المخرج محمد خان غني عن التعريف. أفلامه العديدة تكوّن اليوم المرجع
الأساسي لمراقبة الحياة القاهرية... من «طائر على الطريق»، «موعد على
العشاء»، «الحريف» إلى «خرج ولم يعد»، «عودة مواطن» «مشوار عمر»، «زوجة رجل
مهم»، «أحلام هند وكاميليا»... ويضاف إليها فيلمه الجديد «سوبرماركت» الذي
شاهدته «اليوم السابع» قبل أن تضاف إليه الموسيقى والمؤثرات الصوتية
والأشياء الصغيرة التي تعطي الحياة للفيلم. «سوبرماركت» من تمثيل نجلاء
فتحي (وانتاجها) وممدوح عبدالعليم هو إضافة للعينة القاهرية التي يستقرئها
محمد خان... شاب يهوى الموسيقى الكلاسيكية وجارته المرأة الطالق... لن تكون
بينهما إلا عواطف الصداقة والاحترام المتبادل... فيما يلي محمد خان يتحدث
عن فيلمه وعن بعض النقاط الهامة فيه.
·
محمد خان، ماذا يعني لك أن تعيش مع
مشروع سينمائي السنين الطويلة دون أن تخرجه، ألا يؤثر ذلك الانتظار على
عفوية الإخراج والتصور وأعني بهذا السؤال فيلم «سوبرماركت» الذي كان عنوانه
«عيد ميلاد رمزي»؟
- فيلمي الجديد له معنى، وهذا المعنى ما زال قائماً حتى فترة تصوير الفيلم،
وبالتالي، فهو لم يفقد جدواه ولم يجعلني ابتعد عنه. ان شخصية رمزي التي أرى
من خلالها وقوع ما يحصل في الحياة اليومية هي شخصية جديدة لا أرى الزمن أتى
عليها. قد يكون «سوبرماركت» هو الحياة التي نعيشها اليوم.. ومع هذا حين
سيعرض الفيلم مثلاً في آخر السنة، فان معناه سيكون قائماً لأن الحياة
الاقتصادية ما زالت موجودة وأقول في تضخم.. والمواطن المصري يشعر بها
ويتألم منها.. أما إنجازه الآن، فذلك نتيجة اصراري. وأرى كذلك انه يكمل
تعاوني مع عصام توفيق، كاتب السيناريو، فمثلاً، نجلاء فتحي كانت قد رفضت
الدور منذ سنتين، حيث لم تود تمثيل دور الأم، أم صبية في سن الثالثة عشرة،
امرأة مطلقة... وأنا كنت أشعر بأن اختيار نجلاء فتحي هو «الكاستنج
الصحيح»... وحينما رفضت، بدأت أفكر في ممثلة أخرى.. بعد ذلك طلبت انتاج
الفيلم، عرضت عليها الدور، فقبلت!
·
كل مرة ألتقي بك، كنت تكلمني عن فيلم
«عيد ميلاد رمزي». ما هي العلاقة القائمة بينك وبين هذا الفيلم؟
- ليس الارتباط مع الفيلم ولكن الارتباط بالشخصية، لرمزي كما كانت علاقتي
بفارس من قبل في فيلم «طائر على الطريق»، مع شخصية الفخراني في «خرج ولم
يعد»... ان الشخصيات هي التي تشدني... لقد وصلني عن هذا الفيلم،
«سوبرماركت» وقبل إنجازه العديد من التقارير ولن أذكر كتابها... هذه
التقارير تقول: «لا، من المستحيل انجاز هذا الفيلم سيكون من أردأ الأفلام».
أعطيت السيناريو إلى العديد من الأصدقاء للقراءة، ثم ندمت على فعلي ذلك.
لأنهم لم يروا في الفيلم ما كنت أراه، قالوا لي: «لا تعمل هذا الفيلم،
ستجني الأضرار الكثيرة بسببه»... فحصل في داخلي احباط كبير. فأما أن تتخلى
عن فيلمك أو تتحداهم. هل يكفي لتحقيق الفيلم أن أرغب في أن أفي بوعدي لشخص
مثل عاصم توفيق أعرفه جيداً؟ ثم من غير المعقول أن يكون هو كذلك لا يفهم
مني شيء؟ فقررت انجاز الفيلم حتى وان لم يعجبهم.
·
كل الأفلام المصرية تقول ذات الشيء عن
المواطن المصري. شخصياً، فان وجدت علاقة بين «خرج ولم يعد» وهذا الفيلم،
فاني لا أرى ذات العلاقة بين «سوبرماركت» و«عودة مواطن».
- ان الأفلام الثلاثة، فعلياً ينتقدون بسخرية الحياة التي نعيشها اليوم.
هذا هو القاسم المشترك بينهما... «عودة مواطن» يتطرق إلى الطبقة المتوسطة
ويحللها لفترة السنين العشر في مصر، «سوبرماركت» يوجز هذه السنين العشر
وتأثيرها على كل عناصر الحياة من الحرامي إلى الشريف «إلى البتاع ده»...
الشخصيات رغماً عنها تجد نفسها مدفوعة في طريق هي ترفضها... «خرج ولم يعد»
هو مثل المقبلات، حينما كنت أصور الفيلم، كنت أفكر في الشيكولاتة. المواطن
المطعون داخل المدينة ويحاول أن يخرج منها وهي تلاحقه. فمثلاً استعمالي
لموسيقى أحمد عدوية كان استعمالاً باطنياً في فيلم «خرج ولم يعد» ومعناها،
سأرجع لك يا أحمد يا عدوية. ان قفلة «سوبرماركت» ستكون بنوع موسيقى أهبط..
حتى أحمد عدوية اليوم أصبح «كلاسيك» هناك عملية نزول إلى الهاوية... هل
النزول في الموسيقى فقط؟ ان كل شيء يقع في هذا البلد.
·
كيف أتت فكرة الفيلم؟
- «ياه، دي جت زمان قوي» طلب مني أحدهم أن أنجز له فيلماً للتلفزة. فكتب
موضوعاً عنوانه «الهروب إلى الجنة» وبدأت بفكرة رمزي هذا... وكنت قبل ذلك
كتبت ذات الموضوع بطلب من زميل لي هو طارق زغلول وهو إنسان كسول وذكي جداً
جداً.. الآن هو يعمل في أميركا... حاولت أن أجعل منه مساعداً لي في بعض
الأفلام... فرفض. فكتبت له موضوع رمزي... وكان الاسم مطابقاً لشخصه لحد
اننا كنا نسميه برمزي. ثم حينما فكرت في التلفزة غيرت قليلاً في الموضوع،
فيبدأ رمزي وقد وجد محفظة فيها مبلغ كبير من المال... ولكن ماذا سيفعل بهذا
المبلغ؟ فتطورت الفكرة وأخذت مغزى ثانياً.. فمثلاً، رفض عاصم فكرة المحفظة.
ثم قبلها حينما وجد أنه بإمكانه تصوير مجتمعنا من خلال هذه الحالة... في
موضوع المحفظة، قال لي عاصم أنا لست متفقاً معك ولكن سأضعها في الأحداث
وعليك أنت أن تتصرف وتجد لك المخرج من «الورطة». ستوضع المحفظة عند رمزي في
الأول ثم تسرق بعد ذلك، لماذا بينهما، فعليك أنت أن تجد الحلول الدرامية.
كانت مشكلة بالنسبة إلي ألا أكون «توماتش» (ظاهر) ولا «توليتل» (خفي)...
·
شخصية رمزي شخصية انسان يحب الموسيقى
ولكن ليست أية موسيقى. انه يحب العزف على البيانو والموسيقى الكلاسيكية.
ونحن نعرف أن هذا النوع من الموسيقى وهذه الآلة الموسيقية ليستا من بيئة
المواطن العادي. ألا تخشى بأن دراما رمزي القائمة على فقدانه الموسيقى أمام
حضور الصخب، ستفقد هذه الدراما قيمتها لأن المواطن لا يعرف مثلاً «كارل
أورف» وقد يكون لا يعرف بتهوفن كذلك...
- أريد أن أؤكد أن رمزي هو من خريجي «الكونسرفاتوار» وزوجته من خريجات
«الباليه»... اننا نجده في الفيلم يعمل في «بار». يعزف الموسيقى في حين أن
المستمعين يسكرون، يعزف ذلك لأكل العيش وزوجته تطالبه بأكثر من ذلك. ان
يذهب للعزف في الأعراس والحفلات الشعبية... في أول الفيلم يقول البطل: «هي
تحية من أول الفاشلين إلى أول الناجحين». قد أكون أنا ذلك الفاشل الذي ليس
لأفلامه الجمهور العريض جداً جداً... فجمهورنا معدود إلى حد ما. قد تكون
هذه الجملة تعليقاً على السينما التي أنا أعملها... لقد أخذت الجملة من نص
لعاصم لخص فيه الفيلم... فآخر جملة كتبها في الملخص: «وبدأ رمزي يعزف تحية
من أحد الفاشلين إلى كل الناجحين». فأعجبت بالجملة وبدأت بهذا الفيلم.
الموسيقى الكلاسيكية نوع صعب ولكن سيكون متنوعاً في الفيلم... انني لا
أعتقد بأن رمزي هو فنان موسيقي بأتم معنى الكلمة... يستمع للموسيقى
الكلاسيكية ويؤلف المقطوعات. هدفه في الحياة العزف على البيانو في أحد
البارات حتى يدفع ايجار المنزل وحتى لا تعمل زوجته راقصة في الفنادق
للسائحين والأثرياء العرب... فأصبح البيانو مهنة بالنسبة إليه ككل المهن.
وكل هذا لا يعني أنه لم يترب على الموسيقى وأن هذه الأخيرة لم تكن لها
مكانة في صباه وحياته.
·
عندنا من جهة رمزي وزوجته وشقيقتها ومن
جهة أخرى أميرة وابنتها ووالدها. ما أراه هو إنك استعملت المساحة الخارجية
عند انتقال رمزي إلى السكن بالقرب من أميرة مع أنه في القسم الأول كانت كل
المشاهد داخلية ومنغلقة...
- إني أتحرك مع رمزي، فهو همزة الوصل التي تقودني من مكان إلى آخر... من
جهة هناك تطوير ومعالجة للأحداث ومن جهة هناك مراقبة للأحداث. من ضمن
الأشياء التي وقفت في وجهي معرقلة كل عملي هناك الافتقار لقصة حب. البطل
عليه أن يحب البطلة، هنا، لا توجد قصة الحب هذه. ما أقدمه هو علاقة صداقة،
وهو ما يقوله رمزي لابنة أميرة. لقد كتبت هذا الحوار قبل الفيلم وكنت أود
أن أقوله في فيلم ما... «تقول الصبية: تحيا الصداقة، فيجيب رمزي: يلعن أبو
الزواج» المساحة بالنسبة إلى تعبر كذلك عن جوانية الشخصية ومنزلتها
الاجتماعية. حينما يعود رمزي إلى منزله ويريد مواقعة زوجته التي تتمنع،
جعلتهما منزويين قريباً من ركن الغرفة.. هذا شيء موجود في كل أفلامي.
فمثلاً في «زوجة رجل مهم» كنت أتصور شقة هذا الرجل المهم مثل المقبرة فجعلت
زوجته تموت اختناقاً في هذه المقبرة... عدة عناصر تدخلت في تصوري لمساحة
سوبرماركت. اختيار المكان هو الذي يفرض عليك سلوكك كمخرج أمام الشخصيات.
فكنت بالنسبة لهذا الفيلم أبحث عن شقتين تطلان على بعضهما البعض. كنت أرفض
الصيغة التقليدية حيث الشباك يطل على الشباك كما نرى ذلك في ميلانو
وبالرمو. فكان من الصعب أن أقنع بعض السكان حتى يخلوا لي بيوتهم... فوجدت
المنزلين.. ثم وجدت مشكلة البيانو. كيف لي ببيانو أن يدخل تلك المنازل ذات
الأبواب والنوافذ الضيقة. فوجدت رجلاً في نفس الحي لديه بيانو وعملنا كل
جهدنا لإدخاله. ثم أن منزل الأم التي بعثت بابنها للكونسرفاتوار يختلف عن
شقة أميرة، المرأة المطلقة. فكانت هناك بعض الاكسسوارات التي تميز بين
الشقتين. العمارات القديمة ذات السقف العالي ساهمت في تحريك كامرتي خلافاً
عما صورته حينما كان رمزي يعيش مع زوجته عند اختها في عمارة "مودرن" مثل
الصناديق...
·
عنوان الفيلم هو «سوبرماركت» وأميرة
تعمل في «سوبرماركت».. إلا أننا لم نر السوبرماركت بصفة تجعلنا نشعر بأننا
في محل لعرض أكبر كمية من البضائع حتى يصبح الإنسان بضاعة بينها...
- ان وجود أميرة في السوبرماركت هو في الحقيقة «وصلات» كما هو معروف في
الموسيقى العربية... فالآن تأخذك من مستوى وتذهب بك إلى مستوى آخر... وفي
النسخة التي عرضت لك ولبعض الأصدقاء هناك بعض الأخطاء التي سألغيها...
فمثلاً تقول في مشهد ما: «صباح الخير» في حين عليها أن تقول «مساء الخير»
ذلك أن أميرة لا تعمل في السوبرماركت إلا بعد الظهر. كمكان للتصوير لم يكن
السوبرماركت هو الأساس في أحداث الفيلم. انه مكان مجرد جعل حتى يلتقي بها
فيه زوجها الذي عاد من الكويت أو يأتي للقائها عادل أدهم الطبيب ورجل
الأعمال الثري. لذا، لم يكن همي الأول تصوير الزحمة والبضائع وإلى غير ذلك
مما يتسم به السوبرماركت.
·
حينما أحببت «أحلام هند وكاميليا» فذلك
لأنه يتضمن مما يتضمن عليه، على عنصر السرعة الموجود في القاهرة وفي جل
المدن العربية. الإيقاع الموجود في «سوبرماركت» إيقاع بطيء ما عدا بعض
المشاهد الخارجية حيث نرى القاهرة وازدحامها...
- هل شعرت بأن الفيلم ليس سريعاً؟ ان أحلام هند وكاميليا كتركيبة سيناريو
مختلف عن «سوبرماركت». الأحداث ليست سريعة بقدر ما كانت تعاني من الإيقاع
السريع أما في سوبرماركت فسرعة التطور هي في مواقف محددة... هذا الفيلم هو
أكثر كلاسيكية من «أحلام هند وكاميليا». وحينما ستشاهد الفيلم كاملاً
بموسيقاه، فإنها ستساهم في قطعات الفيلم وتشعرك بالإيقاع السريع. فمثلاً
حينما تقول الأم: «عم عبده مات، تعالى» فتضيف لها: «دم دم دم دم»... وقد
تبدأ الموسيقى على وجه رمزي... الموسيقى ستساعد مرئياً وستشعر بتدفق أحداث
الفيلم. وقد أقوم لذلك في فيلمي المقبل «فارس المدينة» الذي أود أن ألمس
فيه ليس فقط وتراً حساساً، لكن سرعة الحياة وزيادتها ثم العنف المدفون تحت
قشرة الطيبة...
·
من بين المخرجين الشباب العرب أعتبرك
الأفضل في التعبير عن الحياة المعاصرة والسرعة الحضرية القائمة عليها. سواء
في «طائر على الطريق» أو «الحريف» أو «أحلام هند وكاميليا» حيث نرى أن
الحياة العربية المعاصرة حياة هجينة لا تنطوي على القواعد ولا على
القانون... هي ادغال حضرية...
- هناك في السينما العربية مشكلة مع تعبير «الإيقاع» (الريتم). اننا ورثنا
هذه الإيقاع عن الأميركيين... والنقد العربي يتكلم على الإيقاع السريع
والايقاع البطيء... وهذه مفارقة ساذجة. اليابانيون تغلبوا على هذا المفهوم،
فوجدوا لغة سينمائية يابانية... أما نحن فإننا لم نجد بعد لغتنا السينمائية
العربية. لقد واجهت هذه المشكلة بعد أن عملت فيلم المالديف. لم أكن أفهم
اللغة. فحينما مثلاً كنت أقول للممثلة: لقد توفي والدك. كانت لا تبدي شيئاً
على تقاطيع وجهها لأن ثقافتهم تمنع عليها اظهار عواطفها... وهذه العواطف
جوانية... ليس بإمكاني استعمال البطيء الحضاري العربي في مدينة مثل
القاهرة... هناك عوامل حضارية معاصرة حطمت المواطن وسلبته شخصيته الأساسية.
التدفق موجود في القاهرة إلا أن هناك عوامل تحد منها... مثل ازدحام
السيارات، البيروقراطية والظروف غير المنظمة. كل هذا يجعل نوعاً من الغليان
الاجتماعي ويترك التعبير تعبيراً تحتياً جوانياً، داخلياً، غير مرئي...
أريد أن أضع إصبعي في فيلمي المقبل على هذا الموضوع بالذات: الغليان من حول
فارس. لا يمكن لي أن أصنع فيلم «سائق التاكسي» الأميركي في القاهرة ولو حدث
سيكون بارداً وسطحياً. لقد تمكن سكورسيزي من استخراج العنف الأميركي
النيويوركي وأنا أود أن أستخرج العنف القاهري. أنك تعرف ما هي «نسخة العمل»
فأنا حينما أشاهد الفيلم، كنت أستمع إلى الموسيقى وصوت الفرامل ودوشة
القاهرة في العديد من مشاهد فيلم «سوبرماركت»... ان صوت المدينة أساسي
بالنسبة لي في هذا الفيلم كما لاحظته في «أحلام هند وكاميليا"...
·
نأتي الآن إلى مسألة المحفظة التي
عرضنا لها منذ حين. هذه المحفظة لها وجود مشوق في الفيلم ومؤثر على
الجمهور... إلا أنها لا تؤثر على أحداث الفيلم... هل هي «فهلوة» من طرفك أم
ماذا؟
- انها ليست «فهلوة»... انها تعليق ساخر. هذا المبلغ الكبير الموجود لديه
طيلة فترة طويلة وهو لا يدري به.. انها مسألة عبثية وحينما يكتشف الأمر
يقول رمزي للطفل النشال: «من بين 15 مليون في القاهرة لم تجد من تسرق إلا
أنا»... ما كان يعجبني في الأمر هو أن هذه المحفظة هي هدية لرمزي في عيد
ميلاده دون أن يدري... قد لا تكون لها علاقة بأحداث الفيلم ولكنها في
الحقيقة لها علاقة بجوهر الفيلم وفلسفته... ثم أنه من غير الضروري أن كل
شيء يكون موظفاً في الفيلم... كل التعامل مع «الشنطة» والذي شاهدته في
الفيلم لم يكن موجوداً في السيناريو، ثم أنا شخصياً أستظرف مثل هذه الأشياء
الصغيرة... انها «نكشة»... عادل أدهم يقول له: حتى تكون غنياً عليك أن
تستسلم لضربة حظ أو تدبج فوازير رمضان أو تجد محفظة مليئة بالدولارات...
انها إمكانات متعددة... والجمهور يعرف أن رمزي لديه محفظة في المنزل مليئة
بالدولارات. رمزي شخصية منحوسة، وحتى لا يتفطن رمزي إلى وجود المحفظة، جعلت
الأم هي التي تنظم أمتعته حينما ترك رمزي زوجته وذهب للسكن بجانبها. ان
رمزي لم يتفطن كذلك لوجود المحفظة لأنها موضوعة قريباً من بتهوفن...
وبتهوفن هو الذي يسلب رؤيته.
·
أرى في أفلامك أن للأكل أهمية كبيرة...
نجد بكثرة في «خرج ولم يعد» أو في «الحريف» وحتى في «أحلام هند وكاميليا»
فهو موجود كذلك في «زوجة رجل مهم»... وفي «سوبرماركت» فهو يعيد ربط العلاقة
بين رمزي ووالدته...
- لقد كنت معي حينما ذكر أحمد زكي حادثة «الثلاجة» وكيف أنه قبل أن يكون
ممثلاً كان يفتح الثلاجة ويأكل مما هو موجود فيها دون أن يخرجه من الثلاجة
ودون حتى أن يستعمل نور الغرفة التي يعيش فيها... وهذا ستجده مرة في فيلم
من أفلامي القادمة. إني لا أحب الأفلام التي تتجاهل الأكل... الجزء الأساسي
من حياتها تقضيه في الأكل... إنك تعرف البيوت الشرقية أول ما تدخل منزلاً
من هذه المنازل تسأل: هل أنت جوعان؟ هل أكلت؟ هل تريد أن تأكل؟ وهذا شيء
طبيعي. انه جزء أساسي من ثقافتنا وحضارتنا العربية الشرقية. خلافاً عن
شابرول حيث الأكل هو فن، في أفلامي الأكل، ما عدا كونه وظيفة طبيعية، هو
دواء ضد الجوع... هناك مشهد لم أنجزه في «مشوار عمر» وقد رأيته في منزل
مديحة كامل وهي تغرس أصابعها في «البطيخة». ولكني نسيت إنجازه في اللحظات
الأخيرة... رأيت مديحة كامل تغرس أظافرها في البطيخة وتقتلع القلب وهو
يتماشى مع شخصية المومس في «مشوار عمر»... وأود أن أنجز مشهداً يعصر فيه
الليمون... فأما تعصره بأسنانك، أو بيدك أو بغير ذلك مثل الشوكة... وأنا
شخصياً أحب الأكل للأكل...
·
نأتي الآن إلى أميرة المرأة التائهة
والتي حتى تضمن لابنتها حياة الرفاهية، تندمج في حياة الطبيب «البرنسي»
وتتخلى عن القيم النبيلة التي يدافع عنها رمزي... أليس هذا السقوط
أخلاقياً؟
- انها تقوم بأي شيء في آخر المطاف حتى تحافظ على ابنتها وحتى لا تذهب هذه
الأخيرة للعيش مع والدها وزوجته، ثم هناك معلومة لفظية تقول بأن والد أميرة
قد توفي.
لو لاحظت لوجدت في هذا الفيلم ان هناك توعاً خفيفاً من «السخرية» بجانب
المأساة... أميرة في المشهد الأخير تمشى وتعرج لأن حذاءها انكسر... ثم
زوجها السابق وزوجته يقرأون نفس الكتاب... إني أزرع أشياء ومشاهد صغيرة ضمن
الدراما حتى أخفق على الجمهور... وذلك للحصول على الابتسامة. كنت في الأول
في ذلك المشهد أريد تمزيق تنورة أميرة المصنوعة من «التريكو» ولما لم يكن
ذلك ممكناً، جعلت من الحذاء البديل الموضوعي للتنورة...
·
لقد تكلمت كثيراً عن فيلمك المقبل
«فارس المدينة» ما هي أحداثه؟
- فارس في الفيلم مشابه لفارس القديم ولرمزي والحريف و..و..و... رجل له من
العمر أربعون سنة، حياته الاجتماعية والمادية موفقة ولكن خلال 24 ساعة عليه
أن يجمع كل الفلوس الموزعة في السوق وعند الأصدقاء حتى يدفع ديونه. وغير
ذلك، يذهب في رحلة بين شوارع القاهرة... يلتقي بالناس، بابنه، بزوجته
الطالق، بأصدقائه ويعيش تجربة عمره في يوم واحد... هذا هو الفيلم المقبل ان
شاء الله.