وإخراج سيء ، ولكن العكس غير ممكن . لذا فهو يشارك في كتابة
السيناريو لكي يضمن أن يكون كل ما كتبه السيناريست متفقاً مع لغته
السينمائية.
الواقع والحقيقة في السينما:
إن أغلب أفلام أبو سيف قد حدثت في الواقع، أو أنها مأخوذة من حوادث حقيقية.
فقصة فيلم (ريا وسكينة) معروفة. وفيلم (شباب امرأة) خطوطه الرئيسية مأخوذة
عن تجربته الشخصية عندما سافر إلى باريس. و(الفتوة) جاءت قصته بعد أن قرأ
تحقيقاً في إحدى الصحف عن تجار الخضروات، وكيف يدورون سوق الجملة. حتى فيلم
(بين السماء والأرض) مأخوذ عن تجربة شخصية، عندما تعطل به المصعد مع زوجته،
فخطرت له الفكرة وحملها إلى نجيب محفوظ ليبني عليها القصة. وأيضاً فيلم
(الوحش) الذي يحكي عن ذلك المجرم الذي طاردته السلطات المصرية لفترة طويلة.
وأخيراً يأتي فيلم (الكذاب) وهو عن حادثة سرقة أموال القطاع العام في مصر.
أبو سيف والرقابة:
كانت أفلام صلاح أبو سيف محل انتباه الرقابة دائماً. فمثلاً كان شرط
الرقابة لتمرير فيلم (الأسطى حسن) هو وضع عبارة (القناعة كنز لا يفنى) في
أحد مشاهد الفيلم. كما اشترطت الرقابة لإجازة فيلم (الوحش) بأن توضع عبارة
(قديماً).. في أقاصي الصعيد) في بداية الفيلم. أما فيلم (القضية 68) فقد
منع من العرض في مصر، وعرض في الخارج أولاً، وبعد أن لاقى نجاحاً كبيراً
أجيز للعرض داخل مصر وهوجم في الصحافة بشكل قاس جداً. وقد كانت صالة العرض
تحت حراسة الشرطة، وإلى اليوم الموقف من هذا الفيلم في مصر لم يتغير. ورمي
الفيلم في المخازن، ولا أحد يريد أن يسمع عنه شيئاً.
محفوظ.. أبو سيف:
إن ارتباط اسم الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ بمعظم أفلام أبو سيف،
ليعتبر تجانساً أدبياً وفنياً واقعياً، قد أثمر أفلاماً سينمائية جيدة
وقوية في المضمون الدرامي والتكنيك الفني. فنجيب محفوظ يعتبر من أبرز كتاب
الرواية الواقعية في الوطن العربي، وأبو سيف من أبرز المخرجين الواقعيين.
وقد عمل الإثنان في أفلام كثيرة ليكونا ثنائياً فنياً ناجحاً. والأعمال
التي جمعتهما مع بعض هي:
المنتقم (سيناريو)، مغامرات عنتر وعبلة (سيناريو)، لك يوم يا ظالم
(سيناريو)، ريا وسكينة (سيناريو)، الوحش (سيناريو)، شباب امرأة (سيناريو)،
الفتوة (سيناريو)، الطريق المسدود (سيناريو)، أنا حرة (سيناريو)، بين
السماء والأرض (قصة)، بداية ونهاية (رواية منشورة)، القاهرة 30 (رواية
منشورة)، شيء من العذاب (قصة)، المجرم (سيناريو)
هذا هو صلاح أبو سيف الذي رحل.. رحل بعد تاريخ فني طويل وحافل بالإنجازات
السينمائية، والتي ستظل محفوظة في ذاكرة الجمهور وذاكرة السينما على
السواء. |