خلال رحلة بحثه الطويلة عن كمال جنبلاط حين كان يحضر لعمل فني عنه اكتشف السينمائي اللبناني سمير حبشي بين اوراقه القديمة اسم امرأة شغل حقبة مهمة في تاريخ لبنان الحديث من دون ان يلقى عليه الضوء مع مرور السنين: نظيرة جنبلاط او "سيدة القصر" اسم يحمل الف حكاية وحكاية... حكايات حاول سمير حبشي نبشها من جديد بعد ان طواها الزمن, والإضاءة عليها, فكان ان ابصر النور فيلمه الجديد "سيدة القصر" الذي يُعرض قريباً في بيروت بعد ان شارك اخيراً في مهرجان Fipa في فرنسا. فماذا عن هذا العمل الذي يندرج اصلاً في سلسلة افلام عن نساء عربيات متميزات كانت ماريان خوري حققت بعضها... كما يواصل جان شمعون المسيرة في فيلمه الجديد عن نساء اسيرات كن في قبضة الإسرائيليين ومعاونيهم؟ فيلم سمير حبشي "سيدة القصر", فيلم وثائقي يعود بنا الى حقبة ماضية فيروي حكاية سيدة من الرائدات في العالم العربي ولعله "حجة للإضاءة على تاريخ لبنان منذ الإمارة والشهابيين والمتصرفية والانتداب الفرنسي وصولاً الى يومنا هذا", يقول حبشي ويتابع: "لآل جنبلاط احتكاك واضح مع تاريخ لبنان في كل مراحله... احياناً يزدهر دورهم السياسي وأحياناً يتراجع, إلا انهم دائماً موجودون... ونظيرة جنبلاط احداهم. اما الغريب في الأمر فغياب الأرشيف الكافي عن هذه السيدة, اذ حينما بدأت عملية البحث لم اجد الا عدداً قليلاً من صورها, ثلاث أو أربع صور لا غير, الأمر الذي جعله عملاً وثائقياً درامياً. كيف ذلك؟ "عندما وجدت نفسي امام شح في الأرشيف, يقول حبشي, صنعت أرشيفاً خاصاً بي في الفيلم, ارشيفاً يتعذر على المشاهد ان يشكك او ان يتساءل ما اذا كان فعلاً ارشيف الست نظيرة ام لا. وبذلك ستشاهدونها طوال الفيلم تروح وتجيء لاستقبال الضيوف, تتمشى في الباحة, تجلس... ترونها وهي في الواقع غير موجودة. اعدت تركيب المشاهد كما رأيتها بعد ان رسمت صورة لها في رأسي من خلال المقابلات التي قمت بها مع اشخاص عاصروها او عرفوها عن قرب. علماً انني لا احب المقابلات اصلاً, فأنا آتٍ من السينما الروائية والمقابلات لا تستهويني. من جهة ثانية, لم تكن المشاهد مشغولة في شكل تمثيلي, اذ ان الهدف هو ان تظهر كأنها مواد ارشيفية من سنة 1900, من هنا خرجت الصور معتّقة احياناً, ومجروحة احياناً اخرى...". كارت بلانش وكما ذكرنا, "سيدة القصر" مشروع فيلم ضمن 12 فيلماً آخر عن رائدات العالم العربي ضمن سلسلة "هن" "لأفلام مصر العالمية: يوسف شاهين", هو شراكة مع محطة LBC صاحبة الحقوق في الشرق الأوسط وكيف ولد التعاون مع "افلام مصر العالمية يوسف شاهين"؟ في اطار سلسلة "هن" عن رائدات من العالم العربي يجيب حبشي: "طلب مني القيام بعمل عن رائدة لبنانية من القرن العشرين وعلى الفور عرفت انها ستكون نظيرة جنبلاط". والسؤال: الى اي مدى كان لسمير حبشي الحرية في رسم الصورة التي رآها وماذا عن الاعتراضات التي سجلتها العائلة؟ ابداً, لم اعانِ اي تدخل على الإطلاق. حتى انني حينما طلبت من النائب وليد جنبلاط (حفيد نظيرة جنبلاط) ان يشاهد النتيجة قبل عرض الفيلم فكان جوابه: نشاهده مع الجمهور في حينه. وفي الحقيقة لم أتعجب لجوابه هذا, فوليد جنبلاط انسان ذو ثقافة عالية ويحترم الفن في شكل كبير. في بداية العمل طلبنا اذنه وكان متعاوناً جداً كما ساعدنا في الكثير من الأمور. اليوم لا يعرف ما يحتوي الفيلم ولا يعرف السيناريو... فقط يعرف اننا نقوم بعمل عن نظيرة جنبلاط وكنا قد استعملنا منزله في المختارة لمدة اسبوع من دون اي اعتراض". لا عيب في التلفزة ويعدّ "سيدة القصر" احدث اعمال سمير حبشي بعد اعمال مميزة قام بها للسينما والتلفزيون, ابرزها في السينما فيلمه الروائي الطويل الأول "الإعصار" الذي نال جوائز عدة وشارك في عدد من المهرجانات من دون ان يعيد صاحبه الكرَّة, لينساق الى عالم آخر, علم التلفزيون بكل سلبياته وإيجابياته. فأخرج عدداً من المسلسلات نذكر منها: "من احلى بيوت راس بيروت", "بنت الحي", "لمحة حب", "بواشير"... فماذا عن الاتجاه الى التلفزيون؟ يجيب حبشي قائلاً: وما العيب في ذلك؟ العصر اليوم هو عصر التلفزيون, ولا أدري اين المشكلة اذ ان التلفزيون رفيق السينما تستعين به ويستعين بها, اضافة الى ان السوق والظرف والمكان والزمان حيث نعيش... تحتّم عليك ان تمارسي مهنتك في التلفزيون افضل". ويتابع قائلاً: "للتلفزيون جمهور ونحن موجودون في بلد متخلف سينمائياً تغيب عنه الصناعة السينمائية الدائمة التي نحلم في ان تتحقق يوماً ما. إلا ان الواقع مغاير تماماً. ولنسلم بالأمر, نحن اليوم في بلد من بلدان العالم الثالث ومن المستبعد ان نصل الى ما نريد طالما ان لبنان نفسه ليس وطناً كما نريده. من هنا لن تكون هناك سينما كما نشتهيها, لن يكون هناك حتى تلفزيون كما نطمح إليه". ويردّ حبشي ازمة السينما في لبنان الى التخلف السياسي والتدهور الاقتصادي الذي نعيشه ويقول: "اكبر كذبة هي ان تقولي ان مشكلة السينما اللبنانية في غياب الإنتاج, اذ في رأيي المشكلة الأساسية تكمن في الارتباط الجدلي بين الفن في شكل عام وسائر الظواهر الاجتماعية. إذ لا يمكنك ان تكوني متطورة فنياً واقتصاد بلدك رشوة وفوضى وفساد. فالسينما بنت بيئتها وهي ما لا شك فيه مرآة تعكس الواقع بكل تعقيداته". كذبة الفن للفن ويرى حبشي في ثورة المعلوماتية خدمة للسينمائيي لتحقيق ما يطمحون إليه ويقول: "السينما في رأيي وسيلة تعبير, ومن هنا فإن المهم هو ما تريدين قوله لا الوسيلة التي تستخدمينها. من هنا ما الفارق ان استخدمت 35 ملم او كاميرا ديجيتال إن كنت في كلتا الحالين توصلين الرسالة التي تريدينها؟ مهما يكن من امر الديجيتال سهّل اموراً كثيرة وحالياً هناك كاميرا HD التي تعد بالكثير وفي النهاية لا ندري الى اين ستودي بنا ثورة المعلوماتية". ويقف حبشي عند "هرطقات السينما" فيقول: "إن لم تكن السينما وسيلة تعبير تصبح هرطقة لا اكثر. من هنا لست مع فيلم التسلية ولا مع فيلم الفن للفن, اذ ان هدفي الجمع بين الاثنين وهذا ما فعلته سابقاً في "الإعصار" الذي نال رضا الجمهور والنقاد معاً, وحالياً أسعى الى خطوة من هذا النوع في الفيلم المقبل". والسؤال: ماذا عن "مشوار" وهل يعتبره صاحبه "دعسة" ناقصة في مسيرته الفنية؟ "ابداً, "مشوار" فيلم تجاري قدّم للجمهور العريض الذي تجاوب معه بقوة. وفي النهاية المهم هو ان تمارسي مهنتك بانتظام وإلا يأكلك الصدأ". ويختتم كلامه قائلاً: "صحيح في لبنان هناك مشكلات عدة لكن الأهم ان الناس فيه لا يملّون خصوصاً كل من يعتبره وطناً نهائياً وأنا واحد منهم. مهما يكن من امر انا اؤمن بلبنان الغد الذي ستنتج عنه سينما الغد وتذكري إن لم تتغير الأحوال لن يكون هناك اطلاقاً سينما ولو اعطيت مليارات الدولارات". فعلى ماذا الرهان؟ يجيب حبشي: "اراهن على الحتمية التاريخية وقوة الحق على الباطل, وفي الحقيقة إن لم تساهم السينما في الحلم في الوطن فهي لا تعود تهمني اطلاقاً. فأنا أؤمن بالسينما المنتمية بالانتماء الثقافي الذي يمدها عمراً ويجعلها تكون او لا تكون". جريدة الحياة في 11 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
سمير حبشي: لا تهمني السينما إذا لم تساهم في حلم الوطن فيكي حبيب |
|