يعكس فيلم «ع الزيرو» الذي لعب بطولته محمد رمضان، من
إخراج محمد جمال العدل، أحدَثَ مُحاولةٍ مِن قبل النجم
الشهير، وصناعة السينما في مصر، لاستغلال شعبية النجوم
في إنتاج عمل يجذب الجمهور ويحقق الإيرادات، دون أن
يتعرض لهجوم النقاد وسخرية «السوشيال ميديا».
لا شك أن محمد رمضان نجم، في عصر تغيرت فيه مفاهيم
ومقاييس النجومية، ولكن بقي منها شغف الجماهير،
والشهرة، والمال الوفير، وما يعنيه كل ذلك من غرابة
أطوار وإفراط سلوك يزدادان غرابة وإفراطًا كلما علت
موجات «التريند».
استطاع رمضان أن يصنع له صورة نجم «أو «بيرسونا»
بتعبير عالم النفس كارل يونج والمتخصصين في دراسة
النجوم» يحتاج إليها، ويرغب في محاكاتها، جمهوره
العريض الذي يتكون معظمه من ذكور شباب يسعون وراء
نموذج ذكوري يلبي خيالاتهم ويهدئ من روع قلقهم المزمن
تجاه هذه الذكورة.
من شروط بقاء أي «بيرسونا» قدرة النجم «ومَن خلفه» على
تعديلها بما يتناسب مع تغيُّر الذوق العام ومع سنه وسن
جمهوره الذي يكبر أيضًا. وهو ما حاول محمد رمضان أن
يفعله في عمليه الأحدث: مسلسل «جعفر العمدة»، وفيلم «ع
الزيرو». في العملين يغير رمضان صورة الشاب الشجاع ميت
القلب، من عناوين أفلامه «عبده موتة» و«قلب الأسد»
و«الديزل» ويلعب دور الأب، متوسط العمر، المكلوم على
ولده. في المسلسل لاختفاء هذا الولد، وفي الفيلم
لإصابته بمرض خطير. وهو في الحالتين يضيف إلى ذكورة
العضلات والفتونة التي عاش عليها سنينًا ذكورةَ الأب
الحامي، المضحي بنفسه من أجل ولده الذكر الوريث.
في «ع الزيرو» يجمع رمضان ثلاثة وجوه من صورته التي
يعرفها الناس: الفتى الشقي مفتول العضلات الذي يضرب
ويجري ويقفز مثل سلفستر ستالوني وفان دام، ومغني
«المهرجانات» الذي يرتدي الملابس اللافتة ويلوّن شعره
ويرسم وشمًا على جسده، والأب الأرمل الفقير الذي يعيش
من أجل ابنه ويضحي بالرخيص والنفيس في سبيله.
«ع الزيرو» هو أيضًا محاولة من صناعة السينما الحالية
التي تعاني انخفاض الإقبال الجماهيري، ومن قلة الأفكار
الجديدة، لاستغلال شعبية محمد رمضان في عمل مختلف عن
أعمال محمد رمضان! الفيلم، الذي بدأ عرضه في أغسطس
الماضي هو إنتاج «عائلي» إذا جاز التعبير. فهو من
إنتاج جمال العدل من خلال شركة «العدل جروب» وتأليف
مدحت العدل، وإخراج محمد جمال العدل. وعائلة العدل
التي تضم أسماء أخرى، منها الممثل والمنتج الراحل سامي
العدل، والمنتج محمد العدل، وابنته مصممة الأزياء ريم
العدل، واحدة من العائلات التي تعمل في المهنة منذ عدة
عقود، وتتوارث المهنة، ومثلها أيضًا عائلة السبكي.
وبحكم خبرتهم ونظام الإنتاج شبه العائلي استطاعت كل من
عائلة العدل والسبكي أن تستمرا في ظل المتاعب التي
تعانيها الصناعة منذ سنوات، وإن كان جمال العدل وشركته
قد اتجها إلى الدراما التليفزيونية هربًا من مخاطر
الإنتاج السينمائي، وانخفض إنتاج آل السبكي بشكل
ملحوظ.
من الطبيعي، إذن، أن تسعى الصناعة، ممثلة في آل العدل،
إلى استغلال نجومية رمضان في عمل جرى تصديره باعتباره
تجربة جديدة ومختلفة في مسيرة رمضان، من خلال موضوع
اجتماعي وإنساني وعائلي بالمقام الأول. وتتمثل هذه
الصورة الجديدة بصريًّا من خلال عنوان الفيلم وصور
دعايته التي تركز على رأس محمد رمضان وقد حلقت «على
الزيرو»، وفقًا للتعبير العامي!
ولكن إذا استثنينا الحلاقة على «الزيرو»، التي تعيد
إلى الأذهان قصّات شعر سينمائية ذائعة الصيت مثل قصة
أحمد زكي في فيلم «كابوريا»، فإن العمل لا يحمل جديدًا
فيما يتعلق بالموضوع ولا القالب الشعبي المعتاد الذي
سبق أن قدمته السينما المصرية عشرات المرات: رجل كامل
المواصفات بدنًا وعقلًا وخُلقًا، تقع النساء في حبه من
أول نظرة، يجيد كل شيء يفعله، من الغناء إلى القتال
اليدوي إلى قيادة السيارات بسرعة جنونية، لكنه فقير،
لا يملك ثمن إيجار شقته، ويحتاج إلى مبلغ كبير بسبب
مصيبة تسقط على أهل بيته، فيبدأ في البحث عن مخرج
للأزمة، وتنفتح أمامه عدة أبواب عليه الاختيار من
بينها. وكل اختيار يعني التضحية بشيء: هل يتاجر في
المخدرات ويبيع ضميره، أم يبيع كليته لأحد المرضى، أم
يقوم بسرقة لص كبير؟ ولأنه محمد رمضان، فلا بُدَّ أن
يتقاطع كل ذلك مع عدة أغانٍ شعبية «مهرجانية»، وعدة
مطاردات ومعارك يدوية، وقصة حب «يمين»، مع ممرضة لها
قلب ملاك، تؤدي دورها نيللي كريم، وقصة إعجاب «شمال»،
مع صاحبة فندق متوسطة العمر تهوى التمثيل وتُقلِّد
سعاد حسني «تؤدي دورها جومانا مراد»، بجانب شخصية
الصديق المخلص المضحك «التي يؤديها إسلام إبراهيم».
تتفرع الخطوط يمينًا وشمالًا، ولكن أغربها شخصية رجل
الأعمال الثري التي يؤديها خالد الصاوي. يبدأ الفيلم
بقيام حمزة «رمضان» مشغل الموسيقى
DJ
في إحدى الحفلات الخاصة بإنقاذ شاب حاول الانتحار،
يتضح أنه ابن رجل أعمال كبير يكافئ حمزة بإهدائه
«تابلت» لابنه. وفجأة تختفي الشخصية لتظهر في نهاية
الفيلم ليخبر حمزة أن واحدة من أغانيه حققت مشاهدات
فلكية على الإنترنت، وأن حمزة أصبح بذلك مليونيرًا..
وبغض النظر عن أن الدور يبدو مبتورًا بوضوح مخزٍ، إذ
يبدو أن الصاوي لم يصور بعض مشاهده، فإن الفيلم ينتهي
فجأة بشفاء الابن وزواج حمزة من الممرضة وكليب
فوتومونتاج طويل يصور معالم السعادة والرفاهية التي
انتقل إليها حمزة بين يوم وليلة. وهي نهاية لا محل لها
من الإعراب في سياق الفيلم، ولا تعني شيئًا للمشاهدين
سوى أن يقوموا كلهم بعمل «كليبات» رقص وغناء، ربما
يواتيهم الحظ، ويحققون النجومية بين ليلة وضحاها كما
حدث لحمزة، ولمحمد رمضان من قبله. ولعل هذه هي الرسالة
السرية التي يرسلها محمد رمضان دومًا إلى جمهوره:
شاهدوني وافعلوا مثلي لعلكم تصبحون مثلي!
رغم الموضوع الاجتماعي الجاد، الذي يتناول قضية علاج
الفقراء والمستشفيات الخاصة الاستغلالية وبيع الأعضاء،
ومعاناة الفقراء بشكل عام، لكن المحصلة الأخيرة تقول
إن كل هذا غير مهم إذا استطاع أن يصبح المرء نجمًا
شهيرًا وثريًّا.
على طريقة الصناعة الرديئة، فإن كل شيء يبدو «مصنوعًا»
في «ع الزيرو»، من السيناريو (الذي يبدو كأنه مسلسل
رمضاني، تم اختزاله إلى فيلم «رمضاني»)، إلى اختيار
الممثلين، إلى الإخراج ذي النبرة الميلودرامية
الزاعقة، التي تتسم بها كل أعمال المخرج محمد جمال
العدل سواء المسلسلات أو الأفلام.
لا مجال هنا لمبدأ الاقتصاد الفني، وسوف أكتفي بمثل
صغير للغاية: يبدأ الفيلم بحمزة عاريًا يجري بعض
الفحوصات الطبية، وولده بجانبه يسأله عما يفعل، ويتركه
حمزة ليمر من أحد أبواب الممرات المتحركة، ومع حركة
الباب يلقي حمزة نظرة سريعة إلى الخلف نحو ابنه.
اللقطة جميلة وتوحي بالقلق والتوتر وتصنع تشويق
المشاهد لمعرفة ما يحدث. ولكن على مدار دقيقة تالية
يقطع الفيلم من لقطة للأب إلى لقطة للابن، والباب لا
يكف عن التحرك، والاثنان لا يكفان عن تبادل النظر
والتحية.. مبالغة تفسد أيَّ مشهد وأي شعور كريم لدى
المشاهد. فالمطلوب هو الضغط على المشاهد بالإفراط
والتكرار والحركة البطيئة طوال الفيلم، استدرارًا
لدموع البسطاء مرة، ورقصهم مع الأغاني مرة، وسعادتهم
بالحظ المفاجئ الذي سقط على نجمهم مرة. |